أرَقدتون أُشر كوسا
أحبتي الغالين،، سلاماً عاطراً يضمخ فضاءاتكم الساحرة
أود عبر هذه الإتكاءة القصيرة التي نتفيئ في دوحها الظليل ونعيد شريط الذكريات،،
أن أتناول معكم قليلاً عن أسطورة الألي (الصفقة) في الأعراس. وبداية دعوني أيها الأحباب أعرج قليلاً وألقي الضوء على سر تسميتها بهذا الاسم وأحسب أن الاسم يراد به الإشارة إلى الحفنة أو الكلمة الانجليزية Handful أو Fistful وفي المكاييل النوبية يقولون فنتن كرج أو إدن ألي وهكذا والله أعلم والسواد الأعظم من أهل السودان يشتمل تراثهم الشعبي على هذه الصفقة بما فيها الأعراق غير العربية في شتى بقاع السودان ولكن ثمة سؤال بات يحيرني طويلاً منذ نعومة أظفاري وهو أن الكري (بكسر الكاف) الذي كانوا يؤدونه قديماً وهو أن (يكر) يردد الكري أحدهم ويتبعه الآخرون في وتيرة واحدة لا تتغير أبداً وكانت النسوة (إنجي شماليقو) اللائي يرقصن على إيقاع الكري كن يفضلنها كثيراً على الصفقة التقليدية التي تكون بمصاحبة الغناء وأنغام الطنبور لأن الكري كان يساعدهن كثيراً على متابعة الرقص على إيقاع متزن وريتم سليم وكانت تقنية الرقص آنئذ تعتمد على التناغم بين حركات القدم واليدين والقدلة (حركات الرقبة أو الجيد) في تزامن فريد وقليلاً ما كنا نجد أن الكري شائعاً ومنتشراً في قرى النوبة الجنوبية الأخرى حيث كانت تنحصر حدودها ضمن نطاق عمودية كوشة وعكاشة والله أعلم (هكذا يبدو لي الأمر وربما كنت مخطئاً في ذلك) واخالها قد غزت ديارنا من جهة الشمال الشمالي أي من النوبة المصرية تماماً كما أغاني الكلكية وأسمر اللونا وغيرها من الأغاني التي كانت ترد إلينا من هناك ولا أعلم على وجه اليقين إن كان الكري معروفاً لدى القرى الأخرى أم لا!
وكان الذي يقوم بترديد الكري يحظى بسيل من شبال الفرح من الحسان اللائي كن يرتدين الكلوش وقماش صوت المطر وأقراط القمر بوبا وقلادة الشف (بفتح الفاء) والسوماد (خرز كن يضعنها قديماً في أنوفهن "العرانين") والكرب السادة وغيرها من صرعات الموضة وخطوط الأزياء التي انتشرت حينئذ وقلبت كيان المغنين والعشاق.
فصدق ملك النوبة المتوج والأسطورة الخالدة مكي حين أنشد قائلاً:
قُرَندق نَلي ،،،، دلكون بلليل ووا نُوبا قُرَندق نَلي
أقرسن أُكا دُموسا
وقد تحدثنا عن الأرقد بقدر يسير لا يكاد يروي غليل الظامئ، دعوني الآن أتابع معكم زفة العريس إلى بيت العروسة بعد الاستمتاع بالألي (الصفقة) وأهازيج الفرح والزغرودة الأغرودة وشالبكا كَدنن. ويكون اهل العروسة في إنتظار زفة العريس وقد أعدوا الولائم والودة (بكسر الواو) التي تتألف من الأسلي (وهي البوشار ) أيPopcorn وقليل من حبات التمر ويتم تقديمها عادة في الأعراس احتفاءاً بالمدعوين وقد عبر عن ذلك الاحتفاء شاعرنا المخضرم والمبدع الفاتح شرف الدين حين أنشد في رائعته (سقني) :
"جقتق وداتجنتان" وهي أن توزع الفتاة ابتساماتها الساحرة. ونواصل المسير ونحن بحضرة هذا الجمع الغفير ومعية العريس الذي سيروه إلى العروس، وعند الوصول إلى وجهتنا بيت العروس يتقدم أحدهم ويخاطب وكيل العروس محيياَ : "السلام عليكم" ويرد الآخر:"عليكم السلام ورحمة الله وبركاته" ويردف الأول قائلاً:
:" العادة ، يا اهل العروس "!!
ويجيب وكيل العروس:
" محمد كبارن كُنن فنتيلتون فَقَتي تود عريسوننا"
وتتعالى أصوات الزغاريد والتباشير والهرج والمرج وإلى أن يجلس الحضور في بروش مزركشة أعدت خصيصاً لهذه المناسبة السعيدة ويأتي الصبية تباعاً بأناجر العشاء واطايب الطعام- والأناجر هي جمع أنجر والأنجر أنية نحاسية ذات نقوش جميلة في الحواشي وأحسب أن الحلبة هم الذين كانوا يجلبونه معهم ولا أدري لماذا كانوا يطلقون عليهم الحلب؟ فهم كانوا من الغجر الذين يمتهنون حرفة الحدادة وبيع الحمير اكرمكم الله. ويبلغ الليل مداه ويشتد الظلام ويكون الناس في نيام.
أترككم هنا لأستريح قليلاً من تعب المسير في زفة العريس
المفضلات