عشت طفولتي لا احلم كثيراً بيوم الغد لا اريد فقط ان ينتهي هذا اليوم لانني كان كل الذي يدور برأسي الصغير حينذاك ان هذا اليوم هو الاجمل , لم اكن اعرف ان هناك شئ اسمه مستقبل لم اكن اعلم انني ساكبر يوماً ما , كنت اعتقد ان الكبار ولدوا هكذا كباراً منذ ولادتهم و ان الصغار ولدوا ليكونوا صغاراً ينشرون البراءة و البهجة للكبار , خلقوا حتى يحملهم الكبار اينما ارادوا و يلبون طلباتهم كيفما كانت كنت فقط لا احلم ان اكون كبيرة مثلهم و كانني اخشى هذا المجهول ، و في اول يوم دراسي بكيت كثيراً لمفارقة ارجوحتي التي صادقتها منذ ولادتي بكيت كثيراً لانني اليوم سافارق حديقة المنزل التي طارحتني طفولتي و كانت كل ازهارها و طيورها تعشقني و اعشقها و بكيت بحرقة حينما رايت قطتي تموء بالم و كانها لا تريدني ان ارى عالماً آخر قد يكون مملؤ بالاسرار المؤلمة ، و عندما دخلت لبهو المدرسة اطمانيت قليلاً لوجود صغار مثلي ، و استمرت السنوات سريعاً و الفت تلك الحياة و تعودت على روتين الذهاب اليومي للمدرسة ، حتى كان اليوم الذي ساذهب لحمل شهادتي الثانوية حتى ارتقي درجة تعليمية اخرى و هي الثانوية العليا و حينما كان اول يوم دراسي و حينما كنت استعد للخروج و بدأت بلبس الذي الجديد فقط لاحظت حينها انني تغيرت كثيراً و ان حلمي القديم قد بدأ يتبدد شيئاً فشيئاً ، لم اكترث للامر كثيراً و دلفت اصطحب ابي للسيارة و عند باب منزلنا كانت هناك سيارة اخرى ترجل منها شخص في عمر ابي و اخبره بان الولد جاهز و كان هذا الولد هو ابنه الذي سيرافقنا رحلة الذهاب للمدرسة يومياً بحكم ان ابي يعمل قرب مدرستينا , القى علينا التحية و كانت اول تحية اسمعها باذن الفتاة لا اعلم لماذا فلم اسمع مثل تلك النبرات من كل اولاد اهلي الذين يذورونا باستمرار ، و استمرت الايام و تبدل حالي من رفضي لليوم القادم لشغفي و لهفتي لذاك اليوم الآتي و شوقي للرحلة القصيرة التي تجمعنا من و الى المدرسة بفتى الجيران الذي كان لا يعرف ملامحي للنقاب الذي كان يغطي وجهي ، و تاكدت من ذلك الامر عندما تجمعنا في حفل عام لاحدى الجهات الرسمية السودانية بالخارج كنت ابحث بنظري وجوه كل الحاضرين حتى رأيته ضمن الفتيان الذين تم اختيارهم باحدى لجان الحفل و حينها لم ادري كيف تخلصت من الرقابة المشددة حتى يراني دونما نقاب لا ادري لماذا حينها و لكن كنت اريد ان اريه وجهي فقط و كانت كل جوارحي ترتعش حينما وقفت امامه و سلمت عليه مرددة اسمه كاحلى نغمة انطقها و لكن سرعان ما تبدلت لهفتي لاحباط مؤقت حينما كان ينظر لي بدهشة و خجل ، فلم اتمالك نفسي من شدة الحياة و ركضت سريعاً من امامه ، و جلست في بهو انتظار السيدات ابكي بشده لماذا لم يعرفني لماذا لم تسره رؤيتي لماذا و لماذا ، و توالت السنوات و كنا نتلقي يومياً في تلك الرحلة التي كانت عزائي لرؤيته و عشقته و سكن كل حياتي حتى انني كنت لا انام ما لم ارى بتلصص نور نافذته عبر البلكونة ، حتى جاء اليوم الذي كانت تخشاه قطتي فقد اخبرتني ماما على انني يجب ان لا انام بعد العصر لان هنالك ضيوف سيأتون لزريتنا اليوم و هم من اصدقاء والدك و كانت المفجأة السعيدة المؤلمة انه كان رجل احلامي و اسرته اتوا لوداعنا لانهم قد انهوا فترتهم بتلك الدولة و سينتقلوا لدولة اخرى ، فما ان سمعت الخبر حتى تبدل حالي بذات اللحظة و سالت الدموع رغماً عني و هربت للحديقة بعد استئذانهم طبعاً فلحقني للحديقة ، وبادرني هل انت رفيقة السيارة ؟فقلت نعم فقال و الدموع تتساقط من عينيه عندما قابلتيني بالحفل دهشت كثيراً لرؤيتك فانا لم ارى وجهك من قبل و استبعدت ان تكون تلك الفتاة هي رفيقة السيارة و ليتني لم اراك ليتني احضر لذيارتكم فقد احببتك و انتي خلف النقاب و الآن ستقتليني عندما رأيتك دونه لماذا تلك الدنيا لا تستقر على حال لماذا كبرت حتى التقيه , هنا فقط علمت لماذا كنت اخشى ان اكبر.و كان اللقاء الاول و الاخير.
المفضلات