النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: نثـــــــــــار: ذاكرة النص:

     
  1. #1
    عضو مميز
    Array الصورة الرمزية أشرف السر
    تاريخ التسجيل
    Jan 2005
    الدولة
    مدني كلها
    المشاركات
    491

    نثـــــــــــار: ذاكرة النص:

    هي نصوص تقع بين يدي واحب ان تشاركوني فيها بمختلف مواضيعها وكتابها وجنسياتها وما تمثله من حياة اخرى باستطاعتنا التماهي مع حالاتها المتنوعة

    كل أمل يخالطه رجاء ان ترفدوني هنا بأي نص ترونه مميزاً ومدهشاً ، فتنوع المصادر هو ما يخلق الروعة..

    لكم خالص الود

    التعديل الأخير تم بواسطة أشرف السر ; 07-03-2006 الساعة 05:47 AM
    __________________________________

    من ترى يمنحنى طائراً يحملنى لمغاني وطنى
    عبر شمس الملح والريح العقيمْ
    لغة تسطعُ بالحبِّ القديمْ؟

  2.  
  3. #2
    عضو مميز
    Array الصورة الرمزية أشرف السر
    تاريخ التسجيل
    Jan 2005
    الدولة
    مدني كلها
    المشاركات
    491

    الرجل الذي اعتاد ضربي على رأسي بمظلته

    <o></o>

    الرجل الذي اعتاد ضربي على رأسيبمظلته



    قصة: فرناندو سورنتينو

    <!--[if !supportLineBreakNewLine]-->
    <!--[endif]-->
    <o></o>




    اعتادرجل غريب منذ خمس سنوات أن يضربني على رأسي بمظلته. لم يكن الأمر سهلا عليّ فيالبدء، أما الآن فقد اعتدت عليه كجزء من حياتي اليومية.

    بالرغم من أننيأصبحت أعرف هيئته، إلا أنني ما زلت أجهل اسمه، ولا يدلني عليه شيء سوى مظهرهالخارجي وملابسه الكئيبة التي تعيد إلى ذهني وجوم المعابد. أول مرة قابلته فيها كانذات صباح خانق في حديقة باليرمو حين كنت جالسا على مقعد خشبي أقرأ صحيفتي اليومية،حيث شعرت فجأة بشيء ما، رفعتُ رأسي لأرى الرجل الذي أتحدث عنه الآن يهوي عليّبمظلته، بثبات وبأعصاب هادئة.

    كان تصرفه كفيلا بأن يرفع الدماء إلى عروقيمن أول وهلة، فالتفت إليه حانقا وسألته: هل أنت مجنون؟ لم يعرني انتباها وكأنه أصم. اشتد غضبي بلا مبالاته فاستشطت غيظا وهددته بطلب الشرطة. لم يكن ليهمه شيء لا صراخيولا تهديدي بل ظل وبكل برود، مواصلا ضربي بمظلته البغيضة. لم أتمالك نفسي حتى وقفتأمامه ولطمته بكل ما أوتيت من قوة على أنفه. وقع الرجل أرضا وأصدر أنينا غير محتمل. نهض بصعوبة، وبدون أن ينطق بكلمة عاود ضربي فوق رأسي.
    حين رأيت الدماء تسيل منأنفه، أحسست بالأسف وندمت لتهوري بتسديد تلك الضربة المؤلمة له. قلبت الأمر جيداوتبين لي أن ضرباته لم تكن قاسية ولا قوية، بل خفيفة تهوي على رأسي بانتظام مدهش. كانت الضربات مزعجة جدا أشبه بذبابة جائعة تحوم بإصرار حول أنف أحد ما حتى تفقدهصوابه.

    قلت في نفسي: " لا بدّ أنه رجل مجنون ويجب أن اهرب "، تنقلت من مكانلآخر ومن شارع إلى شارع وهو يلاحقني بضرباته بهدوء غريب ودون أن يتفوّه بكلمة. قررتالركض، فأطلقت ساقيّ للريح ( معتقدا أن سرعتي لن تمكنه من اللحاق بي) وكانت مفاجأتيكبيرة حين انطلق خلفي كعاصفة هوجاء. إلا أنه لم يلبث أن جعل يلهث وينفخ تعبا حتىهيأ لي أن ساعته قد حانت، ترويت قليلا من أجله. التفت إليه وكانت نظراته باردة كماهي أول مرة لم يبد شاعرا بأني ترويت من أجله ولا معاتبا لي بسبب سرعتي بل استمرتضربات المظلة تهوي على رأسي. نسجت مشهدا بمخيلتي وهو أن أقوده إلى الشرطة وأن أقوللهم "هذا الرجل يضربني على رأسي بمظلته بشكل متواصل أثار إزعاجي ناهيك عن ألمي". ربما سينظر إلي رجل الشرطة مشتبِها بي وسيسألني عن أوراقي الشخصية وسيبدأ بتوجيهأسئلة محرجة لي، وربما ينتهي به الأمر إلى زجي بالسجن.

    رأيت أنه لا سبيلأمامي الآن إلا البيت . أخذتُ الباص رقم 67 فصعد خلفي وهو يضربني على رأسي بمظلته. احتميت بأول مقعد ووقف بجانبي تماما ممسكا الدرابزين بيده اليسرى، وبالأخرى ممسكاالمظلة مواصلا مهمته في ضربي على رأسي بلا كلل أو ملل. تبادل الركاب أول الأمرنظرات تساؤل وخوف كما استقرت عيني السائق علينا عبر مرآته الأمامية. شيئا فشيئا علتالهمهمات وتحولت رحلة الباص إلى نوبات ضحك صاخبة ومضجرة. امتلأت غضبا وسكنني خجلفاضح لم أتعرض له من قبل. ولسوء حظي لم يكن صخب الضحكات ليثنيه أو يشعره الذنب إنماكان أعمى وأصم عن كل ما حوله إلا مظلته ورأسي.
    نزلت من الباص - أقصد نزلنا منالباص - عند جسر باسيفيكو. مشينا بطول جادة سانتافي، كانت نظرات الناس من حولناتقتلني حرجا، فأينما اتجهنا يحدق الجميع نحونا بغباء، فهممت أن أنهرهم صارخا: " إلام تنظرون أيها الأغبياء؟". عدلت عن ذلك وبررت لهم فعلهم فحالتي سابقة ليس لهامثيل. لم أحتمل الأمر حين بدأ خمسة أو ستة أطفال بملاحقتنا مرددين: مجانين.. مجانين.

    قاربت الوصول للبيت وفكرة التخلص منه تنهش كل حواسي فخطرت ببالي خطةوهي أن أنزلق داخل البيت مغلقا الباب بسرعة حتى أسد عليه الطريق في أن يتبعنيللداخل، إلا أنه كان مستعدا لخطتي وكأنه على علم بما سأفعله حيث اندفع ورائي حاشراًجسده بيني وبين الباب ودخل رغما عني.

    منذ ذلك الوقت وحتى اليوم ما يزاليضربني على رأسي بمظلته.
    ولا أبالغ حين أقول أنني لم أره ينام أو يأكل. لا يهدأعن ضربي بمظلته بنشاط وتفان وكأنه خلق ليضربني. كان معي كظّلي يذهب أينما ذهبتويشاركني في كل أعمالي (إنما بوجود المظلة على رأسي فقط) حتى أحرج لحظاتي وأصعبهالم تسلم من وجوده. أتذكر أن نفحات مظلته التي كانت تهوي على رأسي تتركني يقظا طوالالليل، إلا أن نومي الآن بات بعيد المنال بدونها.

    أعترف أن علاقتنا لم تكنجيدة يوما، ولم يكن هناك سبيل لخلق علاقة بيننا. حاولت مرات كثيرة وفي أحوال مختلفةوبنبرات متعددة أن أساله عن سبب تصرفه هذا. ولم يجبن سوى الصمت. لذلك لم أدخر سبيلامن أجل إرغامه على النطق فضربته ولطمته ولكمته - أرجو من الله أن يسامحني - ورغمهذا لم يشتك ولم يقل كلمة واحدة. كان يستقبل ما يتلقاه مني بصبر وخنوع، وكأن مايحدث له جزء من عمله أو وظيفته. لديه إيمانا عميقا وإخلاصا عظيما بعمله وهذا أغربشيء في شخصيته، فلم يكن لينثني أو ليتعب من ضربي بهذا الشكل الآليّ. بالإضافة إلىحِلمه العجيب وتقبله للعنف الذي أوجهه له. باختصار، آمنت بأنه يؤدي مهمة سرية لامناص منها تنفيذا لأوامر سلطات عليا.
    وبغض النظر عن قلة احتياجاته المادية، إلاأنني على يقين بأنه مخلوق ضعيف جسديا فهو يتألم حين أضربه ويستشعر الأذى الموجه له. أعلم أنه غير خالد وأعلم مدى قدرتي على التخلص منه بطلقة رصاصة واحدة. ما لم أكنأعلمه هو ما إذا كانت تلك الرصاصة ستقتلني أم تقتله. كما لم أكن متأكدا من أنه حيننموت نحن الاثنان هل سيستمر في ضربي على رأسي أم لا. شعرت بأن كل الأبواب مقفلة فيوجهي ولم أجرؤ يوما على رفع البندقية في وجهه وقتله.

    من جهة أخرى أصبحت لااستطع العيش بدون هذه الضربات، إنها الطاقة التي تمدني بوقود الاستمرار. التصاق هذاالرجل بي جعل فكرة فقده تساورني ليل نهار، وبأنني لن أنام إن لم يكن صوت نفحاتمظلته فوق رأسي، شعرت أني سأنتهي إن انتهى.

    <o>
    </o>

    التعديل الأخير تم بواسطة أشرف السر ; 07-03-2006 الساعة 05:57 AM
    __________________________________

    من ترى يمنحنى طائراً يحملنى لمغاني وطنى
    عبر شمس الملح والريح العقيمْ
    لغة تسطعُ بالحبِّ القديمْ؟

  4.  
  5. #3
    عضو مميز
    Array الصورة الرمزية أشرف السر
    تاريخ التسجيل
    Jan 2005
    الدولة
    مدني كلها
    المشاركات
    491

    التطور الطبيعي للحاجه الساقعة

    التطور الطبيعي للحاجه الساقعة !!!

    قصة :محمد قرنه


    لأنهم لم يكونوا مثلنا وإن تشابهوا معنا ، ولأن النسبية دائما هى السبيل لفهم كل الأشياء حين تدقق في نوعية من الذباب تعيش دورة حياتها كاملة ، تولد وتنمو وتتزوج وتتكاثر وتشيخ وتموت في يوم بشري واحد ، لذا كان طبيعيا جدا أن تكون سماؤهم خضراء هذه المرة ، وأن يكون الجو خانقا ذا لون في احمرار مستمر من حولهم ، ولأنه لابد لكل شئ من التغيير وعدم الثبوت على حال فكان لابد أن يسطع نور ما في سمائهم الخضراء تلك كإشارة إلى الصباح ، وعند غيابه يبدو الجو كئيبا مخنقا وإن كان مرهفو الحس منهم يعترفون بأن غياب هذا النور يخفف كثيرا من حدة الإحمرار الكئيب في الجو ويمنحهم الفرصة لمشاهدة اللون الأخضر الجميل لسمائهم كما يرونه ، في البدء كانت حياتهم بسيطة ، يتحركون بمنتهى الإنطلاق في الجو الأحمر الكثيف المائل إلى الإنسيالية إلى أن ظهر بعضهم وأخذوا يفرزون العديد والعديد من النظريات القانونية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية إلى آخر تلك العلوم التي لابد من وجودها مع أى تجمع مفكر ، يعترفون أن تلك العلوم آذتهم كثيرا ، كانوا يوما بعد يوم يزدادون تحديدا للخطوات والطرق والحدود حتى أنهم كانوا يشعرون أن تلك النظريات جعلتهم مثبتين في أمكانهم بأثقال من الجو الأحمر الخانق الكثيف ، حدّت كل تلك النظريات من الحركة المنسالة الأولى ، يعترفون أنهم وصلوا في تطورهم إلى درجات هائلة أغنتهم تماما عن الحاجة إلى الحركة ، وإن ظل هناك ذلك الشغف القديم بالحركة المنسالة القديمة ، وقد واجه ذلك الكيان المسمى المجتمع كل نوع من الخروج عن الحركة المحددة بدقة بأقصى العقوبات ، كادوا أن ينظموا كل شئ ، وإن بقى شئ واحد فقط يؤرقهم ، كانوا منذ البدء يختفي منهم العشرات ، لا يعرف أحد أين يذهبون ، فقط يكفون عن الحركة ويبدأون في التلاشي شيئا فشيئا في الجو الأحمر ، كانوا يدركون أنهم جميعا سوف يكفون عن الحركة يوما ما ويبدأون في التلاشي بدورهم كقرابين لهذا الجو الكثيف ، ظهر منهم بعض الذين أرجعوا ذلك لأمور خارجية تحدث خارج سمائهم الخضراء ، وادعى بعضهم أنه على اتصال خفي بتلك القوى الخارجية وكان هذا يعطي الكائن منهم منزلة وقيمة لا تقارن ، قدسوا هؤلاء المفكرين والمتصلين بالقوى الخارجية كثيرا ، وإن بقى سؤال يؤرقهم ، ماذا بعد التلاشي ؟! ما الذي يحدث بعد النصهار في الجو الأحر والغياب فيه ؟! لم يعد أحد ليخبرهم للأسف ، ولهذا أرهقهم السؤال كثيرا ، وذات يوم مشهود ، اهتزت سماؤهم الخضراء فجأة وخرج الجميع يرقبونها في هلع شديد ، وبينما هم ينظرون انشقت السماء ! لم تمنحهم دنياهم الفرصة لتدرس معاملهم أن ما حدث هو تسرب غاز سام يسمى الأوكسجين ! ولم يمهلهم القدر ليسمعوا ذلك البوق الرهيب الذي انطلق بعد أن انشقت السماء صائحا
    " بتلاتة جنيه ونص الواحدة يا بطييييييييييييييييييييييييييييييييييخ ! "

    التعديل الأخير تم بواسطة أشرف السر ; 07-03-2006 الساعة 05:57 AM
    __________________________________

    من ترى يمنحنى طائراً يحملنى لمغاني وطنى
    عبر شمس الملح والريح العقيمْ
    لغة تسطعُ بالحبِّ القديمْ؟

  6.  
  7. #4
    عضو مميز
    Array الصورة الرمزية أشرف السر
    تاريخ التسجيل
    Jan 2005
    الدولة
    مدني كلها
    المشاركات
    491

    الرجل الذي تزوج نفسه



    الرجل الذي تزوج نفسه



    قصة: تشارلي فِش






    لِمَ لا؟
    تغير مجرى حياتي في اللحظة التي نطق فيها صديقي القسّ ريفيريند زاتارجا بهاتين الكلمتين.


    كان حينها قد انتهى من محادثة هاتفية طويلة مع القسّ الفلمنكي، أبحرا خلالها في بعض فصول الكتاب المقدس. ومن جملة ما ناقشاه مسألة تحريم الزواج من الأخت، الخالة، العمة، الأم، أم الزوجة/الزوج، الابنة وحتى الحفيدة وأشار إلى أن الكتاب المقدس لا يحتوي على أي نص يحرّم زواج المرء بنفسه. وكأنه بهذا الكلام أصاب مربط الفرس فهذا تماما ما كان يدور في خلدي. وحين قلت له أن هذا هو ما أريده بالضبط. ختم حديثنا بكلمتين حاسمتين:
    لِمَ لا؟
    بالطبع، لم يرد في الكتاب المقدس أيضا تحريم زواج الشخص من أم جدته أو طاولته أو حتى من أسماك الزينة التي يقتنيها، ولهذا لم أتفاجأ يوما بقصة زواج القسّ الفلمنكي من كلبته الفرنسية المدللة. كما لن أتعجب من زواج أي شخص ببطانيته عرفانا بملازمتها له لأعوام. وعلى كلٍّ، فحالما تمكنت من إقناع القسّ ريفيريند بأن يسمح لي بالزواج من رجل أحلامي، بقيت مهمة إقناع الجهة الأصعب: أبي وأمي. ويمكنني القول أن إقناع أي شخص كافر باعتناق الدين الذي نشأنا عليه منذ ألفي عام، أسهل من إقناع والديّ البسيطين بفكرتي.

    في بادئ الأمر لم تكن الفكرة بالنسبة لأمي سوى مزحة، وقليل ِمن الناس مَن أخذني على محمل الجد، وفوق هذا فإن أكثر ما كان يهمني تصديق أمي لي حيث كانت تثير أسئلة غريبة دائما مثل: ما الحاجة للزواج، فأنت تستطيع العيش مع نفسك كما أنت؟ وأحيانا أخرى كانت أسئلتها ساخرة مثل: ما الذي سترتديه يوم الزواج؟

    إنما أكثر ما كان يؤسفني هي الحالة التي وصل إليها أبي. فبعد سنوات من زواجي بنفسي وجدت أن هذا الأمر قد قاده إلى الجنون، فأصبح يمضي أياما طويلة في كتابة مقالات لسلسلة واسعة من مجلات الأخبار وكتب الأرقام القياسية ونشرات الأخبار الفضائية، طالبا إياهم بالاعتراف به كأول من مارس الحب في الفضاء الخارجي. بدت مقالاته مقنعة لولا حقيقة أن أقرب مكان للفضاء ذهب إليه لا يتعدى أكبر زر في لوحة المفاتيح بحاسبه الآلي. وحين كان يسأل عن شريكه المزعوم كان يسكت برهة وبتأثير بالغ يتجه نحو سائله بعينين لامعتين ويجيب بصوت قوي وحاد: "مع نفسي".

    وللأسف أن أفضل أصدقائي الذين تمنيت تعاطفهم معي جعلوا مني أضحوكة. ربما كانوا متعاونين قليلا قبل الاحتفال بالزواج، إلا أنني أصبحت الجو الملطّف لأمسياتهم بعد ذلك. وأبسط دليل على ذلك، هدايا الزواج التافهة التي تلقيتها منهم حيث أهداني مجلات خليعة، والآخر قفازات حريرية، والثالث مرآة حائط. وكم كانت خيبتي عظيمة عندما كانوا يحاولون جهدهم ليكتموا ضحكاتهم والقسّ ريفيريند يتلو عليّ عهد الزواج: هل ستبقى زوج نفسك تعيش معك نفسك كشخص واحد ؟ هل ستحب نفسك وتريحها؟ هل سترعاها في السراء والضراء؟ وتخلص لها طوال عمرك؟

    وأقسم وقتها أن أحدهم تبوّل على نفسه من شدة الضحك.

    قضيت شهر العسل في لاس فيجاس، بعثرت فيه كل مدخراتي في المقامرة دون أن يكون هناك من يلومني على ذلك. أما ليلة زفافي فقد كانت في جناح رائع بأحد الفنادق الفخمة.

    كل ما كان يهمني هو أن يفهم الجميع قرار زواجي بنفسي، فلم يكن الأمر عبثا، فقد كانت لي أسبابي الخاصة لذلك. فباستثناء التخلص من الفوائد الضريبية (مع أن الجحيم بعينه كان عملية إقناع مفتش الضريبة بأنني زوج نفسي)، فقد فهمت سر الزواج وهو أن تنتمي إلى الشريك الذي تثق به. وبالنسبة لي، الشخص الذي طالما حلمت أن يكون معي في كل وقت، يقاسمني حياتي ويشاركني أدق أسراري دون أن يسخر. وللأسف فبالرغم من أن الحصول على الفتيات لم يكن يوما مشكلة، إلا أن حظي كان سيئا دائما. وتيقنت بعدها أن أفضل شريك لي هو أقرب إلي مما أتخيل.

    ومن كل هذا، كان الزواج أكبر نجاح في حياتي. فقّلما كنت أجادل زوجي وكنت المحاور الأفضل في كل المناقشات، وكنت المنتصر في حالات الجدال النادرة التي حدثت بيننا كشريكين، كما أن علاقتنا الحميمة كانت جيدة على أية صورة كانت. ما أزعجني بعض وسائل الإعلام الرخيصة وبعض الصحفيين الرخيصين الذين حاولوا الاستفادة من قصتي ومن هذا الاتحاد غير العادي.
    بالرغم من ذلك وجدت أن بعض المقالات مسلية وبعضها مضجر وتافه خاصة تلك التي لقبتني بالرجل أكثر غرورا في العالم أو بالنرجسي العظيم. أنا لست مجرد أنانيّ، أنا فقط خلقت لأسعد نفسي وزوجي.

    أما ما حدث لي حين أحسست فجأة برغبتي القوية في إنجاب طفل فقد فسّرته على أنه أمر فطري أو أنها مرحلة بديهية من مراحل الحياة يمر بها أي شخص. وحين راودتني فكرة الفناء قررت أن يكون لي خلف من بعدي. وبعد أن مرت أيام كثيرة قلبت فيها الأمر جيدا ووزنته من جميع جهاته السلبية والإيجابية، قررت أن انفصل عن زوجي والبدء في البحث عن زوجة تشاركني حياتي وأنجب منها. أخبرت صديقي ريفيريند بما وصلت إليه ولكنه قال لي بأنه لا يمكنني الطلاق هكذا بمجرد رغبتي في ذلك، فالقوانين تقضي بأن يكون لدي مبررات شرعية لذلك. ولم تكن الرغبة في إنجاب طفل على قائمة الأسباب المقبولة للطلاق وكما أوضح لي صديقي الأسباب الرئيسية لمنح الطلاق والتي من ضمنها أنه يجب أن أقضي سنة على الأقل منفصلا فيها عن زوجي وهذا مستحيل بدون عملية جراحية تكون معجزة، أو أن أبرهن بأن زوجي كان قاسيا في معاملته وانه يكيل لي الضربات من حين لآخر، أو يكون محكوما عليه بالسجن لمدة سنة. ما أصعبها من اختيارات، لم يكن بوسعي أن أضرب نفسي أو حتى أن أزج بنفسي في السجن لأحقق رغبتي في الطلاق. لم يبق لي سوى خيار واحد… هكذا فكرت، نعم. المعاشرة الزوجية، بما أنني إنسان طبيعي فلابد لي أن أمارس حقوقي الزوجية مع طرف آخر كامل كأي زوجين عاديين وطبيعيين. بهذه الفكرة استطعت أن أحل نفسي من قيود الزواج.

    نزعت خاتم الزواج على مضض. ثم بدأت بعدها رحلة البحث عن رفيقة، كان أصدقائي قساة عليّ حين علموا بالأمر فقد آلمتني تعليقاتهم حول طلاقي حيث قالوا بأنني خيرا فعلت لأن زوجي كان سيقودني للجنون، مع أن أمي أراحها الانفصال عن نفسي. أما أبي فقد قال لي وعلى وجهه حركة درامية وعينيه موجهتين نحوي: " نفسي ". أعتقد أنه كان يعيش في عالم آخر.

    توقعت أن البحث عن امرأة تقبل الزواج بي دون أن تكون على علم مسبق بما نشرته الصحف عني وبأنني كنت متزوجا، أمرا يتطلب بعض الوقت. إلا أنني لم أستمر طويلا حتى التقيت بفتاة ماليزية خالية من الجمال، ساذجة يسهل إغوائها. إلا إنها وللأسف لم تكن تعرف شيئا عما يمكن أن يثير رغباتي كرجل ولم ترضني فقد بدت عديمة الخبرة تماما، في حين أنني كنت وقتها رجلا طماعا أريد من يسعدني كرجل. وأعتقد أن الأمر لم يكن مناسبا لها أيضا.

    مرت أشهرا عديدة بعد انفصالي عن نفسي ذقت فيها وحدة قاسية، وعلى ما يبدو فقد كانت الكنيسة متحمسة لتنفيذ الطلاق وكأن زواجي غلطة كبرى أو ذنب يجب العدول عنها. ولكني في الوقت ذاته ارتحت من الأخصائي النفسي (المتخصص في مرض انفصام الشخصية) فقد توقف أخيرا عن إرسال بطاقات العمل الخاصة به التي كان يرسلها لي أسبوعيا.

    لقد أخذ مني الأمر زمنا طويلا حتى وجدت الزوجة المناسبة، والتي لم تكن تعلم أنها متزوجة من اثنين بوقت واحد. كانت المسألة مسألة وقت كي تنسى الصحف ووسائل الإعلام: "الرجل الذي تزوج نفسه". في ذلك الوقت سطرت تجربتي في الزواج من نفسي في كتاب وعنونته بذلك العنوان الصغير. وأعتقد أن سبب نجاح كتابي الذي نشرته في السنوات اللاحقة، الفصول التي ضمنتها تفاصيل حياتي الدقيقة حين كنت متزوجا نفسي: أهم الإيجابيات والسلبيات، وكيف تعاملت مع كل من سخر مني ومن زوجي. كما ضمنته بعض التفاصيل الدقيقة عن علاقتي الحميمة معه. كان الفضول ما يدفع الناس للتهافت على قراءة هذا الكتاب الذي يحوي بين طياته تفاصيل أغرب زواج على الإطلاق. وأفترض أنه سيجعلهم يفكرون ويتناوشون العديد من الأسئلة مثل" هل كان سهلا العيش معي؟" و "هل كنت مضطرا لذلك؟" سوف يتوقفون برهة وهم يبحثون عن شريكهم المناسب ويتساءلون عما إذا كان كل واحد فيهم قد حصل على الزوج المناسب.

    لم أسمع بعدها عن أي شخص قلدني وتزوج نفسه، مما يعني أن وسائل الإعلام فقدت حماسها لنشر القصة أو أن الكنيسة منعت ذلك من الحدوث مرة أخرى. كل ذلك صار ماض بالنسبة لي، فأنا الآن أعيش سعيدا مع زوجتي
    وطفلي الصغير في بيتنا الجميل. أنا سعيد الآن فالابتسامة لا تغادر وجهي. وهل تريدون أن تعلموا شيئا؟ إن أقرب جار لي هو القس الفلمنكي وزوجته الجميلة "الكلبة الفرنسية" ..ة






    __________________________________

    من ترى يمنحنى طائراً يحملنى لمغاني وطنى
    عبر شمس الملح والريح العقيمْ
    لغة تسطعُ بالحبِّ القديمْ؟

  8.  
  9. #5
    عضو مميز
    Array الصورة الرمزية أشرف السر
    تاريخ التسجيل
    Jan 2005
    الدولة
    مدني كلها
    المشاركات
    491

    العدّ حتى تسع جميلامات

    <o></o>
    العدّ حتى تسع جميلامات

    قصة : مارك باترسون

    <!--[if !supportLineBreakNewLine]-->
    <!--[endif]--><o></o>



    <o></o>




    أمشي وعيناي مثبتتان على الأرض بحثاً عن شقوق في الرصيف . الممشى الجانبي باهت ووعر ومع هذا فإن حذائي الرياضي الأبيض القذر يريحني . حتى الآن دستُ بقدمي اليسرى أربعة شقوق ، وأحاول الآن أن أجد أربعة أخرى لقدمي اليمنى . يجب أن أجد هذا العدد الموازي من الشقوق قبل أن أصل المستشفى . فجأةً ، زوج من أحذية دوك - مارتين استوقف طريقي . رفعت رأسي قليلا لأجد أمامي بنطلوناً أسود من نوع (الجينز) ممزقا من الركبة ، يعلوه حزام جلديّ محلول على قميص أزرق مكتوب عليه "شاطيء دايتونا" ومخطط طولياّ باللون الأصفر في واجهته . "عذرا" ، سمعتها من الرجل الأصلع الواقف أمامي وهو يبتعد عن طريقي . أتعجب لِمَ يضع نظارات شمسية في مثل هذا الجو الغائم كليا والذي بعث حولي نوعا من القتامة .

    بعد أن خَلت الطريق لي بدأت سيري من جديد ، وقررت تفادياً لأي تصادم آخر أن أرفع رأسي كل خمس خطوات للتحقق مِمَّ يمكن أن يعترضني . ما زلت استشعر تلك الشقوق الأربعة التي وطئتها قدمي اليسرى . لا بد وأن ذكرى قدمي وهي تدوس على هذه الشقوق قد استوطنت حذائي . ها أنا أمشي ، الخطوة الأولى ... الخطوة الثانية .... الخطوة الثالثة ، من المهم تواجد شقوق جديدة على الرصيف لقدمي اليمنى . الخطوة الرابعة ... الخطوة الخامسة ، نظري لأعلى . قدمي اليمنى تشعر بالفراغ وتتمنى لو أن شيئا ما يملؤها لتتعادل مع اليسرى .

    تنتهي المنصة هنا بمنحدر صغير على الممشى الجانبي ويطل على الرصيف بحوالي ستة إنشات لأسفل . رفعت رأسي وانتظرت خلوّ الشارع قبل محاولة عبوره . بعدما تفحّصَت عيناي أرجاء الطريق بأسرها أرسَلت لدماغي إشارة بأن الشارع واسعٌ بينما أقف ، ولكنه يضيق شيئا فشيئا على مدّ النظر حتى يختفي في نهاية الطريق . كما يمكنني أن أرى على الجادة المواجهة لائحة محل البقالة المصممة على شكل عين بومة حمراء كبيرة والتي تبدو في حجمها الآن ضعف المبنى السكني بالجادة الأخرى والذي يأتي على بعد عشر بنايات ، وأنا أعلم تماما أنه بطول خمسة طوابق على الأقل . قال لي أبي منذ زمن طويل أن أشكال أعيننا هي التي تجعلنا نرى الأشياء أصغر حجما كلما ابتعدنا ، تماما مثلما أرى الآن الشارع والمباني . كما أخبرني عن نظارات خاصة صُنِعت خصيصا لتصحيح هذا العجز في أعيننا ولكنه لم يتمكن من شراء واحدة لنا . وعندما سألته عن ذلك أخبرني بأنه سيحضر لنا واحدة بعد تسع جميلامات من الأسابيع . سألته : كم يطول هذا؟ قال بأنه وقت طويل ، فتسع جميلامات هي التكافؤ العددي للحرف ي ، إنه آخر عدد .

    خلا الشارع الآن من أي سيارة إلا من شاحنة خضراء صغيرة جدا بدت بحجم الكلب ، لم أعرها اهتماما وعبرت . يبدو رصيف الطريق الرئيسي أكثر كآبة من رصيف الممشى الجانبي . إلا أن شقا صغيرا يشبه قطعة معدنية لامعة اعترى انتباهي بجانب فتحة مجاري مغطاة بغطاء معدني صدئ . لذا ، عدّلت من مشيتي ليتسنى لقدمي اليمنى أن تطأه . خطوة واحدة فوق الشق وثلاث للانطلاق . أصبحت الآن على الممشى الجديد ، رفعت رأسي بسرعة لأتفحص أي شيء يمكنه أن يعيق طريقي ، ثم وثبت فوق ظل لائحة البومة الحمراء وأكملت طريقي . بدأ المبنى السكني يتضح لي شيئا فشيئا وأراه الآن أطول من ذي قبل ، ويمكنني أيضا أن أرى مقعدا خشبيا أخضر أمامه . يا إلهي ، لم الحظ الشق الجديد الذي وطئته قدمي اليسرى عرضا . أصبح العدد الآن خمسة إلى واحد لصالح القدم اليسرى . أعلم يا قدمي اليمنى ، أعلم ما تشعرين به الآن ولكن لا تقلقي ، أنا متأكد من وجود شقوق أخرى تجعل كل شيء متساويا قبل أن نصل للمستشفى .

    تتأرجح يداي على جانبي وأنا أمشي . أبي يقول أن هذا أمر طبيعي ، لأن الإنسان تطور عن الحصان وما زالت ذاكرته تحتضن طريقة المشي القديمة على الأربع . ويقول أيضا بأن اليدين تعتقدان أن تأرجحهما جزء من المشي ولذلك يجب أن نترك لهما مطلق الحرية في ذلك . لمست بجانب يدي اليسرى المتأرجحة عمود الكهرباء وأنا أعبره ، وبقي وقع الارتطام فيها . توقفت عن السير ، درت حول نفسي وعبرت العمود بحيث يكون على جهتي اليمنى محاولا أن أعيد نفس الحادث الذي وقع لليد الأخرى . لكنني أضعت مكان الارتطام ، ولمسته بظاهر يدي وليس بجانبها . لذا وقفت أمام العمود مباشرة . بداية قمت بلمس العمود البارد بظاهر يدي اليسرى متخلصا من انعدام المساواة البسيط . ثم لمسته بجانب يدي اليمنى في محاولة لإصلاح المشكلة الأصلية . يداي تساوتا في الأحداث الآن ، ويمكن لهما أن تبدآ السير من جديد . هناك شق نما عليه بعض العشب الأخضر عند قاعدة العمود . وقفت عليه مرتين بقدمي اليمنى ... أعلم أني غششت قليلا هنا ولكن لا بأس المهم الآن أن العدّ أصبح خمسة إلى ثلاثة لصالح اليسرى .

    أحيانا يصبح من الصعب الانتباه لكل النقاط . لهذا أحب وأنا أمشي أن أعتني بالمشاكل الصغيرة التي قد تواجهني مثل مشكلة عمود الكهرباء التي صادفتني الآن ، وذلك كي لا أضطر للدخول في مشاكل مستعصية من الصعب حلها . ولم أكن لأهتم للضربات أو لِما يصيب أعضاء جسدي حتى أخبرني أبي يوما أن كل شيء تتلقاه أجسادنا يجب أن يكون متساوياً في كل عضو . ففي مساء ذلك اليوم دخلت عليه غرفة المعيشة ووجدته واقفا مقابل الحائط بجانب المدفأة ينقره بطريقة تشبه الضرب على آلة البيانو ، وحين سألته لِمَ يفعل ذلك أجاب بأنه يحاول تعديل نظام حاسوب المنزل المركزي . لكني لم أرَ أية أزرار أو أي شيء آخر . قالت أمي التي كانت مستلقية على الأريكة ممسكة فوق بطنها بكأس فارغ : "قل له ماذا تفعل بالضبط؟" . رضخ لها قائلا : "اسمع تومي ، هناك الكثير من النحل تحت سريري ولكي أبعده عني وأتخلص من لسعاته وأنا نائم يجب أن أجعل كل شيء في جسمي متساوياً".

    "متساويا؟" سألته متعجبا . في تلك اللحظة أصدرت أمي همهمة وهي تتجه للمطبخ . أجابني : "نعم ، متساويا". واسترسل : "كما تعلم يا توم كيف يصادف أحيانا وأنت تمشي في الصالة مثلا أن تلمس إحدى يديك مكاناً ما في الجدار من غير قصد . لذا إن أردت ألا يلسعك النحل وأنت نائم فما عليك إلا أن تلمس الجدار بيدك الأخرى وبذا تتساوى أحداث يديك . يجب أن أذهب للنوم الآن ، ولكن لأني لم أتابع كل ما حدث لأصابعي اليوم ، عليّ الآن أن أجعل كل شيء متساويا". أشاح عني واستمر ينقر الجدار على نفس وتيرته الأولى .

    قلت له: " ولكن ليس هناك أي نحل تحت سريري يا أبي"

    رَدّ عليّ : " لأنك ما زلت في السادسة والنحل لا يأتي للناس إلا عندما يبلغون السابعة"

    عادت أمي للغرفة وصوت قطع الثلج يعلو وهي تتحرك في كأسها . قالت: "بحق الله يا أرنولد ما الذي تقوله؟" لم يجب أبي وإنما استمر في عمله لمساواة كل شيء . أخذت أمي جرعة من كأسها ، مسحت ذقنها واستلقت على الأريكة .

    سألتها: "هل هناك نحل تحت سريرك يا أمي" أغلقت أمي عينيها وتنهدت آخذة جرعة أخرى من كأسها ، ثم أزاحت رأسها قليلا عن مسند الأريكة وبدَأت بقضم قطعة من الثلج . لم تعرني انتباها وبقيت عيناها مغلقتين فهززتها من ذراعها . كانت شفتاها رطبتين ولزجتين ، ورائحتهما كرائحة الدواء . عطستُ حينها ومسحتْ على صدري قائلة : " نحل؟ أنا؟ لا يا تومي لقد تخلصت من نحلي منذ وقت طويل ، أما والدك لم يستطع التخلص من نحله ، هذا كل ما في الأمر". وضعت كأسها فوق بطنها واستسلمت للنوم .

    إن تمكنتُ من معادلة وقع قدميّ على شقوق الممشى فسأتمكن هذه الليلة من طرد النحل عني . لقد نجحت في إبعاد النحل عني لخمس عشرة سنة كاملة . كان أكثر ما يهمني معادلته هو قدميّ ، لأنه معروف عن النحل أنه يهوى لسع الإنسان من قدميه . ما زالت المعادلة ثلاثة إلى خمسة لصالح اليسرى . كنت أذكّر نفسي بين الحين والآخر بالانتباه لأي شيء يمكنه أن يعيق طريقي فربما اعترضتني علبة مشروب زجاجية رماها أحدهم . يحتوي المبنى السكني الذي أمامي على خمسة طوابق ، وعلى بعد خطوات منه أرى المقعد الخشبي الأخضر . توقفت عن السير والتفت لأرى كيف أصبح حجم علامة البومة الحمراء الآن . تلقى دماغي من عينيّ إشارة بأن العلامة الآن أصبحت بحجم فطيرة حَلَقية صغيرة مع أنها في الحقيقة بطول خمسة أقدام تقريبا . وبدون قصد سحبت جانب قدمي اليمنى على الرصيف ، بينما بالكاد لامسَته اليسرى بباطنها . لذا ، جرجرتها على جنبها فوق الممشى . واحد لواحد ، متساويتان .

    بدأت أتثاقل في مشيتي نحو المستشفى ، خطوة … خطوتانثلاث . ربما يكون لديهم تلك النظارات التي تصلح النظر ومن المحتمل أن تكون محفوظة هناك في خزانة ما . الخطوة الرابعة … الخطوة الخامسة … رأسي لأعلى للتأكد من المعضلات . لمحت صندوق هاتف عام في نهاية الشارع ، يجب أن أركض لأعبره بسرعة . لا أريد أي حمم نارية يمكن أن تنطلق من سماعة الهاتف وتحرق جلدي . هناك مقعد خشبي أخضر آخر على جانب الطريق وبجانبه شق أيضا ، وقفت عليه بقدمي اليمنى ، أصبح العدد الآن خمسة إلى أربعة لصالح اليسرى .

    أنهكني الركض تجنبا للحمم فقررت الجلوس قليلاً . التفت وواجهت الشارع ، وكان المقعد خلفي تماما . رفعت يديّ للأعلى وأطلقتهما في الهواء ، ثم جلست بتأن . بالرغم من أنني كنت حذرا إلا أنني لاحظت أن جانب عجيزتي الأيمن لمس المقعد قبل الأيسر . وقفت وهويت عليه بطريقة الجلوس المعتادة ولكن بدون أن أنزل يديّ المعلقتين ، اللتين يجب ألا تلمسا أي شيء حتى أشعر بالمقعد على عجيزتي بأكملها . وقفت مرة أخرى ويداي متعبتان وأعدت جلستي مرة أخرى بحيث آمل أن يلامس جانب عجيزتي الأيسر قبل الأيمن . تفحصت ساعتي إنها الثانية عشرة واثنتين وعشرين دقيقة ، تفحصت ساعتي الأخرى إنها تشير إلى نفس الوقت . ما زالتا متزامنتين . رائع ، كل شيء مستقر . ثنيت يدّي فوق حجري .

    بما أنني في استراحة الآن قررت أن أستغل الوقت في الوصول إلى تسع جميلامات لقد أخذت هذه المسألة مني وقتا طويلا ولكنني مصمم على أن أسلك كل الدروب إليها . عندما كنت قد بدأت العدّ من الرقم واحد لأصل الهدف المنشود كان براين ما يزال رئيسا للوزراء . إنه أمر ممتع ، فكلما اقتربت من نهاية الأعداد كلما كانت أسماؤها مضحكة أكثر فأكثر .

    هذا الصباح ، عندما كنت عائدا إلى منزلي ، قررت ألا أفعل شيئا سوى الجلوس في باحة المنزل والعدّ ، كنت مصمما على إنجاز بعض النجاح . وعندما جلست على مقعدي الهزاز القديم وجدت أنني وصلت إلى تسعة سانتاكلوزات ، تسع رقائق ذرة ، تسعة أشربة زنجبيل ، بعد شراب الزنجبيل أتى دور الحلمات ، لقد ضحكت كثيرا عندما كنت أعدّ الحلمات فلم أتمكن إلا من الوصول لست حلمات قبل أن أبدأ العدو نحو المنزل لإخبار أبي .

    دفعت الباب براحتيّ يديّ في الوقت ذاته ودخلت المطبخ ، ياله من عمل رائع . كنت متلهفا لرؤية أبي والافتخار أمامه ، لأنه يحاول الوصول إلى تسع جميلامات هو أيضا لكني كنت أسبقه في العدّ ، لسبب أن مانيتوبا السابعة قد استوقفته . لم أجد أبي في المطبخ ، لا أثر له هنا بالرغم من أنني لاحظت حبة طماطم مقطعة إلى شرائح فوق لوحة تقطيع الخضروات وبجانبها وعاء مملوء بالطماطم . دهشت وبدأت في تتبع قطرات عصير الطماطم التي كانت منتشرة على أرضية المطبخ . قادتني إلى غرفة المعيشة التي لم يكن بها سوى أمي والتي دائما ما تكون هناك في هذا الوقت ، ولكنها الآن رماد قابع داخل تلك المزهرية الخضراء فوق المدفأة .

    قلت لها: " مرحبا ، أبحث عن أبي" وصعدت السلم المؤدي إلى غرفة والدي ركضا . كانت قطرات العصير على السلم كله ، وعندما وصلت إلى منتصفه ، اكتشفت أنني كنت أضغط على قدمي اليسرى أكثر من اليمنى وأنا أصعد ، عدت نازلا بقفزات متشابهة من كلتا قدمي في الوقت ذاته . ثم صعدت السلم مرة أخرى إلى منتصفه ضاغطا على قدمي اليمنى أكثر . ونزلت مرة أخرى لأبدأ بشكل طبيعي من جديد . ومن غير أن أشعر لامست يدي اليسرى الحائط وتوجب علي أيضا أن ألمسه بيدي اليمنى ، وبينما أحاول تعديل هذه المسألة ، عضضت على لساني من جانب أسناني الأيسر ، أخذت نفسا عميقا وهدأت من روعي فإن لم أكن حذرا سأظل طوال يومي على السلم .

    وقبل أن أصلح من مشكلة التفاوت في فمي ناديت على أبي : " أبي ، هل أنت هناك؟" . رَدّ عليّ : " نعم" فقلت له: "هل يمكنك مساعدتي عندي مشكلة في التفاوت هنا؟"

    أغمضتُ عينيّ وركزّت في حل مشكلتي بأن أجعل كل شيء متساويا بأسرع ما يمكن . عضضت على لساني بفكي الأيمن وعيناي مغمضتان وكدت أصل إلى الطابق العلوي لولا أنني أدركت أن عينيّ كانتا مفتوحتين عندما عضضت لساني في المرة الأولى . " توم؟ " سمعت أبي يناديني . " أنا قادم أبي ، عندي معضلة صغيرة هنا ساحلها وأصعد إليك" قال لي: " حسناً ، خذ وقتك".

    قررت التوقف عن تعريض نفسي للمصادفات وصعدتُ الدرجات المتبقية بقفزة واحدة من كلتا قدميّ لكل درجة . وقعت بنهاية السلم واضطررت لأن أجعل كوعيّ يلامسان الأرض عدة مرات لأنني وقعت على بطني ويجب الآن أن أجعلهما متساويان في الأحداث . عندما انتهيت ضغطتُ بكل حذر براحتيّ فوق السجاد بنفس القوة واتخذت ركبتيّ هيئة واحدة في آن واحد ، ثم وقفت . بعدها ربّت بطرف فردة حذائي اليمنى مرتين على الأرض ثم اليسرى ثم اليمنى مرة أخرى ليطمئن قلبي . وقفت واتجهت لغرفة أبي . ودفعت الباب بكلتا راحتي في الوقت نفسه .

    وجدت أبي عاريا إلا من ملابسه الداخلية جالسا على الأرض في بركة من عصير الطماطم بين السرير وطاولة الزينة . رأيته يجرح ساقه اليمنى مبتدئاً من قدمه ومنتهيا إلى ركبته . ورأيت جرحا مماثلا في ساقه اليسرى ، وعلمت لحظتها أنني أبدا لم أكن أتتبع قطرات العصير .

    "هل أنت بخير أبي؟"

    نظر إليّ ثم هزّ كتفيه ، كانت ملابسه ملقاة بجانبه وقد اصطبغت باللون الأحمر . ثم أشار إليّ ممسكا بسبابته اليسرى المقطوعة على شكل شرائط ، ووضع السكين على الأرض ومد لي سبابته الأخرى المقطوعة بنفس الطريقة وسألني : " هل تعتقد أنهما متساويتان؟"

    كان هناك العديد من الجروح على ذراعيه ، وكتفيه العاريين ، وصدره بالاضافة إلى ذينك الجرحين الجديدين على ساقيه . أبي يحب فطيرة الطماطم المحمصة ولكنه ينسى أحيانا وضع قفازات على يديه تجنبا لأي جرح . " تبدوان رائعتين أبي" كذبت عليه: " إنهما متساويتان" . في الحقيقة ، كانت سبابته اليسرى أسوأ من اليمنى بكثير ، ولكني اعتقدت أن بضع لسعات من النحل ليلاً أفضل من أن يأتي على كامل جسده بالتقطيع . أخذت السكين ومررتها تباعا على يديّ مرة على اليمنى وعلى اليسرى أخرى . قال لي : "انتظر لم انته بعد ، أنظر إلى هذا الجرح هنا" ، وأشار إلى ساقه اليسرى " إنه ليس بنفس استقامة الجرح الآخر"

    " أعتقد أنهما جيدان أبي" وبدأ ينزف أكثر . قلت له: "يجب أن نتصل بأحد للمساعدة" قال: "لا ، إحذر الحمم النارية"

    "حسنا، سأذهب لإحضار الطبيب حالا"

    بعد أن وصلت في العدّ إلى تسع حلمات ، جاء دور الشمعدانات . بعد أن وصلت لتسعة شمعدانات جاء دور صخور الحديقة . بعد تسع صخور الحديقة . بدأت بأكواز الذرة وبعد تسعة أكواز تأتي فراشي الصبغ . بعدها فرشاة صبغ فرشاتان ثلاث فراشي صبغ . لا أستطيع الانتظار حتى الوصول إلى تسع فراشي يجب أن أصل للمستشفى . نظرت إلى ساعتيّ ، الوقت فيهما يشير إلى أنني ضللت هنا مدة إحدى عشرة دقيقة وأربعين ثانية . سأنتظر حتى تصبح أثنتي عشرة دقيقة ثم أذهب . إذن لدي بعض الوقت لأكمل العدّ . "أين وضعت السكين؟" فرشاة الصبغ الرابعة ، فرشاة الصبغ الخامسة . ساعتاي تأذنان لي بالقيام الآن لأن الاثنتي عشرة دقيقة قد اكتملت . نهضت بكل حذر وهدوء.

    تابعت طريقي على الممشى من جديد ، يلوح لي المستشفى الآن وأراه أكبر قليلا من صندوق حفظ الخبز . تفحصت الرصيف بحثا عن شقوق جديدة . فرشاة الصبغ السادسة ، فرشاة الصبغ السابعة . هناك واحد ، وقفت عليه بقدمي اليمنى . تعادلت القدمان!! أصبح العدد الآن خمسة إلى خمسة ، تعادل آخر ، نجاح آخر . قدماي تشعران بالراحة الآن . ثمان فراشي ، تسع فراشي صبغ . بدأت الشمس تظهر من خلف السحب الداكنة وكل شيء حولي أصبح أكثر إشراقا . لم أستطع النظر جيدا الآن ولكن عيني اليسرى أغمضت قبل اليمنى.

    سأصلح ذلك لاحقا.

    لنرَ الآن أين وصلت ، تسع فراشي صبغ ، ماذا بعد ذلك؟ يا إلهي! إن هذا غير متوقع . العدد القادم هو تسع جميلامات ،

    جميلامات واحدة ، جميلاماتان

    سينتهي كل شيء قريبا.



    __________________________________

    من ترى يمنحنى طائراً يحملنى لمغاني وطنى
    عبر شمس الملح والريح العقيمْ
    لغة تسطعُ بالحبِّ القديمْ؟

  10.  
  11. #6
    عضو مميز
    Array الصورة الرمزية أشرف السر
    تاريخ التسجيل
    Jan 2005
    الدولة
    مدني كلها
    المشاركات
    491

    قصص قصيرة- فاطمة بوزيان

    - 1- نيولوك/new look

    ظهر أمامه كما لو أنه يحمل سحابة فوق رأسه، في الدقيقة الأولى اغتاظ حتى كاد أن يصفعه ..
    في الدقيقة الثانية بدأ يهدأ ..
    في الدقيقة الثالثة بحث الأمر في ذهنه
    قال له في الدقيقة السادسة
    -ياولدي لايجب أن يجرفك تيار الموضة بعيدا عن أجدادك وأصالتنا
    أجابه
    -طبا لهذا احترت أن يكون النيو لوك من صميم أصالتنا ألا ترى أن شعري بلون
    الشيب الذي في أرض جدي ؟

    -2- بيتزا
    قال لها انت البيتزا التي أشتهيها ليل نهار ..
    هو في ايطاليا،
    هي في قرية صغيرة ،
    والبيتزا سؤال حملته الى المدينة
    حطه النادل أمامها فطيرة مزينة..
    تأملتها مليا ..
    ثم أعملت السكين فيها،
    ثم تناولت مثلثا منها،
    ثم مضغته على مهل،،
    تم ابتلعته ومصت شفاهها في تلذذ
    ثم همست
    - ما ألذني


    التعديل الأخير تم بواسطة أشرف السر ; 18-03-2006 الساعة 11:00 PM
    __________________________________

    من ترى يمنحنى طائراً يحملنى لمغاني وطنى
    عبر شمس الملح والريح العقيمْ
    لغة تسطعُ بالحبِّ القديمْ؟

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
by boussaid