الأصل الذي خلقوا منه
دلت نصوص الكتاب والسنة على أن الجن خلقوا من نار، قال تعالى: وَخَلَقَ الْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ*﴾ سورة الرحمن، الآية 15 أي من لهب النار أو المشتعل المتحرك كألسنة النار مع الرياح، ويقول سبحانه وتعالى كذلك على لسان إبليس : أَنَاْ خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ *﴾ سورة الأعراف، الآية:12 ويقول سبحانه وتعالى كذلك:
وَالْجَآنَّ خَلَقْناهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ *﴾ سورة الحجر، الآية:27.، أي : الريح التي لها لفيحٌ وأوار، وسُميت سموماً لأنها تدخل في مسام البدن وهي الخروق الخفية التي تكون في الجلد .
كما جاء بالسنة: ﴿عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم﴾ صحيح مسلم بشرح النووي. هذه النصوص تغنينا عن الخوض والبحث في الأصل الذي خلق منه الجن(*) بطرح احتمالات وافتراضات تمزق فكر الإنسان -لأن هذه المسألة من القضايا التوقيفية التي لا مجال للاجتهاد فيها.
والسؤال : هل بقي الجن على ناريته أم تحول عنها ، فكما كان الإنسان أصله من طين وليس طين صرف، فالجن أصله نار لكن تحول عن أصله، يدلنا على ذلك الأحاديث التالية:
*﴿عن يحيى بن سعيد أنه قال: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى عفريتاً من الجن يطلبه بشعلة من نار كلما التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه فقال له جبريل: أفلا أعلمك كلمات تقولهن، إذا قلتهن طفئت شعلته وخر لفيه! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بلى، فقال جبريل: قل أعوذ بوجه الله الكريم وبكلمات الله التامات الاتي لا يجاوزهن برّ ولا فاجر ومن شر ما ينزل من السماء وشر ما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض وشر ما يخرج منها ومن فتن الليل والنهار وطوارق الليل والنهار إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمان﴾الموطأ / الإمام مالك ص:825.، فلو كان الجن باقين على عنصرهم الناري وأنهم نار حقيقية محرقة لما احتاج هذا العفريت أن يأتي بشعلة من النار كما جاء في الحديث.
*﴿عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مع إحدى نسائه فمر به رجل فدعاه فجاء فقال: يا فلان هذه زوجتي فلانة فقال: يا رسول الله من كنت أظن به فلم أكن أظن بك، فقال رسول الله: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم﴾ صحيح مسلم بشرح النووي.، قال القاضي(1) وغيره: قيل هو على ظاهره وأن الله تعالى جعل له قوة وقدرة على الجري في باطن مجاري دمه وقيل هو على الاستعارة لكثرة إغوائه ووسوسته فكأنه لا يفارق دمه وقيل يلقي وسوسته في مسام لطيفة من البدن فتصل الوسوسة إلى القلب ولو بقي الجن على ناريتهم لما استطاعوا العيش في البحار كما يعيشون في البر، فهناك نوع من الجن يسمى الجن الغواص له ممالك في البحار، وإبليس يضع عرشه على الماء للحديث الشريف: ﴿عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:إبليس يضع عرشه على الماء ...﴾ صحيح مسلم
ذكر ابتداء خلقهم
خلق الله عز وجل الجن قبل أن يخلق الإنس بمدة لا يعلم زمنها إلا الله عز وجل حيث يقول : وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ *﴾ سورة الحجر، الآيتان:27-26.، وهذه القبلية معناها الفترة الزمنية التي عمر وسكن فيها الجن الكوكب الأرض قبل الإنسان، وقال سبحانه وتعالى كذلك: وَمَا خَلَقْتُ وَالْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ *﴾ سورة الذاريات، الآية:56.، يقول الألوسي عن هذه الآية الكريمة {ولعل تقديم الجن في الذكر لتقدم خلقهم على خلق الإنس في الوجود} روح المعاني/ م:9 ج:27 ص:20. وقد ورد عن بعض الصحابة تحديد هذه المدة منهم عبد الله بن عمر حيث يقول: كان الجن قبل آدم بألف عام فسفكوا الدماء فبعث الله إليهم جنداً من الملائكة فضربوهم وطردوهم إلى جزائر البحور}. قصص الأنبياء/ ابن كثير ص:13، 1992م
أصناف الجن
ليسوا صنفاً فهم أجناس وأصناف، فمنهم من يسكن البحار وآخريسكن السحب ويطير في السماء، ومن هو على شكل كلاب أو حيات أو عقارب ...، ﴿عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجن ثلاثة أصناف: صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء وصنف حيات وصنف يحلون ويظعنون﴾ المستدرك على الصحيحين في الحديث/ الحاكم، ج:2 ص:456.، والكلب الأسود صنف من الجن، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل كل كلب أسود خالص السواد لأنه شيطان ﴿عن أبي قلابة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لولا أن الكلاب أمة لأمرت بقتلها فاقتلوا منها الأسود البهيم. أي (الخالص السواد) أما الصنف الذي يكون على شكل حيات فيكون في الصحاري والفيافي، وقد يكون حتى في البيوت وتسمى هذه الحيات بجنان البيوت وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها
أنواع الجن وهيئتهم
1- العمار:
هذا النوع من الجن يعمر البيوت، فلا يكاد يخلو بيت من البيوت إلا وفيه عمار يأكلون مع أهل البيت ويشربون معهم ولا يشعر بهم أهل البيت إلا نادراً، وهم على حسب طبيعة أهل البيت، فإن كان أهل البيت من الطائعين لله الملتزمين بشرعه كان العمار على طبيعتهم ويدفعون عنهم الشر والأذى، وهذا دليل على كون أهل البيت تعمهم بركة الله عز وجل، وإن كان أهل البيت عاصين لله من أهل البدع والفجور كان العمار كذلك ولعبوا بأهل البيت كما يلعب الولد بالكرة.
2- الشيطان :
الشيطان في اللغة مأخوذ من {شطن أي بعد فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر وبعيد بفسقه عن كل خير} تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير ص:15.، وقد يكون مشتقاً من {شاط إذا بطل وإحترق}المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي/ الفيومي مادة شطن ص:478.، والشيطان هو كل عات متمرد من الجن والإنس والدواب .
3- المارد :
المارد نوع من الجن قوي وله قدرات كبيرة تميزه عن غيره ومتمرد أي الذي يبلغ الغاية التي يخرج بها من جملة ذلك الصنف ، فالمردة هم أعتى وأقوى الشياطين وقد وصف الله عز وجل كل شيطان بأنه مريد قال سبحانه وتعالى: . وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيطَانًا مَّرِيدًا﴾ سورة النساء، الآية:117.، ويقول الله عز وجل: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ *﴾
4- العفريت :
العفريت مأخوذ من العفر والعفرية والعفارة والعفريت أي النافذ في الأمر المبالغ فيه مع الدهاء ، فالعفريت نوع من الجن زاد تمرده وعتوه فطوى المسافات واسترق السمع، وقد قال تعالى: ﴿قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَاْ ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ﴾ سورة النمل، الآية:39.
5- الغول :
مأخوذ من "التغول وهو التلون، وتغولت المرأة تلونت" ﴿وعن جابر بن عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا عدوى ولا صفر ولا غول﴾ صحيح مسلم بشرح النووي/ ص:317. قال بعض العلماء ليس المراد بالحديث نفي وجود الغول وإنما معناه إبطال ما تزعمه العرب من تلون الغول بالصور المختلفة واغتيالها، قالوا: ومعنى لا غول أي لا تستطيع أن تضل أحدًا.
6- السعالي :
فالسعالى هم سحرة الجن حيث يقول الإمام النووي رحمه الله قال العلماء: السعالى بالسين المفتوحة والعين المهملتين، هم سحرة الجن(...) لهم تلبيس وتخييل.
حمانا واياكم اللّه وكل هذه الأصناف الأشكال لا وجود لها مع الطهارة وتلاوة القرآن الي جانب الصلوات الخمس والأدعية المذكورة .
المفضلات