طريق الشوك هو عمود بجريدة المهاجر تصدر من ملبورن
مع انني لم التزم بكتابته دوريا لمشاغل الدنيا ولكنني رأيت ان انقل لكم ما تم نشره
طريق الشوك
بشرى محمد حامد الفكي
في عام 1994 و أنا في حضرة جدي رحمه الله وكان الحديث دائرا حول صحته وكيف ان الامراض تحالفت ضده لتنال من جسده الذي هدته السنين. التفت الي وسالني وكان على علم انني ادرس بجامعة الجزيرة منذ فترة : في اي سنة تدرس الان؟ فاجبته بعد تردد انني بالسنة الثانية؛ واصل جدي حديثه مبديا مهارة في وصف الادوية وطرق تعاطيها؛ وبين الفينة والاخرى يرمقني بنظرة اللائم لانني تاخرت كثيرا في دراستي؛ اردت ان اشرح له سياسة التعليم العالي وكيف اننا اصبحنا ندرس بنظام الورديات، وددت لو حكيت له عن مدير جامعتنا اعظم برفيسور جنوب الصحراء كما يدعي، وددت لو اوضحت له الكثير ولكن نظراته تلك الجمتني فقد كانت نظرات لا يمحو اثرها اي تبرير.
في عام 1996 و أنا في حضرة جدي رحمه الله وكان الحديث حول عملية العيون التي اجريت له مؤخرا، وكيف انه اقنع الطبيب ان يجري العملية متجاهلا ارتفاع السكر في الدم، ونجاح العملية يؤكد ما اكتسبه من خبرة في مصارعة الامراض، وبينما انا منتبه لما يقول قطع حديثه و فاجأني بنفس السؤال في اي سنة ادرس. أجبته متلعثما في السنة الثانية. نظر الي جدي نظرة عميقة لم افهمها الا بعد شهر من ذلك التاريخ وقال لي: حتى الان في السنة الثانية؟
بعد شهر مات جدي و أنا ما ازال في السنة الثانية فقد فصلت من جامعة الجزيرة فصلا سياسيا في احداث ابريل 1994 وانتقلت الى الجامعة الاهلية لابداء من السنة الاولى.
قفزت الى ذهني هذه الحكاية بينما احد المناضلين المفوهين، وهم كثر في بلاد المهجر، يلقي علي محاضرة حول الهوية ومفهوم السودانوية، وركز على ان الثقافة الاسلاموعربية كثقافة مركز اضطهدت ثقافات الهامش الافريقية، مع العلم ان الثقافات الافريقية هي الاصل والثقافة الاسلاموعربية هي ثقافة دخيلة يجب رميها في مذبلة التاريخ لانها جلبت معها الدمار لاهل السودان الافارقة المسالمين.
كان يتحدث و الزبد على جانبي فمه، و عيونه تبرق بريق المستمتع بحديثه المتلذذ بمضغ حروف كلماته، و قد شجعه اكثرللاسترسال في الحديث زهدي في مبادلته اطرافه، فقد خطرت ببالي نظرة جدي وفكرت في اننا بعد خمسين سنة من الاستقلال السياسي لا نزال بالسنة الثانية نناقش القضايا ذاتها الهوية، الوحدة الوطنية و نظام الحكم.
نظرت الى محدثي نظرة لا اظنه سيفهمها حتى بعد ان اموت
المفضلات