الماء.. آية من آيات الله المعجزة
محمود فرج
قال تعالي في سورة النحل «هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به من الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون» (سورة النحل: الآيتان 10-11).
هاتان الآيتان من سورة النحل تذكران بعض نعم الله على خلقه، فهو سبحانه وتعالى ينزل الماء من السماء وفق النواميس التي خلقها، في هذا الكون والتي تدبر حركته، وتنشئ نتائجها وفق إرادة الخالق وتدبيره، بقدر خاص.فالقرآن الكريم يتخذ من مشاهد الماء دلائل على اثبات وجود الخالق سبحانه. ولكن هذا الماء النازل من السماء ماهو؟ وكيف نزل؟
حول هذا التساؤل يقول المفكر الاسلامي الدكتور أحمد عبد الرحيم السايح الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف: إن الانسان يمر بهذه الخارقة سراعا لطول الألفة، وطول التكرار. إن خلق الماء في ذاته خارقة، ومهما عرف الانسان أنه ينشأ من اتحاد ذرّتي أيدروجين بذرة أوكسجين تحت ظروف معينة، فإن هذه المعرفة جديرة بأن توقظ قلوب الناس وتدفعها إلى رؤية يد الله التي صاغت هذا الكون بحيث يوجد الايدروجين ويوجد الأوكسجين، وتوجد الظروف التي تسمح باتحادهما، ويتكوّن الماء من هذا الاتحاد، ومن ثم وجود الحياة في هذه الأرض. ولولا الماء ما وجدت حياة. إنها سلسلة من التدابير حتى نصل إلى وجود الماء ووجود الحياة، والله عز وجل وراء هذا التدبير، وكله مما صنعت يداه، ثم نزل هذا الماء بعد وجوده هو الآخر خارقة جديدة، ناشئة من قيام الأرض والكون على هذا النظام الذي يسمح بتكوين الماء ونزوله وفق تدبير الله تعالى.
آية من آيات القدرة
قال تبارك وتعالى في سورة الأنعام «وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنّات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه، إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون» (سورة الأنعام: الآية 99)
وقال تعالى في سورة الزمر «ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه» (سورة الزمر: الآية 12).
إن نزول الماء من السماء آية توقظ القلوب، وتنبّه العقول إلى قدرة الخالق، فإنه سبحانه يسلّط أشعّة الشمس على البحار والأنهار، فيخرج منها بخار يتحول إلى سحاب، ويسلط عليه الرياح فتحمله إلى حيث يشاء الله فينزل منه ماء عذب.
قال تعالى في سورة الروم «الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون» (سورة الروم: الآية 84).
وقال تعالى في سورة الاعراف «وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون» (سورة الأعراف: الآية 75).
النعم المرتبطة بالماء
يضيف د. السايح: هذا الماء الذي ينزل على الأرض يشرب منه الانسان «لكم منه شراب» فالقرآن يبرز خصوصية الشراب في هذا المجال على أنه نعمة من نعم الله وآية من آياته ثم يبرز أيضا خصوصية المرعى «ومنه شجر فيه تسيمون» وهي المراعي التي تربى فيها السوائم، وسميت الأنعام سائمة لأنها تسم الأرض بأرجلها أي تترك فيها أثراً أو تسم المراعي بما تأكل منها فتترك آثارها عليها.
هذا الماء الذي يشرب منه الانسان والحيوان يقول رب العزة فيه «ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات» أي ينبت لكم بالماء الذي أنزله من السماء أصنافا مختلفة من النبات، بدأتها الآية الكريمة بالزرع لأنه أصل الغذاء، وعمود المعاش، وبه قوت أكثر العالم، ثم اتبعته بذكر الزيتون لأنه غذاء ودواء، وقدمت النخيل على الأعناب لأن فيها غذاء متكاملاً، وفوائد أخرى، ولأنها ينتفع بها زمنا طويلا، والمراد بالأعناب ثمار العنب، ثم ختمت الآية الكريمة ما ذكرته من أصناف النبات والشجر بقوله تعالى «ومن كل الثمرات» للايذان بأن ما ذكر من قبل إنما هو بعض النعم، وإن خيرات الله وثمرات الشجر تفوق الحصر.
التأمل في تدبير الخالق
لا شك أن هذه النعم تدفع الانسان إلى التفكير والتأمل، ولذلك قال الله تعالى «إن في ذلك لآية لقوم يتفكّرون» أي يتفكرون في تدبير الله لهذا الكون ونواميسه المواتية لحياة البشر.
ويقول: وما كان الانسان يستطيع الحياة على هذا الكوكب لو لم تكن نواميس الكون مواتية لحياته موافقة لفطرته ملبية لحاجاته.
وماهي بالمصادفة العابرة أن يخلق الانسان في هذا الكوكب الأرضي، وأن تكون النسب بين هذا الكوكب وغيره من النجوم والكواكب هي هذه النسب، وأن تكون الظواهر الجوية والفلكية على ما هي عليه ممكنة للانسان من الحياة، ملبية هكذا لحاجاته على النحو الذي تراه.
التفكّر في الحكمة الالهيّة
الذين يتفكّرون هم الذين يدركون حكمة التدبير، وهم الذين يربطون بين ظاهرة كظاهرة المطر، وما تنشئه على الأرض من حياة، وشجر، وزروع، وثمار، وبين النواميس العليا للوجود، ودلالاتها على الخالق، وعلى وحدانية ذاته، ووحدانية ارادته، ووحدانيّة تدبيره.
أما الغافلون فيمرون على مثل هذه الآيات في الصباح والمساء في الصيف والشتاء، فلا توقظ تطلعهم ولا تثير استطلاعهم، ولا تستجيش ضمائرهم إلى البحث عن صاحب هذا النظام الفريد.
وهؤلاء وحدهم لا يرون، فمن تفكّر رأى، وإن هؤلاء الذين يلحدون، مصيبتهم، أنهم لا يتفكّرون ولا يشعرون أنهم لا يتفكّرون، بل يظنون أنفسهم أنهم مفكرون.
أليس حريّا بالانسان أن يجعل آيات الله مسرحا لنشاطه الفكري والعقلي، والقرآن الكريم يلفت حس الانسان وقلبه وعقله للنظر إلى ما في السماوات والأرض لعلّه ينبض، ويتحرّك، ويتلقّى ويستجيب. قال تعالى في سورة يونس «قل انظروا ماذا في السموات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون» (سورة يونس: الآية 101).
المفضلات