للمعوق حق أصيل في أن تحترم كرامته الإنسانية، أيا كان منشأ وطبيعة وخطورة أوجه التعويق والقصور التي يعاني منها، نفس الحقوق الأساسية التي تكون لمواطنيه الذين هم في سنه، الأمر الذي يعني أولا وقبل كل شيء أن له الحق في التمتع بحياة لائقة، تكون طبيعية وغنية قدر المستطاع.
وللمعوق الحق في العلاج الطبي والنفسي والوظيفي بما في ذلك الأعضاء الصناعية وأجهزة التقويم، وفي التأهيل الطبي والاجتماعي، وفي التعليم، وفي التدريب والتأهيل المهنيين، وفي المساعدة، والمشورة، وفي خدمات التوظيف وغيرها من الخدمات التي تمكنه من إنماء قدراته ومهاراته إلي أقصي الحدود وتعجل بعملية إدماجه أو إعادة إدماجه في المجتمع.
إلا أن حقوق معاقي ولاية الجزيرة دائماً ما تأتي في الخلفية، نظرة إيوائية وعزلية للمعاقين يترتب عليها تراجع محاولات إخراج هذه الفئة إلي بر الأمان خطوات عديدة إلي الوراء. نظرة دونية لكثير من المسئولين للأشخاص ذوي الإعاقة في كثير من الجوانب وهو ما لمسناه من حديث هالة عثمان الأمين العام لمنظمة متحدي الإعاقة بالولاية.

** اختفاء الدراجات البخارية
ويلف الغموض مصير عشرات الدراجات البخارية التي وصلت لولاية الجزيرة في وقت سابق، أين، ومتى، وكيف وزعت؟ فالذين تطلعوا لنصيب منها ومن بينهم منظمة متحدي الإعاقة بالولاية، لم ينالوا منها شيئاً رغم أحقيتهم بهذه الدراجات كأداة مساعدة على تجاوز صعوبات التنقل التي تعترضهم في سبيل تحقيق ولو قدر ضئيل من آمال وتطلعات هذه الشريحة المضاعة حقوقها. وربما نسي الكثير من الأصحاء أن الأقدار يمكن أن تحولهم في لحظة إلي معاقين يواجهون ذات المصير الذي يواجهه هؤلاء الآن.
ملف الدراجات البخارية الذي أمضت هالة قرابة الشهر في استكمال تفاصيله، اختفى في الوزارة المعنية، حينما وصلت الدفعة الأولى من الدراجات البخارية، وأنكر الذي تسلمه ومسئول آخر معرفتهم بمكانه، ولم يتضح مكان الملف حتى تاريخ وصول الدفعة الثانية من الدراجات البخارية. المسؤول الأعلى بالوزارة كان قد طالب هالة وببساطة شديدة بإعداد ملف آخر لتسوية الأمر.
** توزيع غامض
هالة التي وقع الاختيار عليها مع ثلاثة أشخاص آخرين كمقررين للجان توزيع الدراجات البخارية، فوجئت عند جلوسها مع المسئولة بالجهة المختصة بأن الدراجات البخارية قد تم توزيعها بليل تحت إشراف رسمي من الجهات التنفيذية العليا بالولاية.
واتصل أحد المسئولين بأمين مجلس المعاقين على خلفية تقدم الرئيس الحالي لمنظمة متحدي الإعاقة بطلب للحصول على دراجة بخارية لإدارة المنظمة، وطالبه بلهجة محذرة: (جماعتك ديل ما يجوني تاني لأنو المواتر اتوزعت).

وترددت هالة على مكتب الوزير المختص لأكثر من ثلاث مرات لتسليم خطاب بهذا الشأن، فرد عليهم مدير المكتب بأن منظمات العمل الطوعي تم قد تم رفعها لجهة معينة، وادعى مسئول هذه الجهة بعد مراجعته بأنه سلم الخطاب لمدير المكتب الذي يتعمد المماطلة في تحديد الاجتماع.
ولجأت هالة في ظل هذه الأوضاع، للاتصال المباشر بالوزير المختص وطرحت له المشكلة التي يواجهونها مع الجهة المعنية بأمر الدراجات البخارية، فطالبها الوزير بالصبر ولم يبدي لها رأياً حتى الآن. وحينما راجعه رئيس المنظمة طالبه الوزير برفع مذكرة تظلم للتعليق عليها وتحويلها للجهة المعنية.
وكان تعليق الجهة المعنية على المذكرة بأن الدراجات البخارية قد تم توزيعها على حسب المقترح المرفوع من اتحاد المعاقين حركياً بولاية الجزيرة. فكانت معاودة الاتصال بالوزير الذي مضى أربعة أشهر على تسلمه المنصب، برفع عدة خطابات لتحديد اجتماع. وفي أحد ردوده على اتصال من المركز العام لمنظمة متحدي الإعاقة قال: (الناس ديل كل مرة بجوني وبلقوني مشغول).
وعلقت هالة بالقول: والي البحر الأحمر استلم الدراجات البخارية ووزعها عبر الميناء، وكذلك فعلت القضارف، وكسلا، ما عدا ولاية الجزيرة. وتساءلت: نريد أن نعرف التعطيل ده في شنو؟ هل نحن بلا قيمة، أم غير معترف بنا؟ .
وكان أعضاء بمنظمة متحدي الإعاقة حركياً بولاية الجزيرة قد وثقوا لحادثة دراجة بخارية خاصة بالمعاقين معروضة للبيع بأحد شوارع ود مدني، إلا أن الجهات المختصة قد قامت بلملمة أطراف الأمر ووعدت بتعويضهم في الدفعات التالية وهو ما لم يتحقق حتى الآن.

** مشاكل اجتماعية
وتسترسل هالة في الحديث عن ما يتعرضهم من مشاكل مع الجهات المعنية، وتعرج هذه المرة على مشكلة الزي المدرسي تقول: رفعنا قائمة بأسماء المستحقين للزي المدرسي للجهة المعنية التي طالبتهم برفع اسم المدرسة التي ينتمي إليها المعاق أو ابن المعاق. وبحكم توليها لمنصب أمين عام منظمة متحدي الإعاقة حركياً، رفضت هالة هذا الطلب بقولها: (الحاجة الما برضاها لي أولاد أخواني ما برضاها لي أولاد الناس). واعتبرت الأمر نوعاً من الذلة في (لبسة) قالت إن سعرها لا يتجاوز (25) جنيهاً.
وكانت هالة قد رفعت أسماء (50) معاقاً لنيل احتياجات رمضان، فتم منحها مبلغ ألف وخمسمائة جنيه ما يعني أن نصيب الفرد فيها ثلاثون جنيهاً.
** معاكسات رسمية
وشكت هالة من المعاكسات التي يلقاها المعاق من موظفي الدولة في الدور الحكومية. وعلقت بالقول: (عشان تمشي تخاطب ليك زول لازم تلقى معاكسات). وأضافت: (أي زول في الوزارة المختصة عندو رأي في منظمة متحدي الإعاقة). وزادت: ليس هنالك أي تقدير لظروف المعاقين الذين تتم مطالبتهم دائماً بالرجوع إلي جهات معينة يتطلب الوصول إليها الصعود عبر السلالم.
وتضاف إلي سلسلة معاناة منظمة متحدي الإعاقة بولاية الجزيرة، توقف العمل بقانون 2002م الذي نص على تخصيص نسبة 2% من الوظائف الحكومية للمعاقين في وقت رفعت فيه ولايتا الخرطوم, والنيل الأبيض نسبة التوظيف إلي 5%.
وتخصص وزارة المالية والاقتصاد والقوى العاملة بولاية الجزيرة، مبلغ ألفي جنيه كتسيير شهري لمنظمة متحدي الإعاقة بالولاية، قالت هالة إنها مجمدة منذ ثلاثة أشهر بحجة أن التسيير ما (فكوه). وكانت وزارة الشئون الاجتماعية- في وقت سابق- قد منحت المنظمة تصديقاً بجالوني بنزين في الأسبوع تم إيقافها وإعادتها في وقت لاحق. وتتم المطالبة قبل منح التصديق، بتحديد جهة العمل.
وأعلنت هالة توقف خدمة التأمين الصحي منذ زمن طويل، وكان الملف الخاص بالتأمين الصحي قد اختفى في الوزارة المختصة ولم يستدل على مكانه ليلقى نفس مصير ملف (35) دراجة بخارية مصدقة وقادمة من المركز العام وما زال مفقوداً حتى الآن.
وأشارت هالة لمشاكل المعاقين في السوق، وكيف يأتي المعاق وهو يحمل (تربيزة) كان يعرض عليها بضاعته، فهو لا يستطيع الركض كالآخرين. سلطات المحلية ردت على هالة بأن ما يجري هو عملية تنظيم للسوق. متسائلة كيف يعيش هؤلاء؟ هل يتركوا للسرقة، والتسول؟ نحن لا نريد أكثر من أن تخصص لهم أماكن للحصول على لقمة عيش شريفة.
ورد أحد مسئولي المحلية على هالة بعد مطالبتها بتخصيص وظائف للمعاقين: (أنا بت أختي ما أديتها وظيفة أديكم إنتو يالمعاقين وظائف).
** غياب الورش الصناعية
هالة تستعين بجهاز تعويضي تبلغ كلفته (175) جنيهاً قد يتعرض للكسر في أي وقت وليس أمامها خيار سوى التوجه للخرطوم لإجراء عملية التقويم والإصلاح وذلك بسبب توقف الأطراف الصناعية بولاية الجزيرة ما يثير التساؤل عن سبب هذا التوقف. وإذا كان لهالة من تقضي عنده ليلتها بالخرطوم فأين يقضي من لا ذوي لهم وأجبرتهم الظروف على قضاء ليلة في الخرطوم لحين الفراغ من إصلاح طرف صناعي، هل يبيتون في المساجد، أم أسفل الحوائط؟.
واختفت لافتة ورشة الأطراف الصناعية التي تم تخصيصها في عهد سابق بسبب عدم (نزول) الأموال بحسب المسئولين. يتعللون بعدم وجود المال رغم حاجة المعاقين الماسة لها وللورشة المتحركة.
** ولاية النيل الأبيض تكرم المعاقين
زيارة منظمة متحدي الإعاقة لولاية النيل الأبيض رمضان الماضي، وجدت حظها من الاهتمام الرسمي من واقع مشاركة والي النيل الأبيض، ووزير الشئون الاجتماعية، وعدد من المسئولين في الإفطار الجماعي العامر بمتحدي الإعاقة وحضورهم اللافت.
مسرح غلبت عليه الدموع، واهتزت له المشاعر الإنسانية للمسئولين والمعاقين، فهؤلاء أبكتهم المشاهد المؤثرة لفئة ابتلاها الله بفقد الأطراف، والأسماع، والأبصار، وغيرها من النعم، وأولئك تأثروا بما وجدوه من اهتمام، وحفاوة، وإكرام لم يحتسبوه.
فوالي النيل الأبيض يوسف الشنبلي قرر رفع نسبة التوظيف إلي 5% عوضاً عن 2%، والتبرع بمائة عجلة متحركة، وتخصيص خطة إسكانية تتوافر فيها كافة مقومات ومعايير وصول الأشخاص ذوي الإعاقة وطرحها للتنافس فيما بينهم.
المفضلات