قرر حاج الماحي أن يضع حداً لسنوات الغربة العجاف ولسان حاله يقول
(غربتنا ما هنّتنا يا حلوين، هناك الهمّ بدل واحد يبين همّين
وفيها قلوبنا تتأوه ونتاوه سنين وسنين
مصيره الحى يلاقى حبايبه لو صادقين سماع أهلاًَ من الاحباب شروق أمال
ووصف البهجة بالكلمات محال يتقال حلاوة العودة غنيناها فى موال "
فعاد إلى الديار نهائياً بمعية أفراد أسرته وأقام في بيته الخاص الكائن في الحاج يوسف وجلب والدته من البلد لكي تعيش معهم في الضواحي طرف المدائن.
وسرعان ما تأقلم أفراد أسرته مع أجواء السودان والخرطوم والغبار والمطر ونسوا أو تناسوا التكييف والراحات الأخرى ولكن المعضلة كانت في لسان الإبنة الصغرى سهى التي كانت تتحدث اللهجة الخليجية بطلاقة منقطعة النظير وكأنها من حسناوات نجد وتهامة وسليلة قبيلة قحطان والشمري والعنزي وسائر قبائل البادية السعودية
أما والدتها وإخوتها كن قد تعودن على كلامها منذ أن كانوا بحي الغبيرة بالرياض ولكن جدتها المسكينة التي لم تبرح السودان قط في حياتها واجهت صعوبات جمة لفهم وإستيعاب كلامها الأعوج.
وذات صبيحة من صباحات الحاج يوسف الندية فرشت الحاجة سكينة - جدة الطفلة سهى من أبوها – حصيراً في وسط الحوش ووضعت طبقاً مليئاً من حبات القمح وإنهمكت في فرزها وتنظيفها من الشوائب العالقة وهي تدندن بأغاني قديمة وفجأة خرجت إليها البنت سهى وهي في طريقها إلى الخارج لزيارة صديقتها في بيت الجيران فأخذت تحييها قائلة:
" إيش لونك يَدتي (جدتي)؟ عساكي طيبة إن شاء الله!!!
فأجابت الحاجة سكينة وقد نثرت حبات القمح من يديها على الطبق:
" يا بتي إنتي ما صاحية والله شنو؟
فسألتها سهى مندهشة:
" إيشلون ماني بصاحية ما تقولي لي بالله؟
فأردفت جدتها قائلة:
" يا بتي مالك قاعدة تسأليني من لوني! اللون ده ما واحد شنو اللي بغيّره؟
وبعدين تعالي هنا!!! عليكي الله لوني ده ما أفتح من لونك؟ عايني وجهك في المرايا!! بري منكن وكُر يا بنات آخر الزمن.
فضحكت سهى ملء شدقيها وقالت:
" جدتي إيش لونك في الخليج يعني كيف حالك فهمتي يا جدتي؟
فأجابت جدتها وهي تنظر إلى شعر سهى متهكمة:
" أنا حالي حال السرور يا يابا مآكلة وشاربة والحمد والشكر لله"
ثم أردفت:" وبعدين تعالي هنا!!! إنتي مارقة برة وشعرها منكوش كدة ذي الشيطان بسم الله الرحيم الرحيم تعالي هنا ألمّ ليك شعرك المنفوش ده"
فقالت سهى وهي تبدي رفضها:
" جدتي!! إيش دراكي عن الموضة والإستايل،،
يعني إيشلون بالله تبغيني أصير مثلك أمشط شعري والله إيش"
فقالت الحاجة سكينة وقد إستشاطت غضباً:
" يا بت تعالي هنا وما تقعدي تبرطمي لي!!
أنا كلمة واحدة من اللي قلتيها ما ناقشاها.
تعالي هنا والله أنادي أبوك من جوة؟
فهرولت سهى نحو الخارج وهي تقول:
" أبوي موب هنيا راح حق رَبَعه برة"
نتوقف هنا وندع الحاجة سكينة تكمل فرز القمح
ثم نعود مجدداً ريثما تعود سهى من الخارج
المفضلات