لو نقلنا الكاميرا الى خيمة او صيوان الرجال . ستجد المشهد خيمه في شكل غرفة كبيره مفروشة بالسجاد وتجد المعزيين واهل الميت يجلسون على الارض في شكل حلقات . كل واحد من اهل الميت حوله حلقه من معارفه او زملاؤه او اصدقائه الذين اتوا لتعزيته هو في الاساس . ليقطع الحديث والونسة في كل مره صوت معزي جديد واقفا في طرف الخيمة رافعا يديه في محازاة صدره ورافعا صوته بعبارة (الفاتحة ) وهي الاسم الذي يطلق على سورة الفاتحة . وهي المقصود بها الدعاء على الميت . لكن الحركة نفسها ( أي وقوف المعزي رافعا يديه ومناديا بالفاتحة )اصبحت تعني في بيوت العزاء ان من له صلة قرابة مباشرة بالميت فاليقم حتى نعزيه . وهي بدلا ان يمر المعزي على جميع الحاضرين ويسلم بالتعزية قد تستغرق منه وقتا اطولا ومتعبا .
استنكر اهل الدين السنيين منهم اصل تلك الفاتحة التي ترفع ويتمتم بها في بيوت العزاء , ويقول انصار السنة انه ليس لها اصل في الشرع ولم يفعلها السلف الصالح ولا التابعين بمعنى انها بدعة تولدت من الدعاء على الميت وتحورت حتى اخذت هذا الشكل والطابع . وهي حقيقة اخذت طابع العادة اكثر من كونها دينا انما هي رمزا للتعزية فقط . بدليل ان بعض المعزيين تجده مخمورا او مقاطعا للصلاة بل لا يحفظ أي دعاء . ورغما عن ذلك يقف في طرف الخيمة وينادي بالفاتحة . بل احيانا تطلق عبارات مثل ماشين فاتحة ويعنى بها ماشين لبيت العزاء . بعضهم ايضا يعترف ويقر بانه يرفع يديه ويعد في سره الى رقم عشره وينزلهما . ولكن في كل الاحوال ان طريقة استخدام الرجال للفاتحة مهما كانت بدعه هي ارحم من طريقة النساء في تبادل العزاء بوضع اليد في الراس والنواح .
والظاهره الاخرى ايضا في صيواناتنا ببيوت العزاء وهي ان تجدها ممتلئه بالمنظراتية . وهم اناس منتشرين في مجتمعناتنا السودانية . يحبون هذه المناسبات ليفرضوا تسلطهم وتعليماتهم على شباب الحاره . وغالبا ما تجدهم موظفين في وظائف بسيطة اما كاتب حسابات او باشكاتب وربما كان مناه ان يتولى منصبا كبيرا في مكان عمله ولكن تجاوزه الزمن .لذلك تجد الواحد منهم يمارس تسلطه منتشيا وكانه (مدير عام شركة البان الحصاحيصا للغزل والنسيج )
وغالبا هؤلاء لا يمارسون نشاطا يدويا انما هي كلها اوامر . وجمل من نوع ( تعالوا يا اولاد نضفوا الحته دي جيبوا المكانس ) ( عمر امشي جيبو صفيحة انقلوا التراب واردموا موية البلاعة دي ) (تعال يا خالد جيب مويه للجماعة ديل . كب الشاي يا عثمان ) .
بل حتى عند حفر القبر تجدهم يقفون عند حافة القبر ويصرفون في التعليمات ( احفر هناك محل رجلك دا ذاتو . غرق الحته دي . وسع محل الراس دا شوية ) .
الظاهره الثالثة يجتمع الناس حول اهل الميت بهدف التسرية عنهم وانسائهم فقدهم وهي سنة دعا اليها الرسول صالى الله عليه وسلم والحديث الشهير ( اصنعوا لآل جعفر طعامهم فقد اتاهم ما يشغلهم ) وهو عندما زار ( صلى الله عليه وسلم ) دار جعفر بن ابي طالب لينبئ اهله بخبر استشهاده .
قد اتخذنا في السودان هذا الحديث شعارا وبنيت عليه واحده من اجمل العادات والتي نفاخر بها العالم . وهي ان يفزع الناس مع اهل الميت ويتشاركون معهم في طعامهم بان تاتي موائد الطعام من بيوت الجيران والاقارب الذين يسكنون قريبا . هذه الموائد تكفي لاهل الميت واقاربهم وضيوفهم الذين اتوا من اماكن بعيده . وهي عادة جميلة . قد تم تشويهها بعض الشئ عندما تحولت صواني الطعام هذه الى وسائل للتباهي والتفاخر وتحولت المآتم الى وسائل ترف وتبذير وتفاخر بين الناس . لكن هذا التشويه اعتقد انه لم يرقى ليطمس هذه العادة الجميلة والتي لازال ريفنا وقرانا يمارسونها
المفضلات