قد طرحت في موضوع سابق (سياحة في عالم المجانين ) ان تصنيف المجنون مسالة نسبية في معظم الاحيان . بمعنى لاتوجد مقاييس ثابته او حاجز يفصل بين العاقل والمجنون . مثلا لو شاهدت شخص يقف على حافة سطح مبني من ثلاث طوابق برجل واحده وهو يرتدي ملابس بالوان غريبة وفاقعة. ستجد الناس يصفونه بالمجنون ربما اتصلوا بالدفاع المدني والشرطة للقبض عليه او انقاذه . ولكن نفس هذا الشخص وبنفس هذه الملابس يمكن ان تجده على نفس هذا الارتفاع وفي خيمة ضخمة لسيرك . وستجد نفس الناس الذين قرروا استدعاء الشرطة يصفقون له باعجاب واندهاش . اذا المسالة نسبية بحتة الشخص عندما لم يكن في المكان المناسب كان مجنونا وعندما فعل نفس الحركة في مكانها اصبح مبدعا . ولكن هنالك امور كثيرة في حياتنا نذهب اليها وندفع من حر اموالنا لمشاهدتها (هل يوجد في الاموال عبيد ؟؟؟؟) ولكن اذا تاملت فيها بعمق هي ضرب من الجنون . قد لفت نظري الى هذه النقطة وهو انه كان لنا صديق يسكن بالقرب من استاد كرة القدم . بل بيته يواجه الاستاد مباشرة . ولكن اكثر شئ يكرهه هو كرة القدم ولا يطيق حتى مشاهدتها .ولم يحدث ان دخل الملعب الا نادرا وفي معظمها مهرجانات لا علاقة لها بكرة القدم .ولكن في يوم ما ومباراة مهمة واعتقد كان فيها فريق زائر اصر شلة من الاصدقاء عليه حتى يصطحبونه معهم الى داخل الاستاد . وبعد مجابده وممانعة وافق اخيرا ودخل المباراه . ولكن فجاه لاحظوا ان هذا الصديق فجاة انفجر بالضحك واعقبها بعد ذلك بنوبات من الضحك المتقطع . وهم ينظرون اليه باستغراب ثم ينظرون الى حيث موقع نظره ولا يجدون شيئا مضحكا . اخيرا ساله احدهم (مالك يا اخينا انت داخل مسرحية لعادل امام شنو المضحك في الكورة دي ) رد هو (ابدا يا اخوانا كل ما في الموضوع انا قلت ادور على شئ اتفرج فيه غير الكره واللعب . ركزت على الحكم فقط ..... ووجدته شخص اشبه بالمجنون ...فجاه يصفر ويجري شديد ثم يقف ويعكس الاتجاه ويجري شديد مرة ثانية ثم يصفر ويقف ويخرج ورقة صفراء من جيبه . يرفعها عاليا ثم يصفر ويجري مره ثانية . فكان منظره مضحكا جدا ...) بعد ذلك خاض الاخرين تجربة الاخ وبداوا ينظرون الى الحكم مجردا من الباقين واصبحوا يشاهدون مسرحية كوميدية فعلا ومضحكة الهتهم عن مشاهدة المبارة وتوبتهم في نفس الوقت عن الزام أي شخص بشئ لا يرغب فيه اطلاقا حتى لا يبخس لهم اشياؤهم .
ومن تجربة الاخ وهذه النظره العميقة وجدت اشياء كثيرة في حياتنا لو نظرت اليها نظرة مجردة هي ضربا من الجنون . مثال لو دخلت أي بيت فيه طفل صغير عمر اقل من عام ستجد افراد البيت هم مجموعة من الهبل والمجانين (تنظر ناحية الباب تجد امراه كبيره تمد راسها وتسحبه في كله مره وهي تغير صوتها مع تدليل الطفل مثلا ..( حمودي ياااااك واحلاته واحلاته واحلاته ) بل تجد حتى يستبدلون بعض الحروف وهم يخاطبون الطفل ويؤنثونه رغما عن انه ذكر مثلا عسولي ينطقونها عزولي ( عمودي يا عزولي انت سحيتي ) . وتجد راجل كبير واصوات مخيفه واللذيذ في الموضوع تجد ان الطفل غارق في الضحك والقرقره لاتعرف هل هو منهم ام عليهم ام ان الامر يضحكه فعلا . وهذا نوع رغما عن انه جزء من فطرة الحياة وسنتها الا انه ضربا من جنون العقلاء . ذلك لانه لو دخلت نفس هذا البيت ووجدت اصحابه يفعلون نفس هذه الحركات وليس بينهم طفل على الاطلاق . مافي شك بانك ستفتح الباب وتجري ناجيا بنفسك.
وليس بالضرورة تجريد الاشياء بل خذ بعض الاشياء كما هي وانظر اليها بعمق ستجدها هي جنونا ما فيه شك . مثلا كرة القدم كره من الجلد منفوخة بالهواء يتصارع عليها اثنان وعشرون لاعبا . كل احدى عشر منهم ينحازون لبعض مع رجل في منتصف الملعب يحكم بينهم ويبدا الجري والصراع وتشليت هذه الكره المسكينة بل بعضهم برع وتفنن في طرق تشليت هذه الكره ووصل سعرهم الى الملايين والناس تحلم في ان تتصور او تاخذ صور تذكارية مع هذا المشلت الاعظم . بل امسك مزيع كرة القدم نفسه هو ملك المجانين عندما تسمع عبارات مثل ( هوبااااااا ياولد ياولد حلوة حلوة حلوة حلوة .... ضربه مقصيه رائعة ....) وهي اللحظة التي يكون فيها هذا اللاعب المجنون قد طار في الهواء وضرب الكره بقدميه الاثنين وسقط على الارض معرضا عنقه وظهره للكسر . وياليت الكره دخلت قون بعد ذلك كنا نقول مات من اجل هدف نبيل او حتى هدف في المرمى ، بس بيني وبينكم هذا جنون لذيذ جدا وانا من مدمنيه .
مثال اخر كمساري البصات في المواصلات الداخليه وهو شخص يبدا عمله بمجرد ما يتحرك البص ويقطع مشوار من ناحية الموقف ويصرخ هو اولا ( محطة الدومات في زول الدومات يا اخوان في زول ) بمجرد ما اجابه احد الركاب يطلق لصافرته العنان . وبمجرد ما يهدي البص سرعته تجده قفذ قبل ان يقف البص تماما وجرى بعيدا عن البص يراقب في الراكب الذي اراد النزول . ومن ثم لايركب في البص ثم يصفر بل قبل ان يركب يصفر وينتظر البص حتى يبدأ يتحرك ثم يجري مطاردا البص ويتشعلق بباب البص وهو متفاديا السقوط . والغريبة يتكرر هذا المشهد في كل محطة بص . اين الجنون لو عمل كمساري بص نفس هذه الحركات في بص واقف او بص متحرك لكن من غير ركاب . اذا حركات الكمساري البهلوانية الذي جعلها جنون عقلاء وهو وجود ركاب يشاهدونها ويستفيدون منها وتكون في بص متحرك هم رواده .
المشهد الثالث حفلات الاعراس والمناسبات . حاول وانت في حفلة عرس مثلا اقفل الصوت بمعنى سكر اذنيك فقط واكتفي بالصورة . ستجد جنونا يتعوذ منه سكان المصحات والناس تتعوج وتتكلوج وكل واحد يحاول ان يتفوق على الآخرين في جنونه . وخصوصا العريس تجده لافي على صفوف الضيوف فردا فردا كانه جايي تبع حملة تطعيم ضد السحاوي . وبعد ذلك يذهب بعضهم ويتجرع الخمور البلديه وغيرها كانهم لا يكتفون بهذا الجنون . طرفه في احدى حفلات زيدان ابراهيم . كان احد المعجبين وهو سكران تماما يرقص امام زيدان تماما وهو يبتسم مكشرا اسنانه وكانت اسنانه من النوع البارز وكلما تراجع زيدان للخلف لحقه السكران حتى قارب ان يتوسط العازفين ... هنا تحدث احد العازفين (يا استاذ زيدان يظهر ان المطر قربت تصب ) يرد زيدان ( هو انت في المطر ولا الفي جاييي يعضعضنا دا )
المفضلات