متشولق شاب بسيط وهاديء الطبع..
يتجاوز بقليل السادس والعشرين من العمر..
يتمتع بأخلاق عالية ويتحمل الصبر عند المصائب..
لا يشكو لأحد حاله وهمومه إلا الله..
قطع تعليمه الدراسي نظراً لظروف خاصة به أجبرته على عدم المواصلة
حيث إكتفى بالمرحلة الثانوية العامة..
تخرج وإتجه يضرب في أرض الله الواسعة يبحث عن عمل يكفي لإعاشته
ويغطي إحتياجاته..
ومن حسن حظه أنه غير مسؤول عن إعالة أي شخص
لأنه وبكل بساطة لم يتزوج بعد..
لجأ متشولق الى قريبه عبدالمعين الذي يملك محلاً تجارياً (مغلق)
لبيع مواد البناء والحديد المسلح وطلب منه أن يساعده
في إيجاد عمل له ويوظفه عنده بالمحل..
وافق عبدالمعين على طلب قريبه متشولق وعينه بياع
في المحل براتب شهري يكفي حاجتة ويزيد..
ونظراً لأنه قريبه خصص له غرفة منعزلة وأسكنه معه في
منزله ليوفر عليه مبلغ الإيجار في مكان آخر..
في يوم من الأيام كان متشولق مستلقياً على ظهره في (عنقريبه) الهباب
الذي أهداه له قريبه عبدالمعين..
كان شارد بخياله يحلق في الأفق البعيد يتابع سرعة تحرك السحب في السماء
ويتأمل في قدرة الخالق وعظمته جلا وعلا على التحكم في هذا الكون
وكيف أن هذه السحب تسير في إتجاهات مختلفة لتصطدم ببعضها البعض
محدثة دوياً رعدياً عالياً تصحبه الصواعق وبعدها يهطل الغيث مدراراً على الأرض..
ويجري الماء على الوديان وينبت الزرع والأزهار والأشجار
وتخضر الأرض في كل مكان ويدر الضرع
ويعم الخير ويولد الفرح داخل الإنسان
وهو يردد سبحان الله.. سبحان الله العظيم..
ثم عرج بسرحانه على حسان الحي الذي يسكن فيه
وفكر في مشروع الزواج بأحداهن ويكمل نصف دينه
وبدأ في الأختيار الدقيق الصعب ويعدد محاسن هذه
و(يشنف) الأخرى (فتحية بت خليل الأزيرق جميلة ولونها فاتح
ورقبتها طويلة ذي الزرافة لكن متغرضمة ورافعة نخرتها في السماء..
لا لا دي ما بتتناسب معاي.. شن السماحة مع شنات الطبع..
وشامة بت السرة ود حمد بالرغم من إنها ما جميلة
لكن زينة مؤدبة ومتعلمة وأخلاقها طيبة.. وأعتقد إنها تتناسب معاي)..
وبينما كان متشولق سارحاً وغارقاً في تفكيره وخياله العجيب
فجأة سمع صوت جارتهم العجوز الحاجة نفيسة يقاطعه
هذه اللحظات السعيدة وتنادي عليه: (يا متشولق يا ولادة السجم إنت..
الشلاقة الـ .. إنت ياجني هوي.. سامعني
ولا أطرش.. الطرش اليقدد أضنيك!)..
نهض متشولق من عنقريبه الهباب عندما سمع الحاجة نفيسة
تنادي إسمه ولكنه لم ينتبه الى شتائمها وذهب ناحيتها
وخاطبها بكل أدب: نعم يا حاجة نفيسة إن شاء الله خير..
ولعل مافي عوجة؟..
شعرت الحاجة نفيسة بقليل من الحياء حينما أطلقت العنان للسانها
وشتمت متشولق مخاطبة له وما زال وجهها (المكرمش)
تظهر عليه علامات الزهج: كيفن عوجه مافي
الله يعوج خشمهم الوليدات ديل من الصباح طفشوا
ما لاقيه لي ولا واحد فيهم أرسلو يمشي لي السوق.. الله لا كسبهم..
ثم واصلت كلامها وغيرت طريقة لهجتها لأنها تحتاجه:
تعال يا عشاي عليك الله يا ولدي عايزه أكلفك هاك
مبلغ الخمسمائة جنيه دي أمشي السوق
وإشتري لي سكر وبن ودواء قهوة جنزبيل وهبهان وقرنفل وقرفة..
والباقي إشتري لي بيهو (جبنة) وهبابة ووقاية وقلاية للبن..
وكان فضل شيء إشتري لي (فناجيل).
عددتها له وقام متشولق بكتابتها على ورقة
وقال مازحا ًللحاجة نفيسة: لاحولا عايزه الحاجات دي كلها الشي عندك (قعده)؟
ثم تناول مبلغ الخمسمائة جنيه من الحاجة نفيسة وأدخلها في جزلانه
مع ورقة الأغراض وهو غير راض ولكن واجب الإحترام حتم عليه قبول المرسال..
ثم دخل غرفته وإستبدل العراقي الذي كان يلبسه بعراقي آخر
لبسه ووضع الطاقية على رأسه وخرج من البيت مسرعاً
قاصداً سوق المدينة.
المفضلات