ما بين أنانية الدور المصري ، وسذاجة الدور السوداني ...
الشاعر الاستاذ تاج السر الحسن في قصيدة آسيا وأفريقيا
مصر يا أخت بلادي ياشقيقة
يا رياضا عذبة النبت وريقة
مصر يا أم جمال .. أم صابر
ملء روحي أنت يا أخت بلادي
سوف نجتث من الوادي الاعـادي
بعد هذه القصيدة عذبة الكلمات ، والتي تغنى بها أستاذنا عبد الكريم الكابلي ، وبعد التهجير الذي حدث ، لأهلنا بوادي حلفا ، تضحية منهم لأهلهم بمصر ليقوم السد العالي ، وبعد كثير من التضحيات التي يقدمها الأخ لأخيه ، أو أخته بكل أريحية وطيب خاطر ، دون من أو أذى ، فماذا قدمت مصر للسودان ، سوى نظرتها الاستعلائية ، والتي ترى دائما بان لها حقوق ، وعلى الآخرين واجبات . والتي تنظر دائما ، بأن لها القدح المعلى ، في تنشئة السودان ، وتعليمه ، ولكن إذا نظرنا إلى ما قدمته لنا هذه الدولة مقابل ما تأخذه من كل مشروع ، لوجدناها هي صاحبة المكسب .
في المجال التعليمي ، نعم كانت جامعة القاهرة فرع الخرطوم ،والمدارس المصرية ، والمنشآت المصرية الأخرى والتي خرجت أجيالا كثيرة ، وساهمت في توطين الوظائف في السودان بموظفين سودانيين ، ساهموا في إدارة عجلة التنمية بالبلاد ، ولكن بالمقابل ، ماذا كانت تكسب الحكومة المصرية من هذه المشاريع في السودان ؟ فكان هنالك تشغيل لعدد غير قليل من الموظفين المصريين ، وبالتالي المساهمة في تقليل البطالة ، إضافة إلى الدور التجسسي المهم ، من هذه المنشآت
في سبتمبر من العام 2006م ، وفي خطاب رئيس مجلس الوزراء وقتها الدكتور احمد نظيف ، أمام طلاب جامعة الإسكندرية ، قال الدكتور بأنه لن يسمح بتقسيم هذا البلد الشقيق ، السودان ، وان الدور المصري سيكون حاضراً ، وقويا وذا تأثير قوي على كل القوى العالمية ، كان هذا الكلام عقب توقيع استسلام نيفاشا في العام 2005م ، ووقتها كان حكم الرئيس مبارك المرتمي في أحضان السياسة الأمريكية ، والتي لا توافق على المساعدة على وحدة السودان . والمعادي لحكومة الإنقاذ ، والذي يتهمها بمحاولة اغتيال رئيسها .
اعتبر معظم المحللون وقتها أن كلام الدكتور احمد نظيف لا يعدو كونه ، للاستهلاك ، ولكنه قد يبعث ببعض الاطمئنان ، لمن يعرفون الحقائق والأرقام ، ومن يدركون خطورة الموقف ، الداخلي لمصر ، وخطورة أمر انفصال جنوب السودان عن شماله . كما أنه يؤكد معرفة الدكتور بضرورة بقاء السودان موحداً ، ولكنه لا يستطيع أن يفعل شيء بدون موافقة أمريكا ، والتي لا ترغب إلا في أفرقة السودان ، وتفريغ العنصر العربي المسلم منه ، أو تشكيل قوة في جنوبه تستطيع بها شل كل نواحي الحياة السياسية والاجتماعية ، ولكن رغم أن مصر لا تستطيع فعل شيء دون استشارة ولي أمرها ، إلا أن مصالحها الإستراتيجية ، والمتمثلة في الأمن الغذائي ، المعتمد اعتمادا أساسيا على مياه النيل ، لا يتحقق دون أن يظل السودان واحداً موحداً مستقرا ، ورغم قناعتها بذلك ، فإنها لم تستطع فعل شيء منذ توقيع استسلام نيفاشا ، وحتى وقوع الفأس في الرأس في العام 2011 ، لم تقم بأي دور يذكر ، لإقناع الشماليين بالقيام بخطوات عملية ، وبرامج إنقاذية لدعم الوحدة ، رغم تحذير بعض المحللين ، بان حكومة الإنقاذ لديها الرغبة الأكيدة في التخلص من الجنوب ، وأن الجنوب لديه الرغبة الأكيدة في الانفصال ، كما إنها لم تقم بأي دور يذكر مع الحركة الشعبية لتقنعها بضرورة الوحدة ، نعم إن الأمر ليس في يدها ، ولكنها هي من اختارت اغتيال شعبها في القريب العاجل .
شعرت الحكومة المصرية بخطورة الموقف وبدأت تتحرك تحركا غريبا وبفكر اغرب ، فبدلاً من التعاون مع حكومة الخرطوم ، قفزت بالزانة ، وعلى الرغم من معرفتها بأن حكومة جنوب السودان ، تعتبرها من المؤيدين للخرطوم بحكم عروبتها ، وهنا قفز المصريون إلى مصالحهم مباشرة ، بعدما تأكد لهم بأن الانفصال سيحدث لا محالة في ذلك ، فبدلا من التعاون مع حكومة الخرطوم ، والتعاون معها نحو تحقيق اطر جيدة للعلاقات مع حكومة الجنوب ، قفزت مباشرة ، وعبر وسائل الرشوة والارتشاء ، وقامت بافتتاح قنصليتها في جوبا ، وحاولت تغيير مفهوم مصر الاستعماري إلى مصر التي تخطب ود الجنوبيين وقامت بعمل العيادة المصرية ، لكسب ود الجنوبيين ، كما قامت بالعديد من المشاريع الخدمية ، وقامت بتوقيع مذكرات تفاهم مع حكومة جنوب السودان ، لعمل مشاريع استثمارية ، ووعدت بإقامة فرع لبنك مصر ، كما وعدت بإقامة فرع لجامعة الإسكندرية في جوبا .
نشأت حركة كوش النوبية ، والتي تنادي بضرورة إنشاء دولة تضم كل النوبيين الموجودين في مصر والسودان ، وانفصالهم عن دولتيهم الأصل ، السودان ومصر ، واحتضان أمريكا لهذه الحركة ، كورقة ضغط ، ورغما عن ذلك لم تنتبه القيادة المصرية ، ولم تهتم لذلك بل ركزت على الاهتمام بالقضية الكبرى وهي قضية مياه النيل ، وفضلت التعامل المباشر والتودد المباشر لحكومة جنوب السودان ، وبالتالي كفت عن كل أنواع التعاون
في قضية المياه الأخيرة فقد ناورت أثيوبيا كثيرا بأنها تنوي إنشاء سد اكبر من السد العالي بمساندة إسرائيل ، مما أثار الهلع لدى المصريين ، أما بالنسبة للسودانيين فان الاتفاقية الأخيرة قد منحته فقط 18.5 مليار متر مكعب من المياه ، وظلت مشاريعه المتمثلة في السدود المقترحة ، والتي ظلت حبيسة الأدراج ، ولم تر النور بسبب عدم وجود الممول ، وامتنع العرب أجمعين من تمويل هذه المشاريع لقيام السدود ، واكتفوا بمقولة أن السودانيين كسالى .
لم تقم مصر بدعم أي مشروع أو لم تقم الدول الأخرى التي رعت الاتفاقيات ، بعمل بروتوكولات لقيام مشاريع تنموية في هذه الدول ، واكتفت لتسخر من هذه الدول وتقل أنها ليست في حاجة إلى مياه النيل ، وان زراعتها فقط قائمة على الأمطار وأنهم من أهالي الكهوف وليس لديهم حاجة للكهرباء ومشاريع السكر وغيرها من المشاريع .وما زالت دول المصب ، تعتمد على أن هذه الاتفاقيات ملزمة لدول المنبع ولا يجوز لهم تعديلها
رغما عن كل هذه الأدوار التي تثبت أنانية مطلقة من الجانب المصري ، وحبا مطلقا من الجانب السوداني ، ورغما عن ذلك لم يوقع السودان على اتفاقية مياه النيل لدول المنبع ، ووقتها رأينا تحرك ونشاط الدبلوماسية المصرية لإيقاف توقيع هذه الاتفاقية وتحييد السودان ومنعه من التوقيع عليها ، وانضمامه إلى دول المصب ، ورغما عن كل المرارات التي يلوكها السودان من أخته العاقة مصر ، فقد كان صوته منضما لمصر ، ولم يوقع على الاتفاقية ، وبعدها سمعنا تصريحات الوزير الفرعوني بأن جيشه سيتجه جنوبا ، إذا ما تم تناول قضية المياه ، أين سيتجه هذا الأبله وماذا سيعمل ، أنها المياه ، هبة من الله ، وهي مثلها مثل البترول والمعادن الأخرى ، فمن حباه الله بالبترول يبيعه في السوق ومن حباه الله بالمياه يبيعه في السوق ، فاستعد أيها الوزير لشراء لتر الماء بألف دولار .
ونواااصل
فتح الرحمن عبد الباقي
مكة المكرمة
24/4/2012
Fathiii555@gmail.com
المفضلات