
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Amin Idries
سؤال طرحته على نفسي كثيراً و لم أجد له إجابة مقنعة ....
من هو المثقف ؟ بمعنى ما هي المعايير التي نستند عليها في تحديد المثقف من غير المثقف ؟
هل هو المستنير العقل ؟ هل هو الحاذق ؟ هل هو الذكي ؟ هل هو المتعلم ؟ لا أدري .....
Cultured or polished or informative or educative
أي من هذه الصفات يمكن نترجم بها كلمة المثقف ؟
هل المثقف السوداني يختلف عن المثقف الأمريكي يختلف عن الفرنسي أم أنه مجرد اختلاف في اللغة و المعيار واحد ؟
هل النخبة السودانية تعتبر نموذجا للمثقفين ؟
اسئلة كثيرة أطرحها عليكم في هذا المنبر الثقافي علّي أجد في تعليقاتكم إجابة شافية لضجيج هذه الكلمة
تعظيم سلام للمتوهج أمين إدريس، تذكرني بسؤالك طرحاً للعميد/ طه حسين، كان حول (الأدب) و زعم أنها مفردة شاردة و دخيلة عل حظيرة بنت عدنان، و قال إنها ربما مشتقة من (دأب) بمعنى العادة و الديدن و جمعها (أدآب). ثم جرى تحريفها بعملية إعلال و إبدال لتصبح(آداب)على شاكلة (آبار) جمع (بئر) و أصلها (أبآر)على وزن أفعال. و لا علاقة لذلك بمعنى الأدب و التهذيب والتثقيف في شيء من قريب أو بعيد.
كذلك (ثقافة) و(مثقف) لم يعرفها العرب في جاهليتهم و صدر و إسلامهم و لا في العصرين العباسي و الأموي . و ليس في كتابات المتقدمين ما يشير إلى وجودها بمعناها الذائع حالياً. و لأهل الصرف شأنهم بكلمة (مثقف) و اشتقاقاتها من(ثقف الشفرة) أي شذب حدها. و ما يعنينا في الأمر هو المعنى الاصطلاحي الذي صار شائعاً لمثقف و وزارة ثقافة تعنى برعاية قرض الشعر و نظم القصيد و سجع النثر و حبك الرواية و سرد القصص ، و بمتابعة حركة الفنون السبعة و أبوها المسرح. و ثمة تساؤل : من أين تبدأ الثقافة و أين تنتهي؟ وكم تتراوح بين أكاديمية و شفاهية. و هل تشمل الأميين والحرفيين أم تراها حكراً على كل نخبوي مثالي دارس للعلوم الإنسانية؟. إن الثقافة أمر فضفاض إذا قمنا نفصل لها تعريفاً جامداً و وصفاً مانعاً جامعاً فكأنما نضيق واسعاً ، شأنها شأن بقية المطلقات كالدين والأفق والعدم و الفن والفلسفة. و لنوجز القول: إن الثقافة هي فعل حضاري و معرفي راق متوج بفعل إنساني رفيع و لا يصح لنا الزعم بوجود ثقافة بلا سلوك.
ثم ما علاقة الإبداع بالثقافة . يرى الناقد الانكليزي ت.س إليوت بأن الكمال في أي نشاط بشري واحد لا يسبغ الثقافة على أحد, لكون التحضر بدون فكر أو حساسية للفنون يجنح بالمرء الى عفوية و سذاجة, و إن علماً بدون تهذيب إنما هو حرث على ظهر قطعة زئبق, و أن الحذلقة الفكرية المجردة صفات انسانية لا تتستدر إعجاباً إلا بمقدار ما ينتزعه ذكاء طفلة معجزة في لعبة الشطرنج و (الكار والدملوج) , كما أن موهبة بلا إطار تربوي و بلا رعاية أخلاقية تعد زيفاً و ذراً للرماد في عيون العمي.فلو عجزنا أن نجد الثقافة ماثلة في أي واحدة من هذه الكمالات بمفردها فكيف نتوخاها في أي فرد واحد أن يكون كاملاً في جميعها, إذاً، نخلص لكون الفرد كامل الثقافة هو محض خيال و أضغاث أحلام؛ و نظراً لاستحالة وجود لشخص جامع لمزايا الكمال، جاز لنا إسباغ الثقافة على المجتمع و ليس على الفرد.
و حتى لا يستقيم ظل العود أعوج، كي يقوم المثقف بدوره المنوط وجب تحليه بصفات وسجايا خاصة منها يقظة الضمير و الموضوعية و استشعار المسؤولية ببسالة موقف و استقلالية رأي و برؤية نقدية ثاقبة وم واكبة للواقع مع إيمان راسخ بقيم الحرية والعدالة الاجتماعية, و لا يمكن تصور أي مثقف لا يتفاعل مع قضايا عصره و لا يغرد وسط أطيار سربه و لا يقلقه مصير أمته، و لا تتوهج أفكاره تحت رماد ثالوث القهر و الجهل و التخلف؛ شريطة أن نتكئ على جدار ماضينا دون أن ندعه يسرق منا زخم حاضرنا ، و نأخذ من غيرنا دون أن ندعهم يستلبون عقولنا فيستبيحون أراضينا لجهال المغول التتتار..
بهذه المناسبة،لا بد أن نحذر من أصناف ثلاثة:_
أولهم (مثقفاتية) مهوسون ، ممن يقفزون بالزان من (الطهارة إلى الخمارة) و هؤلاء يجعلون الثقافة منبر من لا (بنبر) له و يتخذون منها مهنة من لا مهنة له! فلا خلاق لهم ولاحرث لديهم في حقل من حقول المعرفة ، فقط هم عارفون بكيف تؤكل الكتف من حيث لا تؤكل! بارعون في تضليل و خداع الرأي العام بمعسول كلام أفرغ من فؤاد أم موسى و أجوف من حشف و سوء كيل!!
و صنف ثان، يقال لهم ساسة و هم (مسوسون) ، و يتبعهم محللون سياسيون و(مفكرون إسلامويون) و مروجون سطحيون، فقط يقصون و يلصقون و هم أقرب ما يكونون لحمير تحمل أسفاراً.
ثم صنف ثالث يضم جماهير غفيرة من كتاب الأنترنيت ، هم الأجهل بأبجديات قواعد الإملاء ، ناهيك عن نحو و صرف و معان و بديع و بلاغة و فصاحة وعروض،و وو إلخ..
فلم يعد الأمر متعلقاً بما تقرأ أو تعرف ، و لا بسعة مواعينك لما تقرأه و تستهلكه من مواد ثقافية ، بل يتعلق الأمر بأن تجد لنفسك متبوءاً فى فضاءات العصف المعرفي ، في ظل وجود انفصام على الذات و إخصاء ذهني مريع. و لكن لا تقلق إن لم يكن لديك شيء لتقوله ، فلا أحد سيصغى إليك على أية حال. و أصبح أسهل من ذي قبل أن تخرج ثعلباً في ثياب المثقفين، و لم يعد لزاماً حمل مواسيع و مجلدات بعد تغير قواعد اللعبة ، طالما في المتناول انضمام كل من هب ودب عضواً فاعلاً بين النخب، و دونما حاجة لقراءة شكسبير أو دوستويفسكى أو نيتشة ، و بوسع الكل أن يدير حلقات (Talk show) عبر هواتف خلوية حول أسخن القضايا في عصر "الرويبضة" والفضاء المفتوح.
المفضلات