مناحة بنونة بت المك نمر في اخاها عمارة
ماهو الفافنوس
المك نمر وما ادراكم المك نمر هذا الرجل الزعيم لقبيلة الجعليين والذي سطر اسمه باحرف من نور خالداً في صفحات التاريخ السوداني وهو ينتصر لعزة وكرامة هذا الوطن ويحرق المُعتدي الغاشم الخديوي اسماعيل باشا ابن محمد علي الكبير في واقعة سجلها التاريخ في صفحات النضال ضد المستعمر ، هكذا كان المك نمر ثم من بعده كان ابنائه واحفاده من ملوك الجعليين اصحاب كرامة وعزة وقوة ضد كل مغتصب فكانوا فراس تهابهم الجحافل ..
من صلب هذا الرجل ولد ابنه المك عمارة بن المك نمر وكان فارساً تتغني له النساء بقوته وشهامته التي ورثها عن والده المك نمر فقد كان مقاتلاً من الطراز الاول يشهد له بذلك الاعداء وقد صال في الميادين سنين طويلة ولكنه حين حانت لحظة وفاته لم يمُت في ساحة القتال بل مات على فراشه مريضاً ، هذا الامر حزا في نفس شقيقته بنونة بت المك نمر والتي كان مشهود لها بانه شاعرة تنطق الشعر مقفى تحمس به الفرسان حين النزال وتمجد به خصال والدها المك نمر واخوانها المكوك من بعده وكانت تحب اخاها عمارة حباً شديداً وتتغني له بشعر الفراسة وتحسه على القتال ، وحينما رآته يموت في فراش المرض استنكرت له ذلك وتمنت ان يموت في ساحة القتال فارساً وكانها قد استشهدت بقولة خالد بن الوليد المشهورة في التاريخ حينما قال وهو على فراش الموت ( لقد شهدتُ زهاء المائة معركة حتى لم يتبقى في جسدي موضع شبر الا وبه ضربت رمحاً او طعنتُ سيفٍ وها انا ذا اموت في فراشي كما تموتُ العِير ، فلا نامت اعين الجُبناء ) لحبه ان يموت شهيداً
وقفت بنونة بت المك نمر على رؤوس الاشهاد وهم يودعون اخاها عمارة في لحظاته الاخيرة فانشدته وهي تبكي بواحدة من اروع المناحات السودانية الخالدة تلك التي تناقلتها الاجيال جيلاً بعد جيل حتى وصلت الى فنان رائع اسمه عبد الكريم الكابلي فوضع لها لحناً اجمل وصارت خالدة في مكتبة الغناء السوداني باسم ماهو الفافنوس :
ماهو الفافنوس ماهو الغليد البوص
ود المك عريس خيلا بجن عركوس
أحيّ علي سيفه البحد الروس
ما دايرالك الميته أم رمادا شح
دايراك يوم لقى بدميك تتوشّح
الميت مسولب والعجاج يكتح
أحيّ علي سيفه البسوي التح
إن وردن بجيك في أول الواردات
مرنا مو نشيط إن قبّلن شاردات
أسد بيشه المكرمد قمزاته متطابقات
وبرضع في ضرايع العنّز الفاردات
كوفيتك الخوده أم عصا بولاد
ودرعك في أم لهيب زي الشمس وقّاد
وسيفك من سقايته إستعجب الحدّاد
وقارحك غير شكال ما بقربه الشدّاد
يا جرعة عقود السم
يا مقنع بنات جعل العزاز من جم
الخيل عركسن ما قال عدادهن كم
فرتاق حافلن ملاي سروجهن دم
في شرح هذه المناحة والتي وردت بها كلمات دارجة صعبة يقول الاستاذ الكالبي :
إنّ بنونة تنفي عن اخاها عمارة أن يكون متل ذلك النبات الرخو (الفافنوس)
الذي ينمو على ضفاف النبل ويسهل قطعه وربما كانت الكلمة نوبية قديمة
شأنها شأن أكثرية المسميات المتصلة بالنيل.
ثم نفت عنه كذلك أن يكون كالقناة أو القصبة الجوفاء التي يسهل كسرها
ثم أثبتت أنّه إبن المك بلا نقصان وأنّه عريس خيل
وهو تعبير متعامل به بين العرب في جزيرتهم وأحيانا يقولون (إنّه أخو خيل) كناية عن الفروسية.
يقول ألشاعر المعروف أحمد بك شوقي في رثائه للثائر عمر المختار:
(بطل البداوة لم يكن يغزو على تنك ولم يك يركب الأجواء – لكن أخو خيل حمى صهواتها فأدار من أعرافها الهيجاء)
وعركوس كلمة عربية فصيحة تفسرها المعاجم بالكثرة والتجمع.
وعركست الخيل أي تجمّعت.
وتواصل بنونة رسم صورها الرائعة فتبدي أسفها على تلك الميتة السهلة
التي يكون فيها البكاء والعويل وتذري فيها النسوة الرماد على رؤوسهن وهو التفسير الذي أرجّحه على سواه،
إذ أنّ البعض قد ذهب إلى رؤية أخرى.
ثم تذكر بأنّ الممدوح في كل المعارك في موقف الهجوم أو الورود والضمير هنا (إن وردن) للخيل
فهو في المقدمة أمّا في موقف الفر فهو المتأخر المتباطيء على الدوام،
أمّا بيشة الواردة في النص فهي المنطقة المعروفة الآن بهذا الإسم في الجزيرة العربية
وكانت مأسدة عرفت بضراوة سباعها.
ونجد بعض الكلمات التي تتسم بالوضوح كالكوفية والخوده وهي الخوذة وبولاد هي فولاذ
وقد قلبت الفاء باء،
وربما كانت هي الأصل،
وأم لهيب من أسماء الحرب وفي آخر مرثيتها تشبّه الممدوح بجرعة السم المركّ
ز وأنّه الستر لكل فتيات قبيلة الجعليين وهي القبيلة التي اشتهرت بالعزّة والفروسية والتصدي للظلم والضيم.
وهذا شرح موجز لهذه الأغنية الرائعة التي يمكن الإسترسال المسهب في إيحاءآتها المتعددة
المفضلات