وكم من صديق عزيز جداً، غرسناهم ولكن ما دفناهم!!
لا أضيف شيئاً إن شبهت عروة الصداقة بشربة ماء كلما احتدم هجير المعاناة و عتت النوازل و استحكمت حلقات البلايا و ضاءلت الفتن بعضها بعضاً، كلما أزداد عطشنا لها .
و الصداقة لاتأفل كما الشموس. و لا تذوب مثلما تذوب الثلوج، و لا تذبل أوراقها أو يشحب ثغرها إلا إذا نضب معين الحب و لا ينفد رحيقها ويذهب بصرها إلا إذا جفت مآقي العطاء.
هي مودة وتراحم وإخلاص، و كيان نوراني بين حنايا الوجدان، لا توزن بميزان و لا تقدر بأثمان . ثمار الأرض تجنى كل موسم لكن الصداقة تجنى كل حين بإذن ربها.
إنها كوردة بلا شوك و لا غبار عليها ، وهي وجه آخر غير براق لعنفوان الحب و لكنه وجه لا يصدأ أبداً لذات العملة الصعبة،
خرج صديقان في سفر هائمين في االعراء ليومين كاملين حيث تطقعت بهم السبل و بلغ بهما العطش والتعب واليأس مبلغاً،
و ثار جدال حول أقصر الطرق للنجاة من موت محقق فلما عثرا على شربة ماء اقتتلا عليها و صفع أحدهما الأخر.
و الذي لم يفعل أكثر من أن أكلها و سكت ثم كتب على الرمل: تشاجرت اليوم مع أعز صديق فصفعني على وجهي ؛
ثم سارا إلى أن وجدا عيناً من الماء فشربا منها حتى ارتويا و نزلا ليستحما و يسبحا,
كان المصفوع لا يجيد السباحة فأوشك على الغرق فهب الأخر إلى إنقاذه و قد كان الموشك على الغرق نحاتا حاذقاً,
ولكنه ما كاد يلتقط أنفاسه حتى أخرج من جعبته إزميلاً (كأزميل فدياس) و بكل روح عبقرية ، نحت به نقشاً منمنماً على صخرة :
اليوم أنقذ صديقي حياتي فكم أنا مدين له بها .هنا بادره صديقه الغارق في الدهشة بالسؤال لماذا كتبت صفعتي إياك على الرمل,
و تنحت إنقاذي لحياتك على الصخر؟ فكانت منه الاجابة’: لأنني رأيت في الصفعة حدثا عابراُ تافهاً
وزبد لا بد أن يذهب جفاءً فلم و لن يستوقفني , و أما إنقاذك حياتي فهو معدن أصيل يمكث في أرض صلبة،
نقف عليها ونسير يا صديقي و ها أنا أحفره بحروف من النور على هذه الصخرة علها تكون شاهداً عليه.
فما أجمل الصداقة وأحلى الحياة مع الأوفياء وما أتعس الحياة بدونهم. فقد اشتق الصدق للصداقة اسماً من اسمه ،
مشاركةٌ في السراء والضراء و بذلٌ وعطاء .. ولكن هل كل إنسان يصلح مرآةً صادقة لحسن سير وسلوك أخيه ,
(فالمرء على دين خليله ، فلينظرأحدكم من يخالل و لأن (إن القرين بالمقارن يقتدي)
تنويه بسيط: لحكمة يعلمها الله ولعله توارد خواطر ملؤها الصدق و نقاء السرائر و
أنا أهم بإرسال مشاركتي هذه كبست قدراً على مفتاح"معاينة" بدل "إرسال"،
فلما استعرضتها ،إذا بصديق لي ، وقد استغل هفوتي ليعاجلني بمداخلة منه
فقلت في نفسي: كعاتدك يا ابن أم لي لم تلدني، فلن أسبقك إلى خير أبداً.. و أنت تفتأ تنعي "أخوتنا"
بكل خير و تبلها ببلالها كلمالاحت لك السوانح.
فلا تدع مجالاً للنعاس أن يداهم أجفاننا.
عابر
المفضلات