دماء بلا ثمن ......
لايخاف الناس في عصرهم هذا من زحف المؤامرات الخارجية بقدر مايقض مضجع الامة استشراء السلوك المتطرف للجماعات المنتسبة لدين الاسلام في وقت صارت فيه لغة السلاح والدم هي الوسائل الوحيدة في التعاطي مع قضايا الامة ومصيرها الحالك والمدلهم بهموم ابنائه .
الجوع والفقر والجهل وانتشار الظلم والظالمين هي بالتاكيد عوامل مجتمعة أسهمت في إفراز جيل جديد من اصحاب السلوك المتطرف ممن تربوا على تناقضات مجتمعاتهم وممن امتلأت أعينهم بصور الفساد المستشري بين افراد المجتمع فهرعوا بلا هوادة ولا توقف الى الانغماس في أتون الغلو والتشدد فوجدوا في الاحتكام الى صوت القوة مخرجاً وحيداً لاثاني له من سقم الامة وانعتاقها في هاوية السقوط ورأوا أن سبل التقويم والاصلاح لحالة التردي المزري لامتهم انما يكمن في " جهاد شامل " يبدأ من قتال من اطلقوا عليهم مصطلح " أهل الكفر والطاغوت " من ابناء أمتهم ويمتد ليشمل اعداء الاسلام في الداخل والخارج .
ان طاعون " التشدد والتطرف الاعمى " لن يكون بديلاً لحالة الخذلان والانحطاط التي تعيشها المجتمعات المسلمة في عصر السقوط ، فهي كالزيت حينما يصب على النار تمتد نيرانه لتأكل الاخضر واليابس ولاتميز بين الحق والباطل فهو يكاد لايميز الخبيث من الطيب ، ففي رائحة باروده تمتزج الدماء المعصومة لتسيل انهاراً وتزرع الحزن واليتم في وجوه الابرياء والذين اعتادوا على الاحزان والمصائب في عيشهم وحياتهم .ماتمر به الامة العربية والاسلامية في عصر الصراعات الطائفية وتشدد الجماعات والتشكيلات المسلحة وسقوط الانظمة الحاكمة انما يدق جرس الانذار الاخير لقيام دويلات وجماعات متفرقة تحكمها لغة الدم وتسودها الفوضى وتستشري فيها فتن الاقتتال والتنازع والفرقة والانقسام " فكل حزب بمالديهم فرحون " وكل جماعة ترى أنها تصدع بالحق دون الاخرى ، ناهيك عن تكفير افراد المجتمع والعمل تحت سياسة " تصفية الحسابات " وارهاب الناس وترويعهم والعبث بأمنهم ، فلا استقرار يضمن العيش الكريم ولاعيش امن يسد فيه الرمق الاخير .
ان مانسمعه اليوم ونعايشه في الاونة الاخيرة من قيام " دولة الخلافة الاسلامية " واستفحال هذا النهج الجديد من جماعات الجهاد المسلح في أوساط الامة هو نتاج مباشر للفشل المستمر في منظومات الحياة الاجتماعية والثقافية وذلك الانهيار الكامل في سلوكيات الافراد داخل المجتمع الواحد فتح الباب على مصراعيه لنشوء افكار متشددة تحمل في ظاهرها قضايا " النصرة والتمكين " وتخبئ في مضامينها " فوضى الانقسام ولغة الدم " ليستمر مسلسل القتل في تصوير احداث دامية تتكرر كل يوم وكل ساعة لتزيد من معاناة الابرياء والبسطاء ممن لاناقة لهم ولاجمل في دراما الصراعات المذهبية والعقدية .ان الشعوب المغلوبة على أمرها دفعت ثمناً باهظاً كلفها أمنها واستقرارها وحياتها بسبب استفحال ظاهرة " السلوك الارهابي " والذي استن منهجه وفقاً لازدواجية المعايير وهيمنة الفكر المتشدد منظروا " الجهاد المسلح " من علماء السلفية الجهادية أمثال " الدكتور هاني السباعي " مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية والذي يعتبر أحد أكبر منظري فكرة " الدولة الاسلامية " و يعتبر ركيزة أساسية ودينمو محرك لعملية احياء " الجهاد والثورة على الانظمة الحاكمة " وقيام الدولة الاسلامية كبديل للحكومات الجمهورية ومثيلاتها من انظمة الحكم الوضعية فهو يرى بأن في الجهاد السبيل الوحيد في تخليص الامة من أمراضها وفي الخلافة الاسلامية الطريق الاوحد في سيادة العدل واسترداد مجد الامة وعزها الضائع بين سيل المؤامرات وضعف وخنوع المسلمين .السباعي وغيره من رموز فكرة " دولة الخلافة الاسلامية " اسسوا لنظام ارادوا له الانتشار بلغة الدم والقهر وغفلوا عن جوهر الرسالة السمحاء والتي قامت على أسس اخلاقية سوية لاكراه فيها ، فهي كالنسم العليل الذي يستقر في صدور المؤمنين الصادقين النافعين لدينهم ومجتمعهم .ستكشف الايام القادمة لامحالة عن سيناريو أخر من فصول " الارهاب باسم الدين " وستظهر افرازات الاقتتال في بلاد الشام والعراق واليمن ومصر وغيرها وتكشف القناع عن أخطر طوفان قد يصيب العالم اجمع في مقتل ، فهو ارهاب أعمى لايفرق بين اخضر ويابس ... فالله الله نسأل أن يجنبنا شر الفتن ماظهر منها ومابطن .
المفضلات