انتصف الليل
وزاد عن ذلك قليلاً
وأنا أجلس في غرفتي
أتكأت ركنها
وبين يدي رواية طويلة
قرأتها في جلستي تلك
لم أحس أبداً بالوقت
فالرواية سافرت بي في عوالمها
و أوقعتني مرغماً بين أسطرها
أحس بأبطالها وأعايش أحداثهم
قرأت الرواية
حتى نقطة النهاية
بعد ذلك بقليل
جلست بيني وبين نفسي
أفكر فيما قرأت
كعادتي بعد انتهائي من القراءة
أحلل وأتذكر و أسطر
أحاول ألا أنسى ما قرأت
و فجأة
استولى علي سبات
لم أحس بنفسي إلا وهو يميتني موتة صغرى
فخلدت للنوم
وأنا أتكئ زاوية غرفتي
مجانب لسريري
غطاني كتاب روايتي الذي كنت أقرؤه
و اتكأت على جدار غرفتي جديد الأصباغ
ظلام دامس
في تلك الغابة المخيفة المعالم
حيث الأشجار الخريفية البالية
و أصوات الكلاب و الذئاب المخيفة
حيث القمر المضيء لظلمة الليل الشتوي الطويل
برد قارس
يكاد يقتل من شدته
بعيداً عني بمسافة
شموع تعاون القمر فتضيء جزءاً من الغابة
حاولت أن أصل إلى هناك
علي أجد أحداً
فأنا تائه في هذا المكان
لا أدري كيف وصلت إلى هنا
سرت في طريقي أرغب الوصول إلى تلك الشموع
و فعلاً
وصلت إلى هناك
شموع مضيئة
بجانب كهف بالٍ غير واضح المعالم
أرى بجانب الكهف بعيداً بقليل عن مكان الشموع
ناراً وضعها أحد ما علها تجلب له الدفء
جلست بجانب تلك النار
علي أدفأ من برد الجو القارس المميت
و أثناء جلوسي الدافئ هذا
اقترب مني ظل لا أدري مصدره
اقترب أكثر وأكثر
وكل لحظة يزاد اقترابه
وقفت لأبحث عن ذاك الظل ومصدره
ماهذا !!!
إنها فتاة عشرينية فاتنة الجمال
شامتها تزين خدها
و كحلها يزين عينيها
إنها فاتنة الجمال
جذابة المعالم و الأجزاء
وكأنها تعيش مدينة متطورة
ومن يراها لا يتوقع أبداً أنها أخذت ذاك الكهف
ملجأ لها
لكن
لماذا أخذت الكهف ملجأ لها
رغم مالها الجذاب الصارخ ؟
أجلستني بجانبها
واستقبلتني دونما تسألني عن مصدري وكيف وصلت إلى هنا
وكأنها كانت تتمنى أن يصل إليها أي أحد
وكأني قد أتيتها هبة من السماء
أخذت تتحدث وتسهب في الحديث
دونما أنطق بكلمة واحدة
سوى أنني قلت لها
"أعتذر إن كنت قد ضايقتك أو أزعتك بقدومي إلى هنا
لكنني تائه ضللت الطريق"
هذا ماقلته لها فقط
حتى أنها لم ترد على جملتي التي قلت
أخذت تتحدث مسهبة في الحديث
لكنها لبقة الحديث
تعرف كيف تصيغ جملتها
وكأنها تعيش المدينة
و الرائي لها لايتوقع أبداً أنها تقطن ذاك الكهف البالي
"أنا فتاة ولدت هنا في هذا المكان البعيد عن الناس
ولدتني أمي دون أن أراها
و جاء بي أبي دون أن أراه
لا أعرف أحداً في هذا العالم
عندما ولدت كانت هناك امرأة ومعها زوجها و ابنيهما
ربيت معهم حتى انني كنت أتوقع أنهم أهلي
لكن عندما كبرت و أصبحت أعي ماحولي
نقلت لي الحقيقة من أمي "التي كنت أعتقد أنها أمي"
لكنني لم أتغير تجاههم 000 بل على العكس تماماً
أحببتهم أكثر 000 لأنهم اهتموا فيني وأنا لست بنت بطنها
بعد أن بلغت العاشرة توفي ابنيهما بمرض لم يعرف له دواء
فأصبحت أنا ابنتهم الوحيدة
فدللوني و أعطوني كل ما اريد"
وبالطبع أنا في غاية الاستغراب مما تقول
كيف يلبون لها طلباتها في هذه المقطعة التي لا يوجد بها أي سبيل من سبل الحياة الرغيدة
سوى أنها غابة تحوي شجراً و أنهاراً و مناظر طبيعية خلابة
"لم أعرف في حياتي كلها رجلاً
ولم أعرف الحب ابداً سوى لوالدي اللذين ربياني
أما الحب الصبياني النابع من القلب لشاب أحبه ويحبني
لم يحدث قط
لأني لم أرى في حياتي إلا أخواي و أبي
ثم جئت أنت الآن
لكن ليس معنى كلامي أني أحببتك
فالحب ليس لعبة ألعب بها على المارة والسائحين
لأن الحب أكبر مني ومنك"
أعجبني كلامها وأحسست أنها تعرف كيف تحب
أحسست أنها فتاة ناضجة سبقت عمرها بكثير
سألتها بعد ذلك
"لكن أين أبويك؟"
أجابتني بعد لحظات صمت يبدو اني ذكرتها بهما
لكن رغم ذلك لم أرى دمعة تزور خدها
بالعكس
كانت مبتسمة جذابة
"والدي توفيا بعد أن غرقت أمي في ذاك النهر البعيد
حاول والدي إنقاذها لكن القدر كان أسرع منه
والآن أنا أعيش لوحدي هنا
لا يوجد هنا في هذا المكان الكبير الفسيح
سواي أنا"
سألتها :
"وكيف تحسين؟
هل تعجبك الحياة هنا؟
أم أنك تتمنين الانتقال للعيش إلى هناك؟"
ابتسمت في وجهي وكأنها تقول 000
سنين طويلة مرت وأنا هنا
فكيف تسألني هذا السؤال
أجابتني
"ألا ترى هذه المناظر الخلابة الجذابة
أشجار و أنهار و حياة رائعة
صحيح أنني وحيدة هنا
لكني مستعدة للموت هنا دون الانتقال للعيش في مكان آخر"
أسرت قلبي تلك الفتاة
لأني عرفت حقيقتها كاملة في جلسة واحدة
وخلال أقل من الساعة
سألتها
"ألا تحسين بالبرد الذي أحس به؟
إني أراك تلبسين الملابس الصيفية التي لا تقي برد الشتاء القارس ؟"
أجابتني
"نعم
البرد قارس
لكني تعودت على هذا
فالبرد يزورني كما الحر
وكلاهما عندي سواء
في البرد تدفئني ناري هذه
وفي الحر يبرد جسدي ماء النهر الجميل"
اقتربت منها
"وهل لي أن أدفئك
كأني أراك ترتجفين من البرد"
اقتربت مني وابتسمت في وجهي
وكانها رضيت بما قلت
اقتربت منها
ونحن نجلس بجوار بعضنا
فحضنتها ووضعت راسها على صدري
علها تحس بحنان ضاع منها سنين طويلة
ومع هذا المشهد الرومنسي
أنا
فتاة عشرينية جميلة جذابة
أحتضنها لأدفئها من برد الغابة القارس
رأسها على صدري
حنااااان لا مثيل له
استيقظت من سبات كان قد سرقني من عالم الحياة وانتقل بي إلى عالم آخر
عالم مجنون
إنه عالم الحب
لكنه جاء هذه المرة
عااقلاً جداً
يتمنى كل عاقل
لو يعيشه حقيقة
فما أجمل الحب
وما أحلى لحظاته
وعذراً للإطالة
المفضلات