الحمد لله الذي جعل الدينَ قواماً، ومحمداً للمرسلين قائداً وإماماً صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، والقرآنَ على الكتب السماوية مهيمناً، والإسلامَ للأديان السابقة ناسخاً، والمسلمينَ على الأمم الماضية شهداء عدولاً.
والحمد لله الذي لم يخلق الخلق عبثاً، ولم يتركهم سدى، ولم يكلفهم شططاً.
الأمة الإسلامية لا تحتاج إلى وضع دستور ولا إلى سنِّ قانون، إذ دستورها كتاب ربها وسنة نبيها: "تركتُ فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما أبداً، كتاب الله وسنتي"1 ، يستمد منهما ولاة أمرها من العلماء، والحكام، والقضاة الفتاوى والأحكام، ويقيسون على أصولهما الجامعة ما استجد واستحدث من قضايا، وأحداث، وأحكام.
لهذا قال معاذ بن جبل رضي الله عنه – أعلم هذه الأمة بالحلال والحرام بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم – عندما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن مرشداً ومعلماً، وقال له: "كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بما في كتاب الله، قال: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإن لم يكن في سنة رســـول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أجتهـد رأيي لا آلو2؛ فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدري، ثم قال: الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يرضي رسول الله".3
فإن أبى المسلمون إلا التيسير، لضعف الهمم أوالتقليد لغيرهم والتشبه بهم – بمن نهانا الشارع الحكيم من التشبه بهم وهم الكفار: "ومن تشبه بقوم فهو منهم"4، وأرادوا أن يضعوا دستوراً وقانوناً على غرار دساتير الكفار وقوانينهم، فينبغي لهذا الدستور أن يكون مستمداً من عقيدة وهوية الأمة، ومحققاً لطموحاتها، وملبياً لرغباتها، وحامياً لعقيدتها، وحارساً لدينها وعرضها وشرفها.
وبعد..
فهذه وقفات سريعة مع أخطر مخالفات الدستور للإسلام، نكتبها نصحاً للأمة، وتبرئة للذمة، وتذكيراً للأئمة، ومعذرة إلى ربنا، ولعلهم يتقون ويرعوون، وإجابة لكثير من الأسئلة والاستفسارات بلسان الحال والمقال، عملاً بقوله تعالى: "وَإِذَ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ"5، وخوفاً وحذراً من قوله صلى الله عليه وسلم: "من سُئل عن علم ثم كتمه ألجم بلجام من نار يوم القيامة"6، إذ الساكت عن الحق شيطان أخرس.
المفضلات