تابعت الحلقات التي نشرتها جريدة الصحافه السودانية بقلم علاء الدين بشير حول السودانين الذين يهاجرون الى اسرائيل عن طريق الحدود المصرية الاسرائيلية وهالني الحكايات واليكم هذه النشرات
مهمة صحفية على مشارف اسرائيل !! «1 »
غير ما تتناقله وكالات الانباء بكثافة عن السودانيين المتسللين عبر الحدود المصرية الى اسرائيل ، كانت هذه القضية مثار جدل محموم فى مجالس السودانيين و اصدقائهم المصريين فى القاهرة ، وكذا محط اهتمام الصحافة المصرية و العربية وقبلهم لدى الرأي العام السودانى ، سوى ان هذا الاهتمام فى مجمله كان ينصب على الجانب الامنى من القضية فقط بالتركيز على ان مؤامرة ما وراء حالات التسلل الكثيفة الى اسرائيل و كذا الحالات التى تم ضبطها من قبل حرس الحدود المصرى و تمت محاكمتها واودعت السجون المصرية ومحاولة ربط هذا بتطورات الأزمة فى دارفور ، لذا فقد كانت اغلب التغطيات نقلا عن مصادر امنية مصرية ، ولم تهتم اجهزة الاعلام المختلفة بالجوانب الانسانية لأزمة اللاجئين و لا بسقوط ضحايا او جرحى بينهم برصاص السلطات المصرية او عن طريق عصابات البدو التى تهربهم الى داخل اسرائيل ، او تكترث لاستنطاق اى من المحكومين باسرائيل ، بعد ان سدت مفوضية الامم المتحدة للاجئين فى وجوههم باب الامل بتوطينهم فى بلدان العالم الجديد امريكا ، كندا ، استراليا !! او بالوقوف ميدانيا على ملابسات تلك المخاطرة بالحياة و الحياء من اجل الحياة !! .
البحث عن ثغرة !
ولان هذه اول زيارة لى الى مصر فقد كنت حريصا على التدقيق فى سبيل امن بعض الشئ يجعلنى على المام دقيق بتفاصيل قضية السودانيين المتسللين عبر الحدود المصرية ، لكن كانت معظم الاجابات تأتينى بان هذا الملف فى يد سلطات امن الدولة و هى جهة يصيب ذكرها السامعين بالرعب فى مصر ، وان الوصول اليها محفوف بتعقيدات كثيرة ، ولم تحدث نفس احد من الصحافيين هناك بالذهاب الى منطقة الحدود لاستجلاء الحقيقة من مظانها سوى صحافية سودانية ناشئة اسمها رفيدة تعمل فى صحيفة «24 ساعة» و هى صحيفة حديثة الصدور و توزع مجانا يرأس تحريرها سمير رجب ، رئيس التحرير السابق لصحيفة الجمهورية ، قالت لى انها فكرت فى ابعد من ذلك، و لكنها كانت تصطدم بحاجز الخوف و انعدام الرفقة المأمونة . التقيت باثنين من مسؤولى المنظمات التى تعمل فى خدمة اللاجئين السودانيين بمصر هما تاور وبطرس ، احدهما «تاور» لديه دراسة مقدمة الى الجامعة الاميريكية بالقاهرة تتناول قضية المتسللين الى اسرائيل ، ورغم كم المعلومات التى بحوزتهما الا انهما لم يصلا الى منطقة الحدود مع اسرائيل او يلتقيا بالمتسللين ، ولكنهما اخبرانى ان الجهة الوحيدة التى استطاعت الوصول الى المتسللين المسجونين هى مكتب الحركة الشعبية بمصر ، وتصادف ان كان ذلك اليوم يصادف الا حتفال بالذكرى الثانية لرحيل زعيم الحركة التاريخى و النائب الاول لرئيس الجمهورية السابق الدكتور جون قرنق ، بدار حزب الوفد بالدقى ، فذهبت برفقتهما الى هناك ، وتعرفت الى اسامة احد الشباب النشطين بالمكتب و نقلت اليه رغبتى فى الذهاب الى سيناء و مقابلة السودانيين المعتقلين ، وعدنى خيرا و اتفقنا على اللقاء بمكتب الحركة بعد ايام .
اختراق !!
فى مكتب الحركة عرفنى اسامة بالامين العام للحركة الشعبية بمصر ، نصر الدين كشيب ، و الذى تجاذب معى اطراف الحديث حول القضية و وعدنى خيرا بتسهيل مهمتى الى سيناء و قام بدوره بتعريفى الى مضال اقوير وهو قانونى شاب يشغل موقع سكرتير المنظمات الفئوية و الجماهيرية للحركة بمصر و مكلف فى الوقت نفسه بملف اللاجئين السودانيين، الامر الذى جعله يقوم بعدة رحلات الى سيناء قصد فيها بلدتى رفح و العريش على الحدود مع اسرائيل و التقى بالمتسللين القابعين فى الحراسات المصرية . و تعرفت ايضا الى بولس لوال ، وهو مساعد مضال فى ملف اللاجئين السودانيين ذهب ايضا عدة مرات الى سيناء ، ابدى الرجلان استعدادا عاليا للتعاون معى فى مبتغاى و بعد تنوير لمدة ساعة تبادلنا ارقام الهواتف النقالة و وعدانى بالاتصال بى قبل يوم من موعد سفرنا الى سيناء ريثما تكتمل الترتيبات الخاصة بالاذن من امن الدولة فى مصر . بعد اربعة ايام اتصل بى اسامة ليخبرنى انه استخرج الخطاب من المكتب بأسماء ثلاثة اشخاص انا رابعهم وانه ذاهب الى امن الدولة لتصديقه و سيكون سفرنا غدا صباحا . و عصر ذات اليوم اتصل بى بولس لوال ليخبرنى ان الخطاب بحوزته الان و ان تحركنا سيكون فى السادسة صباح الغد لان الرحلة الى العريش بشمال سيناء تستغرق ما بين ست الى سبع ساعات حسب نوع الدابة التى سنستقلها ، و اتفقنا على ان نتوافى فى محطة المرج الجديدة و هى اخر محطات مترو الانفاق باتجاه المرج . التقيت سمارى من المثقفين و الصحافيين السودانيين و المصريين حيث اعتدنا على السهر بأحد مقاهى القاهرة الهادئة نسبيا و اخبرتهم باننى مسافر «الدغش» الى العريش على الحدود المصرية الاسرائيلية فى اثر السودانيين المتسللين ، ابدى معظمهم قلقلا تجاه العواقب المحتملة و سألونى اذا ما كانت كل اوراقنا مكتملة و ان نكون اخطرنا الجهات الا منية المصرية ، فأومأت اليهم بالايجاب ، و تمنوا لى التوفيق .
فى الطريق الى سيناء
وصلت فى الموعد المحدد الى المرج الجديدة ، طلب منى بولس البقاء داخل اسوار المحطة وو صل بعدى بنحو ربع الساعة ، خرجنا لنجد السلطان اواو ارياط فى انتظارنا ، وهو سلطان منطقة اويل بولاية شمال بحر الغزال بجنوب السودان ، و اخبرنى انه يقصد العريش لتفقد بعض من ابناء منطقته ممن وقعوا فى اسر السلطات المصرية للاستماع الى مطالبهم و تقديم ما تيسر من عون و اخطار اهاليهم بما حل بهم ، اخذنى السلطان لتناول شاى الصباح فى المقهى المطل على موقف العربات ، وطلب منا بولس البقاء به ريثما يذهب الى داخل محطة المترو ليأتى برابعنا فى الرحلة . بعد ربع الساعة عاد بولس برفقة فاولينو ، و هو من ابناء قبيلة الشلك قال لى انه يود الذهاب الى هناك لزيارة زوج شقيقته المحكوم بالعريش .
وقفنا امام مكتب الترحيلات ، كان كلما تأتى عربة اجرة و نسأله يعتذر بأنه غير ذاهب الى العريش .. و ما ان نتركه حتى يتفق مع مصريين او فلسطينيين و يرحل بهم ، تضايقنا جدا من ذلك ، و فسرت الامر بينى وبين نفسى على ان سائقى العربات ربما ظنوا من خلال ما نما الى علمهم عن السودانيين اللاجئين بمصر و ظروفهم القاسية اننا لا نمتلك قيمة الاجرة من القاهرة الى سيناء و البالغة 17 جنيها للراكب الواحد ، بينما ارجع بولس ذلك الى سلوك عنصرى تجاه السودانيين بصورة عامة . ذهبنا الى سائق عربة اجرة آخر و سألناه فأجابنا انه ذاهب و لكن بعد تحرك العربتين اللتين تقفان فى النمرة قبله و كانت الاولى تحتاج لراكب واحد و الثانية لراكبين ، و لم يمض سوى وقت وجيز حتى شحنتا و خرجتا من الموقف وعندما هممنا بالركوب اخبرنا انه غير ذاهب لانه مرهق و يريد ان يرتاح ، تركناه بغضب و لكنا رأيناه يخرج من عربته و يذهب لمفاوضة مجموعة من النساء !! . بقينا على حالنا تلك حتى الساعة الثامنة و النصف عندما و صلت عربة مرسيدس حمراء من طراز قديم و لكنها بحالة جيدة تتسع لتسعة ركاب بما في ذلك السائق ، وهى من نوع السيارات الاجرة التى يشيع استخدامها على خط القاهرة شمال سيناء ، وافق سائقها «عم احمد» على الذهاب و على حملنا ضمن الركاب و لكنه اشترط لذلك ان ندفع عشرين جنيها لكل راكب و عندما سألناه لماذا قال لانه لا توجد عربات ذاهبة الى هناك هذه الايام . قبلنا و ركبنا نحن الاربعة و كان معنا اثنان من المصريين الصعايدة و بعد دقيقتين جاء اثنان اخران واكتمل العدد ، و عندما عاد من التوقيع لدى سلطات ادارة النقل العام فى الموقف سألنا نحن السودانيين ان كانت جوازاتنا معنا و كل اوراقنا مكتملة فأجبناه بأنها كذلك فأنطلق بنا الى حيث نقصد .
اعتراض على مدخل القناة !!
لان الطريق طويل و رتيب فقد نام من نام و صمت عن الكلام المباح من صمت ، وكنت احضرت معى رواية «ملائكة و شياطين» لدان براون صاحب رائعة «شيفرة دافينشى» لتبديد رتابة الرحلة الطويلة . توقفنا بعد مسيرة قرابة الثلاث ساعات فى كافتيريا عند نهاية الاسماعيلية لمدة ربع ساعة ثم عاودنا المسير مجددا و بعد نصف الساعة توقفنا عند نقطة تفتيش على كوبرى السلام «مبارك» الذى يعبر فوق قناة السويس ، وكانت تلك نقطة التفتيش الثالثة منذ ان غادرنا القاهرة . جاء الينا احد افراد الشرطة بالزى الرسمى و سأل السائق ان كان يحمل معه اجانب و تحديدا فلسطينيين او سودانيين ، فأجابه انه يحمل سودانيين . طلب منا اوراقنا فتصدى له بولس و اخرج له الخطاب الموقع من الامين العام للحركة الشعبية بمصر الى الجهات الامنية طالبا منهم فيه تسهيل مهمتنا القاصدة الى تفقد اوضاع اللاجئين السودانيين المحتجزين لدى السلطات المصرية بالعريش . استلم العسكرى الخطاب واطلع عليه ثم رجع فيما يبدو الى عسكرى آخر اعلى رتبة منه و ذهب الاثنان الى ضابط شرطة برتبة ملازم اول كان يجلس على كرسى تحت الكبرى فاطلع على فحوى الخطاب و طلب منهما احضار اوراقنا الثبوتية ، عاد الينا العسكرى فسلمته انا جواز سفرى و كذا السلطان اواو بينما سلمه بولس بطاقة عضويته فى الحركة الشعبية معتذرا بأنه ترك جواز سفره حيث يقيم بشقته ، فيما سلمه فاولينو وثيقة زرقاء صادرة عن مفوضية اللاجئين التابعة للامم المتحدة . ذهب العسكرى و عاد بعد نحو عشر دقائق طالبا منا النزول من العربة و امر السائق ان يجنب فى اتجاه لا تمر منه حركة السير ، و طلب منا ان ندخل الى الظل تحت الكبرى .
وجدنا هناك مجموعة من الفلسطينيين يبدو انهم محتجزون ايضا يجلسون على رصيف الكبرى ، و عدد من عناصر الشرطة بالزى الابيض و يضعون مسدسات على وسطهم ، وآخرين بالقرب من عربة بوكس مكتوب عليها الامن المركزى يرتدون الزى الاسود و يحملون البنادق الآلية . كنا جميعا مطمئنين ان الامور ستنتهى سريعا على ما يرام و خاصة بولس الذى مر من هذا الطريق اكثر من مرة قاصدا الى العريش ، لكن مرت نصف ساعة و لم يحدث شئ ، وبدأ سائق العربة فى التذمر من التأخير لكن احد عناصر الشرطة زجره بلهجة آمرة فكف عن الاحتجاج . عاد الملازم اول من مبانى نقطة التفتيش على الجانب الايمن للكبرى بدون اوراقنا الثبوتية ، وطلب من العساكر ان يجلسوننا على الرصيف مثل الفلسطينيين و يبدو انه كان يقصد اراحتنا من عناء الوقوف لوقت طويل ، ولكنى رفضت الجلوس لانى احسست بشئ من الاهانة فى الطريقة التى نفذ بها العسكرى امر الضابط وفضلت الاتكاء على علبة الكبرى الضخمة متظاهرا بأننى مشغول بقراءة الرواية و غير مكترث للامر . ، و عندما اخذ الوقت فى التسرب ، بدأ القلق يساور بولس ، فاتصل بنصر الدين ، الامين العام للحركة بمصر و اطلعه على الموقف طالبا منه التصرف ، كما بدأ الضجر والغضب ينتابنا جميعا ، فذهبت الى الملازم و قلت له ما الامر فقال لى ان بيننا من لا يحمل جوازا و من معه وثيقة اممية مدتها منتهية و كذا من يحمل جوازا ايضا منتهى الصلاحية ، فقلت له اننى احمل جواز سفر سارى المفعول و دخلت الى مصر قريبا و بطريقة شرعية و هناك اتفاق بين بلدينا يسمح لى بحرية التنقل فى كافة انحاء الجمهورية ، فأين المخالفة هنا ؟ . نظر الى مليا و سألنى ماذا اعمل فقلت له اننى صحفى . فقال لى انه ليس هناك اى شئ فى مواجهتى و بعد قليل يمكننى ان استلم جوازى و انصرف ان شئت ، فقلت له اننى لن اترك رفاقى لانهم ايضا يمثلون جهة اعتبارية و لديهم ردود وجيهة على ما تعتبره انت مخالفات ، كنت متيقنا انه يقول لى هذا الحديث لمجرد الاستهلاك و انه لن يسلمنى جوازى و يدعنى انصرف انا تحديدا . !!
نواصل
المفضلات