الإهتمام بصحة البيئة كأساس لصحة الإنسان الذي هو قيمة عليا في كل البلدان تقوم عليها تطور الأمم وحضارتها ورقيها تقع في بلادي في مرتبة متأخرة جداً في ترتيب أولويات الرسميين والشعبيين قياساً بأهميتها المتعاظمة .. وتلك بكل أسف حقيقة تستوجب الوقوف عندها وتسليط الضوء عليها ومحاولة الإدلاء بدلونا لمعالجتها فمن البداهة أن القضاء على المسببات أهون بكثير من محاولة درء النتائج ودرهم وقاية خير من قنطار علاج ، فأين نحن من الوقاية ؟
دفعني للتطرق لهذا الموضوع أمران : أولهما ما يتداول في الآونة الأخيرة في منتدانا عن غزو الجنادب لمدينتنا وعن الملاريا الضيف الدائم خاصة لمواطن الجزيرة وكذا موضوع تفشي الحمى الصفراء الذي تلوكه ألسنة الإعلام هذه الأيام . وثانيهما تعليقات وملاحظات وردت في جلسة إغترابية عن النظافة وصحة البيئة ختمت بتعليق ساخر من أحدهم بأن من الأفضل عدم إثارة هذا الأمر أمام أهلنا في السودان أثناء الإجازات وإلا وصفنا بأننا حناكيش .
ليتكم تلبوا دعوة حنكوش لجولة سريعة في محاولة لتسجيل مشاهد حياتية مرت وتمر عليكم يومياً لندخل مطعماً لتناول وجبة قبل الإنطلاق ولكننا بدأنا بالفعل جولتنا فنظرة سريعه لإناء الطبخ وسواده وطلة على الطباخ والجرسون وما يرتديه كل منهما كافية لسد النفس مهما بلغ بك الجوع من مبلغ ، لا تعر ما يطن في المكان من أنواع وأشكال مخلوقات الله الطائرة والزاحفه والمنبرشة فلن تتعرف سوى على الذباب إلا إذا كنت خبيراً في هذا المجال ، لا مجال للحنكشة إن أردت أن تقيم صلبك بوجبة تسندك في مشوارك وإلا عافت نفسك الأكل ليس لذات اليوم بل لأيام قادمات ، قال ظريف المدينة أن مطاعمنا ترفع شعار هِش وكل .ويؤكد مقولة أننا شعب صحراوي وأن الله سبحانه وتعالى يكلأنا برحمة خاصة ويحرسنا بعينه التي لا تنام ليحمينا من مغبة ما نمارسه عن جهل مرة وعن قصد مرات .
هل ترغب في زيارة زنك اللحمة وهل أنت من عاشقي أم فتفت أو الكمونية أنصحك بأن ترسل أحداً لشراءها فلو ذهبت بنفسك أشك في أن عشقك هذا سيبقى على حاله ، هل توقفت عند كشك للعصير مؤخراً أو هل شربت شعير أو ليمون في شارع إتجاه واحد ، ستتيقن أننا نحقق الرقم القياسي وسننال كأس بطولة الكون في أعداد الذباب المجتمع في مكان واحد ،وهل إشتهت نفسك أكلة سمك بجوار النيل لا تتسرع في الإجابة قبل أن تعرف أنك ستجاور ساحات مفتوحه لقضاء الحاجة والإستحمام وغسيل الملابس ينتقل الذباب بينها وبين وجبتك في رحلات مكوكية لا تتوقف .
هل إضطررت لأن تجول في دهاليز إحدى مؤسساتنا الصحية زائراً لا مستشفياً فالأولى ستنتهي فيها معاناتك بإنتهاء مراسم الزيارة أما في الثانية لا قدر الله فأنت تتحصن بلاشك بالأمل وبالرحمة الواسعه لرب العالمين العالم بأمر جهلنا وإهمالنا لأنفسنا ... وعلى الرغم من أن كلمة الحق توجب أن نشيد بالكوادر الطبية العاملة في ظروف أقل ما توصف بأنها دون الحد الأدنى ، إلا أن الأمر لايخلو من شبهة إهمال تمس بعضهم فالتعقيم يتواجد بإستحياء ولا ذكر لطيب الذكر القفاز الطبي ولا للمسحة المعقمة لمكان الحقن وذباب المطاعم هو هو ذباب المستشفيات والنفايات هي نفس النفايات .
ليست تلك نظرة سوداوية ولا حنكشة بل هي محاولة لإلقاء الضوء على معضلة نسهم فيها بتصرفات فردية مثل البصق والسفه ومياه البالوعات بل وإرتضاء الأكل والشرب في أي مكان ومن أياً كان دون التمسك بحقوقنا في توافر بيئة صحية لمن يبيعنا الغذاء خشية أن نتهم بالحنكشة وتسهم فيها الجهات الرسمية بعدم إعارتها الإهتمام الكافي بل وعدها من الكماليات رغم أهميتها التي لا تخفى على أي صاحب عقل ،وفي مشاهدات من أتاحت له الفرصة معايشة تعامل غيرنا من الأمم مع موضوع صحة البيئة يدرك أننا بعيدين بألف سنة ضوئية عن ركب من سبقونا وسيظل البون شاسعاً إن لم نغير ما بانفسنا .
المفضلات