وبينما شاعرنا (المحلق) ساهم فى تأملاته وأسفاره الوجدانية ناسيآ كل ماحوله , وينشد ذلك بصوته المرتفع , إذ سمعت (تاجوج ) تلك النفثة الشعرية التى أوحت بها
ذكرى الصبا إلى روح الشاعر الحساسة , فخرجت من الخباء لترى ما إعترى هذا العاشق
المتيم الولهان الذى حرك البرق ولمعانه هذه الذكريات , فانبعثت الأشعار من صميم فؤاده .
فوجدت نفسها أمام بعلها وجهآ لوجه , فأخذ يحرقها الألم من الغيظ والغيرة , وأنقلبت أسارير ذلك الوجه النضير إلى الكآبة والعبوس , وكاد يقضى عليها من الحسرة والأسى لولا بقية تعلة وتصبر .
وما أهاج ثورة غضبها إلا الخوف والجزع على من وهبت قلبها له , وأحبت الحياة لأجله , فلن تسمح لقلبه أن يميل مع الهوى , أو ترضى ان تنزعه منها إحدى بنات حواء , فتنغص عليها عيشها , وتجعل حياتها كلها نكدآ وبؤسآ .
فقالت له : أعد على الأبيات التى قلتها الآن .
فأجابها , قلت :
******
أُمك دَباسَة(قمرية) وفوق الفروع
وأنتِ بتشبهى المقد(قندول الذرة الذهبى) اليموع
سخلة(ظبية) مصنة الطيب ما فيك ضلوع
ليلة فـرٍِد(واحده)يوم تازن(تزن) سبوع
فقالت له : أعد على الأبيات التى قلتها الآن .
فأجابها قلت :
******
أُمك دباسة وفوق الشدر
وانتِ بتشبهى المقد الكجر
سخلة مصنة الطيب ما فيك فِقر
ليلة فرد يوم تازن شهر
فقالت : ما هكذا قلت .
فأجابها , قلت :
******
أمك دباسة وفوق القنا
وانت بتشبهى المقد اللى إنحنى
سخلة مصنة الطيب ما فيك جَنَى
ليلة فرد يوم تازن سنة
فقالت بغضب " والله ما هكذا قلت , نسيبتك تعيد لى ما قلت .
فحار المسكين فى أمره , وعلم أن كل ثناء سكبه لإستدرار عطفها لم يجد نفعآ , ولم يخفف من غضبها , وشدة إنفعالها .
فخضع أمام الحلف العظيم وجلاله , وهو قسم لا يمكنه أن يتريث فى تنفيذه والتغاضى عنه , والإستهتار به .
فقال لها وأنفه راغم قلت :
" بشد واركب على الياخذ له عنه.... الخ "ولكن قال ذلك فى صوت كسير يشوبه الخجل والحرج الشديد .
فأنفجرت (تاجوج) صاخبة باكية , وذهبت إلى منزل أبيها لا تلوى على شئ تشكو حليلها الذى لم يخص لها وحدها وده وحبه , بل ما زال يشرك معها فى قلبه صويحباته أيام طيشه ونزقه .
ولكن كم كان أبوها الشيخ (محمد) حكيمآ , ويعلم من طبائع الجنس اللطيف ما ليس بالقليل , فردها الى بعلها بعد أن أقنعها بنبالة زوجها وطهره وعفافه .
فعلمت (تاجوج) أن عطف أبيها وحنانه شملا إبن أخته , فقالت لن أعود إلى منزل (المحلق) ما لم يقصر شَعره علىَ دون أن يشرك معى خليلة أخرى , فرضى (المحلق) بالشرط مسرورآ , وعاهدها على ذلك , ثم تدفقت قريحته وتمكن منه الحب والكلف بها , فملأ البوادى كلها بمنظوم شعره يتغزل فى (تاجوج) ويعتز بحبه لها .
ومما قاله فيها متغزلآ :
******
فص الماس مركب فوق مجمر
فص عينيك يا أم خشمآ متمر
فوق بستان تحت سالك مضمر
جليدك طاقة الكيدى المنمر
وقال أيضآ :
ما بتجيك تمشى وتخب
وما دنقرت حلبت شخب
وريقاتك الفوق الصلب
جَرحَنى داخل القلب
منقول............ ونواصل ... بدء الخلاف بين الحبيبين
المفضلات