كان قدَرهم بأن يقطنوا تلك المناطق بجوار ( التـُّرَع ) , بيوت من القش قد إصطفت مبتسمه صبح مساء وهي مانطلق عليها ( الكَنـَابي ) , قاطنيها هم أولئك السُّمر الميامين منذ طفولة مبكرة كان ميعادهم مع ( الكدنكة , الطورية , الكجَّامة وغيرها من تلك الاغراض التي يستخدمونها في زراعتهم ) اوقات يومهم منتظمة ( زراعة ورعي ) وآمال مرهقة حد النعاس ,,
( كمبو ود الخيــر ) , هكذا أسموه في تسعينات القرن الماضي بعد أن كان يحمل إسماً ( خوّاجيّاً ) كما قالوا فأبدلوه بـ ود الخير عسي ان يغشاهم الخير الذي قد غاب عنهم منذ زمن ليس بالقريب , فقدامي اهل ذاك الكمبو الكبير قد إختاروا له موقعاً مميزاً علي إمتداد كمِّين كيلو علي تلك الترعة التي فرَّدها الازرق الدفاق ذلك المهيب الذي اصبح ( عندهم وعند الكثيرين ) موثـِّقٌ أصيل فبه قد صاروا يحفظون مناسباتهم المهمة ( ميلاد , وفاة , عِرِس ) وغيرها من المناسبات ( من زمن حفروا البحـر ) , مواطنو كمبو ود الخير وخاصة الرجال سابقاً كانوا لايعرفون ( للبندر ) طريقاً ولكن بعد ان خاب ظنهم في زراعتهم ورعيهم ( بفعل الفاعل ) قد عرفوا دروباً جملة للبندر , لي ذكريات علي ذلك الطريق الذي يمر بكمبو ود الخير فعندما كنت أمر من عنده وانا علي ظهر ذلك اللوري الهوستن كنت أري علي ساحات ( صرائفهم ) صنوف عدة من المحصولات التي يقومون بزراعتها وذلك في بدايات الحصاد حيث يرمون بها علي الارض حتي تضربها الشمس ليصيبها الجفاف ( وِيكة , كركدي , دخن , فتريتة , وخدْرة ) , ومن علي القريب يمكنك ان تري مِرْحات الاغنام والابقار والضأن وهي ممتلئة البطون من خير الله , النساء يشاركن الرجال اعمال الزراعة جميعها من مرحلة التـِّيراب حتي مرحلة الحصاد وليس لهنّ فيها آمال أو تحقيق مطالب بل هو واقعهنّ وهنّ موقنات به , ولكن بعد أن غشي مشروع الجزيرة ( غضب ولعنة ) من قالوا بأنّ هذا المشروع بكل تلك الفدادين والمساحات الواسعة ( مامحتاجين ليه ) لِما فالوطن قد أصبح ضمن الدول التي تصدِّر البترول والايثانول وتصنع طيّارات وهلمجر , فكان ميعاد ( التعب وحياة الضنك والبؤس) لاولئك البسطاء في كمبو ود الخير وغيره المئات من الكنابي التي تمتد هناك , فبعد أن هجر الرجال بيوتهم ومعهم الشباب بقيت النساء وحدهنّ يزرعن وفي النهاية يحصدن ولكن اين يذهب ماحصدن ( قبانة وضريبة وديون البنك الزراعي الذي يقوم بالتمويل من قولة تيت بأسعار ما أنزل الله بها من سلطان ) والشاطرة منهن هي من تستطيع ان تسرق قوت اطفالها ,,
إن ساقتك الخطي الآن بكمبو ود الخير فلن تري تلك الاشياء التي كنا نراها سابقاً محصولات مشرورة في السّهَلة أو مِرْحات بهائم , ولكن يمكنك أن تشتـَم روائح توحي بأحوال العباد هناك , معروف لدي الجميع عندما تفشل التجربة في شيئ فلابد من التغيير وهاهنّ نساء ذلك الكمبو قد بدّلنَ الزراعة وأتينَ بصناعة ( السائل المزيل للكآبة ) كما يقولون حديثاً فكان لاصحاب السِّنة وظبط الرأس ليلاً نصيب وافر وما أكثر البلح ( الجَّاو ) في بلدي وهاهنّ قد عصرْنه , وكان لذلك الطريق التاريخي جوار الكمبو نصيب من المعصور ( تلك الرائحة النفاذة ) ..
ياسر عرمان رغم ( رأيي الصريح فيه ) إلاّ انه الوحيد الذي تطرّق لتلك الكنابي ومواطنيها اثناء حملته الانتخابية حينما كان مرشحاً لمنصب الرئيس فقد ذكر معاناة اهلها فهم وُلدوا هكذا بدون ( تعليم أو صحة أو ماء صالح للشرب أو كهرباء ) أليس هذه هي تلك التي ظللنا نسمعها من علي تلك المسارح في ايِّ بقعة يزورها الرئيس او النائب او الوزير الفلاني ؟ نعم هي من يطلقون عليها حقوق المواطن ولكن لاحياة لمن تنادي فأهل تلك الكنابي حتي تلك الوعود لم تمرُّ عليهم ,,,
بشارات باتت تلوح بعد أن إنفصل الجنوب ومات ذلك العشم عند من قرروا موات مشروع الجزيرة ولكنهم الان لم يجدوا أمامهم حلاًّ الاّ بهذا المشروع فهو النّجْدة والفزعة , فعسي ان يعود سيرته الاولي وتعود الحياة الي كمبو ود الخير وغيره ..
المفضلات