دموع الأوركيد(قصة فصيرة بقلمى المتواضع)
نهضت فى ذلك الصباح الخريفى الغائم مبكرة جداً من سريرها على عجل غير العادة فى أيام سابقات كنت تنهض متأخرة متباطئة الخطوات متمنية أن تطول تلك النومة التى تقنع بها نفسها أنها هدأت من طاحونة التفكير فى رأسها... وبسرعة وترقب أرتدت ملابسها الأنيقة ووضعت شئ من المكياج الخفيف وهى فى قرارة نفسها لاتريد. أرتشفت قليل من قهوتها الصباحية وكانت أمها تنظر أليها وكلها أشفاق ودعوات تقفز قفزاً من شفتيها المطبقات بالسكات.
خرجت صفية إلى الموقف العام للبصات فقد كانت ذاهبة لمقابلة عمل جديد بأحدى الشركات الكبرى بالمدينة ومنذ أن غادرت عتبة منزلها كانت نظرات كل من بالطريق ترمقها سواء أن كانت خلسة أوضوحاً مما أثار ضيقها وخجلها فصفية هى أبنة الثلاثين من عمرها ولكن من يراها يظن أنها أبنة العشرين تملك وجهاً ناضراً بحيوية الشباب والنضوج وسطية الملامح متناسقة القوام برونزية اللون رغم ماتبدية تقاطيعها التى تبرز الحسم والشدة والحزن المدثر فى عينيها الواسعتين. كانت قد أكملت تعليمها الجامعى ومع أنها تتمتع بجاذبية أخاذة وجمال هادئ طبيعى لم تكن من أولائك الفتيات المحظوظات بفارس الأحلام الذى يمتطى صهوة جواد أبيض ليخطف به قلبها قبل جسدها. توفى والدها وهى صغيرة تركها مع شقيق لها يكبرها بأعوام قاسى القلب متبلد المشاعر سكير عربيد وأم تحمل كل دفئ حنان وعطف هذه الدنيا أن جاز التعبير .
أسرعت فى الخطو علها تهرب من تلك النظرات التى كادت أن تلتهمها كألتهام جياع لم يتذوقوا الطعام اللذيذ منذ أمد طويل.
نهضت إلى الباص وحرصت حرصاً تاماً أن تأخذ مقعداً بجوار النافذة مباشرة وما كان يفرحهها فى تلك اللحظات هو طول تلك المسافة مابين قريتها الصغيرة والمدينة فهى تعشق السفر الطويل. أخذت مقعدها وتمهلت فى جلستها وأطلقت تنهيدة مخفية من صدرها أعلاناً ببدء الأرتياح وأستعداداً لبدء الرحلة.
بدأ الباص بالتحرك وسكن الركاب فى مقاعدهم فى هدؤ تام لم تهتم كثيراً بمن كان يجالسها فى المقعد المجاور لأنها سرعان ماأشاحت بوجهها إلى النافذة وأطلقت العنان لتفكيرها فى الهاجس أو الشبح الذى كان يطاردها فى صحوها ومنامها.
وسرعان ما يبدأ بذاكرتها ذلك الفيلم الأسود الحزين ومنظر أخيها السكير وهو يجالس من أتوا لخطبتها والشروط التى يشترطها وكأنه يساوم على بضاعة يمتلكها ليجنى منها الربح الوفير الذى يأمن له ثمن الشراب وهو فى نوم مترف.
غيمة سوداء تمر بناظريها وهو يثور كأسد جائع فى قفص لم ينجح فى أصطياد فريسة يلتهما عندما يرفض أحد الخطاب مطالبه وتتوالى الشتائم واللعنات إلى ان يخرج فاراً من هذا الوحش أن وصف بأنه آدمى. ....وتغرورق عينيها دموعاً عندما تذكر مساء ذلك اليوم عنما قدم (على) إلى منزلهم طالباً يدها رغم معرفته التامة بذلك الوحش الذى يدعى أنه شقيهقا ومايشترط من شروط محطمة لشاب مبتدئ مثله و(على) يقطن بالشارع المجاور لبيت صفية وهو شاب من أسرة بسيطة يعمل بالورشة المقابلة لبيت صفية وكالعادة مطالب مادية باهظة وخروج العريس خالى الوفاض.
قررت صفية التخلى عن ثوب الخوف البغيض الذى يدثرها ويضعها موضع الكسير أمام شقيقها فكرت وتسلحت بكل ماأوتيت من شجاعة دخلت إلى غرفتها وأصطنعت النوم لتطمئن والدتها وتذهب هى بدورها للنوم. وفى ساعة متأخرة من الليل سمعت صوت... الباب قفز قلبها إلى قدميها.... وسرت الرعشة في أوصالها فقد حانت لحظة الصمود نهضت من سريرها في خطى مترددة نحو غرفة شقيقها بكل هدؤ... حتى لاتصحوا والدتها دخلت عليه ..كان مستلقى على السرير بحذائه الوسخ نظر إليها نظرة غير آبهة لاتعبير فيها كأنه جثة محنطة وبصوت مرتجف محبوس وهى تخرج الكلمات أخراجاً من فمها وسألته : لماذا لم توافق على خطبتى من (على)؟ فنهض من رقدته الجنائزية تلك وبصوت متهالك وأحرف مشوشة رد عليها: لأنه لايملك المال الذى يؤمن لك السعادة!!! أنهمرت الدموع من عينى صفية ودقات قلبها تتقافز كأنه يود الخروج وتخنقها غصة مؤلمة ومن غير أرادة منها صرخت بوجهه قائلة: ومن قال لك أنى أريد مال؟ انا أريد الحياة مع رجل أأمنه على روحى ونفسى أجد عنده الدفء من برودة الحياة القاسية فقام وصفعها على وجهها......... في تلك اللحظة أنتبهت لصوت السائق إلا تودين النزول أيتها الجميلة !!!تلفتت يمنة ويسرة وهى في قمة الأرتباك فوجدت أن الباص يخلو إلا منها والسائق ......وأفاقت من طاحونة تفكيرها.
تمت.
المفضلات