أخيرا قررت عدم الانتظار والبحث عنها حيث تكون، حملت أوراقي التي تضخمت يوما بعد يوم بنزيف حروفي وكلماتي ومضيت وفي ذهني صورة غير واضحة المعالم عن مكان عملها في بحري ، كان قلبي دليلي وحيث قادني ذهبت وبدأت السؤال عنها فوجدت المكتب أقرب مما كنت اتصور، تقدمت علي وجل إلي حيث أرشدني من سألته فوجدت سكرتيرة غارقة في كومة من الملفات والأوراق تفحصتني بسرعة وأجابتني بهدوء أنني بالمكان الصحيح وان من اسأل عنها قد خرجت في مهمة قصيرةوستعود وان بمقدوري الانتظار. تنهدت تنهيدة راحة لم استطع اخفائها وجلست منتظرا قمري كاطفال في قرية ينتظرون القمر علي كثبان رمال في الظلام بلا وجل ولاخوف.لم يطل انتظاري وحين سمعت صوت حذائها يسبقها أنتصبت واقفا دون ان أشعر تماما كما تفعل الكثير من الحيوانات قبيل وصول زلزال بعيد. أطلت الغمامة وأرتسمت علي وجهها ابتسامة غامضة مقرونة بدهشة مصطنعة لم تخف سعادتها الأنثوية بقدومي. كنت أرتجف كطفل في يومه الدراسي الأول واحاول قراءة ما يرتسم علي وجهها علني أجد مايدفع عني هواجسي التي أنتشرت كورم خبيث. لكن وجهها كان محايدا.تهاويت علي الكرسي كمن سقط من أعلي جبل وتنهدت بصوت مسموع وقلت لها

دعيني أستجمع أنفاسي قليلا وأصدق أنني قد وجدتك حقيقة، وخذي أقرأي كيف كنت بعيدا عنك.) مددت يدي اليها بحزمة الأوراق كشحاذ يقدم أوراقا شاحبة لتدعيم استجدائه.تناولت الاوراق في صمت وشرعت في القراءة مباشرة وانا احاول عبثا أن التقط علي الوجه بريق الفهم العميق ولكن وجهها كان باردا وساكنا كسهول يكسوها الصقيع، فنكست رأسي وغبت في السكون. انتهت هي من القراءة ثم فتحت حقيبتها الصغيرةوهي تتساءل ان كان يمكنها أخذها. صرخت من اعماقي: هي لك .. خذيها.
غابت حزمة الاوراق في جوف الحقيبة ثم نهضت الغمامة وغابت قليلا ثم عادت وأعطتني كوبا من الماء وشرعت تشرح ما منعها من الحضور وكيف أنها كانت ستأتي، قاطعتها قائلا: لا .. لم تكوني آتية ولن تأتي أبدا...قلبي حدثني بذلك... الحقيقة لن تقتلني طالما ان الغياب لم يفعل...)
صمتت الغمامة قليلا ثم قالت في هدوء غريب

نعم .. لم أكن آتية...تملكني خوف ما...)
هتفت وشئ في داخلي يحترق

مم تخافين؟ أنا لن أضعك في أطار ما.. لن أحبسك في قفص من أي نوع...بل ساتركك للريح التي تحبين... ثم أن كل المخاوف تتبدد بالحوار...)
قالت بحزم

لا حاجة لي بالحوار.)
صرخت في وجهها بصوت هامس باك

ولكنك انت من قال ان للمتهم حق الدفاع، هل نسيت؟أنت من قال لي: سأكون واضحة . فهل نسيت ذلك؟)
قالت وهي ترتعش بحزم وبرود: (لم أنس شئيا...ولم أكن بحاجة إلي سماع دفاع فالحيثيات أكتملت أمامي وقرأتها جيدا سطرا سطرا، حتي ما لم يكتب قرأته فوجدت كل شئ يقود إلي نتيجة وحيدة... حلقة واحدة تعبت من الدوران فيها كفراشة تحلق فوق نار ستحرقها عاجلا....)
قلت بغباء يائس : (لا أفهمك !!! ما تقولين لايبرر مصادرة حقي في الدفاع ولايبرر عدم منح فرصة
اثبات انني شئ مختلف عما تظينن). فقالت : (هي نهاية وحيدة وحتي أنت لن تستطيع ان تراهن علي أن الاشياء قد تتخذ مسارا آخرا، انا متعبة وليس لدي رغبة في تكرار ذاتي... كفاني جروحي القديمة.)
المفضلات