صفحة 6 من 7 الأولىالأولى ... 4567 الأخيرةالأخيرة
النتائج 126 إلى 150 من 159

الموضوع: فضفضة علي الهواء

     
  1. #126
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436



    النشاط السياسي في الجامعة
    كانت الجامعة في ذلك الزمان تجسيد حي لتناقضات المجتمع السودانى، ففي حين كانت الأفواه مكممة خارج الجامعة والصحف والأحزاب وكافة أنواع النشاط السياسي محظورة خارج أسوار الجامعة فيما عدا نشاط الحزب الحاكم الاتحاد الاشتراكي السودانى وتنظيماته الفئوية، كانت الجامعة تموج بنشاط سياسي فعال تشارك فيه كل القوى السياسية المحظورة خارج الجامعة بقسط وافر وفعال يتمثل في الندوات والأركان السياسية اليومية والصحف الحائطية الناطقة بأسم الاحزاب والجماعات السياسية المختلفة التي كانت تتنافس تنافسا محموما من أجل استمالة الطلاب اليها والي برامجها ورؤاها ومرشحيها في انتخابات اتحاد الطلاب السنوية وانتخابات الروابط الاقليمية نفسها لم تنج من أثار ذلك الصراع، كانت الحياة السياسية الصاخبة داخل الجامعة بمثابة صدمة قوية تواجه الطلاب القادمين من لجة الصمت المفروض خارج أسوار الجامعات الي هذا البحر الصخاب داخل الجامعات، بالنسبة لى لم يكن هناك صدمة فقد تلقيت صدمة أكبر في وقت مبكر حين أغتالت سلطة مايو رفيقي في الدراسة الثانوية وكشرت عن أنيابها في مواجهة مظاهرات طلابية وشعبية مسالمة في يناير 1982 في مدينة مدنى وسال الدم الطاهر وبلل قميصي فولجت طائعا في بحر السياسة معاديا لسلطة مايو وواقفا بجانب كل من يبشر باقتلاعها ويسعي له، جئت الجامعة وأنا جزء من الفعل السياسي ولست مجرد متفرج عليه، فكنت من السنة الأولى خطيبا سياسيا معارضا يخلط الشعر الثورى المقاوم بافكار ترسم جنة حالمة وطريقا للخلاص من طغمة مايو، كان غضبي الخاص ونيرانى الكامنة بداخلى أقوي من صغر سنى وقلة تجربتى فاندفعت في بحر السياسة الصخاب مستعينا بالشعر المقاوم الذي احفظه وبغضبى الخاص الذى يشد من عضدى ويقوى حجتى ويعطيها مصداقية يشعر بها من يستمع الى كلماتى التى تخرج من الأعماق حيث صورة طه ودمه النازف فوق الأسفلت وصورة والده يوسف عبيد وهو ممسك بقوائم السرير الذي يضم جثمان ابنه بعد سقوطه في وسط شارع الأسفلت والرصاص منهمر والكل منبطح ارضا وذلك الشيخ ممسك بالسرير الذى قاطع الرصاص رحلته الي المقبرة . كان ذلك المشهد يدفعنى دوما في قلب لجة السياسة ونشاطها مهما روادتنى نفسى الي حياة وادعة فقد كنت أتوق دوما الى اجواء جامعية عادية لا تأثير للسياسة عليها كما كانت حياتى قبلاولكن السيف سبق العزل ولم يعد ثمة مجال للتراجع، فقد صنفت نفسي فصنفنى الاخرون وحكم على القدر حكما لايرد.ولامجال للتراجع, ليس سوى ان تريد أنت فارس هذا الزمان الوحيد كما قال "أمل دنقل.

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 09-09-2013 الساعة 09:52 AM
  2.  
  3. #127
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    لم يكن الطريق طريقى ، لكنه بات كذلك،كانت الجامعة حين ولجناها ممتلئة بلافتات كثيرة تنادى بأطلاق سراح المناضل فلان والمناضل علان وأخرى مبهمة تطالب بأطلاق سراح المعتقلين السياسين دون إيراد أسماء، وكان للجامعة نجومها في مجال السياسة مثلما كان لها نجوم في مجالات أخرى، ولعل أبرز نجوم ذلك الزمن كانوا ( ياسر عرمان وعادل فيصل وأبوبكر محمد أبكر وعبدالله كوبيل ومجدى محمد أحمد وعادل عبد العاطى وهدى عبد الحميد ) من الجبهة الديمقراطية، و(بيرم وجودة وحاتم بيرسي والمرحوم سرى وعمر عبدالله ) من الناصريين ، و(نادر السمانى ومحمد عبد الجليل) من جبهة كفاح الطلبةحزب البعث ،و( محمد عثمان الفاضلابى ومحمدعكاشة ) من الحزب الاتحادى الديمقراطى ، و(مكين ويوسف وصديق الأنصارى) من حزب الأمة وكان للاتجاه الأسلامى وجوه بارزة كثيرة منها( أبوبكر دينق الجاك ووفاء جعفر وعبدالهادى وعثمان الكباشي ومعتصم الفادنى وعمر نمر وعادل عبد الرحمن والأخوين بلل (حسن وحسين) وهما من مدنى بالمناسبة
    وكان هناك تنظيم المؤتمر الوطنى الأفريقي anc وهو خاص بطلاب جنوب السودان وأبرز قياداته (قيري رايمندو/ وجون كلمنت امبورو، وجيمس الالا دينق، وجورج أنقير، وجورج لادو، والبينو وزكريا وميانق وافات) وهناك مؤتمر الطلاب المستقلين وابرز قياداته المرحوم محمد الهزيل حاج حسن والاخ محمد زين وحتى الاتحاد الاشتراكى كان له قيادة معروفة ممثلة في عبد السلام حمزة، وكان هناك تنظيم الاخوان الجمهوريين ومن أبرزهم خالد بابكر. وكان هناك تنظيم للاخوان المسلمين جناح صادق عبد الله عبد الماجد وتنظيم لجماعة أنصار السنة المحمدية. أما أنا فقد كنت بتأثير أصدقائي في مدنى وحدث استشهاد طه يوسف عبيد قد انخرطت في الجبهة الديمقراطية منذ العام الأخير في المرحلة الثانوية، كان الشعر صاحب تأثير كبير في اختيارى فقد كانت دوواين الشعر الثوري لشعراء المقاومة الفلسطسنيةلاتفارق اصدقائي وبت مدمنا للشعر والمقاومة وكانت أشعار محجوب شريف عالما جميلا جذبنى كالمنوم مغناطيسيا الي عوالم الثورة والشهداء والحنين الي الأمهات
    والتغنى بالمستقبل ، كنت مفتونا بمحجوب شريف حد اننى كنت افتتح خطابتى بإشعاره وبها اختتم وكان البرنامج السياسي الذى نبشر به خليطا من تصوراتنا البرئية عما يجب ان يكون عليه الكون حولنا وخليطا من غضب شخصى وغبينة شخصية وخليطا من أحلام الشعراء، لذلك اعترف الان اننى كنت ابيع بدون مقابل لزملاء الدراسة حلما طوباويا غير قابل للتحقيق ولكننى كنت أظن وأؤمن وقتها بقابليته للتحقيق وأراه طريقا وحيدا للخلاص وأركل كل ماعداه، كان العمل السري نفسه مغامرة تستهوي من هم في سننا بالغموض الذى يحيط بكل شئ والأعمال الخارقة التى تنسب لرجال غامضين نراهم مختفين ومحلقين مثل سوبرمان والوطواط في عوالم خفية بقدرات خفية، كنا خارجين من عوالم الغاز المغامرين الخمسة وسمير وميكى والوطواط وسوبرمان اللذان يعيشان مثل ابطالنا الغامضين حياتين واحدة علنية يتسترون فيها خلف شخصية ساذجة وأخرى سرية يمارسون فيها دورا خفيا في انقاذ العالم من الشرور والأشرار، وهكذا بالضبط كانت نظرتنا للعمل السرى في زمن مايو عندما دخلنا الجامعة،أردنا ان نكون جزءا من رجال خارقين يمارسون مهمة نبيلة هى تغيير العالم الي الافضل، لذلك كان شئيا مشوقا ان نكون اعضاء في جماعة سرية نحمل فيها اسماء مستعارة اغلبها لها علاقة بالسير المبهرة التي قرأناها وسمعنا بها عن شعراء وقادة ثوريون مثل جيفارا والشفيع وعبد الخالق المشهور بالرفيق راشد ومثل الشاعر بابلو نيرودا وسلفادورالليندى الرئيس التشيلي التقدمى المنتخب الذى ازاحه انقلاب امريكي قاده الجنرال بينوشيت وقاتل الرجل الانقلابيون حتى آخر طلقة وقتل والشاعر التركى ناظم حكمت ،كان عالما فانتازيا مبهرا ذلك الذي وجدنا انفسنا في قلبه، فاندفعنا بحماس الي قلب المظاهرات والاركان الملتهبة ومعارك الانتخابات الطلابية التى نتخيل انها ستغير الكون باكمله نتيجتها، وكانت كتابة الجريدة الحائطية ولصقها بالجامعة مغامرة مثيرة الفصول تجعل صورتنا كرجال خارقين تبدو أقرب الي الحقيقة، وكان مرور بعض زملائنا الذين يظنون انهم كوادر سرية غير معروفة في الجامعة أمام الصحيفة المعلقة وتوقفهم عندها للقراءة ببراءة مفتعلة وهم من حرورها وشاركوا في كتابتها حدثا يشعرنا بأننا نملك مفاتيح الأسرار ويجعلنا نحس بخطورتنا وخطورة مهمتنا التى نباشرها سرا وعلنا.

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 10-09-2013 الساعة 08:55 AM
  4.  
  5. #128
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436



    أتذكر طاقم تحرير صحيفة الشرارة صوت الجبهة الديمقراطية بالجامعة في ذلك الزمان والتى اشتهرت بعبارة ثابتة بها تقول( ومن الشرارة يندلع اللهيب)، كانوا خليطا متنافرا منسجما، أحدهم حلفاوى يسمي محمد فتحى محمد جبارة نحيل العود حتى انك تخشي عليه من أي ريح مهما صغرت فهى قد تتلاعب به كما تللاعب بورقة صغيرة، لكنه كان صبورا جلدا يعمل بلاكلل ساعات طوال في أي وضع و أي مكان في كتابة الجريدة الحائطية باقلام الشينى الملونة بخط جميل مقروء، وهناك نحيف آخر من ابناء كوستى يسمي عبد السلام كان فنانا في الخطوط وصاحب شخصية ساخرة وساحرة ونكتة حاضرة وروح عالية لايعرف الغضب أو الانفعال طريقا اليها، وهناك ثالث يتميز بعلاقته القوية بالتدخين والحكايات أثناء عمله وهو قبطى ظريف يسمي فرانسوا تراه دوما مرتديا بنطلون الجينز ونظارته الطبية علي وجهه وسيجارته لاتفارق يده ، كنا نسميه القسيس وكان مخزن حكايات لاينضب حتى اننى استطيع الجزم انه لو حضر زمان القنوات الفضائية لكان لوحده انجح قناة قادرة علي جذب انظار وآذان المستمعين اليها، كانت كل ثانية معه عبارة عن نكتة وكل موقف يسرده عبارة عن حكاية مشوقة الفصول وكان دوما مركز اهتمام واستماع الحاضرين، كان صبورا هو الآخر وفنانا في التنسيق الفنى واستخراج العناوين الجاذبة والمثيرة، كانت له لازمة لطيفة جدا فهو لايورد أسم احد الاصدقاء الا كاملا متبوعا باسم الاب ماعدا اسم صديق واحد اشتهر بيننا باسم كامل الحلبي بسبب لونه فكان يقول أسمه مجردا ، كان هناك عوض الله الحلفاوى البدين نوعا ما، وهو رجل ضاحك دوما كطفل واذا قابلته في الجامعة يوما فلن يخطر علي بالك أبدا أن صاحب هذا الوجه الضاحك منخرط في أي نشاط من أي نوع سوي الضحك وربما الملاكمة ، وكان هناك شخص آخر نحيف قصير القامة لكنه مثل ابو الدقيق في سرعة انفعاله ومثل النحلة في لسعة تعليقاته الساخرة ولعل ذلك كان سبب شهرته باسم (على الوجيه) وهو علي ابكر الحصان الضاحك دوما
    الذى تزوج فيما بعد زميلة دراسة ومشاوير ذات ملامح آسيوية وهى خرطومية فأطلق عليها الاصدقاء أسم أوشين بطلة المسلسل الشهير بسبب ملامحها الآسيوية، علي هذا حكاية شيقة الفصول وكان لنا معه وفي بيتهم باركويت ذكريات جميلة وضحكات طاولت عنان السماء واجتماعات ظننا لسذاجتنا انها قد تغير العالم أو علي الأقل وطننا لكنها مضت مثل دخان السجائر العالق المصاحب لها ولم تترك إلا الذكريات المتعلقة بها وبمن كانوا فيها وبعض ما جرى هنا أو هناك،تفرقنا أيدى سبأ وبتنا حين نلتقى بعد غياب السنين نلتقي لقاءات عامرة ببعض الدفء الذى مضى ولكن بلا أحلام وبلا شرارة يندلع منها لهيب ،لم يبق لنا شئ سوى المحبة فقط لذلك الزمان البرئ الذى كنا فيه في كوكب من الأحلام ندور وندور، لم أكن أملك أي موهبة فيما يتعلق بالخط والكتابة بالقلم الشينى ولكننى كنت ولازلت عاشقا لكتابة النصوص من أي نوع فوجدت نفسي محررا مهمته كتابة مسودته والدفع بها للخبراء لإخراجها في ثوب قشيب ، وهكذا عرفتهم وبت جزءا من عالمهم المثير، لا أدرى أين غابوا الآن في الزحام لكن ليس هناك على حد علمى من اشتغل منهم بالصحافة سوى فرانسوا لوقت قصير وفي مهام ادارية، أما انا فاشتغلت بالصحافة حينا مستفيدا من تجربة التحرير المبكرة التى يجب أن أقول اننى بدأتها منذ الثانوى قبل ولوج الجامعة حيث كنا نصدر صحيفة حائطية بمدرسة السنى الثانوية بمدنى وهي صحيفة ذات طابع ثقافى عام، وقبل ذلك كنت اشارك في صحيفة نادي حي 114 الحائطية .
    وجوه كثيرة تطرق أبواب القلب والذاكرة هنا وتتزاحم علي مسرح الأحداث باحثة عن موطئ قدم،وجه يرتدى صاحبه نظارات طبية تقليدية الإطار ويرسم الجدية دوما علي محياه ودوما يحمل كتابا ذو عنوان معقد ومثير وغامض فهو عاشق للقراءة وغارق حتى أذنيه في القراءة في كل فروع المعرفة فهو طالب حقوق لكنه مغرم بالفلسفة وكتبها ذات المصطلحات الغامضة والمخيفة وهو مغرم بالاقتصاد السياسي ونظرياته وشروحاتها ، ومغرم بالروايات والأشعار وسير المفكرين واالفلاسفة
    كان صاحب مصطلحات تتكرر في مناقشاته كثيرا
    فتجعل البعض ينزوى جانبا ثم ينسحب خوفا من إبراز جهله
    أما صاحب الوجه فقد كان في الحقيقة حالما كبيرا
    وجائعا كبيرا الي المعرفة ومرهفا الي حد انك تخاف عليه من النسيم
    فيما بعد أدخلته تلك الرهافة في أزمات أخذت من وقته كثيرا حتى استطاع تجاوزها
    كان دوما زهرة تعلم انها ضعيفة فتحيط نفسها بالأشواك
    كان دوما طفلا كبيرا يكسو وجهه بقناع الكبار حتي لايتم ضبطه متلبسا بطفولته
    كان فيه شبه أدركته مؤخرا من أبطال رواية أوسكار وايلد


    (أهمية أن تكون جاداً (The Importance of Being Earnest)
    من حيث محاولة الظهور بمظهر مغاير للحقيقة
    وكانت تلك المحاولة دلالة نبل وليس العكس
    يا الله كم تترابط الأشياء في الحياة إذا تمعنا فيها جيدا
    فلم يضع جهد اساتذتنا الذين درسونا الأدب الانجليزى هباءا منثورا
    بل بقيت في القلب والذاكرة
    وأضاءت لنا كثيرا من ظلام الحياة

  6.  
  7. #129
    عضو جديد
    Array
    تاريخ التسجيل
    Sep 2013
    الدولة
    ودمدني
    المشاركات
    8

    كلام جميل جدا وانا طبعا عضو جدي ودا اجمل كلام وقع في عيني من شفتو تسلم كتير

  8.  
  9. #130
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مريم ابراهيم مشاهدة المشاركة
    كلام جميل جدا وانا طبعا عضو جدي ودا اجمل كلام وقع في عيني من شفتو تسلم كتير
    مرحب بيك استاذة مريم في منتديات مدنى وفي الفضفضة وهى محاولة للتواصل مع الاخرين وعرض التجارب وماتحمله الذاكرة عسى ان يجد فيها الاخرون مايفيد وما ينفع وما يعطينا محبتهم

  10.  
  11. #131
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    الصورة مقلوبة
    كان كل شئ اصليا وأصيلا في البدء
    كان الزرع طبيعيا
    والأرض لم تغزوها المبيدات المميتة
    والأغنام والأبقار لم تدخل في امعائها
    الأعلاف المصنوعة
    والدجاج لم يكن لاحما
    ولم تكن له فقاسة صناعية
    ولم يتم حفظه بالبرادات
    لم تكن البيوت غابات أسمنت
    ولم تكن وسائل النقل مصنوعة من الصفيح
    ولم تكن الحكومات ادوات قمع وصانعة زيف
    كان الكبار كبار نفوس كلما كبروا
    وكان صغار النفوس صغارا مهما كبروا
    ثم جاء الطوفان
    فلم يعد الكبارا كبارا
    ولم تعد الطيور طيورا
    ولم تعد الطبيعة بكرا
    وبات الوطن مكب نفايات
    نفايات بشرية
    ونفايات نووية
    ونفايات قادمة من كل مكان
    من الصين
    ومن كوبا
    ومن اليابان
    ومن بلاد غير موجودة علي خريطة
    ومن بلاد لاحكومات فيها


    باتت الطبيعة مغشوشة
    والقمح مغشوشا
    والدولة موظف استعلامات
    والحكومة جامعة أموال
    وناثرة احزان
    حتي العفة باتت مزورة
    البشرة مغشوشة
    الرموش مغشوشة
    وعدسات العيون مغشوشة
    والشعر مستعار
    والسمنة مزيفة
    والنحافة مزيفة
    والخطوة علي الارض مصطنعة
    والشفاه ملونة
    والأيادي ملونة
    والأساور مزيفة
    والإبتسامة خنجر
    والسيرة الذاتية مستعارة ومسروقة ومزورة
    فاللصة أميرة
    والأميرة سجينة
    والجاهلة تشتري ماجستيرا لتتجمل به
    وحين تتكلم يخرج الجهل من فمها مثلما تخرج رائحة البصل
    من فم
    باتت الصورة مقلوبة
    والفرحة مكتومة
    صلاح الدين سر الختم علي
    مروى
    21 سبتمبر 2013

  12.  
  13. #132
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    بورتسودان الدموع والغمام أو(البكاء في البدء سرا وفي الختام علنا)
    ملمح من السيرة الذاتية


    لم يكن القدوم الي مدينة بورتسودان اختيارا، كان شيئا صنعته الصدفة والظروف والأقدار
    وكنت كارها لذلك الانتقال من الخرطوم التى ولجتها بعد سنوات من الطواف في الأطراف
    قادما من دارفور بعد ستة سنوات قضيتها هناك، لم يدم وجودى بالخرطوم طويلا حين فوجئت ذات ظهيرة حارقة في شهر مايو 2006 بخبر نقلي الي بورتسودان، أسودت الدنيا في وجهى وشعرت بغضب كبير وغبن حتى اننى فكرت في الاستقالة من العمل وشرعت في ذلك فقوبل طلبى بالرفض وكان ذلك من حسن حظى،جئت الي بورتسودان كمن ألقي به في جوف السجن ،وكنت طوال الطريق أفكر في السيناريوهات المحتملة ولم يكن من بينها أبدا ما جري وتحقق في أرض الواقع ، جئتها بدموع صامتة وخرجت منها بعد أربع سنوات بدموع علنية صادقة، بكيت من القدوم اليها سرا ، فابكتنى عليها علناً عند الرحيل القسرى عنها، بحساب السنين هى اربع سنوات ، وبحساب الحياة والخوة والصداقة والجمال البشري في تلك الأرواح التى عشت بين اصحابها هى حياة كاملة، حياة لايريد من يعشها ان تأتى لها نهاية أبدا، كان أول من التقيته عند قدومى الي المدينة شاب رائع عميق صار فيما بعد صديقي وعرفت فيه صورة رائعة لما هو عليه انسان هذه المدينة ذلكم هو الشاب مأمون عبد الله مسعود طلق المحيا دائم الابتسام لبق الحديث ودود وكريم تشعر للوهلة الأولى في حضرته انك عرفته طوال عمرك، كنت بالفعل قد سمعت عنه قبل مجئي الي بورتسودان من صديق مشترك أوصاه خيرا بى وأوصانى بدخول المدينة من بوابته ، فاكتشفت لاحقا انه أحد بوابات المدينة بالفعل، كان آخر عهدى ببورتسودان عام 1990 حين جئتها وقتها محاميا قادما من ودمدنى مع موكلين كان لديهم قضية ببورتسودان وجئت وقتها بالطائرة واقمت بفندق في قلب المدينة يومان ثم عدت بالطائرة وليس بذاكرتى من المدينة التى كانت تعج بالذباب والحر الا منظر الماء حين يبلل الجسد بحبات الملح فتندم علي الاستحمام، كانت المدينة في ذلك الزمان مدينة قاحلة لاعلاقة لها ببوتسودان الراهنة الانيقة الجميلة، لذلك كنت متوجسا حين جئتها بعد ستة عشر عاما من الغياب، لكنها كانت مدينة أخري خلعت أسمالها البالية وتأنقت وتألقت كأنها عروس تتهيأ لليلة العمر النفيسة، ثمة شئ من تلك باق في أطراف المدينة ولكن مظاهر كثيرة أختفت وتلاشت.....وحين تهادت السيارة التى يقودها زميلي واخى الاكبر مولانا محمد النذير محمد المبارك من المطار الي قلب المدينة كنت أتلفت يمنة ويسرة باحثا عن الوجه القديم ، فاذا بى المح عمرانا جديدا، شوارع أنيقة نظيفة ، حين بلغت السيارة ناديا الهلال وحي العرب المتجاوران فقط وجدت ملمحا من تلك التى اعرف، حين بلغت السينما بعد نادى حى العرب كدت اطلب من السائق التوقف كى اذهب الي سوق الطبالي حيث اشتريت في تلك المرة الأولي فردة سواكنية انيقة للخطيبة آنذاك وهى زوجتى العزيزة، لمحت الأكشاك الصغيرة بضجيجها المحبب فكاد قلبي يقع بين أقدامى
    ذاك مكان أليف محبب للنفس ولعل من أقسي وأفظع قرارات الوالي الهمام ايلا هو ذلك القرار الذى حكم علي سوق الطبالي الفريد بالموت فيما بعد، ذلك سوق كان يمثل معلما وملمحا محببا لكل أهل الشرق وكل من يزور بورتسودان، كان زمانا جميلا
    وكان سوق الطبالي قبلة الفقراء ومزار السواح من داخل البلاد وخارجها
    كان غلافا أنيقا لمدينة كانت راسفة في فقرها في زمن ما...... المهم قاومت نفسي وواصلت حتى بلغت الميز الذى تم اعدامه هو الآخر لاحقا بواسطة جهات رأت في بيع بوابة من بوابات التاريخ انجازا ومكسبا ، في حين كان ذلك الميز الصغير قبالة الجامع الكبير في بورتسودان رئة من رئات التاريخ تتنفس تاريخا وتحكى تعاقب الاجيال من القضاة عليه، كان معلما من معالم القضائية في بورتسودان أغلي بكثير من النقود التى بيع بها في مقاييس عشاق الأمكنة مثلى وعنه سوف أكتب ، عن غرفه الخانقة وعن الحصي في حوشه وعن شجرته العريقة وعن قططه المخيفة وعن اشياء كثيرة أخري، في ذلك المكان كان أول سقف أويت اليه في بورتسودان....
    كان لافتا للنظر ذلك الحصي مدبب الأطراف الذي يغطى حوش الميز كله ويجعل المشي حافيا أو بسفنجة عذابا لايطاق ولم اعرف حتى مبارحتى للميز وبورتسودان كلها السر في اختيار فرش الحوش بهذا الحصي القاسي الذي فيه ملامح من جبال البحر الأحمر الكبيرة،كان الميز يتكون من جزئيين : جزء صغير له باب صغير مطل علي مدرسة بورتسودان الثانوية المجاورة للميز وهذا الجزء يتكون من غرفة واحدة واسعة امامها فناء صغير وحمام خارجى تابع لها ، وفي هذه الغرفة كانت اقامتى بصحبة مولانا محمد ابراهيم احمد حسين الشهير بحجو قاضي الاستئناف الذى جاء منقولا في ذات توقيت نقلي ، في تلك الغرفة ومع ذلك الرجل البحر الواسع المعرفة الساخر الزاهد و ان بدا ساخطا دوما، كانت اقامتى القصيرة في الميز وهى ثلاثة أشهر انتقلت بعدها الي شقة جميلة علي بعد خطوات من الميز في عمارة بنك التضامن في الطابق الثانى حيث اقمت مع اسرتى كل فترة عملي ببورتسودان ، ومن الصدف الغريبة جدا أننا حين تقطع الكهرباء عن الميز والمدينة كنا نلاحظ ان تلك العمارة تكون مضئية لوجود مولد ضخم خاص ببنك التضامن يضئيها كلها، فنجلس في الظلام وابصارنا متعلقة بضوئها وكنت ادعو الله في سري ان يكون لى نصيب للسكن فيها أو في موقع مشابه ، وكان من لطف المولى بى وكرمه على ان جعل لى نصيبا بالاقامة فيها والتمتع بمزاياها لمدة اربعة سنوات هى فترة اقامتى وعملى ببورتسودان. اما باقي الميز فكان عبارة عن ثلاث غرف داخل برندة مغلقة بالنملى والخشب وله باب خاص بها وباب آخر يفتح علي السوق وتحديدا علي مبانى الجامع الكبير . في ذلك الجزء كان يقيم شباب القضاة حاتم قرنى وادم حاج الطاهر وبيتر اوبج وابو القاسم (الشابي) ومحمد عبد الله ابو وكان هناك قاض جنوبي مهذب ورقيق آخر يدعي فيليب .
    العم حمام خزنة الأسرار
    كل التفاصيل الجميلة اتذكرها ، حتى ذلك الرجل الكبير في السن المقيم معنا بالميز، ذلك الرجل الخدوم الغامض ووجوده المؤثر وعلاقته بمجموعة الميز ، كان اسمه العم حمام،و كان حمامة جريحة حنونة تعطى بسخاء برغم جرحها الذى طوت عليه قلبها، كان واضحا ان الرجل له قصة ما حزينة الفصول آثر الا يرويها لأحد ، رجل مرتب ومنظم وحسن المظهر وكل شئ عنده مثل بندول الساعة لايتخلف عن موقعه أو زمنه ، كان يقاسمنا الميز ولديه اوقات يختفي فيها ويغيب ثم يعود في ميعاده بلا تأخير وفي بعض الأحيان يأتى من يزوره وكان وجوده بالميز وهو لايعمل بالمصلحة القضائية مثيرا للتساؤلات لكنه كان وجودا متوارثا ومستمرا فبات مثل كل غرفة وحائط في الميز مبررا وعاديا ولكنه يظل مثيرا للفضول والأسئلة خصوصا انه كبير في سنه فقد تجاوز منتصف الستينات لكنه يبدو أصغر وأوفر شبابا، كان طباخا ماهرا جدا وله نفس خاص في كل شئ تلمسه يده وخاصة السمك وكانت بينه وبين حاتم قرنى ضابط الميز النشيط صلات خاصة موضوعها تدبير كل شئ يتعلق بوجبات الميز الشهية وتحليته كان رجلا لايمكن نسيانه، حاولت التقرب اليه كثيرا للوقوف علي قصة حياته وسره الغامض الظاهر للعيان لكن محاولاتى باءت بفشل ذريع ، فالرجل يتحدث في كل شئ الا عن نفسه...رحمه الله رحمة واسعة فقد عرفت فيما بعد بسنين عديدة انه رحل عن الفانية حاملا كل الاسئلة حوله وحول حياته معه الي هوة صمت أبدى ولكنه ظل ويظل رجلا جميلا احببناه بصدق.

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 27-09-2013 الساعة 12:00 AM
  14.  
  15. #133
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    قطط الميز


    كانت الظاهرة الملفتة الاخري في الميز وربما في بورتسودان كلها هي ظاهرة القطط الكثيرة المنتشرة التي تتجول في المكان بحرية وغطرسة ولاتتهش ولاتتنش، مما يعمق الرهبة في النفوس تلك الرهبة التي تنبع من حكايات كثيرة تروي عن قطط بورتسودان وسواكن فتجعل الدم يتجمد في العروق، اظن تلك القطط تعلم ا ن بنى البشر يخافون منها ويتحاشون ضربها أو الاقتراب منها أو محاولة ايذائها بأي شكل بسبب تلك الأساطير والحكايات التى يسمعونها وينسجونها عنها، ولهذا السبب فانك اذا نهرتها فلن تهتم بك بل تنظر في عينيك مباشرة وقد تتمطى في كسل فتجد نفسك انت الهارب من المكان، كان الميز يعج بالقطط وكانت أكثر من سكانه، تأتى من أمكنة مجهولة وتبقي ماشاء لها البقاء وتذهب وقت تشاء، ومن الصور المحفورة بذاكرتى مشهد الهرة التى أكلت بنيها ذات ليلة في الميز وذلك الصراخ الشبيه بصراخ طفل وليد الذي شق سكون الليل، تكرر الصراخ وتكررت أصوات أخري وبدت الأصوات المستغيثة أصواتا إنسانية تمزق نياط القلوب ، وبقيت قابعا في غرفتى ولم اجروء علي الخروج لمشاهدة المنظر حين تصورته من خلال تحليل أحد الزملاء لما يجري خارجا حسب خبراته، وفي الصباح لم نجد أيا من القطط الصغيرة الوليدة في مكانها الذى كانت تحتله وكانت أمها التى ولدتها هنالك وظلت ساهرة عليها طيلة الفترة السابقةغير موجودة هى الأخرى، سألت عما جري ليلا، فعرفت ان هناك احتمالين: اما ان تكون قطط دخيلة قد أكلت الصغار بعد معركة مع الأم ، وإما ان تكون الأم نفسها هى الفاعلة، لم ابحث كثيرا عن حقيقة كل وجه محتمل لها هو وجه قبيح، وبات تناول الطعام صعبا لعدة ايام وانا اتخيل القطة الأم وهى تنهش بنيها، كانت القشعريرة تسري في كل جسدي ، فألوذ بالصمت.سألت نفسي والآخرين عن مدى صحة مقولة ان القطة تأكل بنيها فتعددت الاجابات وكثرت ، بعضهم يقول أن القطة حينما ترى أن فرصة عيش أحد صغارها مستحيلة تقوم بأكله لكي تقوى على إرضاع باقي أطفالها لأنها تكون منهكة جداً بعد الولادة.. وهناك أقوال تقول أن القطة تعتقد أن هذا الصغير إن لم تأكله فسيقتلها عندما يكبر.. وهناك أقوال تقول أن القطة تأكل أول مولود لها وهو يكون أقواهم وأكثرهم حملاً للفيتامينات والعناصر المفيدة فتأكله القطة فتقوى على تربية باقي أولادها لذلك هناك مقولة تقول أن أول مولود للقطة إذا أخذته فور ولادته وكبر فسيصبح قط قوي وكبير. ويري البعض ان القطط لا تأكل صغارها ابدا ولكنها عند ولادتهم تبدأ الام بقطع الحبل السري للقطط المولودة باسنانها كما هو الحال عند الانسان فيتوهم البعض ان الام تأكل صغارها وهذا غير صحيح. عموما لازلت حائرا في هذا الصدد ولم اركن الي صحة أي اجابة ولم اتيقن من حقيقة ما حدث في الميز لكن الحقيقة المؤكدة ان صغار القطة اختفوا جميعا في الصباح التالي ولم يظهروا أبدا ولازال صراخهم الذي فيه شئ آدمى يرن في اذنى كما سمعته في تلك الليلة ولازلت اتخيل القطط الصغار الجميلات في فك امهن أو في أفواه قطط ضالة شرسة انتزعتهن من حضن الأم في غيبتها أو حضورها وركضن بهن بعيدا لينهشن الاجساد الغضة..

  16.  
  17. #134
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    فهمى صالح الرجل الصالح نجمة في سماء بعيدة


    فتحنا عيوننا في حى 114 الحبيب وتعلمنا في ازقته الصغيرة وبيوته المعروشة بالمحبة اشياء كثيرة نبيلة وغالية ، كنا فقراء ابناء فقراء، بسطاء ابناء بسطاء، اغلب امهاتنا أميات وكذلك الاباء المتعلم فيهم يفك الخط بالكاد، لكن بمقدور المرء ان يجزم باننا حظينا باجمل واروع وافضل بيئة اجتماعية يمكن أن يحظى بها اطفال وشباب، كانت بيئة طاهرة ونظيفة ومملؤة بالحب والمحبة، كان الكبار كلهم اخوانا واباءا والأمهات كلهن أمهات للكل والأخوات محل تقدير واحترام ،تربينا علي الثقة المتبادلة وعلي الأخوة الصادقة والرجولة والشهامة والكرم والإيثار والتعاون،كانت بيوت الرذيلة علي مرمى حجر منا وكان اولاد الفريق متعففين وعلي خلق ودين، وكانت بيوت الخمور علي قارعة الطريق وكان الحى معافى، كان فهمى نجمة بعيدة متميزة، شاب بدين نوعا ما ولكنه ضاحك بشوش نشط خفيف الحركة لايغيب عن أي نشاط او مبادرة أو مباراة أو تمرين لفريق الأهلي مدنى عشقه الكبير وعن تمارين فرق الحي 114، كان منزلهم يتبع جغرافيا لحى الحلة الجديدة ولكن بوابته الفاتحة علي بيوت 114 فتحت قلوب أهل البيت علي حب الكمبو وأهله فباتوا جزءا لايتجزأ من الكمبو، بات فهمي واسرته كلها ينتمون انتماءا كاملا للكمبو ولايعرفون حيا غيره برغم احتفاظهم بعلاقات طيبة مع اهل الحلة الجديدة جعلت منهم قنطرة ربطت بين اهل الحيين المتجاورين، لم يلعب فهمى الكرة ابدا، ربما بسبب بدانته، ولكنه كان عاشقا لكرةالقدم ونشاطها الاداري لم تعرف المدينة والمنطقة الجنوبية مثيلا له في ذلك العطاء والوفاء الا قلة نادرة توشحت بها مدينة مدنى في ذلك الزمان الجميل ، لمعوا مثل شهب جاءت من السماء فاضأت الكون برهة من الزمان ثم غابت وتركت الناس في شوق اليها، ولعل المقام مقام ذكر لتلك الاسماء: عبدة مالك ومحجوب فضل وصلاح الشاذلى وازهري حبيب نسي وصلاح حسن والنور الفلاتي وبابكر بتاع فريق الوادى وجيرانه ناس الصايم والاستاذ بتاع فريق الوادي وناس يسين بتاع نجوم المزاد في الرابطة الجنوبية وهناك ناس عبد الله سرالختم في التضامن وناس مجدالدين وابوليلي في الثوار وناس الشاعر في الاصلاح وناس الكوارتة في بانت وغيرهم ممن سقطوا من الذاكرة ولكنهم يبقوا في ذاكرة المدينة نجوما بعيدة قامت علي اكتافها نهضة مدنى الكروية، لم ينهبوا مال شعب ولم يكونوا اثرياء ثراءا مشبوها ولم يكونوا يطالبون بديون علي الاندية ولم يعرف احد كيف انفقوا عليها، لكنهم كانوا جميعا شموعا تحترق لاجل الاخرين ويفعلون ما يفعلون كالشهداء يموتون في صمت بلا انتظار للثمار، كان فهمي احد اولئك النبلاء الذين جاد بهم الزمان علي اهل السودان فاعطوا بلا كلل وعملوا بلا أمل اقاموا علي سفر وفارقوا علي عجل، ومضوا كالاحلام ، كالشهب، كامطار الخريف، تمضي الي جوف الارض وتغيب فيه فتخرج خيرا عميما للاخرين، كان فهمى بابتسامة دائمة وعقل مرتب هو من أشرف علي ادارة فريق المجد 114 منذ التأسيس وحتى ذهاب المجد الي العدم الذي جاء منه، كان اداريا فذا وهماما وملما بقواعد ادارة نشاط الناشئين ولبقا وصارما في التعامل مع اللاعبين وقد كنت أحدهم لفترة طويلة،لم تصدر عنه يوما لفظة نابية، لم يوجه اساءة للاعب أو خصم أو حكم أو اداري أو مشجع، كان كل جهده وفكره منصبا علي شؤون الفريق، تسجيلاته وصحتها وخطوطه وتقويتها ونشاطه وانتظامه وانتصاره بالطرق المشروعة، لذلك كانت سمعة فريق المجد دوما فوق كل الشبهات ولم يرتبط اسم المجد بشغب أو اعتداء علي حكم أو سوء سلوك من أي نوع، وكان لفهمى ورفاقه في الادارة وعلي رأسهم الاخ الفاتح عبد الوهاب رئيس فريق المجد دور كبير في ذلك السجل الناصع لفريق جاء من العدم وبات في زمن وجيز من عمالقة الرابطة الجنوبية وهى اقوي رابطة في مدنى انذآك، كان فهمى صديقا للاعبي الفريق جميعا بلا تفرقة أو تمييز وكان حاضرا دوما في النادي حيث كان عاشقا للضمنة ولاعبا ماهرا له صولات وجولات فيها مع الريح ابوالريح والمرحوم صلاح التلب مدافع المجد والاخ يوسف الله جابو والاخ صلاح حسن سعيد، جمعتنا بفهمي ذكريات كثيرة منها رحلتنا الي مدينة الابيض واستقبالنا لناس الابيض في النادى حين ردوا الينا الزيارة، فقد كان نجما في المناسبتين، وكانت لنا رحلة اخري الي سنار ورحلة رابعة الي الخرطوم الامتداد، كانت ذكريات جميلة، كانت لفهمي مداعبات خاصة مع زامبيا وفرفر والاخ ناجى تشتش والاخ عادل محمد مختار الثعلب ومحجوب كرفون لاعب الوسط الرهيب بفريق المجد، اما علاقته بالاخ عماد كسبرة وعماد الدنكوج ومحمد احمد الرشيد باكات الفريق فقد كانت علاقة خاصة قوامها مداعبات متبادلة. لا اذكر لاخ فهمي مشكلة مع احد في مجتمع المجد ابدا، غير انه لم يرض انتقالي الي فريق الثوار دون الحصول علي موافقة ادارة المجد، فترت علاقته بي ولكن سرعان ماعادت المياه الي مجاريها وظلت الابتسامة دوما علي ذلك الوجه الطيب حتى اضطرتنى ظروف عملي للغياب طويلا عن مدنى، جتي كان لقائي الاخير به في مدينة كريمة حين جاء مع محبوبه الاهلي في العام 2011 لمباراة في التأهيلي امام الجبل كريمة، كنت بالاستاد اثناء المباراة حين اقبل نحوى شخص نحيف بدت ملامحه مألوفة لكننى لم اعرفه فهمس مبتسما( انا فهمي ياحارس.....انا فهمى) تقالدنا بحرارة وكان يهمس( انا ما جانى سرطان ياحارس، قربت اروح فيها وربك كتب لي عمر) كان لقاءا مؤثرا جدا وقصيرا جدا ، واخيرا جاء نعيه كالصاعقة.. رحل الرجل الذي زرع الكمبو بالابتسامة وكان من ابرز صناع مجد المجد فيه، كان خريفا كريما في كل شئ، كان ابا واخا وصديقا ونجما في سماء بعيدة
    وكعادته في كل شئ كان فهمى باسلا في صراعه مع مرض السرطان اللعين الذي استوطن بدنه ولكنه لم يتمكن من هزيمة روحه
    ظل الرجل يقاوم ببسالة حتى نهض من المرض في نهوض مدهش وباشر حياته بضعة اشهر وفعل كل مايحبه ورافق فريق الاهلي في رحلات مهمة للعودة للممتاز وعاش معه فرحة العودة لموقعه ثم زوت الشجرة الخضراء وماتت واقفة ورحل الرجل رحيلا فاجعا الي عالم ارحب وارحم
    اللهم ارحم فهمى صالح واجعل الجنة مثواه مع الصديقين والشهداء

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 28-09-2013 الساعة 08:49 PM
  18.  
  19. #135
    مشرف القسم الثقافي

    Array الصورة الرمزية ياسر عمر الامين
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدنى
    المشاركات
    2,635

    أأسف أشد الأسف استاذنا الأديب الكبير صلاح سر الختم ولظروف ضاغطة لم استطع أن أتابع هذه الفضفضة المليئة بالتجارب الثرة التى تفيد المتلقى وتثرى معرفته غير المتعة والاستمتاع بقراءتها بلغتك الأدبية الرصينة وقلمك الرشيق...وهذا ما وجدته فى صفحات الفضفضة الأخيرة...ورغم بداية قراءتى لها "بالمقلوب" لكنى سعدت بقراءتها واستمتعت بسردها مما يجعلنى أبداء فى قراءتها من اولى صفحاتها باذن الله.
    ولك ودى وتقديرى

    يا وحى الهامنا وموضع احترامنا يا مدنى الجميله ليك مليون سلامنا.
  20.  
  21. #136
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ياسر عمر الامين مشاهدة المشاركة
    أأسف أشد الأسف استاذنا الأديب الكبير صلاح سر الختم ولظروف ضاغطة لم استطع أن أتابع هذه الفضفضة المليئة بالتجارب الثرة التى تفيد المتلقى وتثرى معرفته غير المتعة والاستمتاع بقراءتها بلغتك الأدبية الرصينة وقلمك الرشيق...وهذا ما وجدته فى صفحات الفضفضة الأخيرة...ورغم بداية قراءتى لها "بالمقلوب" لكنى سعدت بقراءتها واستمتعت بسردها مما يجعلنى أبداء فى قراءتها من اولى صفحاتها باذن الله.
    ولك ودى وتقديرى
    حروفك الجميلة قلادة علي عنقي وظهورك هنا تزيين للمكان
    شكرا ياصديقي

  22.  
  23. #137
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    صدمات موجعة في الحياة ( من السيرة) صلاح الدين سر الختم على


    من الاشياء القاسية في الحياة ان تضطر اضطرارا للتخلى عن تصوراتك الجميلة الحمقاء عن الآخرين
    وجه الجمال اننا كلما احببنا شخص أو شئ جملناه بمحبتنا حتى رفعناه الي مراتب سامية وعالية لم يبلغها هو في الحقيقة أبدا لكن محبتنا له ورغبتنا في رؤيته في أسمى وأعلى موقع هى التى تصنع ذلك
    ووجه السذاجة هو اننا ندرك متأخرا جدا ان ليس كل مايلمع ذهباً
    وليس كل من نحبه في مستوى ظننا فيه بالضرورة
    لكننا للأسف ندرك ذلك دائما متأخرا جدا ، بعد ان نكون قد مشينا بقلبنا فوق الشوك والجمر وأدميناه وأوجعناه
    حدث ذلك معى كثيرا جدا
    لا أدعى اننى ملاك صغير أو اننى بلا عيوب ولكن أستطيع القول بلا تردد انه ليس من عيوبى أو محاسنى سوء الظن بالاخرين
    واستطيع القول أننى اندفع بكل مشاعرى تجاه من احببت وصادقت ومن حسبته ذهبا
    لكن أقسي تجاربى هذه كانت انقلابا كاملا في حياتى
    فقد أفقت يوما والعالم الجميل الذي بنيته في خيالى وعشته وهما جميلا لايأتيه الباطل من بين يديه أو من فوقه أو من تحته
    أفقت فوجدته سرابا كاذبا
    وخيالا بعيدا
    كان صرحا من خيال فهوى
    وكان بيتا من رمال ابتلعته موجة واحدة من موجات البحر
    وكان حلوى زائبة مثل تلك التى نسميها ( حلاوة قطن) ذابت في فم صغير ولم يبق إلا
    طعمها وصورتها في الذاكرة
    لا استطيع الكتابة الا رمزا للأسف
    فما أقسي الحقيقة حين تجرح وتدمى وتفضح من نحبهم ومن أنفقنا العمر في تجميل صورتهم وعبادة أصنامهم وصنعها والترويج لها
    ما أصعب أن يكون المرء مثل تلك المرأة الخرقاء بمكة التى كلما أحسنت غزلها نقضته من بعد احكام وقوة (التى نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا}
    لم يكن غزلى عهدا
    ولكنه كان ظنا حسنا
    وأمنيات ذرتها الرياح وبعثرتها كيفما أتفق
    كنت أصنع وهمى وأصدق ماصنعت وأعيش فيه
    فيأتى طفل صغير وبشكة دبوس صغيرة
    ينفجر منطاد الوهم وتسفر الحقيقة عن وجه قبيح عار
    لامساحيق تجمله
    ولا مصابيح العالم كله بقادرة علي محو ظلمته
    ياصديقي فلتكن الحقيقة عارية
    ولتكن الحقيقة جثة باردة
    ولتكن الحقيقة لطمة علي الوجه
    وبصقة علي الوجه
    ولكنها لن تكون أبدا
    في قبح الزيف
    ولا فى وضاعة كاذب صغير أو كبير
    ولا فى دناءةمن يبيعون الوهم والأكاذيب
    ويسحقون القلوب بلا أدنى شعور بالذنب
    ينامون علي عروش منهوبة
    ويشربون بجماجم مثقوبة برصاص قناصتهم
    ويأكلون لحم من صافحوه في الظهيرة مساء
    ويفعلون كل قبيح سرأ
    ويتجملون بكل جميل علناً
    ليس بحثا عن الجمال
    ولكن بحث الذئاب عن التستر خلف وجوه الحملان
    قبل الهجوم علي القطعان
    ومثل إختباء الثعلب وسط الدجاج قبل الإنقضاض عليه
    هم ليسوا هم أبدا
    بسماتهم مزيفة
    كلماتهم منمقة مجوفة
    عطورهم دماء
    صلاتهم رياء
    وصالهم خداع
    خصامهم فجور
    بيوتهم قبور
    زهورهم مسروقة
    صدقهم محال
    وكذبهم كثير
    وكرمهم ستار
    هم ذهب الجوهر منهم
    وبقي المظهر
    ذهب التبر
    وبقي تراب مخلوط بمكر الثعالب
    وقسوة القصاب عند ذبح الشاة


    الخرطوم
    20 اكتوبر

  24.  
  25. #138
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    أحن اليك يا أمى حنينا ماج في صدري، كم احتاج حكمتك وقدرتك الفريدة علي تجاوز الصغائر والنفاذ الي جوهر الاشياء، كم أحن الي صوت المطر وهو يهطل بغزارة ونحن محبوسون في تلك البرندة الصغيرة في بيتنا بحي مايو وانت تهمهمين حامدة الله وشاكرة سرا وجهرا، كنا بجوارك كعصافير صغيرة تلوذ بأمها وتختبئ في جناحيها من المطر وكل انواع الخطر، تزداد الأمطار ضراوة فيتملكنا الخوف أكثر ونقترب منك فترتسم الابتسامة علي وجهك الوضئ المضئ ، تنقطع الكهرباء، يظلم المكان فيضئيه وجهك ويتملكن خوف من الظلام يبدده صوتك الدافئ، نضحك مع كلماتك ويعود الدفء، ينقلب المشهد الي ضده تماما، نتباري في الضحك وسرد الحكايات وخطف كرة الحديث من الاخرين، ننسي الظلام والمطر والخوف ويحلو السمر بلاقمر في السماء ولكن قمر الأرض أجمل ولسانه ينثر شهداً وعطراً، كانت تعرف كيف توزع علينا الإهتمام بالتساوى والقسط ابتداء من توزيع الألقاب فأنا ( ابو الصلح الكلامو سمح) وعبد العظيم ( عظوم الخاتى اللوم) واقبال (قبولة السمح قولا) وامال هى (أمولة) وعماد هو( العمدة) وسهام هى( سهومة) ، ثم توزع علينا انصاتها وردودها الحاضرة علي ضجيجنا الكثير وأسئلتنا التى لاتنتهى حتى يصمت نقيق الضفادع ويخفت صوت المطر تدريجيا ويستغيث الظلام منا بادارة الكهرباء فيبق النور علي حين غرة فنهب صارخين بصوت واحد
    الكهرباء جات
    الكهرباء جات
    ونركض صوب الحوش الوسيع لنتفقده ونهرول الي الغرفة الأماميةلنرى ماذا فعل بها المطر ، وربما تسللنا الي الشارع لنتفقده ونتفقد الجيران ثم نعود علي عجل لنقف بجوارك وانت تعدين الشاي باللقيمات علي عجل ليسكت جوعنا وشعورنا بالبرد، تلك الابتسامة الفرحة علي جبهتك وفمك من أين تجئ دائما هكذا بذات الاتساع والفرح ؟!
    نحتسي الشاي ونحن متحلقون حولك مثلما يتحلق المريدون حول شيخهم
    وأنت توزعين الابتسامات علينا بالقسط، واللقيمات الصغيرة تهاجرمن الصحن الي الأفواه الصغيرة والأيدى تلمع بزيت تساقط عليها من اللقيمات
    والابتسامة علي وجهك لاتموت، اختلس اليك النظر خلسة واتساءل متى تأكل أمى شيئا؟! هل تفعل كل الأمهات هذا؟ هل يظلن العمر كله يطعمن ولايأكلن ، يغسلن الأجساد الصغيرة ويكنسن الحيشان الوسيعة بمكانس السعف القاسية علي الأيدي في الهجير بلا كلل ولاملل ، ويمسحن دموع من يبكى ويغثن المستنجد بهن مهما كان سبب الاستغاثة تافها أو جللاً، يغسلن الأوانى والملابس في كل صباح وظهيرة، يواجهن نيران العواسة علي الصاج ويخرجن طرقات الكسرة الجميلة وهن يبتسمن وعرقهن الطاهر يقبل الأرض بلا إنقطاع؟! وحين يجأرن بشكوي أو يبكين لايجدن مثلنا من يمسح دمعهن ويغثهن، كنت اتساءل دوما متى تأكلين أماه؟! وكيف تكون الحياة لو كنت لست بها؟
    الآن أواجه الاجابة علي سؤالى، وحيدا، وانت حمامة بيضاء حلقت نحو السماء، المطر والرعد والظلام والصمت يحاصرنى
    أبحث عنك
    فيجيبنى العدم

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 21-10-2013 الساعة 11:27 AM
  26.  
  27. #139
    عضو مميز
    Array الصورة الرمزية bit madani
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    مدني
    المشاركات
    481

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صلاح سر الختم علي مشاهدة المشاركة
    أحن اليك يا أمى حنينا ماج في صدري، كم احتاج حكمتك وقدرتك الفريدة علي تجاوز الصغائر والنفاذ الي جوهر الاشياء، كم أحن الي صوت المطر وهو يهطل بغزارة ونحن محبوسون في تلك البرندة الصغيرة في بيتنا بحي مايو وانت تهمهمين حامدة الله وشاكرة سرا وجهرا، كنا بجوارك كعصافير صغيرة تلوذ بأمها وتختبئ في جناحيها من المطر وكل انواع الخطر، تزداد الأمطار ضراوة فيتملكنا الخوف أكثر ونقترب منك فترتسم الابتسامة علي وجهك الوضئ المضئ ، تنقطع الكهرباء، يظلم المكان فيضئيه وجهك ويتملكن خوف من الظلام يبدده صوتك الدافئ، نضحك مع كلماتك ويعود الدفء، ينقلب المشهد الي ضده تماما، نتباري في الضحك وسرد الحكايات وخطف كرة الحديث من الاخرين، ننسي الظلام والمطر والخوف ويحلو السمر بلاقمر في السماء ولكن قمر الأرض أجمل ولسانه ينثر شهداً وعطراً، كانت تعرف كيف توزع علينا الإهتمام بالتساوى والقسط ابتداء من توزيع الألقاب فأنا ( ابو الصلح الكلامو سمح) وعبد العظيم ( عظوم الخاتى اللوم) واقبال (قبولة السمح قولا) وامال هى (أمولة) وعماد هو( العمدة) وسهام هى( سهومة) ، ثم توزع علينا انصاتها وردودها الحاضرة علي ضجيجنا الكثير وأسئلتنا التى لاتنتهى حتى يصمت نقيق الضفادع ويخفت صوت المطر تدريجيا ويستغيث الظلام منا بادارة الكهرباء فيبق النور علي حين غرة فنهب صارخين بصوت واحد
    الكهرباء جات
    الكهرباء جات
    ونركض صوب الحوش الوسيع لنتفقده ونهرول الي الغرفة الأماميةلنرى ماذا فعل بها المطر ، وربما تسللنا الي الشارع لنتفقده ونتفقد الجيران ثم نعود علي عجل لنقف بجوارك وانت تعدين الشاي باللقيمات علي عجل ليسكت جوعنا وشعورنا بالبرد، تلك الابتسامة الفرحة علي جبهتك وفمك من أين تجئ دائما هكذا بذات الاتساع والفرح ؟!
    نحتسي الشاي ونحن متحلقون حولك مثلما يتحلق المريدون حول شيخهم
    وأنت توزعين الابتسامات علينا بالقسط، واللقيمات الصغيرة تهاجرمن الصحن الي الأفواه الصغيرة والأيدى تلمع بزيت تساقط عليها من اللقيمات
    والابتسامة علي وجهك لاتموت، اختلس اليك النظر خلسة واتساءل متى تأكل أمى شيئا؟! هل تفعل كل الأمهات هذا؟ هل يظلن العمر كله يطعمن ولايأكلن ، يغسلن الأجساد الصغيرة ويكنسن الحيشان الوسيعة بمكانس السعف القاسية علي الأيدي في الهجير بلا كلل ولاملل ، ويمسحن دموع من يبكى ويغثن المستنجد بهن مهما كان سبب الاستغاثة تافها أو جللاً، يغسلن الأوانى والملابس في كل صباح وظهيرة، يواجهن نيران العواسة علي الصاج ويخرجن طرقات الكسرة الجميلة وهن يبتسمن وعرقهن الطاهر يقبل الأرض بلا إنقطاع؟! وحين يجأرن بشكوي أو يبكين لايجدن مثلنا من يمسح دمعهن ويغثهن، كنت اتساءل دوما متى تأكلين أماه؟! وكيف تكون الحياة لو كنت لست بها؟
    الآن أواجه الاجابة علي سؤالى، وحيدا، وانت حمامة بيضاء حلقت نحو السماء، المطر والرعد والظلام والصمت يحاصرنى
    أبحث عنك
    فيجيبنى العدم

    كعادتك في إستدعاء الحزن ... أحب كتابتك ... و أحب حزنك النبيل و اشتاق مثلك و احن لحضن والدتك و كاني كنت من صدق سردك احد أبنائها ... يا لعظمتها يا صلاح و يا لوفائك ...
    يا لهذا الألم الذي يجتاحني لألمك ... فطفولتي كانت مشابهة ... اللهم ارحم والدينا برحمتك و أغمرهم بإحسانك الأحياء منهم و الأموات ...

    [عُدْ طفلاً ثانية / عَلِّمني الشعر / وعلِّمني إيقاع البحر /
    وخُذْ بيدي / كي نعبر هذا البرزخ ما بين الليل وبين الفجر معاً /
    ومعاً نتعلَّم أُولى الكلمات / وأَرجعْ للكلمات براءتها الأولى / لِدْني من حبة قمح، لا من جرح، لِدْني / وأَعدني، لأضمَّك فوق العشب، إلى ما قبل المعنى / هل تسمعني: قبل المعنى / عُدْ طفلاً لأرى وجهي في مرآتك / هل أنت أنا / وأنا أنت؟ /... درويش ...
  28.  
  29. #140
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية ود الأصيل
    تاريخ التسجيل
    Jan 2013
    المشاركات
    2,849



    لك التجلة المبدع/ صلاح، فقد لامست بمبضعك سُلامات الوجع لفراق أحبة لن ننسى ذكراهم
    فنكأت جراحاً و حركت شجوناً وأدميت عيوناً كم عاشت من قواسم مشتركة للعطاء مع زمرة
    من جيل الوفاء البسطاء
    و لإن آثرتُ المجيء أخيراً و لعلي لست بآخر،
    فلقد وجدتك سابقني إذ جئت فائضاً كسيل منحدر،
    إذ تعلو محياك طلة كما بدر التمام في ليلة خامس عشر..
    وتفوح منك أنفاس كخاتمة المسك مشبعاً برصين المعاني
    معتقاً بحلاوة كبوح الصبايا في مرقة عصر..
    وأظن أول قاسم مشترك أعظم لاحظته بيني و بينك هو رهافة الحس و قرب الدمعة
    الفوق الرموش،،مكبوتة بي حسرة و ضياع..
    ورعشة الكف الخضيب..
    مقورونة بي نظرة ودااااععععع ،
    جابو القدر في سكتي،
    على حافة وتر مشدود.

    هذا ليس بنظم شاعر و لا برطمة كاهن و لا هترشة مجانين.. ولكنه إحساس حثيث
    و شعور دفين يظل يعتريني، و شوق دفيق يتلبسني الآن كالمس من عرصات التجلي


    فأولاً إن جاز لنا التعبير لنسمي ما نكتب إبداعاً فهو بلا شك، نوع من وخز الإبر في صميم رحم المعاناة و ضرب من عصارات أنين الوجع. و لعل ماحفزني لمجادعتك هنا هو شعورعجيب بتلذذ المعاناة. فهي أحلى بعد تجاوزها. و سر النجاح والأبداع في نظري أنه يقتات دوماً على فتات موائد الألم. يقول تشارس ديكن:"أنا أبدع طالما أنني أظل أعاني". فالكاتب و المبدع عموماً بمثابة أرشيف لذاكرة ما يدور بخواطر أهله وناسه ، كونه مرآة ساذجة و كاميرا نزيهة تلقط ما حولها لتصوغ منه أمثلة مدهشة وتبدع تفانين خرافية رائعة.والشاعر قيثارة عصره و لسان حال زمانه الذي لا مجال لإفلاته منه و إن حاول الفكاك من قيوده التي كلما ضاقت به ذرعاً استحكمت حلقاتها و لم تفرج، و إن تمرد على كثير من تفاصيل أوضاعه، و جند نفسه لمعترك صون الفضيلة و نبذ ثقافة النفور و الكراهية و سعى جهده لتأسيس وعي مسكون بقضايا قومه، ملتزم بها.فليس المبدع مؤرخاً محترفاً بالضرورة ، و إن كان موثقاً جيداً، يعيش يومه و يشرئب لما تحبل به ثنايا غده.. و هو يدون لنا شهادة شاهد عصر رأى بأم إنسان عين زمانه ،و قلب يكاد ينخلع ألف مرة قبل أن يرتمي على مخازي عري كل سترٍ رآه يُهتك، أو ظلمات كل ظُلم رآه يقع، أو إثبات كل حق سمعه يستلب.و للكلمة مفتاح تحظى به على خارطة الإصلاح في كل أمة و النضال لنصرة كل شعب يريد البقاء.
    تعيدني بهمسك الحزين إلى "
    خميرة سودنة"كنت كتبتها تحت عنوان :
    قلبي على جناي، و قلب جناي على حجر
    شخصياً، في جعبتي حكاية معاناة خاصة ، ممتدة و محببة؛ حيث إنني جئت إلى هذه الدنيا و لم أر أمي قط ، تلك التي أودعتني أمانة لهذا العالم المتوحش و رحلت إلى رفيقها الأعلى. فترعرعت في أحضان حبوبتين كانتا تتنازعان الشرف في احتضاني. أذكر تلك التي ظفرت بضمي و تعاهدتني على إقبال ثم جئت لافتقدها بعد حين من الدهر، كي أرد قيضاً من فيض جمائلها علي ، فوجدتها تنوي وداعي على إدبار، وهي تلملم بقايا حطام عمرها و توشك أن ترحل .


    كانت تعد لنا الطعام و تضعه راضية مرضية بين أيدينا أنا و أخوتي ، ثم تجلس بجوارنا القرفصاء لتراقب عن كثب ، مراقبة لصيقة وتقاسيم وجهها الشاحب تشي بأنها (بايتة القوى). و إذا شح الطعام أو تناقص الإدام حتى نطلب منها المزيد، لاتلبث تمهلنا لنصيح بها (تعالي ملحيها وزيديها ، وخلينا نمشي نخرا ونجيها) حتى تأتينا بما نريد في حينه، حتى لو من مافي. حتى إذا فرغنا تماماً إذا بها تدنو لتحسن (مرماس) القدح لتسد به رمقها وتقنع بقليله.

    كنت أصغرهم سناً و بي حماقة، إذ تسميني (الجنا أب وشاً محومر).فكانت إذا نال منها الغضب و طفح بها الكيل وصفعتني مثلاً (أو قشطتني بسير المفحضة), فسرعان ما تسترجع جاهشة بالبكاء و تأكل أصابعها من الندامة فتصنع لي شربات من الليمون تغرق فيها تلة من السكر. وهي قاطعة على نفسها عهداً ألا يجد الحزن سبيلاً إلى قلوب هؤلاء اليتامى من ثغرتها.

    فلما كبرنا و خرجنا لطلب العلم و العمل كان قد برد عنفوانها و تقدم بها السن فزاد تعلقها بنا و بي شخصياً لدرجة خرافية مخيفة. فكنت إذا حضرت من سفرقاصد وهتف صبية الفريق باسم من حضر، تهرع تلك الجدة العمياء من دارها تسابق الريح إلى المحطة لتعانقني وتمطرني بوابل من هستيريا اللحس و الاحتضان، و هي تصحبني منهناك وهي تتلمس علامات دربها بعكازة، يقودهاقلب الوالد و تسير بنورالبصيرة ، عوضاً عن بصرها الذي فُقد.

    عجبت من شأن حبوبتي لما مرقت مسافر و (داقش البنادر)و جيت راجع ذات مرة جايب ليها هدية قيمة ، عبارة عن صابونة معطرة ( أم ريحة) فلم تستخدمها مطلقاً ؛ فقط ظلت تشمها و تلمها للمناسبات و هي تقول: إني لأجد فيها ريح و لدي (فلان). ياخي دي لدرجة مرة مشتري لي شبشب بلون شاذ (عنابي)م ن أكشاك جيهة الأوقاف دي في مدني و بعدين يوم جيت مسافر، غيرت ملصتو خليتو مجدوع في سدر البيت فقامت ست الحبايب شالتو نففضتو زيييييين ولمممتعو طيب مليح، ولمتو ليك عارف وين!أصلكم ما ح تصدقوا لو قلت ليكم بعد رجوعي من السفر لقيتو مختوت في بطن (السحارة)،ذاك الصندوق الخشبي الذي نتخد منه مخبأ آمناً لأشيائنا النفيسة.

    ثم أذكر يوم أبرمت عقدي مهاجراً للعمل في بلاد الله الواسعة حيث لا زلت أعيش طافشاً من وطني ، هائماً على وجهي و خائفاً من ظلي ، إلى أن يرد الله غربتنا. و بينما كنت منهمكاً يومئذٍ في تخليص إجراءات الاغتراب، حمل إلي فاسق نبأ تلك الشجرة التي ماتت واقفة. حينها قطعت كل شيء على عجل فسافرت إلى قريتها النائية في أقاصي البطاح لتلقي واجب العزاء.هناك وجدت الكل يرصدونني: ليخمنوا ما أنا فاعل بفجيعتي في صاحبة الأيادي البيضاء التي منحتنا كل شيئ ؛ و لما جئنا نرد شيئاً من جمائلها علينا كانت قد رحلت في صمت و ودعت صخب عالمنا بهدوء. رأيت الفضولين من أولئك النفر يلحظون في أم عيني و كأنهم يستدرون عطف دموعي فكانت خيبتي بجلاجل: إذ خذلتني عيناي.. فجمدتا و لم تجودا بشيء..و لو بقطرة دمع فقط لذر رماد العيون ؛ رغم محاولات الاعتصار اليائسة. لكنني بدون شك كنت أبكي من دواخلي بحرقة شديدة وغصة يحبسها في حلقي هول الفاجعة. كانت تلك كنوبة عطاس يكبتها شحيح يعاني من ضيق ذات الشرايين. و كدت أتمزق حزناً و سمعت أحدهم يهمس بجواري قائلاً: " يا أخي من مات فقد روحه".


    ثم مضيت عائداً ادراجي إلى طاحونة المشاغل، لتلفني من جديد بسيرها الحلزوني. فلما أوشكت على ختم تأشيرتي و شددت رحلي مغادراً. هنالك فقط، جاءتني العبرة في غير وقتها و لا محلها؛ فجلست على أية حال على حافة رصيف الميناء و أنا أنحب نحيباً مراً و أزرف دمعاً دامياً و جلس معي صديق قديم حميم (له مأساة مشابهة حيث فقد أسرتة مبكراً في حادث حريق) يودعني و يبكي معي مواسياً. ثم رفعت رأسي فإذا جمهرة فرّاجة من الناس الغلابة ممن كانوا يغبطونني على فرصتي النادرة للسفر وهم يطوفون حولي كما الحجر الأسود، إذ يضربون أكفاً بـأكف والبعض يتساءل بين حاسد وبغران:" أهي دموع الفرح هذه التي تنهمر من مقلتيه ! أم هي دموع التماسيح؟"!



    التعديل الأخير تم بواسطة ود الأصيل ; 16-11-2013 الساعة 07:48 PM
    و بَعْضُ النُّفُوسِ ** كبَعِضِ الشَّجَـرْ
    جَمِيــــلُ القَـــوامِ ** رَدِيْءُ الثــَّــمَرْ
    وَ َسبْرُ النُّفُوسِ *** كَصم الحجارة
    فَمِنْهَا كَرِيْمُ نَّفِيْسُ وً جلمود صخـرْ
    و َكَمْ مِّنْ ضَرِيْرٍ كَفِيْفٍ بَصِيْرُ الْفُؤَادِ
    و كَمْ مِّنْ فُؤَادٍ غَرِيْرٍ كَفِيْفُ الْبَصَـرْ
  30.  
  31. #141
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    شكرا بت مدنى علي تفاعل صادق وجميل وكالعادة اتيت متأخرا فعذرا علي ذلك

  32.  
  33. #142
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    شكرا بت مدنى علي تفاعل صادق وجميل وكالعادة اتيت متأخرا فعذرا علي ذلك

  34.  
  35. #143
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة aabersabeel مشاهدة المشاركة


    لك التجلة المبدع/ صلاح، فقد لامست بمبضعك سُلامات الوجع لفراق أحبة لن ننسى ذكراهم
    فنكأت جراحاً و حركت شجوناً وأدميت عيوناً كم عاشت من قواسم مشتركة للعطاء مع زمرة
    من جيل الوفاء البسطاء
    و لإن آثرتُ المجيء أخيراً و لعلي لست بآخر،
    فلقد وجدتك سابقني إذ جئت فائضاً كسيل منحدر،
    إذتعلو محياك طلة كمابدر التمام في ليلة خامس عشر
    ..
    وتفوح منك أنفاس كخاتمة المسك مشبعاً برصين المعانيمعتقاًبحلاوةكبوح الصبايا في مرقة عصر..
    وأظن أول قاسم مشترك أعظم لاحظته بيني و بينك هو رهافة الحس و قرب الدمعة الفوقالرموش،،مكبوتةبي حسرة و ضياع..
    ورعشة الكف الخضيب..
    مقورونةبي نظرة ودااااععععع ،
    جابوالقدر في سكتي،
    علىحافة وتر مشدود.

    هذاليس بنظم شاعر و لا برطمة كاهن و لا هترشة مجانين.. ولكنه إحساس حثيث
    و شعور دفينيظل يعتريني، و شوق دفيق يتلبسنيالآن كالمس من عرصات التجلي


    فأولاً إن جاز لنا التعبير لنسمي ما نكتب إبداعاً فهو بلا شك، نوع منوخز الإبر في صميم رحم المعاناة و ضرب من عصارات أنين الوجع. و لعل ماحفزنيلمجادعتك هنا هو شعورعجيب بتلذذ المعاناة. فهي أحلى بعد تجاوزها. و سر النجاحوالأبداع في نظري أنه يقتات دوماً على فتات موائد الألم. يقول تشارس ديكن:"أنا أبدع طالما أنني أظل أعاني". فالكاتب و المبدع عموماً بمثابة أرشيف لذاكرة ما يدور بخواطر أهله وناسه ، كونه مرآة ساذجة و كاميرا نزيهة تلقط ما حولها لتصوغ منه أمثلة مدهشة وتبدعتفانين خرافية رائعة.والشاعر قيثارة هوعصره و لسان حال زمانه الذي لا مجال لإفلاتهمنه و إن حاول الفكاك من قيوده التي كلما ضاقت به ذرعاً استحكمت حلقاتها و لمتفرج، و إن تمرد على كثير من تفاصيل أوضاعه، و جند نفسه لمعترك صون الفضيلة و نبذثقافة النفور و الكراهية و سعى جهده لتأسيس وعي مسكون بقضايا قومه، ملتزم بها.فليس المبدع مؤرخاً محترفاً بالضرورة ، و إن كان موثقاً جيداً، يعيش يومه و يشرئبلما تحبل به ثنايا غده.. و هو يدون لنا شهادة شاهد عصر رأى بأم إنسان عين زمانه ،و قلب يكاد ينخلع ألف مرة قبل أن يرتمي على مخازي عري كل سترٍ رآه يُهتك، أو ظلماتكل ظُلم رآه يقع، أو إثبات كل حق سمعه يستلب.و للكلمة مفتاح تحظى به على خارطة الإصلاح في كل أمة و النضال لنصرةكل شعب يريد البقاء.
    تعيدني بهمسك الحزين إلى "
    خميرة سودنة"كنت كتبتها تحت عنوان :
    قلبي على جناي، و قلب جناي على حجر
    شخصياً، في جعبتي حكايةمعاناة خاصة ، ممتدة و محببة؛ حيث إنني جئت إلى الدنيا و لم أر أمي قط ، تلك التيأودعتني أمانة لهذا العالم المتوحش و رحلت إلى رفيقها الأعلى.فترعرعت في أحضانجدتين كانتا تتنازعان الشرف في احتضاني. أذكر تلك التي ظفرت بضمي و تعاهدتني على إقبالثم جئت لافتقدها بعد حين من الدهر، كي أرد قيضاً من فيض جمائلها علي ، فوجدتهاتنوي وداعي على إدبار، وهي تلملم بقايا حطام عمرها و توشك أن ترحل .


    كانت تعد لنا الطعام و تضعه راضية مرضية بين أيدينا أنا و أخوتي ، ثمتجلس بجوارنا القرفصاء لتراقب عن كثب ، مراقبة لصيقة وتقاسيم وجهها الشاحب تشيبأنها (بايتة القوى). و إذا شح الطعام أو تناقص الإدام حتى نطلب منها المزيد، لاتلبث تمهلنا لنصيح بها(تعالي ملحيها وزيديها ، وخلينا نمشي نخرا ونجيها)حتى تأتينابما نريد في حينه، حتى لو من مافي. حتى إذا فرغنا تماماً إذا بها تدنو لتحسن(مرماس) القدح لتسد به رمقها وتقنع بقليله.

    كنت أصغرهم سناً و بي حماقة، إذ تسميني (الجنا أب وشاً محومر).فكانتإذا نال منها الغضب و طفح بها الكيل وصفعتني مثلاً (أو قشطتني بسير المفحضة),سرعان ما تسترجع جاهشة بالبكاء و تأكل أصابعها من الندامة فتصنع لي شراباً منالليمون تغرق فيه تلة من السكر. وهي قاطعة على نفسها عهداً ألا يجد الحزن سبيلاًإلى قلوب هؤلاء اليتامى من ثغرتها.

    فلما كبرنا و خرجنا لطلب العلم و العمل كان قد برد عنفوانها و تقدمبها السن فزاد تعلقها بنا وبي شخصياً لدرجة خرافية مخيفة. فكنت إذا حضرت من سفرقاصد وهتف صبية الفريق باسم من حضر، تهرع تلك الجدة العمياء من دارها تسابق الريحإلى المحطة لتعانقني وتمطرني بوابل من هستيريا اللحس و الاحتضان، و هي تصحبني منهناك وهي تتلمس علامات دربها بعكازة، يقودهاقلب الوالد و تسير بنورالبصيرة ، عوضاً عن بصرها الذي فقد.

    عجبت من شأن جدتي لما مرقت مسافر و (داقش البنادر)و جيت راجع ذات مرةجايب ليها هدية قيمة ، عبارة عن صابونة معطرة ( أم ريحة) فلم تستخدمها مطلقاً ؛فقط ظلت تشمها و تلمها للمناسبات و هي تقول: إني لأجد فيها ريح و لدي(الدفيع النفع، الراجل الكلس). ياخي دي لدرجة مرة مشتري لي شبشب بلون شاذ(عنابي)من أكشاك جيهةالأوقاف دي في مدني و بعدين يوم جيت مسافر، غيرت ملصتو خليتو مجدوع في سدر البيتفقامت ست الحبايب شالتو نففضتو زيييييين ولمممتعو طيب مليح، ولمتو ليك عارف وين!أصلكم ما ح تصدقوا لو قلت ليكم بعد رجوعي من السفر لقيتو مختوت في بطن (السحارة)،ذاك الصندوق الخشبي الذي نتخد منه مخأ آمناً لأشيائنا النفيسة.

    ثم أذكر يوم أبرمت عقديمهاجراً للعمل في بلاد الله الواسعة حيث لا زلت أعيش طافشاً من وطني ، هائماً علىوجهي و خائفاً من ظلي ، إلى أن يرد الله غربتنا. و بينما كنت منهمكاً يومئذٍ فيتخليص إجراءات الاغتراب، حمل إلي فاسق نبأ تلك الشجرة التي ماتت واقفة. حينها قطعتكل شيء على عجل فسافرت إلى قريتها النائية في أقاصي البطاح لتلقي واجب العزاء.هناك وجدت الكل يرصدونني: ليخمنوا ما أنا فاعل بفجيعتي في صاحبة الأيادي البيضاءالتي منحتنا كل شيئ ؛ و لما جئنا نرد شيئاً من جمائلها علينا كانت قد رحلت في صمتو ودعت صخب عالمنا بهدوء. رأيت الفضولين من أولئك النفر يلحظون في أم عيني و كأنهميستدرون عطف دموعي فكانت خيبتي بجلاجل: إذ خذلتني عيناي.. فجمدتا و لم تجودا بشيء..و لو بقطرةدمع فقط لذر رماد العيون ؛ رغم محاولات الاعتصار اليائسة. لكنني بدونشك كنت أبكي من دواخلي بحرقة شديدة وغصة يحبسها في حلقي هول الفاجعة. كانت تلككنوبة عطاس يكبتها شحيح يعاني من ضيق ذات الشرايين. و كدت أتمزق حزناً و سمعتأحدهم يهمس بجواري قائلاً: " يا أخي من مات فقد روحه".


    ثم مضيت عائداً ادراجي إلى طاحونة المشاغل، لتلفني من جديد بسيرهاالحلزوني. فلما أوشكت على ختم تأشيرتي و شددت رحلي مغادراً. هنالك فقط، جاءتنيالعبرة في غير وقتها و لا محلها؛ فجلست على أية حال على حافة رصيف الميناء و أناأنحب نحيباً مراً و أزرف دمعاً دامياً و جلس معي صديق قديم حميم (له مأساة مشابهة حيث فقد أسرتة مبكراً في حادث حريق) يودعني و يبكي معي مواسياً. ثم رفعت رأسي فإذا جمهرة فرّاجة من الناس الغلابة ممن كانوا يغبطونني على فرصتي النادرة للسفر وهم يطوفون حولي كما الحجر الأسود، إذ يضربون أكفاً بـأكف والبعض يتساءل بين حاسد وبغران:" أهي دموع الفرح هذه التي تنهمر من مقلتيه ! أم هي دموع التماسيح؟"!



    كنت اتوقف دوما عند اسمك ياصديقي ويشتعل فضول الكاتب عندى ويبرز السؤال من هو عابر السبيل هذا الذي من المؤكد ان خلفه حكاية ليست عابرة
    هذا الاصرار علي الكتابة والتواصل مع الاخرين خلفه كائن جميل عميق حتما
    مشاركتك هنا اكدت صدق حدسي بما حوته من رسم لكون جميل هو جزء من حكايتك وكونك
    مرحبا بك هنا في الفضفضة فهي راكوبة حنين وتواصل وتسرية عن النفس ورسم بالكلمات
    مرحبا بك وعذرا علي القراءة المتأخرة لمشاركتك وللرد المتأخر عليها

  36.  
  37. #144
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    صور من إلبوم الذاكرة
    صورة أولي / ودود الابتسامة ( اسامة عثمان )
    وجه باسم ونظرات واثقة وشخص تشعر منذ الوهلة الأولي بالامان في حضرته وانك تعرفه منذ الميلاد، جذوره تنحدر من محافظة المتمة فهو سليل بيت عريق هنالك وخاله كان رجل اعمال عصامي شهير احتل مساحة كبيرة من ذاكرة المجتمع السودانى ردحا من الزمن حين برزت مملكته الاقتصادية الصغيرة للوجود وتناقل الناس خيوط قصة نجاحه بمحبة في السبعينات كأنها قصة نجاح كل واحد منهم، ومن المؤثرات الكبيرة في شخصية أسامة كونه من ابناء امدرمان حيث حبا ونما ، في جامعة القاهرة الفرع عرفته وقابلته أول مرة، كان قد سبقنا في دخول الجامعة قبل عدة سنوات ولكنه زاملنا منذ بداية دخولنا وحتى تخرجنا كأنه ولج الجامعة معنا بسبب كونه درس كليتى التجارة والقانون في ذات الجامعة وكان من ناشطى الجبهة الديمقراطية غير المعروفين الا للمقربين منه ، فهو شخصية لاتحب الظهور ولا الأضواء، وجدت نفسي ذات نهار أمام رجل مبتسم ابتسامة عريضة صافحنى بمودة وحيانى تحية صديق قديم وهو ينادينى باسمي كاملا كعادته التى لم يتركها قط، كنت قد سمعت عنه كثيرا من أصدقاءمشتركين كانت الابتسامة تعلو وجوههم كلما ذكروا الأسم ( اسامة الظافر) وهو اسم الشهرة الذي عرفناه به، عرفت حين التقيته سبب الابتسام فقد بت كلما تذكرته علت الابتسامة وجهى، كان شخصا لطيفا ومحبا للمرح بشكل ملفت ، كل حكاية عنده تبدأ بضحكة وتنتهى بضحكة أخري وكل شخص عنده موضوع حكايات مرحة بسيطة ولكنها تستدعى الف ابتسامة، وحين يتحدث تشعر ان صدره امتلأ بالهواء وحين يضحك تشعر ان غيمة سارة قد احتلت المكان،كان له فضل انتشار مجموعة من الالقاب علي عدد كبير من الاصدقاء فهو صاحب مصطلح ولقب ( العنقريب) الذي وزعناه بكرم حاتمى علي مجموعة كبيرة من الاصدقاء ، كانت البداية عنده حين كان يقول عن الصديق محجوب اسناوي( محجوب العنقريب) ثم اتسع اللقب فشمل كل صديق وبات من الشائع ان يسبق اسم كل صديق لقب العنقريب ومن اكثر من التصق بهم اللقب الاخ باشا من اولاد عطبرة حتى ظن الكثيرين انه لقب حصري له، وكان هو من اطلق لقب (سمبو) علي الاخ حيدر الذي طغى علي اسمه لقب آخر هو( حيدر الشرعي) وكان السبب انقسام حدث في تنظيم الجبهة الديمقراطية وكان هناك فريق يطلق عليه القيادة الشرعية وفريق يسمى المنقسمين وفي هذا الجو اطلق اللقب علي (حيدر) ، وكان هناك لقب آخر الصق بالاخ (علي البوب) فبتنا حتى يومنا هذا لانعرف له اسما سواه ( علي البوب) وكان اسامة هو مصدر اللقب أما (علي الوجيه) فلا أدري ان كان مبتكر اللقب هو أم الاخ فرانسوا ، لكن المؤكد ان لقب القسيس الذي الصق بفرانسوا كان مصدره اسامة وتناقله الناس عنه حتى بات شارة رسمية للقس حتى اختفي بعد هجرته خارج البلاد، اسامة كون من الوسامة واللطف يستقبل الناس بحكايات لاتنتهى فهو مخزن حكايات وأسرار ولكنه ليس ثرثارا، بل في طبعه ميل للتواصل ولديه دوما حكاية مشوقة في كل موضوع يفتح. عرفته دائما عفيفا عن تلطيخ أو تشويه صورة الآخرين، فهو يلوذ بالصمت حين يصير الحوار فيه ملمح أو شئ من ذلك. ربما لهذا السبب ظل دوما موضع احترام ومحبة الجميع. وكان زواجه هو وقرينته السيدة غادة عوض شوقي حدثا مهما في حياتنا فقد عرفناه وعرفناها وتمنيناها له وتمنيناه لها فقد كنا شهودا علي أيام التفتح الأولي لتلك الشجرة التي ربطت بين جامعتين كان تربط بين شبابهما روابط ثقافية وسياسية واجتماعية عديدة فجاء زواج بنت جامعة الخرطوم بهذا الفراعي الجميل تتويجا لعلاقات جميلة بين ابناء الجامعتين في ذلك الزمان. واسامة رياضي أصيل عرفته مدينة بورتسودان وهلالها في النصف الاخير من الثمانينات وحتى التسعينات عضوا نشطا بادارة نادي هلال الساحل وقمرا من اقماره. وفي منتصف التسعينات التقيت اسامة في مسقط رأسه المتمة حيث كنت قاضيها وحل بها لحضور مناسبة زواج هنالك فالتقينا واستعدنا ذكريات الجامعة وكنت قبل ذلك قد حللت ضيفا بمنزله ببورتسودان في عام 1991 حين حللت هناك في رحلة عمل عاجلة. وهكذا التقينا في مدن الوطن الجميلة( الخرطوم ثم بورتسودان ثم المتمة) . ومرة أخري التقينا في بورتسودان حين جئتها قاضيا في العام 2006 ،وذات يوم جئت امدرمان لعزاء فوجدت العزاء ملاصقا لمنزل اسرة اسامة وكان العزاء يخص أهل زوجتى. وهكذا السودان تجد فيه الف خيط يربطك بمن تعرف ومن تحب.

  38.  
  39. #145
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436



    صورة رقم 2




    ابراهيم عبد الرحيم ابراهيم شاويش الشهير باللقب (بوب)
    شاب سوداني بسيط وعميق من ابناءمنطقة جنوب كردفان محافظة الرشاد منطقة ابو كرشولا وتيري حيث مسقط رأس ابيه واجداده ولكن الفتي الاسمر الجميل ولد في بيت صغير من بيوت اللاماب وفتح عينيه علي الحياة هنالك في ذلك البيت الصغير الكبير بالمحبة بين افراده والقيم المستوطنة بأهله، الفتي شب هنا وقلبه مثل كل اهل السودان متعلق بالجذور التي ظل يقطع الطرق اليها بلا كلل في سنواته الثلاثين ولكن محبته للجذور لم تمنعه من الانفتاح علي حياته في عاصمة وطنه حيث شب وترعرع محبا للناس ودودا خدوما مكافحا من اجل لقمة العيش منذ الطفولةومحبا للموسيقي بشكل مميز حبا لم يقف عند الاستماع والتذوق بل شمل العزف علي الات موسيقية مثل الجيتار والبيانو،اكمل دراسته الثانوية بمدرسة علي السيد بالصحافة واكتفي بتلك الشهادة السودانية، لكن طموحه فيما يتعلق بالموسيقي بقي يعانق حدود السماء فانخرط بمركز شباب السجانة ليتعلم العزف علي البيانو ويجود عزفه علي الجيتار، كان يقضي سحابة نهاره متنقلا في اعمال شاقة لكسب العيش فهو خراط ماهر وسباك ماهر وخبير في توصيلات الكهرباء وهو يباشر اعمال صيانة واعمال يدوية مختلفة فالرجل مصنع مواهب لايستعصي عليه شئ وله خيال علمي واسع يجعله قادرا علي ابتكار الحلول والمعالجات ببراعة تثير دهشة كل من يكلفه بعمل، وهو يهتم دوما بتحقيق النتيجة المرجوة منه اكثر من اهتمامه بالنقود والعائد، رجلا بشوشا كثير الابتسام قليل الكلام حاضر ا دوما ولايرفض لجيرانه ومعارفه طلبا حتي ولو كانت تلك هي المرة الاولي التي يباشر فيها ما كلف به
    وكان طموحه كبيرا فهو ينتظم في دراسة منتظمة لتحسين لغته الانجليزية باستمرار مستعينا باخيه الاكبر هشام المتخصص في تلك اللغة
    جمعتني بابراهيم واسرته الجيرة حين سكنت حي اللاماب وكان من حسن حظي انهم جيراني بالحيطة
    جيران لاتسمع منهم الا ضحكات صافية تعانق السماء حين يجتمعون في حوش المنزل الملاصق لحائطي وكأنهم يتسامرون علي ضوء القمر في قلب الخرطوم الغارقة في الاضواء
    كانت اصواتهم وضحكاتهم تجذبني الي ايام جميلة عشتها في حي 114 حيث نشأت حيث الكل يعرف الكل بالاسم والكنية وحيث الدخول بلا استئذان والضحكات تعانق السماء
    والجيران جيران
    والوجوه صافية
    والمودةهي الخيط الرابط
    كنت اتوق
    دوما الي الانضمام الي ذلك السمر البرئ
    وهكذا عرفت بوب ووالده الشيخ الذي تراه دوما في طريقه الي ومن المسجد عند الآذان وعند الفروغ من الصلاة
    رجل ضئيل البنية
    طويلا
    حين يبتسم يغدو وجهه وجه طفل هو وحه ابراهيم نفسه فابراهيم دون اولاده يشبهه شبها جما حتي في محبته للصلاة
    ففي يوم رحيله الفاجع افتقدته النسوة
    وتساءلن عنه فوجدنه منهمكا في صلاة خاشعة
    وكان ذلك قبل الرحيل المر ربما بدقائق
    هل تري كان القلب يدري انها الصلاة الاخيرة؟
    كان صديقي
    وجاري
    كنت اهرع اليه في الكبيرة والصغيرة طالبا عونه
    فيجئ هاشا باشا كجندي تلقي امرا من قائده
    ولايغادرني الا والصعب بات سهلا
    والمتعطل
    هدر بالحياة
    كنت استمتع بمجاذبته اطراف الحديث
    فقد كانت له طريقته الفريدة في عرض الاشياء وسردها
    كانت حكاياته خليطا من حياته اليومية
    وما يصادف فيها من انواع البشر
    القساة الذين يجعلونه يعمل كثور في ساقية ثم يجحدونه ويلقون اليه دراهم قليلة لاتتناسب وجهده لالشئ الا كونه لم يفرض شروطه ولم يساوم مسبقا عندما كانت حاجتهم رعناء
    لكنه كان يضيف دوما للحكاية
    حكايات جميلة عن اناس طيبين
    يعطونك ما تستحق واكثر منه ويفيضون عليك كلاما طيبا
    واعتذارا
    كان يري هولاء ملائكة تستحق الحياة لاجلهم غفران كل شئ لنقيضهم
    وكانت احلامه تتسلل بين سطور الحكاية بطريقة أو اخري
    كان مثقفا ثقافة عالية تجعلك تشعر بالخجل كونك طلبت منه اداء عمل صغير لايتناسب وتلك الثقافة وتلك الاحلام
    لكنه كان متصالحا مع ذاته بشكل مدهش
    وحين يتحدث عن جذوره يتوهج وهو يصف الطبيعة والحياة والناس
    كنت اتمني دوما ان اراه وهو يعزف او يغني
    كنت اتمني لو اننا كنا في ذات السن حتي نرتاد الاماكن نفسها ونتحدث سويا عن احلامنا بلا حواجز كالتي نسجتها الحياة بيني وبينه
    انا القاضي وهو العامل
    انا الكبير وهو الصغير
    وثمة تفاهات اخري تنتصب
    كنت قادرا علي تجاوز ذلك كله حتي اعرف هذا الانسان الجميل نادر المثال واتطفل علي احلامه واحصل علي سر تلك الابتسامة الصافية الدائمة وتلك القدرة علي رؤية الجميل والتغاضي عن القبح طوعا
    هو كان قادرا لكن ادبه كان يمنعه من تجاوز خطوط مرسومة
    بوب عاش حياته ببساطة ومضي في هدوء ، كانت احلامه بسيطة وعظيمة: ان يعرف اللغة الانجليزية باجادة تمكنه من الالمام بفن الموسيقي ومعاني اغاني احبها كثيرا، وكان يحب العزف والموسيقي لانه يحبها وليس لاي سبب آخر، لم يكن يريد ان يصبح مشهورا او ثريا، كان معجبا بحياته كما هي وراغبا في تزيينها بما يحب، كان يحب الزراعة وبالذات الزهور والموسيقي والناس،لم يهتم كثيرا بالفقر والغني
    انا متأكد من ان نباتاته التي غرسها في ذلك البيت الصغير تفتقده وتشتاقه مثل الناس
    .................................................. ...
    في يوم الرحيل خرج ابراهيم بشعره المضفر
    ووجهه الباسم
    وقبل الوداع طلبت منه الوالدة
    أن يأكل شيئا لكنه رفض
    قال انه ليس جائعا
    صب عطرا في يدها بلا مناسبة
    وودعها
    وخرج
    ماكانت تدرك ان تلك الرائحة هي ما سيبقي او لايبقي منه
    كان علي موعد مع صديق يعمل في نقل المياه بعربة مخصصة لذلك الغرض
    كان الصديق متجها الي حي الانقاذ
    طلب منه مرافقته ففعل
    فهو لايرفض طلبا
    انجزا العمل
    تناولا القهوة والشاي
    وانسحب ابراهيم فصلي صلاته الاخيرة
    وصعد في العربة
    ثم دفعته شهامة للنزول ليساعد صديقه في الرجوع خلفا
    عند النزول تعثر
    الرجل الشهاب
    وسقط
    وداسته العربة
    نهض واقفا
    نهوضا اخيرا ثم هوي كنخلة وقبل الارض للمرة الاخيرة
    صعدته روحه الطيبة الي السماء
    واتجهت احلامه
    الي الارض
    لتبذر بذورا لاتموت
    ولاتكف عن التجدد
    والتكاثر
    كما اراد لحياته
    القصيرة
    ان تمتد
    بهذ اللوحة الاخيرة
    التي جسدت حياة كلها بذل وعطاء
    بسخاء
    حتي
    آخر رمق
    وتلقت أمه النبأ برباطة جأش غريبة
    ظلت تطرق البيوت لتخبر الناس بنفسها بعبارة ملتبسة
    ...قالوا ابراهيم مات
    وتحكي عن عطره في يدها الذي مافات


    وتغالب الدمعات
    .................
    مضيت وحدك ياصديقي
    مضيت وحدك
    ولن يكون وجهك الطيب حاضرا في مقبل الاعياد
    لن تطرق الباب بعد الصلاة مباشرة
    لتهنئ بالعيد
    ولن
    اسافر مطمئنا ككل مرة استودعك فيها بيتي
    لن اسمع صوتك تنادي صلاح الصغير
    وربما لن اسمع ضحكات اهل بيك الصافية الي حين
    لكن
    ياصديقي
    احلامك ستبقي
    تحلق كحمامة
    وابتسامتك
    تبقي
    علما وشارة
    لرجل
    نادر المثال
    لك الرحمة
    وأسال الله ان يغفر لك ويرحمك
    ويغسلك من الذنوب
    ويتقبلك مع الصديقين والشهداء
    وداعا صديقي ابراهيم بوب
    صلاح الدين سر الختم علي
    كريمة
    العاشر من مارس 2012

  40.  
  41. #146
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية ود الأصيل
    تاريخ التسجيل
    Jan 2013
    المشاركات
    2,849

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صلاح سر الختم علي مشاهدة المشاركة
    كنت اتوقف دوما عند اسمك ياصديقي ويشتعل فضول الكاتب عندى ويبرز السؤال من هو عابر السبيل هذا الذي من المؤكد ان خلفه حكاية ليست عابرة
    هذا الاصرار علي الكتابة والتواصل مع الاخرين خلفه كائن جميل عميق حتما
    مشاركتك هنا اكدت صدق حدسي بما حوته من رسم لكون جميل هو جزء من حكايتك وكونك
    مرحبا بك هنا في الفضفضة فهي راكوبة حنين وتواصل وتسرية عن النفس ورسم بالكلمات
    مرحبا بك وعذرا علي القراءة المتأخرة لمشاركتك وللرد المتأخر عليها

    لله درك من صديق و أنت تشملني بدوائر ضوئك الغامرة و تثقلني بكلفة باهظة دونها العرق حين تضعني بين شاخصين
    و تجلسني القرفصاء طوعاً أو كرهاً لأمارس حسن الاستماع لدر نفيس و أنت تنثره ناصعاً كما الطل على و جنات الورود ..
    سيما و أنني لا أزال جندياً غراً و تعلمجياً غض الإهاب، جئت أتعرف منكم من أكون و كم يحوي جرابي من
    "خميرة سودنة" !!
    هات أذن إصغائك ، و دعني أحدثك عن منجّمين كثر، و أنت منهم ، تماماً مثل أمي التي سقتني بيديها حفنة من كذباتها الثمانية،
    .................................................. .........................شربة لن أظمأ بعدها أبداً............................................. ...................


    كم كانت تشجعني لرسم ملامح العطاء.. و تزرع في حقول معرفتي البذور لتبزغ أزاهير الأقحوان!! لكنها نسيت تعليمي كيف أتعاهدها بالرعاية و الحفاظ..
    بينما تقول لي دقات قلبي إن الحياة دقائق وثوانٍ.. و أغلى لحظاتها مشاركةٌ و تفانٍ.. و إن علينا أن نعيشها دونما فقدان لرمانة الاتزان!!!
    تسوقني قدماي إلى عثرات الكرام إلى غياهب النسيان؛ و لا تأبه بغوصي فيه دون أمان!!! عرفت جيداً كيف أرسم الابتسامات على ملامح البشر.
    لكنني عاجزٌ تماماً عن مسح دموعي كي أبتسم! عرفت كيف أنكؤ جراحي ، و جهلت كيف أداويها لتلتئم! و لا كيف أرش الملح عليها لتقاوم بكتريا العفن!
    تماماً مثلما أرضعتني أمي خمس رضعات مشبعات فقط قبيل رحيلها. لكنها أشبعتني رغبة ظلت تساروني لرفض الكوابل و القيود..
    لو لا المنية عاجلتها قبل إرشادي لأن لا قبل لي بكسر الكوابل لأنطلق حراً . أباحت لي أمي كل شيء ما أمكن و قالت لي: ليس كل ما يفهم يجب أن يقال علناً!!
    كما علمتني كيف أتنفس الحروف جميعاً!! و لم تتنبه لأن ثمانية و عشرين حرفاً فقط قد تُرهق يراعي و تسقط أسنانه في قعر لهاته..أمام عنفوانٍ صاخب.. لجنوني العنيد!
    علموني أنني طالما أفكر، إذاً فأنا كائن و حي مرزوق و لكني غير معتوق. و لم يعلمني أحد أنه عليَ أحياناً ألا أكون لكون لكل شيء حدود و للكون حدود..!!!
    تعلمت بفطرتي السمحة..أن قلبي زهرة بيضاء من قطن قصير التيلة.. لكنها منعتني أن أهوده أو أمجسه بالكتابة عليه بالسواد..
    فبقي فؤادي كما أم موسى فارغاً على سجيته من كل حقد !
    نبهتني أمي لأن فرساً جامحاً يسكنني!! لكنها ضنت بتعليمي كيف تكون دروس الترويض صعبةً على أيد الأيام!! ثم جاء الدور لتلقنني درساً قاسياً:
    بأن ثمة بغلة تطل برأسها من رقراق الإبريق.. لكنها خوفتني من مجرد إشارة لوجودها هناك لكونها حقيقة عصية على التصديق، و كون رأس البغلة أكبر من عنق إبريق..
    يتأهب حدسي وحواسي الست لمتى يستأذن فجري للرحيل.. لكنها لم تهيأني بعد لمفاجآت يومي الطويل ، و لا حين يحل مسائي الجنائزي المحزون،
    و لا متى يئين لليلي أن يلملم أجفانه و ينجلي، بصبح ، و إن كان إصباحي ليس منه بأمثل!!!
    ثم توالت سقطاتي لتعوّدني على معانقة الأحزان رغم أني ظللت أرفض دوماً التهاون في بيع أوطاني في أسواق النخاسة بزهيد الأثمان.
    و دمت أخي هيناً ليناً على قلبي

    التعديل الأخير تم بواسطة ود الأصيل ; 16-11-2013 الساعة 07:52 PM
    و بَعْضُ النُّفُوسِ ** كبَعِضِ الشَّجَـرْ
    جَمِيــــلُ القَـــوامِ ** رَدِيْءُ الثــَّــمَرْ
    وَ َسبْرُ النُّفُوسِ *** كَصم الحجارة
    فَمِنْهَا كَرِيْمُ نَّفِيْسُ وً جلمود صخـرْ
    و َكَمْ مِّنْ ضَرِيْرٍ كَفِيْفٍ بَصِيْرُ الْفُؤَادِ
    و كَمْ مِّنْ فُؤَادٍ غَرِيْرٍ كَفِيْفُ الْبَصَـرْ
  42.  
  43. #147
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة aabersabeel مشاهدة المشاركة

    لله درك من صديق و أنت تشملني بدوائر ضوئك الغامرة و تثقلني بكلفة باهظة دونها العرق حين تضعني بين شاخصين
    وتجلسني القرفصاء طوعاً أو كرهاً لأمارس حسن الاستماع لدر نفيس وأنت تنثره ناصعاً كما الطل على وجنات الورود ..
    سيما وأنني لا أزال جندياً غراً و تعلمجياً غض الإهاب،جئت أتعرف منكم من أكون و كم يحوي جرابي من
    "خميرة سودنة" !
    هات أذن إصغائك، ودعني أحدثك عن منجّمين كثر، و أنت منهم ، تماماً مثل أمي التي سقتني بيديها حفنة من كذباتها الثمانية،
    شربة لن أظمأ بعدها أبداً


    كم تشجعني لرسم ملامح العطاء.. و تزرع في حقول معرفتي البذور لتبزغ أزاهير الأقحوان!! لكنها نسيت تعليمي كيف أتعاهدها بالرعاية والحفاظ..
    بينما تقول لي دقات قلبي إن الحياة دقائق وثوان.. وأغلىلحظاتها مشاركة و تفان.. وإن علينا أن نعيشها دونما فقدان لأي اتزان!!!
    تسوقني قدماي إلى عثرات الكرام إلى غياهب النسيان؛ ولا تأبه بغوصي فيه دون أمان!!! عرفت جيداً كيف أرسم الابتسامات على ملامح البشر.
    لكنني عاجز تماماً عن مسح دموعي كي أبتسم! عرفت كيف أنكؤ جراحي ، و جهلت كيف أداويها لتلتئم! ولا كيفأرش الملح عليها لتقاوم بكتريا العفن!!!
    تماماً مثلما أرضعتني أمي خمس رضعات مشبعات فقط قبيل رحيلها. لكنها أشبعتني رغبة ظلت تساروني لرفض الكوابل والقيود..
    لو لا المنية عاجلتها قبل إرشادي لأني لي بكسر الكوابل لأنطلق حراً . أباحت لي أمي كل شيء ما أمكن وقالت لي: ليس كل ما يفهم يجب أن يقال علناً!!
    كما علمتني كيف أتنفس الحروف جميعاً!!ولم تتنبه لأن ثمانية وعشرين حرفاً فقط قد تُرهق يراعي وتسقط أسنانه في قعر لهاته..أمام عنفوانٍ صاخب.. لجنوني العنيد!
    علموني أنني طالما أفكر، إذاً فأنا كائن و حي مرزوق و لكني غير معتوق. و لم يعلمني أحد أنه علي أحياناً ألا أكون لكون لكل شيء حدود و للكون حدود..!!!
    تعلمت بفطرتي السمحة..أنقلبي زهرة بيضاء من قطن قصير التيلة.. لكنها منعتني أن أهوده أو أمجسه بالكتابة عليه بالسواد..
    فبقي فؤادي كما أم موسى فارغاً على سجيته من كل حقد !
    نبهتني أمي لأن فرساً جامحاً يسكنني!! لكنها ضنت بتعليمي كيف تكون دروس الترويض صعباً على أيد الأيام!! ثم الدور لتلقنني درساً قاسياً:
    بأن ثمة بغلة تطل برأسها منرقراق الأبريق.. لكنها خوفتني من مجرد إشارة لوجودها هناك لكونها حقيقة عصية على التصديق، و كون رأس البغلة أكبر من عنق إبريق..
    يتأهب حدسي وحواسي الست لمتى يستأذن فجري للرحيل.. لكنهالم تهيأني بعد لمفاجآت يومي الطويل ولا حين يحل مسائي الجنائزي المحزون،
    و لا متى يئين لليلي أن أن يلملم أجفانه و ينجلي، بصبح ؛ و إن كان إصباحي ليس منه بأمثل!!!
    ثم توالت سقطاتي لتعودني على معانقة الأحزان رغم أني ظللت أرفض دوماً التهاون في بيع أوطاني في أسواق النخاسة بزهيد الأثمان.
    ودمت أخي هيناً ليناً على قلبي
    شكرا علي هذا الجدول الرقراق الذي تدفق هنا
    واحتل بطيبه المكان والزمان
    شكرا علي قارورة العطر التي دلقتها هنا بمحبة واتقان ياحامل المسك

  44.  
  45. #148
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية ود الأصيل
    تاريخ التسجيل
    Jan 2013
    المشاركات
    2,849

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صلاح سر الختم علي مشاهدة المشاركة
    شكرا علي هذا الجدول الرقراق الذي تدفق هنا
    واحتل بطيبه المكان والزمان
    شكرا علي قارورة العطر التي دلقتها هنا بمحبة واتقان ياحامل المسك
    الشكر و الامتنان مردود على عقبيه إليك أخي صاعين ، كفضل عرف أهله
    و ربي يهنيك بحضور لائق عليك كشنن صادف طبقة ..
    ربكتني يا صديقي فما دريت ماذا أقول. ربما حالفك الصواب بقولك: إن ورائي لغز غير عابر. اللهم نعم و لكنه غير قابل للسرد،
    لكون بقائه رهين محبسين هو شرط بقائي بين ظهرانيكم. و إلا لو نبست عنه ببنت شفة لكان ذلك كفيلاً بتبخري في ضحضاح الجوى
    على أية حال في جعبتي قصاصات قديمة من عصارات ذكرى باهتة و تجارة بكماء ، لو شئت نفضنا عنها غبار الانزواء خلف أستار الكلمات
    المنسية و عتمات التلاشي في مغبة ضبابات العدم. الآن ما أتمناه عليك ألا تضن علينا بتقبل مرورنا سريعاً.فهي فرصة من ذهب لنروي غليلنا
    و نعيد شحننا بوقود حيوي متجدد و بحافزية ذات دفع رباعي علنا نرتق شيئاً مما تبقي لنا من ثقوب ذاكرة خربة مفقودة.
    ربما تلحظ من شتات كلامي أن مسحةً من أرق تسكنني دوماً من هم ما,الا و هو "لامحالية" الزوال و الارتحال. ربما, نعم,
    هناك بالفعل توجس من مجاهيل الحياة في خضم صراعات( تكون أو لا تكون).لكنها بالأحرى دعوة لنعيش، فقط بكرامة!

    التعديل الأخير تم بواسطة ود الأصيل ; 30-06-2015 الساعة 11:51 AM
    و بَعْضُ النُّفُوسِ ** كبَعِضِ الشَّجَـرْ
    جَمِيــــلُ القَـــوامِ ** رَدِيْءُ الثــَّــمَرْ
    وَ َسبْرُ النُّفُوسِ *** كَصم الحجارة
    فَمِنْهَا كَرِيْمُ نَّفِيْسُ وً جلمود صخـرْ
    و َكَمْ مِّنْ ضَرِيْرٍ كَفِيْفٍ بَصِيْرُ الْفُؤَادِ
    و كَمْ مِّنْ فُؤَادٍ غَرِيْرٍ كَفِيْفُ الْبَصَـرْ
  46.  
  47. #149
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    هناك بالفعل توجس من مجاهيل الحياة في خضم صراعات( تكون أو لا تكون).لكنها بالأحرى دعوة لنعيش، فقط بكرامة!

    لو لم تكتب ياصديقي سوي هذه العبارة الدرة النفيسة لكفاك شرفا بين الكتاب ان تكون كاتبها
    ومبدعها
    سلم بنانك
    وسلمت روحك الجميلة كطائر
    لايحمل الا البشري السارة
    بلا مقابل

    ويبذل روحه فداها

  48.  
  49. #150
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية ود الأصيل
    تاريخ التسجيل
    Jan 2013
    المشاركات
    2,849

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صلاح سر الختم علي مشاهدة المشاركة
    هناك بالفعل توجس من مجاهيل الحياة في خضم صراعات( تكون أو لا تكون).لكنها بالأحرى دعوة لنعيش، فقط بكرامة!
    لو لم تكتب ياصديقي سوي هذه العبارة الدرة النفيسة لكفاك شرفا بين الكتاب ان تكون كاتبها و مبدعها.. سلم بنانك وسلمت روحك الجميلة كطائر لا يحمل الا البشري السارة بلا مقابل
    ويبذل روحه فداها

    كأني بك تفرد لي راحتيك بساط ريحٍ ، و قد بزغت لي من محياك ومضة خضراء باهرة في نهاية نفق ترحالي، و تريق الشهد على شفاهي لمزيد من البوح الشفيف،
    بشكرك بعنف حيثما وجدتك تجاهي و أنت تتراءى لي كمزن هتون ما تلبث أن ترحل بعيداً إلا لتأتينا حبلى بماء طهورو برد و دعاش.لكننا نظل نرقبك كما التبلدي،
    نشرب ملء جوفنا ثم نحفظه لك في أحشائنا معين ود صافٍ.. و نحيّي روحك الذواقة التي لو لاها لظلت أحرفنا جامدة لا تجودبأي معنى..
    و لظل الحب النبيل راهباً معزولاً في صومعته.. و لذابت شموعه سدى في حنايا ظلمات
    ال"أنا و" أنت" .
    كيف لا و أنت تتفرد لنا بذراعيك و تمدلنا حبال صبرك كما المحيط الهاديء و الدر في أحشائك قابع؛
    و تتنزل إلينا من علياء موجك و مدك العالي فتبيح لنا متعة إدمان التسكع على شطآن بحرك االطويل ،
    و ممارسة الاعتكاف على متصفحات ذائتقك الرفيعة. و لا أظن أحداً سيسبقك وأنت تتقدم نعشي يوم خروجي من هنا على آلة حدباء محمولاً..
    فقد سبقتني بالفضل وأنت الكريم ابن الكرام..فنحن لسنا حكراً لمن نعيش وسطهم بل (
    لمة نفير) و ( و تيبار سبيل ) لمن لا نكاد نطيق العيش بدونهم وأنت منهم إن لم تكن أولهم.
    هكذا تكون حفاوة اللقاء، أنموذجاً رائعاً لمشاهد كبرياء لا تتكرر إلا من أناس عظماء حد الانحناء. وقد قيل إنما تتكؤ السنابل حين تنوء بقطافها..و ما زاد امرؤ من تواضعه إلا رفعة.

    فكل حروف بنت عدنان حين تتعلق بقامات شخوصكم السمهرية إنما تصبح عندي حروف جر ناسخة تجرني نحوكم لتضمني إليكم و لا أبالي حينها على أي جنب يكون في حداكم مصرعي.

    و أما حروفي و نقاطي، فأهديها إليكم و لا يطيب لي عيش بهجر من تموضعت ساكناً بردهات قلوبهم ثم راتعاً و باتعاً فصائلاً و جائلاً و سطكم ..فأنا منكم وأنتم مني و لله دركم .
    فيا صاحب القلم الرشيق الذي يطأطئ رأسه تواضعاً و هو يترع صفحات المتون بمداد مضمخ بالحكمة و يرصع صدور الحواشي بالدر المكنون..أزكى التحية و أغلى المنى أزفه إليك مع الود والتقدير.
    لقد انعقد لساني و عقرت حروفي أن تجاري شيئاً مما تتحفني به من إحسان يا شمعداناً يظل دوماً يزرف دمعه لكي يُنير دروب الحائرين..يا زهراً ربيعياً معطراً ينشر العبق ليرنو مصافحاً الشفق...وجب علي شكرك من القلب ..
    و يهيم ثنائي في خضم حفاوتك وعظيم هنائي بدوام عطائك. فلتظل مبحراً بنا عبر المدى و لتجعل لك في كل نحو للعلم صدى. يا من أبهرتنا دوما بتفانيك. عين الرحمن تحرسك و ترعاك ، و أمنياتي لك من القلب بالتوفيق .فما عساي أن أقول، بقطبان حاذق مثلك ما أن التقيته لتوي على شاطئ الحياة حتى كسرت مجدافي و تركت لزورق ألحاني حبله على الغارب ليسير في معية رفقة مأمونة في خضم أمواج محيط لامتناهي..
    تظلنا سماء الخالق عز و جل..وترمقنا نجوم الكون بنظرات نستشف منها معنى أن العطاء لا بد أن يكون بلا حدود ..و من هنا أقول جزاكم الله خير الجزاء ..على كل ما تبذلونه من جهد "ثقافي"جبار للارتقاء بنا إلى ما فوق منابر الكلمة الرصينة ..منكم تعلمت الكثير و العلم يحي قلوب الميتين كما تحي البلاد إذا تغشاها المطر و العلم يجلو العمى عن القلوب كما يجلِّي سواد الليلة القمر .
    فيا من من رمتم المجد فسعيتم . و بذلتم الجهد و طلبتم العلا فسموتم .. و يا من ترسمون لهذا المنتدى هويته و ترسخون له قدم صدق في رحاب الخالدين.....

    التعديل الأخير تم بواسطة ود الأصيل ; 30-06-2015 الساعة 11:55 AM
    و بَعْضُ النُّفُوسِ ** كبَعِضِ الشَّجَـرْ
    جَمِيــــلُ القَـــوامِ ** رَدِيْءُ الثــَّــمَرْ
    وَ َسبْرُ النُّفُوسِ *** كَصم الحجارة
    فَمِنْهَا كَرِيْمُ نَّفِيْسُ وً جلمود صخـرْ
    و َكَمْ مِّنْ ضَرِيْرٍ كَفِيْفٍ بَصِيْرُ الْفُؤَادِ
    و كَمْ مِّنْ فُؤَادٍ غَرِيْرٍ كَفِيْفُ الْبَصَـرْ

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
by boussaid