الوريف مازن ..
يسعدني تماماً أن أكون أحد حواريي هذه الملمة الجميلة في حضرتك وتمتعني فيك هذه التلقائية الأنيقة وصدق
المشاعر الفائح من كلماتك تجاه الجميع .. سيكون الحوار معك معبقاً وذلك لما ستكون قد أكسبتك أياه تجاربك
الثرة وأنت لا زلت في مقتبل العمر ما بين المملكة والسودان – جامعة الجزيرة – الهند .. ولا أعتقد أن الأعزاء
الذي سبقوني قد تركوا لي شيء لأقوله أو سؤال لأنتعله تجاهك ولكن دعني أبدأ بك من حيث أنت موجود الآن
وأرجو أن لا ترهق نفسك في الإجابات يا عزيزي لأنني فقط ما قصدته في بوستك هذا أن نستفيد منك وأحاول
جاهدا أن نستفيد نحن أيضا معك والآن سأتجول معك في الهند ثم نعود لجده ومنها للسودان .. يبدأ التحرك من
حيدر آباد لنذهب لأجمل الأماكن .. إلى تاج محل ...
تاج محل هو من أجمل المباني الإسلامية في الهند من حيث الروعة والزخرفة والتصميم الهندسي.
وهو مبنى عملاق يشرف على مدينة أكرا بالهند، والتي كانت عاصمة المغول في ذلك الحين إلى أن قام
الإمبراطور شاه جهان الذي حكم الهند قبل أكثر من 300 سنة بنقل العاصمة من أكرا إلى مدينة دلهي والتي هي
عاصمة الهند حتى اليوم.
وقد شيدَّ هذا البناء الضخم الإمبراطور شاه جهان تكريماً لزوجته وشريكة حياته والتي كان اسمها (ممتاز محل)
حيث كان الإمبراطور يحب زوجته كثيراً لأنها كافحت معه وكانت مخلصة له وأنجبت له ستة أولاد، ولما توفيت
في عام 1630 حزن عليها زوجها الإمبراطور حزناً شديداً وقرر أن يقيم لها أجمل مقبرة يمكن أن يشاهدها
إنسان، فاستدعى المهندسين المعماريين من كافة أنحاء العالم من الهند وتركيا وفارس والجزيرة العربية ليتعاونوا
في وضع تصميم مميز لهذا البناء، وبعد 18 عاماً أصبح البناء جاهزاً بعد أن اشترك في تنفيذه أكثر من 20 ألف
عامل، وقد جلبوا له الحجارة الجميلة والرخام الأبيض المصقول من الهند ومصر والجزيرة العربية والتبت.وبعد
وفاة الإمبراطور دفن في نفس البناء إلى جانب زوجته.
الآن دعني أسألك أخي مازن ماهو الشعور حقيقة الذي يكتنفك وأنت في تاج محل تلج إلى الضريح بعد العبور
على الحدائق الواقعة داخل تلك المساحة المطوقة التي تعتليها بوابة كبيرة إلى حيث جمعت المساجد والأضرحة
الأخرى -للزوجات الأقل حظا- وأنت تقف بين النصبين التذكاريين لكل من "[[ممتاز محل]]" و "[[شاه جهان]]" أو
ا هل أنتابك شعورا بأن الحب عظيماً حقا ويستحق كل هذه الفخامة التي أحاطها به "شاه جهان" وأن "ممتاز" إمرأت
فوق التصور ...
************************************************** ****
الآن عزيزي مزوني .. دعني أقودك في إلى عوالم دينية غريبة التقاليد
بين تلك الجماعات التي تعج بها الهند فكل ما قادني التفكير إلى التمعن
فيها أقول لنفسي أنها دولة عين الأنتحار فها أن يولوك رئاستها وذلك
لتعدد
الديانات بها والتي تصل الى 120 ديانه بعضها متشعب من ديانات
اساسية و بعضها متشعب من مذاهب و معتقدات وثنية... و يشكل
المسلمون نسبة 8% من السكان اي ما يعادل 800 مليون هندي كما
يشكل الهندوس نسبة 80% من السكان و باقي السكان موزعون
على باقي الديانات والمعتقدات الاخرى .. أتتفق معي أخي مازن في أن
مدن الهند برغم هذا التباين الذي تظن أنه سيوتر أي أجواء يجتمع
فيها أكثر من خمس هنود وبالرغم من ذلك فتلك المدن مرحة فرحة
تحس ببقايا أحتفال عالقة بذاكرتها على الدوام ..
الرحيب مازن ما ذكرته لك عن مرح يخالط أجواء مدن الهند لا ينفي أن هناك توترات بين الجماعات
الدينية فلنخوض قليلاً في التعرف على تواريخ و تفاصيل هذه الجماعات حتى يكون حوارنا بمرجعية ثابتة
فمثلاً الديانة البوذية نجد أنها فلسفة وضعية انتحلت الصبغة الدينية ، وقد ظهرت في الهند بعد الديانة
البرهمية الهندوسية في القرن الخامس قبل الميلاد ، وكانت في البداية تناهض الهندوسية وتتجه إلى العناية
بالإنسان ، كما أن فيها دعوة إلى التصوف والخشونة ونبذ الترف والمناداة بالمحبة والتسامح وفعل الخير .
وبعد موت مؤسسها تحولت إلى معتقدات باطلة ، ذات طابع وثني ، ولقد غالى أتباعها في مؤسسها حتى
ألهوه .
ومؤسسها هو سدهارتا جوتاما الملقب ببوذا 560-480ق.م وبوذا تعني العالم ويلقب أيضاً بسكيا موني ومعناه
المعتكف . وقد نشأ بوذا في بلدة على حدود نيبال ، وكان أميراً فشب مترفاً في النعيم وتزوج في التاسعة عشرة من
عمره ولما بلغ السادسة والعشرين هجر زوجته منصرفاً إلى الزهد والتقشف والخشونة في المعيشة والتأمل في الكون
ورياضة النفس وعزم على أن يعمل على تخليص الإنسان من آلامه التي منبعها الشهوات ثم دعا إلى تبني وجهة نظره
حيث تبعه أناس كثيرون .
من وصايا بوذا : لا تقض على حياة حي ، لا تسرق ولا تغتصب ، لا تكذب ، لا تناول مسكراً ، لا تزن ، لا تأكل
طعاماً نضج في غير أوانه ، لا ترقص ولا تحضر مرقصاً ولا حفل غناء ، لا تتخذ طبيباً لا تقتن فراشاً وثيراً ، لا تأخذ
ذهباً ولا فضة .
هل تعتقد أخي مازن أن البوذيون لو أنهم أخذوا بوصايا بوذا كتطبيق حرفي ومن غير إضافة أي نظريات فلسفية هل
كان سيكون وضعهم غير ما عليه الآن .
ولنذهب الآن يا عزيزي نحو الهندوس قليلاً لنجد أن الديانة الهندوسية مزيج من الفلسفة الهندية والديانتين اليهودية
والمسيحية كما أنها عقيدة محدودة الأتباع . ويعتقد الهندوس أنها جاءت عن طريق الوحي ، ولو صح هذا فلا بد أنه
قد حصل لها الكثير من التحريف والتبديل حتى أصبحت أسلوباً في الحياة أكثر مما هي عقيدة واضحة المعالم .
وتشمل من العقائد ما يهبط إلى عبادة الأشجار والأحجار والقرود والأبقار .. إلى غير ذلك من أنواع الوثنية التي
تتنافى مع أبسط قواعد التوحيد .
أتتفق معي عزيزي مازن في أن الهندوسي أكثر هذه الجماعات ضحالة في أفكاره وأن نظام الطبقات الذي ارساه لم
يعد إلا وبالاً عليه وهذا سبب ما سيؤلون إليه من تصدع أكبر وذلك إن يخسف بهم الله الأرض وذلك لأنالتقسيم
الطبقي فيها يتعارض مع كرامة الإنسان ويجعلها بعيدة عن الوحي الرباني ؟
معذرة صديقي مازن للولوج بك في هذه العوالم المتوترة التي لا يطيقون هم أنفسهم التحدث فيها إلا فيما يخص
جماعتهم فقط .. ولكن للسيخ نظريات أخرى وغرابة أطوار ما أنزل الله بها من سلطان ونجد أنهم جماعة دينية من
الهنود ظهروا في نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر الميلادي داعين إلى دين جديد زعموا أن فيه
شيئاً من الديانتين الإسلامية والهندوسية تحت شعار " لا هندوس ولا مسلمون ". وقد عادوا المسلمين خلال تاريخهم
، وبشكل عنيف ، كما عادوا الهندوس بهدف الحصول على وطن خاص بهم ، وذلك مع الاحتفاظ بالولاء الشديد
للبريطانيين خلال فترة استعمار الهند . وكلمة سيخ كلمة سنسكريتية تعني المريد أو التابع .
إن عقيدة السيخ تعتبر إحدى حركات الإصلاح الديني التي تأثرت بالإسلام واندرجت ضمن محاولات التوفيق بين
العقائد ولكنها ضلت الطريق حيث لم تتعرف على الإسلام بما فيه الكفاية من ناحية ولأن الأديان ينـزل بها الوحي
من السماء ولا مجال لاجتهاد البشر بالتلفيق والتوليف واختيار عناصر العقيدة من هنا وهناك .
هل تعتقد عزيزي مازن أن حادثة المعبد الذهبي قد تركت أثرا كبير في نفوس السيخ في ما يحملوه من حقد وبغض
تجاه الآخرين والتي كانت على إثر المصادمات المستمرة بين الهندوس والسيخ حيث أمرت أنديرا غاندي رئيسة
وزراء الهند في شهر يونيو 1984م باقتحام المعبد الذهبي في أمرتيسار حيث اشتبك الطرفان وقتل فيه حوالي
1500 شخص من السيخ و 500 شخص من الجيش الهندي .أنا في رأي أنهم الأكثر حقداً حتى ولو من غير هذه
الحادثة .. أتوافقني ؟
وأخيرا مزوني دعني أعود بك عائداً للملكة العربية السعودية واستناداً لتجربتك الشخصية في المقارنة بين الهندي في
موطنه والهندي بالمملكة العربية السعودية ؟
يجوز أن تكون لنا رحلة حوار عزيزي مازن نتمطق فيها الحديث ما بين السودان وينبع وجامعة الجزيرة أتمنى أن أوفق
في العودة إليك مرة أخرى .. وإن أخذتنا طاحونة الزمن في رحاها
فلك مني معبق الود وجزيل التحيات ...
المفضلات