
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد المنعم فتحي
تقول يا أخي أن للتصوف دليلاً وأحاديث
فأتنا بأثارة من علم إن كنت من الصادقين
وأيضا فيما قيل لأحد السلفيين المنكرين المأخذ التالي
وهو من مقولة عتو عياد الحسني
كلمات إلى السّلفي المنكر على الصّوفي
بسم الله الرحمن الرحيم و صلّى الله تعالى على سيدنا محمّد و على و آله و سلّم
كلمات إلى السّلفي المنكر على الصّوفي ,
بقلم الفقير إلى ربه تعالى عتو عياد الحسني التلمساني
بداية نريدها كلمات تلمّ الشّمل و عن الحقيقة تفصح , و لا نريدها كلمات نابية تفضح و لكمات شاذة و قرون تنطح , و إنّك تنكر أنّه للتّصوّف أصلا في الشريعة , و ذلك لقصور فهمك و عدم إطّلاعك , و لأنّك تتمسّك بالكتاب و السّنة أو أظنّ ذلك فتأمّل قوله تعالى :{ يوم لا ينفع مال و لا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم } , و سلامة مثل هذا القلب لا تتأتى بمجرّد الشقشقة و التّنطّع و الدّعاوى العريضة الكاذبة , بل لا تكون حتّى بطلب العلم و لو كان القصد في طلبه وجه الله تعالى حتّى يُعمل به , لأنّ العلم النافع هو ما عُمِل به , أمّا أن يطلب المرء العلم لمجرّد الشهادات أو للتّماري به فهو أوّل من تُسعّر به جهنّم و دليل ذلك ما رواه سيدنا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله تعالى عليه و آله و سلّم : «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْماً مِمَّا يُبْتَغَىٰ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى لاَ يَتَعَلَّمُهُ إلاَّ لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضاً مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». يعني ريحها. رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم، و في الحديث الذي كان يُبكي راويه سيدنا أبا هريرة رضي الله تعالى عنه وفيه: «رَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا. قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ. قَالَ: كَذَبْتَ وَلٰكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قارئ، فَقَدْ قِيل: ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ». الحديث رواه مسلم وغيره , لذلك أذكّرك لعلّ الله تعالى ينفعك , و هو أن تطلب الإخلاص في علمك و أن تعمل به , كما قال الإمام حجّة الإسلام أبو حامد الغزالي رضي الله تعالى عنه : { النّاس هلكى إلاّ العالِمون , و العالِمون هلكى إلاّ العامِلون , و العامِلون هلكى إلاّ المُخلصون , و المخلصون على خطر عظيم } , و لأنّنا أمِنّا مكر الله تعالى استهزأ بعضنا ببعض و كفّر بعضنا بعضا , و من ظنّ أنّه ناج يوم القيامة فقد كفر , و من ظنّ أنّه سينجو من النّار و يدخل الجنّة فقد كفر , قال الله تعالى: (أفأمنوا مكر الله , فلا يأمن مكر الله إلاّ القوم الخاسرون ) , و قال تعالى في الحديث القدسي : ( و عزّتي و جلالي لا أجمع على عبدي خوفين و لا أجمع له أمنين , فإذا أمِنني أخفته يوم القيامة , و إذا خافني أمّنته يوم القيامة ) , و قال سيدي الحسن البصري رضي الله تعالى عنه : من وسّع الله عليه , فلم يرَ أنّه يُمكر به فلا رأي له , و من قُتِّرَ عليه , فلم يرَ أنّه يُنظرُ إليه فلا رأي له , و عن سيدنا عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه أنّ رسول الله صلّى الله تعالى عليه و آله و سلّم قال : ( إذا رأيت الله يُعطي العبد ما يُحبُّ و هو مُقيمٌ على معصيته فإنّما ذلك منه استدراج , ثمّ قرأ :{ فلمّا نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شيء حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مُبلسون }) , و لا معصية أكبر من الزنا و شرب الخمر و أكل الميتة و شرب الدّم من أكل المسلم لحمَ أخيه و سفك دمه , بالغيبة و تكفيره على أنّه حلال الدّم , و في الأثر : أنّه لما مُكر بإبليس و كان من العُبّاد و المُجتهدين فيها , طفق جبريل و ميكال عليهما السّلام يبكيان , فقال الله تعالى لهما : ( ما لكما تبكيان ؟ قالا : يا ربّ ما نأمن مكرك , فقال الله تعالى : هكذا كونا , لا تأمنا مكري ) , و كان النبي صلّى الله تعالى عليه و آله و سلّم يكثر أن يقول : ( يا مقلّب القلوب ثبّت قلوبنا على دينك , فقيل له : يا رسول الله , أتخاف علينا ؟ فقال صلّى الله تعالى عليه و آله و سلّم : ( إنّ القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلّبها كيف يشاء ) , و قال صلّى الله تعالى عليه و آله و سلّم أيضا : ( إنّ الرجل ليعمل بعمل أهل النّار , و إنّه من أهل الجنّة , و يعمل الرجل بعمل أهل الجنّة , و إنّه من أهل النّار , و إنّما الأعمال بالخواتيم ) , و في قصّة بلعام بن باعوراء ما يغني المُعتبر قال الإمام القرطبي رضي الله تعالى عنه في تفسير قوله تعالى : (وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِيۤ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ ) ذكر أهل الكتاب قصة عرفوها في التوراة. وٱختُلف في تعيين الذي أوتي الآيات. فقال ابن مسعود وابن عباس: هو بَلْعَامُ بن باعُوراء، ويقال ناعم، من بني إسرائيل في زمن موسىٰ عليه السلام، وكان بحيث إذا نظر رأىٰ العرش. وهو المعني بقوله: ( وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِيۤ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا ) ولم يقل آية، وكان في مجلسه اثنتا عشرة ألف محبرة للمتعلمين الذين يكتبون عنه. ثم صار بحيث (أنه) كان أوّل من صنّف كتاباً (في) أن «ليس للعالم صانع». قال مالك بن دينار رضي الله تعالى عنه: بُعث بلعام بن باعوراء إلى مَلِك مَدْين ليدعوه إلى الإيمان؛ فأعطاه وأقطعه فٱتبع دينه وترك دين موسىٰ عليه السّلام , ففيه نزلت هذه الآيات. (روىٰ) المُعْتَمِر بنُ سليمان عن أبيه قال: كان بلعام قد أوتي النّبوّة، وكان مجابَ الدعوة، فلما أقبل موسىٰ عليه السّلام في بني إسرائيل يريد قتال الجبّارين، سأل الجبارون بلعام بن باعوراء أن يدعُوَ على موسىٰ عليه السلام , فقام ليدعُوَ فتحوّل لسانه بالدعاء على أصحابه. فقيل له في ذلك؛ فقال: لا أقدر على أكثر مما تسمعون؛ وٱندلع لسانه على صدره. فقال: قد ذهبت مني الآن الدنيا والآخرة، فلم يبق إلا المكر والخديعة والحيلة، وسأمكر لكم، فإني أرى أن تُخرجوا إليهم فتياتكم فإن الله يبغض الزنىٰ، فإن وقعوا فيه هلكوا؛ ففعلوا فوقع بنو إسرائيل في الزنىٰ، فأرسل الله عليهم الطاعون فمات منهم سبعون ألفاً، وقد ذكر هذا الخبر بكماله الثَّعْلبيّ وغيره. ورُوي أن بلعام بن باعوراء دعا ألا يدخل موسى عليه السّلام مدينة الجبارين، فاستُجيب له وبقي في التِّيه. فقال موسىٰ عليه السلام : يا ربّ بأي ذنب بقينا في التِّيه. فقال: بدعاء بلعام. قال: فكما سمعت دعاءه عليّ فاسمع دعائي عليه ,و قيل: كان بلعام نبياً وأوتي كتاباً. وقال مجاهد: إنه أوتي النبوّة؛ فرشاه قومه على أن يسكت ففعل وتركهم على ما هم عليه. قال الماوردِيّ: وهذا غير صحيح؛ لأن الله تعالىٰ لا يصطفي لنبوّته إلا من علم أنه لا يخرج عن طاعته إلى معصيته , إ.هــ من تفسير القرطبي , و بعد هذا هل نفع بلعامَ بن باعوراء علمُه و قد كان يرى عرش الرحمن في مجلسه رأى العين و كان مستجاب الدّعوة ؟ أمّا لماذا لم ينفعه فلأنّه استعمله في معصية الله تعالى , كشأن المنكر من السّلفية على الصّوفية , تراه لا يُردّد إلاّ أحاديث التكفير و التّبديع و التّشريك و التّشكيك في حقّ الصّوفية , و لا يقنع إلاّ بالمُباهاة و المُماراة و صرف وجوه النّاس إليه كما قال النّبيّ صلّى الله تعالى عليه و آله و سلّم : { لا تعلّموا العلمَ لتُباهوا به العلماءَ , و لا لتُماروا به السّفهاءَ , و لا تجترئوا به في المجالس أو لتَصرفوا وجوهَ النّاس إليكم , فمن فعل ذلك فالنّارَ النّارَ } رواه الترمذي و ابن ماجه , و قال صلّى الله تعالى عليه و آله و سلّم أيضا: { مَن طلب العلمَ لغير الله أو أرادَ به غيرَ الله , فليتبوّأْ مقعده من النّار} رواه الترمذي و ابن ماجه , و بعلمه هذا ابتغى الفتنة و سعى إليها لأنّه تعلّم العلم لتكفير الصّوفية , و لأنّ الصّوفية ليس بكفّار فهذه قد باءت على قائلها كما قال النّبيّ صلّى الله تعالى عليه و آله و سلّم : { لا يرمي رجلٌ رجلا بالفسوق , و لا يرميه بالكفر إلاّ ارتدّت عليه إن لم يكنْ صاحبُه كذلك } رواه البخاري , و أمر آخر و هو هل يظنّ مُكفّرُ المسلمين و مُنقّصُهم أنّه حقّا مؤمنٌ؟ كلاّ , فهو مسلم فقط , أمّا الإيمان فلم يُخالج اسمُه قلبَه و لم تُخالط حقيقتُه جوارحَه , فقد حقّ عليه قوله تعالى : {قَالَتِ ٱلاٌّعْرَابُ ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلاۤيمَـٰنُ في قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَـٰلِكُمْ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } , لأنّ مُكفّرَ قائل { لا إله إلاّ الله } قد خرج الإيمان من قلبه , و أدلّة خروج الإيمان بالمعاصي صحيحة من أحاديث النّبيّ صلّى الله تعالى عليه و آله و سلّم , و كما أنّه يخرج من القلب فهو يخلق و يبلى أيضا كما قال النّبيّ صلّى الله تعالى عليه و آله و سلّم : { إنّ الإيمان ليَخلقُ في جوف أحدِكم كما يخلقُ الثوب , فسَلوا الله تعالى أن يُجدّدَ الإيمان في قلوبكم } رواه الطبراني , و قال صلّى الله تعالى عليه و آله و سلّم أيضا : { جدّدوا إيمانكم , قيل : يا رسول الله , و كيف نجدّدُ إيماننا ؟ قال : أكثروا من قول { لا إله إلاّ الله }} رواه الحاكم , و إن إدّعى المدّعي أنّه مؤمن فليأتي بالبيّنة , و ليُظهر إيمانه في قوله و فعله , و الحقّ أنّ المُنْكرَ على الصّوفية و مكفّرُهم و مُشرّكهم و مبدّعهم و مُفسّقهم ليس بمؤمن بدليل قول سيّد الخلق صلّى الله تعالى عليه و آله و سلّم : { ثلاث من أصل الإيمان : الكفّ عمّن قال لا إله إلاّ الله لا تُكفّرْه بذنب و لا تُخرجْه من الإسلام بعملٍ , و الجهاد ماضٍ مُذْ بعثني الله إلى أن يُقاتلَ آخرُ هذه الأمّة الدّجّالَ لا يُبطله جورُ جائر و لا عدلُ عادلٍ , و الإيمان بالأقدار } رواه أبو داود , و لأنّ من ادّعى أنّه سلفيّ و قد كفّر السّادة الصّوفية و أخرجهم من الملّة فالأصل الأوّل واقع عليه و لا ريب , و قال النّبيّ صلّى الله تعالى عليه و آله و سلّم : { الإيمان الصّبر و السّماحة } و أين سماحة السّلفي و التماسُه للأعذار , و لا عُذر للصّوفية لأنّهم لم يأتوا مُنكرا و لم يقولوا كُفرا , و قال صلّى الله تعالى عليه و آله و سلّم أيضا : { لا يُؤمن أحدُكم حتّى يُحبَّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه } و أين هذا الأصل للإيمان من شِنْشِنَة أعرفها من أخزمٍ , لأنّ المُنكر قد قطع بكُفر الصّوفية و كأنّه قطع لهم تأشيرة لدخول جهنّم و ترك لنفسه الجنّة و كأنّه ورثها من أبيه , و بذلك قد تألّى على الله تعالى و عاقبة المُتألّي إحباط عمله , لأنّ أهل { لا إله إلاّ الله } في حصن الله تعالى , قال النّبيّ صلّى الله تعالى عليه و آله و سلّم : {يقول الله سبحانه و تعالى : لا إله إلاّ الله حصني , فمن دخل حصني أمن من عذابي } و الصّوفية هم من أهل { لا إله إلاّ الله } و هم أولياء الله تعالى و عرائس الحضرة الرّبّانية على رغم من عاداهم فكفّرهم و آذاهم , قال النّبيّ صلّى الله تعالى عليه و آله و سلّم : { إنّ الله تعالى قال : من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب } , و روى مسلم في كتاب فضائل الصّحابة : { أنّ أبا سفيان أتى على سلمان و صهيب و بلال في نفر فقالوا : { ما أخذت سيوف الله من عدوّ الله مأخذها } فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه : { أتقولون هذا لشيخ قريش و سيّدهم ؟ } فأتى النبيّ صلّى الله تعالى عليه و آله و سلّم فقال : { يا أبا بكر لعلّك أغضبتهم , لئن أغضبتهم لقد أغضبت ربّك } , فأتاهم أبو بكر رضي الله تعالى عنه فقال : { يا إخوتاه أغضبتكم ؟ قالوا : { لا , يغفرُ الله لك يا أخي } , و السّادة الصوفية على رغم إنكار المُنكر هم ورثة الأنبياء , لأنّهم طاروا بجناحي علم و عمل , و العلم الذي أقصد هو علم القلوب النافع لا علم الأحكام الذي هو حجّة على صاحبه كما قال النّبيّ صلّى الله تعالى عليه و آله و سلّم : { العلم علمان : علمٌ ثابتٌ في القلب فذاك العلم النافع , و علمٌ في اللّسان فذلك حجّة الله على عباده } رواه الترمذي , وهذا العلم قد ذكره الله تعالى في قوله تعالى : { يوم لا ينفع مالٌ و لا بنون إلاّ مَن أتى الله بقلب سليم } , و لا يكون القلب سليما إلاّ إذا تحقّق بالعلم النافع , و هو ما رسمه الصّوفية من علوم تفرّعت عنه في كيفية تخليص القلب من شوائب الشّرك و الشّك و الكفر و الغفلة و تطهيره ليكون مجلى عرش الله تعالى , و كأنّي بك تقول أنّ لفظة صوفي بدعة لم تكن في الصّدر الأول أو في القرون الثلاثة الفاضلة , و لأنّك قاصر الفهم و الإطّلاع قلتَ ذلك , لكن ألم تعلم أنّ لفظ صوفي كان في القرن الثاني من القرون الثلاثة الخيرية أي في عصر التّابعين رضي الله تعالى عنهم و هو ما روي عن سيدنا الحسن البصري رضي الله تعالى عنه أنّه قال : { رأيتُ صوفيّا في الطّواف فأعطيته شيئا فلم يأخذه و قال : معي أربعة دوانيق فيكفيني ما معي} , و كان سيدنا الحسن البصري رضي الله تعالى عنه قد أدرك جماعة من أصحاب النّبيّ صلّى الله تعالى عليه و آله و سلّم , لأنّه هو الحسن بن أبي الحسن بن يسار مولى سيدنا زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله تعالى عنه و أمّه خَيرة مولاة أمّ المؤمنين أمّ سلمة زوج النّبيّ صلّى الله تعالى عليه و آله و سلّم , قال محمد بن عمر:{ والثبت عندنا أنه كان للحسن يوم قتل عثمان رضي الله عنه أربع عشرة سنة وقد رآه وسمع منه وروى عنه وروى عن عمران بن حصين وسمرة بن جندب وأبي هريرة وابن عمر وابن عباس وعمرو بن تغلب والأسود بن سريع وجندب بن عبد الله وصعصعة بن معاوية وروى صعصعة عن أبي ذر } و بذلك فإنّ لفظة صوفيّ ليست بمُحدثة , و قد سبقت بقرون مديدة لفظة سلفيّ التّي هي لفظة مُبتدعة في الدّين , لأنّ للأسماء و الكُنى أسرارا ترد على الباطن فتملؤه و تُنوّره , فمثلا كُنية أحدهم شجاع فإنّه حتما كلّما نوديَ به تفاخر و تبادر إلى الخاطر أمر الشجاعة و أمور القوّة و رباطة الجأش , و بالمقابل لو كان اسمه حقيرا و دنيّا كحمار أو جحش فإنّه كلّما نوديَ به تضايق خاطره و تبادر إلى ذهن السّامع دناءة المُسمّى , و لذلك كانت الفضائل تتفاوت تِبعا من وليّ إلى نبيّ إلى رسول , و لهذا السّبب لم يرض من عاش في عصر النبوّة باسم الصّحابيّ بدلا , ثمّ جاء بعد الصّحابيّ التّابعيُّ , ثمّ جاء بعد التّابعيِّ تابعيُّ التابعيّ , و سيدنا الحسن البصري رضي الله تعالى عنه تابعي و قد رأى صوفيّا يطوف , و بذلك فإنّ لفظة صوفي قد سبقتْ لفظة سلفي , و قبل كلّ ذلك أسألك يا حضرة السّلفيّ أن تُفْهمني ما معنى كلمة { سلفيّ } , و هل مُجرّد إطالة اللّحية و تشمير الثيّاب و اتّخاذ سواك طويل و عريض هو معنى أنّك سلفيّ , كلاّ و الله , لأنّه لا عبرة بالمظاهر حتّى تُخبر السّرائر , و لا ينفع العالمَ علمُه حتّى يَعمل به , فإن قرأتَ قوله تعالى : { و لا يغتبْ بعضكم بعضا } ثمّ رُحتَ تُكشّر عن أنياب الغيبة فأنت لم تعمل بما علمتَ , و لا ينفعك علمك يوم القيامة لأنّه يصير حجّة عليك , بل النافع هو العمل المُحاط بالإيمان و الإخلاص , و العمل هو الإسلام في هذا المعنى , و لذلك نجد أنّ نداء الحقّ تعالى هو دائما : { يا أيّها الذين آمنوا و عملوا الصّالحات } في أكثر من آية , و الأمر الذي جعلك تتجرأ على محارم الله تعالى هو أمنك من مكر الله تعالى , لأنّك لو خفت سرّ الخاتمة و أنّه مُبهمٌ لخشيتَ أن تُكفّر مُسلما و لو بكبيرة , فكيف بغير ذنب , ثمّ أراك تقول أنّ التّصوّف بدعة و دخيل على الدّين من الفلسفات و العقائد الشرقية كالبوذية و الهندوكية و غيرهما من تصوّف ديانتي النصارى و اليهود و لأنّ فهمك قصَر بك , ظننت ذلك , و لو علمت أنّ التّصوّف نوعان نفسيّ و قلبيّ و الفرق بينهما كالفرق بين الإسلام و الكفر , ما قلت ذلك , و لأنّك جاهل بهذين الصّنفين , فاعلمْ أن الفرق بين تصوف النّفس و تصوف الروح أو القلب هو كالفرق بين الثرى و الثريّا أو بين المدر و الذهب , و قبل أن ألج بك طمّ هذا الفرق دعني أُفهمُك أنّ ما قرّره خير الخلق صلّى الله تعالى عليه و آله و سلّم هو الأساس فقد قال صلّى الله تعالى عليه و آله و سلّم : { خير النّاس قرني , ثمّ الّذين يَلونَهم , ثمّ الّذين يَلونَهم , ثمّ يَجيءُ أقوامٌ تسبق شهادةُ أحدهم يمينَه , و يَمينُه شهادتَه } رواه الشيخان , و بذلك يكون عوّام هذه القرون الثلاثة أفضل من علماء باقيها إلى قيام السّاعة , لأنّ النّبيّ صلّى الله تعالى عليه و آله و سلّم قال عنهم : {خير النّاس } بلا تخصيص و لا تقييد , فلم يقل خير العلماء أو خير الزّهاد و العُبّاد , و لمّا كان لفظه صلّى الله تعالى عليه و آله و سلّم مُطلقا لسائر النّاس , فذلك يشمل العالم منهم و الأمّي , و إن استنكرت هذا , و كبُر في نفسك أن تعلمَ أنّ عوّام مسلمي تلك القرون أفضل من جهابيذ العلماء كابن تيمية و ابن عبد الوهّاب و العثيمين و ابن الباز كما تزعم , فاسمع إلى الدّليل الذي ذكره الإمام الهروي رضي الله تعالى عنه في شرح المشكاة : { أنّ الإمام عبد الله بن المبارك سُئل : هل عمر بن عبد العزيز أفضل أم مُعاوية رضي الله تعالى عنهم ؟ فقال : غُبارٌ دخل في أنف فرسِ معاوية حين غزا في رِكاب رسول الله صلّى الله تعالى عليه و آله و سلّم أفضل من كذا من عمر بن عبد العزيز } , و بهذه المنقبة التّي تشرّف بها غُبارٌ دخل في أنف فرس سيدنا معاوية رضي الله تعالى عنه بأضعاف مُضاعفة في الشّرف و الأفضلية من سيّدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه , و قد لُقّب بخامس الخلفاء الراشدين و مزاياه أضعافا مُضاعفة من سيدنا معاوية رضي الله تعالى عنه , لكن سبقه سيدنا معاوية رضي الله تعالى عنه بشرف الصّحبة لسيّد الخلق صلّى الله تعالى عليه و آله و سلّم , و بهذا تقرّر أنّ عوّام المسلمين الذين عاشوا في القرون الثلاثة الفاضلة أفضل من علماء باقي القرون التابعة , و إذا كان الأمر كذلك فما قولنا في جهابيذ العلماء العاملين الذين عاشوا في تلك القرون الفاضلة و الذين شهد لهم النّبيّ صلّى الله تعالى عليه و آله و سلّم بأنّهم خيّرون , فإذا تقرّر ذلك عندك , فاعلم أنّ أعلام التّصوّف و رجالَه الذين بلغوا درجة الإجتهاد في الدّين و خاضوا في مغامي مسائله , فأخرجوا لنا زبدة الإسلام و هو التّصوّف هم علماء القرنين الثاني و الثالث ,
لم اذكر اسمائهم لعدم الاطالة ولكن لو طلب سأذكرهم
هذا ما اقتصرتُ عليه من ذكر هؤلاء الأكابر و العلماء العاملون الذين شملهم قوله صلّى الله تعالى عليه و آله و سلّم : { خير النّاس قرني , ثمّ الّذين يَلونَهم , ثمّ الّذين يَلونَهم } , و هم كلّهم من القرن الثاني و الثالث , و هم من أجلّة العلماء و خيرتهم , و هم أهل التّحقيق و الإستنباط و سادة الصّوفية , و قياسا على قول سيدي عبد الله بن المبارك رضي الله تعالى عنه السّابق , اعلمْ يا سلفي أنّ تراب أقدام هؤلاء الأكابر خيرٌ منك و خيرٌ من ابن تيمية و خيرٌ من ابن عبد الوهاب و خيرٌ من ابن عثيمين وخيرٌ من ابن الباز , و علمهم أفضل من علمك و علم ابن تيمية و علم ابن عبد الوهاب , لأنّهم أخذوا علوم الدّين من الصّحابة الذين قال فيهم النّبيّ صلّى الله تعالى عليه و آله و سلّم : { أصحابي كالنّجوم , بأيّهم اقتديتم اهتديتم } و بعد هذا ما يقول الغبيّ بعد دليل النّبيّ صلّى الله تعالى عليه و آله و سلّم , فإذا علمتَ ذلك و تقرّر عندك أنّ خير العلماء هم الصّوفية الذين سبقوا عصر ابن تيمية و عصر ابن عبد الوهاب , و علمهم سابق علمهما , و هم الأصل و ذانيك الفرع , و هم الإنسان الكامل و ذانيك ظلّه , فكيف يسبق الظلُّ صاحبَه ؟ ثمّ اسمع إلى ما قاله المؤرّخ الشيخ ابن خلدون رحمه الله تعالى عن تاريخ التّصوّف : { هذا العلم من العلوم الشرعية الحادثة في الملة، وأصله أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طريقة الحق و الهداية وأصلها العكوف على العبادة، والانقطاع إلى الله تعالى والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه والانفراد عن الخلق للعبادة وكان ذلك عاما في الصحابة والسلف فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده، وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة } فإذا علمتَ ذلك و تقرّر عندك كان لزاما عليك أن تعرف الفرق بين التّصوّف الروحي القلبي الإسلامي و بين التّصوّف النّفسي العقلي الشّرقي , و الفرق بين تصوّف القلب النّوراني و بين تصوّف النّفس الظلماني , كالفرق بين الإسلام و الكفر , لأنّ النّفس في أصل خلقتها كافرة جاهلة مُتكبّرة ظلمانية و القلب بخلاف ذلك تماما نورانيّ عارف بربّه و خالقه , ثمّ قد تقع في إلتباس بين معنى النّفس و الروح , لأنّ النّفس هي الرّوح بعد تجوهرها و تنوّرها و سموّها , قال العارف سيدي عبد الكريم الجيلي رضي الله تعالى عنه :
النّفس سرّ الربّ و هي الذات ***** فَلَها بها في ذاتها لــذّاتُ
مخلوقة من نور وصف ربوبية ***** فلها لذلكم ربوبيــــات
ظهرت بكلّ تعاظم و تكبـــّر ***** إذْ هُنّ أخلاق لها و صفات
لم ترض بالتحجير كون مكانها ***** من فوقه و لها هناك ثبات
و جميع أنوار نَزَلْنَ نسين ما ***** قد كُنّ فيه و غيرها النزلات
فعقلن إلا النفس لم تعقل و لا ***** نَسِيَتْ رياستَها و ذا إثبات
{لمّا خلق الله تعالى نفس سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه و آله و سلم خلق منها نفس أبينا آدم عليه السلام , و لمّا نهى تعالى سيدنا آدم عليه السلام عن الأكل من الشجرة سوّلت له نفسه الأكل منها لأنّها مخلوقة من ذات الربوبية و ليس من شأن الربوبية البقاء تحت الحجر ثم انسحب عليها هذا الحكم في دار الدنيا و لازمها فلا تُمْنَعُ من شيء إلا و تطلب إتيانه لهذا السبب سواء كان ما مُنعت عنه سببا لسعادتها أم سببا لشقاوتها لأنّها لا تأتي الشيء طلبا للسعادة أو للشقاوة بل تأتيه لمجرد ما هو عليه ذاتها من الربوبية الأصلية , و قد نهاها تعالى عن الأكل فأكلت و لم تُبالي , و قبلت نُصح إبليس اللعين طمعا في الخلود و غرّها بكذبه على أنّ النهي إنّما كان كي لا يكونا ملكين أو يكونا من الخالدين فجرّها طمعها للبقاء و الخلود أو الطمع لنيل رتبة الملائكة إلى الأكل , و النفس لما مُنعت من الأكل من الشجرة و كان من شأنها التحجير التبس الأمر عليها بين ما تعلمه لذاتها من سعادة الربوبية و بين الإخبار الإلهي بأنّ الأكل يُشقيها فاعتمدت على علمها من نفسها و لم تقف مع الإخبار الإلهي لعلّة محبّتها للأكل و هذا هو موضع الالتباس لجميع العالمين , فكلّ من شقيّ إنّما شقيّ بهذا الالتباس الذي شقيت به النفس به أول وهلة , فكانت الأمم تعتمد على علمها الحاصل لها من حيث العقل و تترك الإخباريات الإلهية الصريحة القاطعة بصدق الرسل إليهم فهلكت تلك الأمم لاعتمادها على العقل و رفض للشرع , و سر ذلك هو نَفْسُ الهلاك الذي هلكت به النفس الأولى فصار بذرة في كل نفس إلى يوم القيامة لقوله تعالى: ( خلقكم من نفس واحدة) فتبعها الفرع فهلك الجميع إلا الآحاد و ذلك سرّ قوله تعالى : (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات )} إ.هـ من الإنسان الكامل , و لشرّ النّفس أنّها تُلبّس على صاحبها و تكذب عليه بتواطُؤٍ مع الّلعين إبليس , فيُحسّ الإنسان قبل هدايته و توبته أنّه صافِ النّفس يحبّ كل الناس و مُسالم لهم , و يحبّ الخير و يكره الشرّ , و ما ذلك إلا أنّ النّفس راكدة فصفا ماؤها و ترسّب شرّها في القاع فارتاح منها إبليس فلم يُوسوس لها و ما يفعل اللعين بالقلب الخالي شأن الّلص مع البيت الخالي , و كم سمعنا من أناس قبل توبتهم و هم على عصيانهم أنّهم يُحسون بالاطمئنان النفسي و الصفاء القلبي و أنّهم في زعمهم خير من الذين يُصلّون و يعبدون الله تعالى , و ذلك كما قلت إلا لركود النفس و ركون الشيطان عنها , فإذا ما توجّهت إلى التوبة و عزمت عليها حتّى غاص الشيطان في طين حمأتها و خاض لتلويث صفائها فطفا الطين المترسّب و غلب على الماء الذي صار لونه أسودا قاتما , و النّفس في هذه الدرجة عند توبتها تُسمّى لوّامة و قبل ذلك كانت أمارة بالسوء و كان من أوصافها الحقد و الحسد و الشح و البخل و الحرص و الكبر و طول الأمل و الغفلة و سائر الأمراض الموجبة في الدنيا للخسران و في الأخرى لدخول النيران , ثم قال سيدي عبد الكريم الجيلي رضي الله تعالى عنه :{ ثم اعلم أنّ النّفس تُسمّى في الإصطلاح على خمسة أضرب نفس حيوانية و نفس أمّارة و نفس مُلهمة نفس لوّامة و نفس مُطمئنة }, هذا عند الشيخ الجيلي رضي الله تعالى عنه , أمّا عند الشيخ سيدي عبد القادر الجيلاني رضي الله تعالى عنه فهي سبع و هي :{ أمارة بالسوء و لوامة و مُلهمة و مُطمئنّة و راضية و مرضية و كاملة }, ثم قال الشيخ الجيلي رضي الله تعالى عنه : { و كلّها أسماء الروح إذْ ليس حقيقة النّفس إلا الروح و ليس حقيقة الروح إلا الحقّ , فافهم ! فالنفس الحيوانية تُطلق على الروح باعتبار تدبيرها للبدن فقط و أمّا الفلسفيون فالنفس الحيوانية عندهم هي الدّم الجاري في العروق و ليس هذا بمذهبنا , ثم النفس الأمّارة تُسمّى به باعتبار ما يأتيه من المقتضيات الطبيعية الشهوانية بالانهماك في الملاذ الحيوانية وعدم المُبالاة بالأوامر و النّواهي ثم النفس المُلهَمَة تُسمّى به باعتبار ما يُلهمها الله تعالى به من الخير فكلّ ما تفعله النفس من الخير هو بالإلهام الإلهي و كلّ ما تفعله من الشرّ هو بالاقتضاء الطبيعي و ذلك الاقتضاء منها بمثابة الأمر لها بالفعل , فكأنّها هي الأمّارة لنفسها بفعل تلك المقتضيات فلهذا سُمّيتْ أمّارة و للإلهام الإلهي سُمّيَتْ مُلهَمَة ثم النفس الّلوامة سُمِّيَتْ باعتبار أخذها في الرجوع و الإقلاع فكأنّها تلوم نفسها على الخوض في تلك المهالك فلهذا سُمّيتْ لوّامة ثم النفس المُطمئنّة سُمّيتْ به باعتبار سكونها الى الحقّ و اطمئنانها به و ذلك إذا قطعت الأفعال المذمومة رأسا و الخواطر المذمومة مُطلقا فإنّه متى لم تنقطع عنها الخواطر المذمومة لا تُسمّى مطمئنة بل هي لوّامة ثم إذا انقطعت الخواطر المذمومة مُطلقا تُسمّى مطمئنة ثم إذا ظهر على جسدها الآثار الروحية من طيّ الأرض و علم الغيب و أمثال ذلك فليس لها اسم إلا الروح ثم إذا انقطعت الخواطر المحمودة كما انقطعت المذمومة و اتّصفت بالأوصاف الإلهية و تحقّقت بالحقائق الذاتية فاسم العارف اسم معروفه تعالى و صفاته صفاته تعالى و ذاته ذاته تعالى .} إ.هـ من الإنسان الكامل , و لسرّ الروح و أنّه مُبهم قال تعالى : (و يسألونك عن الروح , قل الروح من أمر ربي) , و عالم الأمر هو قوله تعالى : (إنّما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له : كُنْ , فيكون ) كما أن عالم الخلق هو خلقه تعالى و إيجاده الأشياء من عدم , و لو تأمل المرء فيما يحيط به أشياء لفكّ اليسير من ألغاز الوجود و ما جاء به القرآن الكريم و ما قاله النبي صلى الله تعالى عليه و آله و سلم فمثلا إذا تأملنا قوله صلى الله تعالى عليه و آله و سلم : (يؤتى برجل إلى الميزان , و يؤتى بتسعة و تسعين سِجّلا كل سِجّل منها مدّ البصر, فيها خطاياه و ذنوبه , فتوضع في كفة الميزان , ثم تخرج بطاقة مقدار الأنملة فيها شهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله , فتوضع في الكفّة الأخرى فترجح بخطاياه و ذنوبه) , فقد يتعجّب المرء من مقدار هذه البطاقة و هي بحجم رأس الأصبع بل بحجم أظفر الإبهام , و هذا المقدار المكتوب فيه شهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله , رجح بتسعة و تسعين سجّلا , كلّ سجّل منها مدّ البصر , و ليتأمل البصير معنى مدّ البصر أي أنّ البصر يستطيع رؤية نجم في السماء يبعد عن الأرض مسافة ستّ مائة ألف مليار كلم ! فتخيّل هذه المسافة في سجّل واحد فقط ! فإذا وزنت هذه السجّلات بأنملة رجحت بهنّ , و العلم الحديث قد فكّ شيئا عن لغز الشريحة الإلكترونية التي هي بمقدار سنتمتر واحد مربّع و فيها ملايير البيانات !أمّا سرّ الروح فهو مُبهم حتّى بالأمثلة , و من تلك الأمثلة عود الثقاب المصنوع من الخشب , فلو قدحناه اشتعلت النّار المخلوقة فيه , فأين كانت النار قبل ذلك ؟ و هل هي خارجة من العود أم داخلة عليه ؟ هذا سرّ النّار لم يُفكّ لُغزه , فكيف بالروح ؟ و كما قال سيدي عبد الكريم الجيلي رضي الله تعالى عنه:{ أنّ الروح هي النفس بعد تَجَوْهُرِها }, فإنّ التّصوّف النّفسي الذي تقول به البوذية و الهندوكية و الكونفوشيوسيّة و الطائية هو وقوف مع النّفس في مرتبتها الأولى و هي الأمّارة التي يكون الشيطان مُرتاحا من وسوستها إذ هي صِنْوٌ له , ما يريده منها هو عندها و هو الكفر بالله تعالى و الشرك به , و كلّ ما يقوم به هؤلاء المحرومون هو كثرة تجويع أنفسهم بالصّيام و هو غير صيام المسلمين , إذ يكتفون بشرب كأس من الماء صباحا ثم يصومون إلى الليل مع التأمل و التركيز الذهني و حبس الأنفاس على طريقة تنفس أصحاب فلسفة اليوغا فيصفو بذلك كدر النفس و يرسى شرّها كالأفعى ليّن ملمسها فإذا غدرت فسمّها زُعافٌ قاتل لوقته , و لأنّهم كفار بالله تعالى فتنشر عليهم هذه النفس شيئا من رذاذ نور الصفاء فيحسبون أنّهم واصلون إلى درجة العرفان كما وقع لأفلاطون المغرور بنفسه حتّى أنكر رسالة سيدنا عيسى عليه السلام و ادّعى النبوّة , و كما وقع لفرعون الّلعين حتّى ادعى الربوبية , فإنّه الوحيد الذي تحقّق بمقام النفس فإنّه عاش ستّ مائة سنة و عشرين سنة لا يرى فيها مكروها , فلو كان له في تلك المدّة جوع يوم أو حُمّى ليلة أو وجع ساعة لما ادّعى الربوبية , و مع ادعائه الربوبية كان جاحدا كافرا بالله تعالى مُعاندا , فيُروى أنّ نيل مصر أمسك عن جريانه في زمنه فقال القبط له : إن كنتَ ربّا فأجرِ لنا الماء , فركب و أمر بجنوده قائدا قائدا و جعلوا يمشون على درجاتهم , و تقدّم هو حيث لا يرونه , و نزل عن فرسه و لبس ثيابا رثة و تضرّع إلى الله تعالى , فأجرى الله تعالى له الماء , فأتاه جبريل عليه السلام و هو وحده بفُتيا : ما يقول الأمير في عبدٍ لرجلٍ نشأ في نعمته و لا سيّد له غيره , فكفر نعمته و ادّعى السّيادة ؟ فكتب فرعون فيها : يقول أبو العباس الوليد بن مُصعب بن الريّان ( و هذا اسمه , أمّا فرعون فكُنيته ) : جزاء العبد الخارج على سيّده أن يغرق في البحر , فأخذه جبريل عليه السلام و مرّ , فلمّا ألجمه الغرق ناوله جبريل عليه السلام خطّه فعرفه , و أغرقه الله تعالى . و من دعاة التّصوّف النفسي في عصرنا الحاضر يوجد الكثير من الهندوكيين و البوذيون و البراهمة , منهم على سبيل المثال لا الحصر الهندي البوذي المهراجى المسمّى ( بْرَامْ رَوَاتْ ) و الذي له قناة فضائية , تُبَث على القمر الإصطناعي ( هُوتْبِرْدْ ) , تُسمّى (وُرْدْسْ اُفْ بِيسْ ) أي كلمات السّلام , و يقصد به السّلام الباطني و الصّفاء النّفسي , و يُترجم كلامه المباشر إلى اثني عشرة لغة عالمية, و قد فُتِن بكلامه المعسول الكثير من المسلمين , و ظنّوا أنّه آتٍ بالجديد , و لم يعلموا أنّ في التّصوّف الإسلامي ما يُغني عنه و يُنجي في الدّنيا من غرور النّفس و إدّعائها , و في الآخرة من عذاب الله تعالى و غضبه , أمّا من دعاة هذا التّصوّف في عالمنا العربي و المسلم نجد مُدّعيةً من جنسية لبنانية مُعتنقة الدين المسيحي تَدّعي المعرفة بالتصوف و لها أكثر من حصّة في معظم القنوات العربية و هي المُسماة مريم نور المارونية و التي خُدع بكلامها المعسول أيضا الكثير من المسلمين , و إن كانت تهرف بما لا تعرف , فتنقل كلام السادة الصوفية و تستشهد به لتمرير فلسفتها إلى النفوس , فتقول مثلا : لولا المُربّي ما عرفتُ ربّي, و تأتي بشواهد من القرآن الكريم كويل للمصلّين , و تُنكر نبوّة النبي صلى الله تعالى عليه و آله و سلم لكنّها إذا حازها الاستشهاد بالحديث تقول : يقولون و لا تجرؤ على ذكر النبي صلى الله تعالى عليه و آله و سلم , و تعتقد بعقيدة صُلب المسيح كما تستشهد كثيرا بكلامه عليه السلام , و تأتي بكلام الصوفية المُقاس على فلسفتها الإلحادية , و لأنّها غير مُسلمة بتاتا فهي تُخلط بين التّصوّف النفسي و التّصوّف الروحي الذي أساسه محو سوى الحقّ تعالى من القلب , قال الشيخ سيدي أحمد السرهندي رضي الله تعالى عنه :{ إنّ كثرة الجوع مورّثة للصّفاء ألبتّة , تورّث طائفة صفاء القلب و جماعة صفاء النفس , و صفاء القلب يزيد الهداية و يورّث النّور , وصفاء النفس يستتبع الضلالة و يزيد الظلمة ألا ترى أنّ فلاسفة اليونان و براهمة الهنود و جوكيتهم أورثت الرياضة كلّهم صفاء النفس و دلّتهم بذلك على طريق الضلالة و جرّتهم إلى الخسارة حتّى اعتمد أفلاطون الأحمق على صفاء نفسه و جعل الصّور الكشفية الخياليّة مُقتداه فأعجب بنفسه و لم يُصدّق عيسى على نبينا و عليه الصلاة و السلام و كان مبعوثا في زمنه , و قال : نحن قومٌ مهديون , لا حاجة بنا إلى من يهدينا , فإن لم يكن فيه هذا الصفاء الموجب لزيادة الظلمة لمّا كانت الصّور الكشفية سدّة في طريقه و مانعة له عن الوصول إلى المطلب , و قد وجد هو نفسه بسبب هذا الصّفاء نورانيّا و لم يعلم أنّ ذلك الصّفاء لم يُجاوز القشر الرقيق من نفسه الأمّارة و أنّها على خُبثها و نجاستها و لم يزد فيها شيئا سوى أن تكون كنجاسة مُغلّظة مُغلّفة بغلاف رقيق من السُّكَّر , و القلب الذي هو نوراني في حدّ ذاته و طاهر و إنّما قعد على وجهه غبار من مُجاورته النفس الظلمانية , يرجع إلى حاله الأصلي بقليل من التّصفية و يصير نورانيّا بخلاف النفس فإنّها خبيثة في حدّ ذاتها و الظلمة من صفاتها الذاتية و ما لم تُزَكَّ و لم تُطَهَّرْ بسياسة القلب بل بإتّباع السّنة و التزام الشريعة على صاحبها الصلاة و السلام و التّحيّة بل بمحض فضل الله تعالى لا يزول عنها خُبثها الذاتي و لا يُتَصَوَّرُ عنها الفلاح و الخير , و أفلاطون قد ظنّ صفاءه الذي تعلّق بنفسه الأمّارة كصفاء القلب العِيسوي , فتخيّل نفسه بالضرورة مُهذّبا و مُطهرا مثله عليه السلام , و حُرِم من بركة مُتابعته عليه السلام و صار مُتّسِمًا بسِمة الخسارة الأبدية أعاذنا الله تعالى من هذا البلاء , و لمّا كانت هذه المضرّة مُضمَرة و مكمونة في طبيعة الجوع ترك أكابر هذه الطريقة قدّس الله تعالى أسرارهم رياضة الجوع و اختاروا رياضة الاعتدال في المطعومات و مُجاهدة رعاية الاقتصاد في سائر الحالات }. إ.هـ فهذا هو الفرق بين التّصوّف النفسي و الروحي فالأول هو وقوف مع النفس مع ظلامها و لمّا يجوعون و يتنفسون بحبس الأنفاس و يتأملون مع تركيز العقل على التّنفس يصلون إلى حالة الإنعتاق و التحرّر النفسي أو ما يُسمونه بالنرفانا , و ما ذلك إلا تزيينا من النفس لهم إذْ هي الرائدة و المسيّرة لهم بحكم تكبّرها و بُغضها للتّحجير و الدخول تحت حكم الشرع , مع راحة الشيطان من الوسوسة لها و محاربتها أصلا , أمّا التّصوّف الروحي فبدايته النّفس و تزكيتها و تربيتها و إزالة ظلامها و إلقائها في نار المجاهدة لأنّها سوداء كالفحمة فإذا أحرقت تنوّرت و تجوهرت , و بالتربية من همّة الشيخ و كثرة الذكر تزول رعونتها و تُصقل كما يُصقل صدأ الحديد فإذا فنيت و ماتت و كساها الحقّ تعالى من نوره تُسمّى وقتذاك روح . فهذا هو التّصوّف الروحي الموصل إلى حضرة الحق جلّ جلاله و تقدّست أسماؤه و صفاته .
المفضلات