صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 26 إلى 50 من 84

الموضوع: موسم الهجره إلي الشمال

     
  1. #26
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890


    الصفحة ـ(20)ـ


    كان حقيقة . لم أكن سكران ، ولم أكن نائماً ، وصورته وهو جالس في ذلك المقعد ، ممداً رجليه ، ممسكاً بالكأس بكلتا يديه ، صورة واضحة لا مراء فيها . هل أحدث أبي ؟ هل أقول لمحجوب ؟ لعل الرجل قتل أحداً في مكان ما وفر من السجن ؟ لعله ... لكن أية أسرار في هذا البلد ؟ لعله فقد ذاكرته ؟ يقال أن بعض الناس يصابون (( بالامنيزيا )) إثر حادث . وأخيراً قررت أن أمهله يومين أو ثلاثة ، فإذا لم يأتني بالحقيقة ، كان لي معه شأن آخر .
    لم يطل انتظاري ، فقد جاءني مصطفى عشية ذلك اليوم . وجد أبي وأخوي أيضاً ، فقال أنه يريد أن يحدثني على إنفراد . قمت معه ، فقال لي : (( هل تحضر إلى بيتي مساء غد ؟ أريد أن أتحدث إليك )) . ولما عدت سألني أبي : (( ماذا يريد مصطفى ؟ )) فقلت له أنه يريد أن أفسر له عقداً بملكية أرض له في الخرطوم .
    رحت إليه عند المغيب ، فوجدته وحده ، أمامه آنية شاي . عرض علي الشاي فأبيت ، فقد كنت في الحقيقة أتعجل سماع القصة . لابد أنه قرر أن يقول الحقيقة . أعطاني سيجارة فقبلتها .
    تفرست في وجهه وهو ينفث الدخان ببطء ، فبدأ هادئاً قوياً . أبعدت الفكرة ، وأنا أنظر في وجهه ، أن يكون قاتلاً . إستعمال العنف يترك أثراً في الوجه لا تخطئه العين .

    التعديل الأخير تم بواسطة عاشق الترحال ; 16-01-2012 الساعة 05:48 AM





    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  2.  
  3. #27
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية ودالعمدة
    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    الدولة
    من أرض المحنة
    المشاركات
    2,252

    يعطيك العافية أخى عاشق الترحال
    وانت تنقلنا فى قمة أضابير الأدب السودانى العالمى
    وهذا موسم الهجرة معك الى الجمال

    و انتمى إليكَ ......
    ياوطناً تفردَ بالجمالِ وبالبهاء
    ياأرضَ مهيرة وبنونة ......
    ياديوانَ الرجالِ وبيتَ العوينِ ....
    يامرتعَ الأطفالِ عندَ الرواكيبِ مساء
  4.  
  5. #28
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ودالعمدة مشاهدة المشاركة
    يعطيك العافية أخى عاشق الترحال
    وانت تنقلنا فى قمة أضابير الأدب السودانى العالمى
    وهذا موسم الهجرة معك الى الجمال
    ياربي انا حلمان دا ود العمدة زاتو بي شحمو ولحمو

    لك التحيه والتجلي علي هذه الطله البهيه
    فهيا معاً لعالم الجمال
    ودمت بود

    التعديل الأخير تم بواسطة عاشق الترحال ; 16-01-2012 الساعة 08:49 AM





    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  6.  
  7. #29
    عضو فضي
    Array
    تاريخ التسجيل
    Nov 2004
    المشاركات
    1,395

    الجميل .. عاشق الترحال ..

    نعم يا عزيزي كما قال الأنيق ود العمدة أنه موسم الهجرة إلى الجمال .. أو هكذا كما دَاعَبْنَا بها

    عبقري الرواية الطيب صالح طيب الله ثراه أوان حضورنا لآخر لقاء به بفندق القصر الأبيض

    بمدينة الرياض وبرفقته الراحل الكاتب ميلاد حنا ..

    وما أجملها من أمسية برفقة هذا الرجل القامة، أول انطباع يصدره لك هو كمية المبادئ والقيم

    الراسخة في حديثه والحنين والتحسر تجاه وطن كالغصة في حلقه أوان انجراف الحديث نحو ما

    آل إليه حال البلاد والعباد .. وكانت هذه المرة الثانية التي أراه فيها في لقاء مباشر ..

    هذا وأذكر شقيقه الأكبر محمود صالح وكان جار لنا بمدينة الفاو حيث كان يعمل مهندساً زراعي وكان

    أميل للصمت والهدوء منه إلى الحديث حاولت في عدة مرات استدراجه بالحديث عن تفاصيل شقيقه

    الطيب صالح وعن أشخاص رواية موسم الهجرة إلى الجمال فلم أفلح في اقتحام صمت العم محمود

    ولم أظفر بسوى معلومات من هنا وهناك تلقيتها من أبنائه المهذبون كمال والطيب وشقيقتهم أمل لهم مني

    التحية أينما كانوا ..

    معذرة عزيزي عاشق الترحال لهذا التداعي ولكنها الذاكرة أوان سيرة هذا العبقري .. هكذا هي هذه الرواية

    فأينما وجدتها قرأتها وفي كل مرة أحس بها طازجة دسمة وكأني أطالعها لأول مرة .. وكل ما فرغت من

    قرأتها أجدني مأخوذ في أفلاك أمكنتها وزمانها وأناسها .. فكل من أقابله من الكبار هو جدي وكل من أجده

    كهل فتي هو ود الريس، وأناقش بيني وبين نفسي حضور حسنة بت محمود على مسرح الأحداث وكذلك

    أفعل مع بقية الأشخاص فلكل منهم ركيزته الخاصة في هذا العمل وفكرته وأثره .. أنها الرواية الشاملة من

    حيث الأدب والسياسة والثقافة والشعر والنثر وروائح المكان وعبق الزمان ..

    يا سلام يا عاشق الترحال ياخ على جمال هذا الخيط واصل يا صاحبي وسأقرؤها معك بذات

    متعة قراءاتي السابقة.

    مؤكد تحياتي وخالص مودتي وكن كما أشتهي لك من أمنيات،،،

    التعديل الأخير تم بواسطة سوباوي ; 17-01-2012 الساعة 03:37 AM
    وما كنت حزين لما افوتك وسط الفقراء بيوت الطين ...
  8.  
  9. #30
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سوباوي مشاهدة المشاركة
    الجميل .. عاشق الترحال ..

    معذرة عزيزي عاشق الترحال لهذا التداعي ولكنها الذاكرة أوان سيرة هذا العبقري .. هكذا هي هذه الرواية

    فأينما وجدتها قرأتها وفي كل مرة أحس بها طازجة دسمة وكأني أطالعها لأول مرة .. وكل ما فرغت من

    قرأتها أجدني مأخوذ في أفلاك أمكنتها وزمانها وأناسها .. فكل من أقابله من الكبار هو جدي وكل من أجده

    كهل فتي هو ود الريس، وأناقش بيني وبين نفسي حضور حسنة بت محمود على مسرح الأحداث وكذلك

    أفعل مع بقية الأشخاص فلكل منهم ركيزته الخاصة في هذا العمل وفكرته وأثره .. أنها الرواية الشاملة من

    حيث الأدب والسياسة والثقافة والشعر والنثر وروائح المكان وعبق الزمان ..

    يا سلام يا عاشق الترحال ياخ على جمال هذا الخيط واصل يا صاحبي وسأقرؤها معك بذات

    متعة قراءاتي السابقة.

    مؤكد تحياتي وخالص مودتي وكن كما أشتهي لك من أمنيات،،،

    لك مني الف الف تحيه اخي الجميل سوباوي .
    لقد استمتعت كثيراً بجميل سردك
    الذي اخذتنا فيه الي الماضي .
    ولاداعي لمعزرتك عن التداعي ....!!!
    ولك جزيل الشكر علي هذه الطله الجميله والتي سعدت بها كثيراً .


    اخي
    دمت
    بود






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  10.  
  11. #31
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890


    الصفحة ـ(21)ـ


    إما أنه فقد ذاكرته ، فهذا محتمل . وأخيراً بدأ مصطفى يتحدث ، ورأيت الطيف الساخر حول عينيه أوضح من أي وقت رأيته فيه . شيء محسوس ، كأنه لمع البرق .
    (( سأقول لك كلاماً لم أقله لأحد من قبل . لم أجد سبباً لذلك قبل الآن . قررت هذا حتى لا يجمح خيالك ، وأنت درست الشعر )) . ضحك حتى يخفف حدة الاحتقار التي بدت في صوته وهو يقول هذا .
    (( خفت أن تذهب وتتحدث إلى الآخرين . تقول لهم أنني لست الرجل الذي أزعم . فيحدث ... يحدث بعض الحرج ، لي ولهم . لذا فإن لي عندك رجاء واحداً . أن تعدني بشرفك ، أن تقسم لي بأنك لن تبوح لمخلوق بشيء مما سأحدثك به الليلة )) .
    (( هذا يعتمد على ما ستقوله لي . كيف أعدك وأنا لا أعلم عنك شيئاً ؟ )) .
    فقال : (( إنني أقسم لك بأن شيئاً مما سأقوله لك لن يؤثر على وجودي في هذا البلد . إنني رجل في كامل عقلي ، مسالم ، لا أحب لهذا البلد وأهله إلا الخير )) .
    لا أكتمك أنني ترددت . لكن اللحظة كانت مشحونة بالاحتمالات ، وكان فضولي عارماً ليس له حد . خلاصة القول أنني وعدت وأقسمت ، فدفع مصطفى إلي برزمة أوراق وأومأ لي أن أنظر فيها فتحت ورقة فإذا هي وثيقة ميلاده .






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  12.  
  13. #32
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890


    الصفحة ـ(22)ـ


    مصطفى سعيد ، من مواليد الخرطوم ، 16 أغسطس عام 1898 ... الأب متوفي ، الأم فاطمة عبدالصادق ، فتحت بعد ذلك جواز سفره ، الإسم ، المولد ، البلد ، كما في شهادة الميلاد . المهنة (( طالب )) . تاريخ صدور الجواز عام 1916 في القاهرة وجدد في لندن عام 1926 . كان ثمة جواز سفر آخر ، انكليزي ، صدر في لندن عام 1929 . قلبت صفحاته فإذا أختام كثيرة ، فرنسية وألمانية وصينية ودنماركية . كل هذا شحذ خيالي بشكل لا يوصف ، فلم أستطع المضي في تقليب صفحات جواز السفر ، وانصرف ذهني عن بقية الأوراق . ولابد أن وجهي كان مشحوناً بالترقيب حين نظرت إليه . مضى مصطفى ينفث في دخان سيجارته برهة ، ثم قال :






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  14.  
  15. #33
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890


    الصفحة ـ(23)ـ


    إنها قصة طويلة . لكنني لن أقول لك كل شيء . وبعض التفاصيل لن تهمك كثيراً ، وبعضها ... المهم أنني كما ترى ولدت في الخرطوم . نشأت يتيماً ، فقد مات أبي قبل أن أولد ببضعة أشهر ، لكنه ترك لنا ما يستر الحال . كان يعمل في تجارة الجمال . لم يكن لي أخوة ، فلم تكن الحياة عسيرة عليَّ وعلى أمي . حين أرجع الآن بذاكرتي ، أراها بوضوح ، شفتاها الرقيقتان مطبقتان في حزم ، وعلى وجهها شيء مثل القناع . لا أدري . قناع كثيف ، كأن وجهها صفحة بحر ، هل تفهم ؟ ليس له لون واحد بل ألوان متعددة ، تظهر وتغيب وتتمازج . لم يكن لنا أهل . كنا ، أنا وهي ، أهلاً بعضنا لبعض . كانت كأنها شخص غريب جمعتني به الظروف صدفة في الطريق . لعلني كنت مخلوقاً غريباً ، أو لعل أمي كانت غريبة . لا أدري . لم نكن نتحدث كثيراً ، وكنت ، ولعلك تعجب ، أحس إحساساً دافئاً بأنني حر ، بأنه ليس ثمة مخلوق أب أو أم ، يربطني كالوتد إلى بقعة معينة ومحيط معين . كنت .....






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  16.  
  17. #34
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890


    الصفحة ـ(24)ـ


    أقرأ وأنام ، أخرج وأدخل ، ألعب خارج البيت ، أتسكع في الشوارع ، ليس ثمة أحد يأمرني أو ينهاني . إلا أنني منذ صغري ، كنت أحس بأنني ... أنني مختلف . أقصد أنني لست كبقية الأطفال في سني ، لا أتأثر بشيء لا أبكي إذا ضربت ، لا أفرح إذا أثني عليَّ المدرس في الفصل ، لا أتألم لما يتألم له الباقون . كنت مثل شيء مكور من المطاط ، تلقيه في الماء فلا يبتل ، ترميه على الأرض فيقفز . كان ذلك الوقت أول عهدنا بالمدارس أذكر الآن الناس كانوا غير راغبين فيها . كانت الحكومة تبعث أعوانها يجوبون البلاد والأحياء ، فيخفي الناس أبناءهم . كانوا يظنونها شراً عظيماً جاءهم مع جيوش الإحتلال . كنت ألعب مع الصبية خارج دارنا ، فجاء رجل على فرس ، في زي رسمي ووقف فوقنا . جرى الصبية ، وبقيت أنظر إلى الفرس وإلى الرجل فوقه . سألني عن اسمي فأخبرته . قال لي كم عمرك ، فقلت له لا أدري . قال لي : (( هل تحب أن تتعلم في المدرسة ؟ )) قلت له : (( ما هي المدرسة ؟)) فقال لي : (( بناء جميل من الحجر وسط حديقة كبيرة على شاطئ النيل . يدق الجرس وتدخل الفصل مع التلاميذ . تتعلم القراءة والكتابة والحساب )) . قلت للرجل : (( هل ألبس عمامة كهذه ؟ )) وأشرت إلى شيء كالقبة فوق رأسه . فضحك الرجل وقال لي : (( هذه ليست عمامة . هذه برنيطة . قبعة )) . وترجل من على فرسه ووضعها فوق رأسي فغاب وجهي كله فيها . ثم قال الرجل : (( حين تكبر ، وتخرج ....






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  18.  
  19. #35
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890


    الصفحة ـ(25)ـ


    من المدرسة ، وتصير موظفاً في الحكومة ، تلبس قبعة كهذه )) قلت للرجل : (( أذهب للمدرسة )) . أردفني الرجل خلفه فوق الحصان ، وحملني إلى مكان ، كما وصفه ، من الحجر ، على ضفة النيل ، تحيط به أشجار وأزهار . ودخلنا على رجل ذي لحية ، يلبس جبة ، فقام وربت على رأسي ، وقال لي : (( لكن أي أبوك ؟ )) فقلت له أن أبي ميت . فقال لي : (( من ولي أمرك ؟ )) قلت له : (( أريد أن أدخل المدرسة )) . نظر إلي الرجل بعطف ، ثم قيدوا اسمي في سجل ، وسألوني كم عمري فقلت لهم لا أدري . وفجأة دق الجرس . فررت منهم ، ودخلت إحدى الحجرات فجاء الرجلان وساقاني إلى حجرة أخرى وأجلساني في مقعد بين صبية آخرين عدت إلى أمي في الظهر فسألتني أي كنت ، فحكيت لها القصة . نظرت إلي برهة نظرة غامضة ، كأنها أرادت أن تضمني إلى صدرها . فقد رأيت وجهها يصفو برهة ، وعينيها تلمعان ، وشفتيها تفتران كأنها تريد أن تبتسم ، أو تقول شيئاً . لكنها لم تقل شيئاً . وكانت تلك نقطة تحول في حياتي . كان ذلك أول قرار اتخذته ، بمحض إرادتي .
    إنني لا أطلب منك أن تصدق ما أقوله لك . لك أن تعجب وأن تشك . أنت حر . هذه وقائع مضى عليها وقت طويل ، وهي كما ترى الآن ، لا قيمة لها . أقولها لك لأنها تحضرني ، لأن الحوادث بعضها يذكر بالبعض الآخر .






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  20.  
  21. #36
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890


    الصفحة .. 26 ..


    المهم أنني انصرفت بكل طاقاتي لتلك الحياة الجديدة .
    وسرعان ما اكتشفت في عقلي مقدرة عجيبة على الحفظ والاستيعاب والفهم . أقرأ الكتاب فيرسخ جملة في ذهني . ما ألبث أن أركز عقلي في مشكلة الحساب حتى تتفتح لي مغالقها ، تذوب بين يدي كأنها قطعة ملح وضعتها في الماء . تعلمت الكتابة في أسبوعين ، وانطلقت بعد ذلك لا ألوي على شيء . عقلي كأنه مدية حادة ، تقطع في برود وفعالية . لم أُبال بدهشة المعلمين وإعجاب رفقائي أو حسدهم . كان المعلمون ينظرون إليَّ كأنني معجزة ، وبدأ التلاميذ يطلبون ودي . لكنني كنت مشغولاً بهذه الآلة العجيبة التي أتيحت لي . وكنت بارداً كحقل جليد ، لا يوجد في العالم شيء يهزني . طويت المرحلة الأولى في عامين ، وفي المدرسة الوسطى اكتشفت ألغازاً أخرى ، منها اللغة الإنكليزية فمضى عقلي يعض ويقطع كأسنان محراث . الكلمات والجميل تتراءى لي كأنها معادلات رياضية ، والجبر والهندسة كأنها أبيات شعر . العالم الواسع أراه في دروس الجغرافيا ، كأنه رقعة شطرنج . كانت المرحلة الوسطى أقصى غاية يصل إليها المرء في التعليم تلك الأيام . وبعد ثلاثة أعوام ، قال لي ناظر المدرسة ، وكان إنكليزياً : (( هذه البلد لا تتسع لذهنك ، فسافر . إذهب إلى مصر أو لبنان أو إنكلترا . ليس عندنا شيء نعطيك إياه بعد الآن )) . قلت له على الفور : (( أريد أن أذهب إلى القاهرة )) . فهل لي ، فيما بعد ، السفر ، والدخول مجاناً






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  22.  
  23. #37
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890


    الصفحة .. 26 ..


    المهم أنني انصرفت بكل طاقاتي لتلك الحياة الجديدة .
    وسرعان ما اكتشفت في عقلي مقدرة عجيبة على الحفظ والاستيعاب والفهم . أقرأ الكتاب فيرسخ جملة في ذهني . ما ألبث أن أركز عقلي في مشكلة الحساب حتى تتفتح لي مغالقها ، تذوب بين يدي كأنها قطعة ملح وضعتها في الماء . تعلمت الكتابة في أسبوعين ، وانطلقت بعد ذلك لا ألوي على شيء . عقلي كأنه مدية حادة ، تقطع في برود وفعالية . لم أُبال بدهشة المعلمين وإعجاب رفقائي أو حسدهم . كان المعلمون ينظرون إليَّ كأنني معجزة ، وبدأ التلاميذ يطلبون ودي . لكنني كنت مشغولاً بهذه الآلة العجيبة التي أتيحت لي . وكنت بارداً كحقل جليد ، لا يوجد في العالم شيء يهزني . طويت المرحلة الأولى في عامين ، وفي المدرسة الوسطى اكتشفت ألغازاً أخرى ، منها اللغة الإنكليزية فمضى عقلي يعض ويقطع كأسنان محراث . الكلمات والجميل تتراءى لي كأنها معادلات رياضية ، والجبر والهندسة كأنها أبيات شعر . العالم الواسع أراه في دروس الجغرافيا ، كأنه رقعة شطرنج . كانت المرحلة الوسطى أقصى غاية يصل إليها المرء في التعليم تلك الأيام . وبعد ثلاثة أعوام ، قال لي ناظر المدرسة ، وكان إنكليزياً : (( هذه البلد لا تتسع لذهنك ، فسافر . إذهب إلى مصر أو لبنان أو إنكلترا . ليس عندنا شيء نعطيك إياه بعد الآن )) . قلت له على الفور : (( أريد أن أذهب إلى القاهرة )) . فهل لي ، فيما بعد ، السفر ، والدخول مجاناً






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  24.  
  25. #38
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890


    الصفحة .. 27 ..


    في مدرسة ثانوية في القاهرة ، ومنحة دراسية من الحكومة . وهذه حقيقة في حياتي ، كيف قيضت الصدف لي قوماً ساعدوني وأخذوا بيدي في كل مرحلة ، قوماً لم أكن أحس تجاههم بأي إحساس بالجميل . كنت أتقبل مساعداتهم ، كأنها واجب يقومون به نحوي .
    حين أخبرني ناظر المدرسة بأن كل شيء أُعد لسفري للقاهرة ، ذهبت إلى أمي وحدثتها . نظرت إلي مرة أخرى ، تلك النظرة الغريبة افترت شفتاها لحظة كأنها تريد أن تبتسم ثم أطبقتهما ، وعاد كعهده ، قناعاً كثيفاً ، بل مجموعة أقنعة ، ثم غابت قليلاً ، وجاءت بصرة وضعتها في يدي ، وقالت لي : (( لو أن أباك عاش ، لما اختار لك غير ما اخترته لنفسك . افعل ما تشاء . سافر . أو ابقَ ، أنت وشأنك . إنها حياتك ، وأنت حر فيها . في هذه الصرة ما تستعين به )) .
    كان ذلك وداعنا . لا دموع ولا قبل ولا ضوضاء . مخلوقان سارا شطراً من الطريق معاً ، ثم سلك كل منهما سبيله . وكان ذلك في الواقع آخر ما قالته لي ، فإنني لم أرها بعد ذلك . بعد سنوات طويلة ، وتجارب عدة ، تذكرت تلك اللحظة ، وبكيت . أما الآن ، فإنني لم أشعر بشيء على الإطلاق . جمعت متاعي في حقيبة صغيرة ، وركبت القطار . لم يلوِّح لي أحد بيده ولم تنهمر دموعي لفراق أحد .






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  26.  
  27. #39
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890


    الصفحة .. 28 ..


    وضرب القطار في الصحراء ، ففكرت قليلاً في البلد الذي خلفته ورائي ، فكان مثل جبل ضربت خيمتي عنده ، وفي الصباح قلعت الأوتاد وأسرجت بعيري ، وواصلت رحلتي . وفكرت في القاهرة ونحن في وادي حلفا ، فتخيلها عقلي جبلاً آخر ، أكبر حجماً ، سأبيت عنده ليلة أو ليلتين ، ثم أواصل الرحلة إلى غاية أخرى . أذكر أنني جلست في القطار قبالة رجل في مسوح وعلى رقبته صليب كبير أصفر . ابتسم الرجل في وجهي وتحدث معي باللغة الإنكليزية ، فأجبته . أكثر تماماً أن الدهشة بدت على وجهه واتسعت حدقتا عينيه أول ما سمع صوتي . دقق النظر إلى وجهي وقال لي : (( كم سنك؟ )) فقلت له خمسة عشر . كنت في الواقع في الثانية عشر ، لكنني خفت أن يستخف بي . فقال الرجل : (( إلى أين تقصد ؟ )) فقلت له : (( إنني ذاهب للإلتحاق بمدرسة ثانوية في القاهرة )) . فقال : (( وحدك ؟ )) . قلت نعم . نظر إلي مرة أخرى نظرة طويلة فاحصة ، فقلت له قبل أن يتكلم : (( إنني أحب السفر وحدي . مم أخاف ؟ )) . حينئذ قال لي جملة لم أحفل بها كثيرة وقتذاك . وأضاءت وجهه ابتسامة كبيرة وأردف : (( إنك تتحدث اللغة الإنكليزية بطلاقة مذهلة )) . وصلت القاهرة ، فوجدت مستر روبنسن وزوجته في انتظاري ، فقد أخبرهما مستر ستكول بقدومي . صافحني ...






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  28.  
  29. #40
    سكرتير مجلس الادارة
    Array الصورة الرمزية ساريه
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    الدولة
    مدينة الجمال مدنى
    المشاركات
    2,243

    تسجيل حضور ومتابعة ..

    هذا هو النسيان ..أن تتذكر الماضى ولا تتذكر الحكاية ......
  30.  
  31. #41
    فخر المنتديات
    Array
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    الدولة
    مارنجان
    المشاركات
    4,340

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سوباوي مشاهدة المشاركة

    يا سلام يا عاشق الترحال ياخ على جمال هذا الخيط واصل يا صاحبي وسأقرؤها معك بذات

    متعة قراءاتي السابقة.
    اول عهدي بهذه الرواية وانا انتقل من المرحلة الابتدائية الى الثانوي العام
    كانت جُل قراءتي المغامرين الخمسة والشواطين ال13
    كنت التهمها في جلسة واحده ورغما عن ذلك عندما أعيد قراءتها كأنني أول عهدي بها
    عاشق الترحال
    كما قال الجميل سوباوي واصل يا صاحبي وسأقرؤها معك بذات

    متعة قراءاتي السابقة

  32.  
  33. #42
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890

    نواصل بعد فترة الاستراحه
    يلا اي زول يلبس نضارتو .


    قلتو لي اخر مره واقفين وين......؟






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  34.  
  35. #43
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890


    الصفحة .. 29 ..


    الرجل وقال لي : (( كيف أنت يا مستر سعيد ؟ )) فقلت له : (( أنا بخير يا مستر روبنسن )) . ثم قدمني إلى زوجته . وفجأة أحسست بذراعي المرأة تطوقانني ، وبشفتيها على خدي . في تلك اللحظة ، وأنا واقف على رصيف المحطة ، وسط دوامة من الأصوات والأحاسيس ، وزندا المرأة ملتفان حول عنقي ، وفمها على خدي ، ورائحة جسمها ، رائحة أوروبية غريبة ، تدغدغ أنفي ، وصدرها يلامس صدري ، شعر وأنا الصبي ابن الإثني عشر عاماً بشهوة جنسية مبهمة لم أعرفها من قبل في حياتي ، وأحسست كأن القاهرة ، ذلك الجبل الكبير الذي حملني إليه بعيري ، امرأة أوروبية ، مثل مسز روبنسن تماماً ، تطوقني ذراعاها ، يملأ عطرها ورائحة جسدها أنفي . كان لو عينيها كلون القاهرة في ذهني ، رمادياً ،أخضر ، يتحول بالليل إلى وميض كوميض اليراعة .
    كانت مسز روبنسن تقول لي : (( وأنت يا مستر سعيد إنسان خال تماماً من المرح )) . صحيح أنني لم أكن أضحك . وتضحك مسز روبنسن وتقول لي : (( ألا تستطيع أن تنسى عقلك أبداً ؟ ويوم حكموا عليَّ في الأولد بيلي بالسجن سبع سنوات ، لم أجد صدراً غير صدرها أسند رأسي إليه . ربتت على رأسي وقالت : (( لا تبك يا طفلي العزيز )) . لم يكن لهما أطفال . كان مستر روبنسن يحسن اللغة العربية ، ويعنى بالفكر الإسلامي والعمارة الإسلامية ، فزرت معهما جوامع القاهرة ، ومتاحفها وآثارها . وكانت أحب مناطق القاهرة






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  36.  
  37. #44
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890


    الصفحة .. 30 ..


    إليهما ، منطقة الأزهر . كنا حين تكل أقدامنا من الطواف ، نلوذ بمقهى بجوار جامع الأزهر ، ونشرب عصير التمر هندي ، ويقرأ مستر روبنسن شعر المعري . كنت وقتها مشغولاً بنفسي ، فلم أحفل بالحب الذي أسبغاه علي . كانت مسز روبنسن ممتلئة الجسم ، برونزية اللون ، منسجمة مع القاهرة كأنها صورة منتقاة بذوق ، لتناسب لون الجدران في غرفة . وكنت أنظر إلى شعر إبطيها وأحسن بالذعر .. لعلها كانت تعلم أنني أشتهيها ، لكنها كانت عذبة ، أعذب امرأة عرفتها . تضحك بمرح ، وتحنو علي كما تحنو أم على إبنها .
    وكانا على الرصيف حين أقلعت بي الباخرة من الإسكندرية . ورأيتها من بعيد وهي تلوح لي بمنديها ، ثم تجفف به الدمع من عينيها ، وإلى جوارها زوجها ، واضعاً يديه على خصره ، وأكاد أرى ، حتى من ذلك البعد ، صفاء عينيه الزرقاوين . إلا أنني لم أكن حزيناً ، كان كل همي أن أصل لندن ، جبلاً آخر أكبر من القاهرة ، لا أدري كم ليلة أمكث عنده . كنت في الخامسة عشرة ، يظنني من يراني في العشرين ، متماسكاً على نفسي ، كأنني قربة منفوخة . ورائي قصة نجاح فذ في المدرسة ، كل سلاحي هذه المدية الحادة في جمجمتي ، وفي صدري إحساس بارد جامد ، كأن جوف صدري مصبوب بالصخر ولما ابتلعت اللجة الساحل ، وهاج الموج تحت السفينة ، واستدار الأفق الأزرق حوالينا ، أحسست تواً ...






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  38.  
  39. #45
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890


    الصفحة .. 31 ..


    بألفة غامرة للبحر . انني أعرف هذا العملاق الأخضر اللامنتهي ، كأنه يمور بين ضلوعي . واستمرأت طيلة الرحلة ذلك الإحساس في أني في لا مكان ، وحدي ، أمامي وخلفي الأبد أو لا شيء وصفحة البحر حين يهدأ سراب آخر ، دائم التبدل والتحول ، مثل القناع الذي على وجه أمي . هنا أيضاً صحراء مخضرة مزرقة ممتدة ، تناديني ، تناديني . وقادني النداء الغريب إلى ساحل دوفر ، وإلى لندن ، وإلى المأساة . لقد لسلكت ذلك الطريق بعد ذلك عائداً وكنت أسأل نفسي طوال الرحلة ، هي كان من الممكن تلافي شيء مما وقع ؟ وتر القوس مشدود ، ولا بد أن ينطلق السهم . وأنظر إلى اليسار واليمين ، إلى الخضرة الداكنة ، والقرى السكسونية القائمة على حوافي التلال . سقوف البيوت حمراء ، محدودية كظهور البقر ، وثمة غلالة شفافة من الضباب ، منشورة فوق الوديان . ما أكثر الماء هنا وما أرحب الخضرة . وكل تلك الألوان . ورائحة المكان غريبة ، كرائحة جسد مسز روبنسن . والأصوات لها وقت نظيف في أذني ، مثل حفيف أجنحة الطير . هذا عالم منظم ، بيوته وحقوله وأشجاره مرسومة وفقاً لخطة . الغدران كذلك ، لا تتعرض ، بل تسيل بين شطآن صناعية . ويقف القطار في المحطة ، بضع دقائق . يخرج الناس مسرعين ، ويدخلون مسرعين ، ثم يتحرك القطاع ، لا ضوضاء . وفكرت في حياتي في القاهرة . لم يحدث شيء ليس في الحسبان . زادت معلوماتي . وحدثت لي أحداث صغيرة ، وأحبتني زميلة لي ثم كرهتني ...






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  40.  
  41. #46
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890


    الصفحة .. 32 ..


    وقالت لي : (( أنت ليس إنساناً . أنت آلة صماء )) . تسكعت في شوارع القاهرة ، وزرت الأوبرا ، ودخلت المسرح ، وقطعت النيل سابحاً ذات مرة . لم يحدث شيء إطلاقاً ، سوى أن القرية زادت انتفاخاً ، وتوتر وتر القوس . سينطلق السهم نحو آفاق أخرى مجهولة . وانظر إلى دخان القطار ، يتلاشى ، حيث تهب به الريح ، في غلالة الضباب المنتشرة في الوديان . وأخذتني سنة من النوم . وحلمت أنني أصلي وحدي في جامعة القلعة . كان المسجد مضاء بآلاف الشمعدانات ، والرخام الأحمر يتوهج ، وأنا وحدي أصلي . واستيقظت وفي أنفي رائحة البخور ، فإذا القطار يقترب من لندن . القاهرة مدينة ضاحكة ، وكذلك مسز روبنسن . كانت تريدني أن أناديها باسمها الأول ، اليزابيث ، لكنني كنت أناديها باسم زوجها . تعلمت منها حسب موسيقى باخ ، وشعر كيتس ، وسمعت عن مارك توين لأول مرة منها . لكنني لم أكن استمتع بشيء . وتضحك مسز روبنسن وتقول لي : (( ألا تستطيع أن تنسى عقلك أبداً ؟ )) . هل كان من الممكن تلافي شيء مما حدث ؟ كنت عائداً حينذاك تذكرت ما قاله لي القسيس ، وأنا في طريقي إلى القاهرة : (( كلنا يا بني نسافر وحدنا في نهاية الأمر )) . كانت يده تتحسس الصليب على صدره . وأضاءت وجهه ابتسامة كبيرة وأردف : (( انك تتحدث اللغة الإنكليزية بطلاقة مذهلة )) . اللغة التي أسمعها الآن ليست كاللغة التي تعلمتها في المدرسة . هذه أصوات حية ، لها جرس آخر .






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  42.  
  43. #47
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890


    الصفحة .. 33 ..


    كان عقلي كأنه مدية حادة . لكن اللغة ليست لغتي . تعلمت فصاحتها بالممارسة . وحملني القطار إلى محطة فكتوريا ، وإلى عالم جين مورس .
    كل شيء حدث قبل لقائي إياها ، كان إرهاصاً . وكل شيء فعلته بعد أن قتلتها كان اعتذاراً ، لا لقتها ، بل لأكذوبة حياتي . كنت في الخامسة والعشرين حين لقيتها ، وفي حفل في تشلسي . الباب ، وممر طويل يؤدي إلى القاعة . فتحت الباب ، وتريثت ، وبدت لعيني تحت ضوء المصباح الباهت كأنها سراب لمع في صحراء . كنت مخموراً ، كأسي بقي ثلثها ، وحولي فتاتان ، أتفحش معهما ، وتضحكان . وجاءت تسعى نحونا بخطوات واسعة ، تضع ثقل جسمها على قدمها اليمنى ، فيميل كفلها إلى اليسار . وكانت تنظر إلي وهي قادمة . وقفت قبالتي ونظرت إلي بصلف وبرود .. وشيء آخر . وفتحت فمي لأتكلم ، لكنها ذهبت . وقلت لصاحبتي (( من هذه الأنثى ؟ )) .
    كانت لندن خارجة من الحرب ومن وطأة العهد الفكتوري . عرفت حانات تشلسي ، وأندية هامبستد ، ومنتديات بلومزبري ، أقرأ الشعر ، وأتحدث في الدين والفلسفة ، وأنقد الرسم ، وأقول كلاماً عن روحانيات الشرق . أفعل كل شيء حتى أدخل المرأة في فراشي ، ثم أسير إلى صيد آخر . لم يكن في نفسي قطرة من المرح ، كما قالت مسز روبنسن . جلبت ...






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  44.  
  45. #48
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890


    الصفحة .. 34 ..


    النساء إلى فراشي من بين فتيات جيش الخلاص ، وجمعيات الكويكرز ، ومجتمعات الفابيانيين . حين يجتمع حزب الأحرار أو العمال أو المحافظين أو الشيوعيين ، أسرج بعيري وأذهب . وفي المرة الثانية ، قالت لي جين مورس : (( أنت بشع . لم أر في حياتي وجهاً بشعاً كوجهك )) . وفتحت فمي لأتكلم لكنها ذهبت . وحلفت في تلك اللحظة ، وأنا سكران أنني سأتقاضاها الثمن في يوم من الأيام . وصحوت وآن همند إلى جواري في الفراش . أي شيء جذب آن همند إليَّ ؟ أبوها ضابط في سلاح المهندسين ، وأمها من العوائل الثرية في لفربول كانت صيداً سهلاً ، لقيتها وهي دون العشرين ، تدرس اللغات الشرقية في أكسفورد . كانت حية ، وجهها ذكي مرح وعيناها تبرقان بحب الإستطلاع . رأتني فرأت شفقاً داكناً كفجر كاذب . كانت عكسي تحن إلى مناخات استوائية ، وشموس قاسية ، وآفاق أرجوانية . كنت في عينها رمزاً لكل هذا الحنين . وأنا جنوب يحن إلى الشمال والصقيع . آن همند قضت طفولتها في مدرسة راهبات . عمتها زوجة نائب في البرلمان . حولتها في فراشي إلى عاهرة . غرفة نومي مقبرة تطل على حديقة ، ستائرها وردية منتقاة بعناية ، وسجاد سندسي دافئ والسرير رحب مخداته من ريش النعام . وأضواء كهربائية صغيرة ، حمراء ، وزرقاء ، وبنفسجية ، موضوعة في زوايا معينة . وعلى الجدران مرايا كبيرة ، حتى إذا ضاجعت امرأة ، بدا كأنني أضاجع حريماً كاملاً في آن واحد . تعبق






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  46.  
  47. #49
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890



    الصفحة .. 35 ..


    في الغرفة رائحة الصندل المحروق والند ، وفي الحمام عطور شرقية نفاذة ، وعقاقير كيماوية ، ودهون ، ومساحيق ، وحبوب . غرفة نومي كانت مثل غرفة عمليات في مستشفى . ثمة بركة ساكنة في أعماق كل امرأة . كنت أعرف كيف أحركها . وذات يوم وجدوها ميتة انتحاراً بالغاز ووجدوا ورقة صغيرة باسمي . ليس فيها سوى هذه العبارة : مستر سعيد . لعنة الله عليك )) . كان عقلي كأنه مدية حادة . وحملني القطار إلى محطة فكتوريا . وإلى عالم جين مورس ، في قاعة المحكمة الكبرى في لندن ، جلست أسابيع أستمع إلى المحامين يتحدثون عني ن كأنهم يتحدثون عن شخص لا يهمني أمره . كان المدعي العمومي سير آرثر هغتز عقل مريع ، أعرفه تمام المعرفة ، علمني القانون في أكسفورد ، ورأيته من قبل ، في هذه المحكمة نفسها وفي هذه القاعة ، يعتصر المتهمين في قفص الإتهام اعتصاراً . نادراً ما كان يفلت متهم من يده . ورأيت متهمين يبكون ويغمى عليهم ، بعد أن يفرغ من استجوابهم . لكنه هذه المرة كان يصارع جثة .
    (( هل تسببت في انتحار آن همند ؟ ))
    (( لا أدري ))
    (( وشيلا غرينود ؟ ))
    (( لا أدري ))
    (( وإيزابيلا سيمور ؟ ))
    (( لا أدري ))






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  48.  
  49. #50
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890


    الصفحة .. 36 ..


    (( هل قتلت جين مورس ؟ ))
    (( نعم ))
    (( قتلتها عمداً ؟ ))
    (( نعم ))
    كان صوته كأنما يصلني من عالم آخر . ومضى الرجل يرسم بحذق صورة مريعة لرجل ذئب ، تسبب في انتحار فتاتين ، وحطم امرأة متزوجة ، وقتل زوجته ، رجل أناني ، أنصبت حياته كلها على طلب اللذة . ومرة خطر لي في غيبوبتي ، وأنا جالس هناك أستمع إلى أستاذي ، برفسور ماكسول فستر كين ، يحاول أن يخلصني من المشنقة ، أن أقف وأصرخ في المحكمة : (( هذا المصطفى سعيد لا وجود له . انه وهم ، أكذوبة . وأنني أطلب منكم أن تحكموا بقتل الأكذوبة )) . لكنني كنت هامداً مثل كومة رماد . ومضى برفسور ماكسول فستر كين يرسم صورة لعقل عبقري دفعته الظروف إلى القتل . في لحظة غيرة وجنون . روى لهم كيف أنني عينت محاضراً للإقتصاد في جامعة لندن ، وأنا في الرابعة والعشرين . قال لهم أن (( آن همند )) و (( شيلا غرينود )) كانتا فتاتين تبحثان عن الموت بكل سبيل ، وأنهما كانتا ستنتحران سواء قابلتا مصطفى سعيد أو لم تقابلاه . (( مصطفى سعيد يا حضرات المحلفين إنسان نبيل ، استوعب عقله حضارة الغرب ، لكنها حطمت قلبه . هاتان الفتاتان لم يقتلهما مصطفى سعيد ولكن قتلهما جرثوم مرض ..






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
by boussaid