الصفحة ـ(20)ـ
كان حقيقة . لم أكن سكران ، ولم أكن نائماً ، وصورته وهو جالس في ذلك المقعد ، ممداً رجليه ، ممسكاً بالكأس بكلتا يديه ، صورة واضحة لا مراء فيها . هل أحدث أبي ؟ هل أقول لمحجوب ؟ لعل الرجل قتل أحداً في مكان ما وفر من السجن ؟ لعله ... لكن أية أسرار في هذا البلد ؟ لعله فقد ذاكرته ؟ يقال أن بعض الناس يصابون (( بالامنيزيا )) إثر حادث . وأخيراً قررت أن أمهله يومين أو ثلاثة ، فإذا لم يأتني بالحقيقة ، كان لي معه شأن آخر .
لم يطل انتظاري ، فقد جاءني مصطفى عشية ذلك اليوم . وجد أبي وأخوي أيضاً ، فقال أنه يريد أن يحدثني على إنفراد . قمت معه ، فقال لي : (( هل تحضر إلى بيتي مساء غد ؟ أريد أن أتحدث إليك )) . ولما عدت سألني أبي : (( ماذا يريد مصطفى ؟ )) فقلت له أنه يريد أن أفسر له عقداً بملكية أرض له في الخرطوم .
رحت إليه عند المغيب ، فوجدته وحده ، أمامه آنية شاي . عرض علي الشاي فأبيت ، فقد كنت في الحقيقة أتعجل سماع القصة . لابد أنه قرر أن يقول الحقيقة . أعطاني سيجارة فقبلتها .
تفرست في وجهه وهو ينفث الدخان ببطء ، فبدأ هادئاً قوياً . أبعدت الفكرة ، وأنا أنظر في وجهه ، أن يكون قاتلاً . إستعمال العنف يترك أثراً في الوجه لا تخطئه العين .
المفضلات