صفحة 2 من 7 الأولىالأولى 1234 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 26 إلى 50 من 165

الموضوع: رواية جديدة: خطوات وبصمات / صلاح الدين سر الختم علي

     
  1. #26
    عضو ذهبي
    Array
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    ام درمان - الراشدين
    المشاركات
    3,009

    استاذي صلاح سر الختم...
    في حضرة حروفك يطيب الجلوس ...

    اللهم صلي وسلم وبارك على الحبيب المصطفى
    عدد خلقك
    ورضا نفسك
    وزنة عرشك
    ومداد كلماتك


    http://fc01.deviantart.com/fs13/f/20...alanbecker.swf
  2.  
  3. #27
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خالد علونى مشاهدة المشاركة
    استاذي صلاح سر الختم...
    في حضرة حروفك يطيب الجلوس ...
    الحبيب خالد علوني
    لك الود والتحيات

  4.  
  5. #28
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436



    8

    كانت هبة تحاكي في حيرتها مركبا صغيرا أقتلعه التيار من مربطه ثم أخذ يلهو به بين الأمواج كما يشاء، كل جوعها الي الحنان أستيقظ في تلك الظهيرة، كل ما ظنته شبع موتا فيها عاد يتقافز في الشوارع كطفل شقي، كل أشواقها النائمة استيقظت وباتت غولا يحتل كل الفضاءات،من أين جئت أيها الفارع واسع العينين ودود الإبتسامة؟ من أين جئت لتشعل الدنيا من بعد طول سكون وكمون ؟! من أين جئت لتفتح نوافذ البيت العتيق وتطرد العتمة؟!
    قال لها ضاحكا: أين ذهبت الأميرة؟!حلم ولا علم؟!
    قالت دون تفكير: حلم...حلم ...حلم
    ضحك هو حتي بانت أسنانه البيضاء كعقد نضيد، شهقت للداخل، رأت نفسها تقول لسارة في أذنها بصوت هامسووب ياسارة...مرتين ما بتقدري تعايني...
    هيبة هي.....سكتا واتبكمتا...بقيت أعاين.... الكتف جنب السحاب....ماحصل حسيت إني قصيرة كدا زي اليوم داك..........)
    شهقت في وجه سارة في خيالها ، ففوجئت بالفارع يترنح من شهقتها عيانا بيانا، فهرولت بعيدا عنه دون أن تنبس ببنت شفة، كان صدرها يعلو ويهبط كعداء محترف في آخر لفة في السباق ، وكان صوت ريقها وهي تبتلعه مسموعا كطبل من طبول الحرب... كادت تتعثر وتسقط حين الفت نفسها بجوار كرسي ومائدة عامرة بالتي باقس واوأني القهوة والشاي وقطع البسكويت وحافظات الماء الساخن ، فسقطت علي الكرسي سقوطا وصوت ضربات قلبها يزداد حتي ظنت كل الحاضرين يسمعونه، رفعت رأسها فوجدتهم لاهين عنها فيما عدا صاحبة الرادار التي واجهت نظراتها بثبات وهي ترسم ابتسامة ماكرة انتقلت سريعا الي حيث كان خالد واقفا وحيدا وعادت بسرعة اليها كأنها تقول هذه الشهقة من ذلك الأسد، أطرقت هي ببصرها إطراقة من ضبط متلبسا بجرم، حاولت إستعادة سيطرتها علي نفسها ونهضت وتشاغلت بصب الشاي وإذابة لبن البودرة الذي لاتحبه فيه وتناولت قطعة من البسكويت لتخبئ خلف الانشغال بها بعضا من إضطرابها، كانت طوال الوقت تشعر بنظرات الرادار مثبتة فوقها ، فلم تنظر ناحيتها أبدا. في الوقت نفسه لم يعد خالد وحيدا، كان يحاكي يمامة أقبلت علي مورد ماء وحيدة، فإذ بالمكان يكتظ باليمام وبالطيور جميلة الألوان والصيادين ، كان وسط اليمامات ملكا متوجا تتبعه أينما مضي الوصيفات والنظرات، أشتعلت هي غيرة ، ويبدو أن الرادار التقط ضيقها وما أعتراها فعلت الوجه إبتسامة طويلة هازئة.

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 17-03-2013 الساعة 04:36 AM
  6.  
  7. #29
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436


    9
    كان المطر يتسا قط علي مهل كأنه دموع تتساقط من عيون حسناء لم تعتاد البكاء، كانت الشمس متوارية خلف الغمام كضيف ثقيل يعلم أن وجوده غير مرغوب فيه، لكنه لايقاوم رغبة مريضة في طرق الباب، كانت هي تمشي كأنها تحلق في الفضاء، لم تك تشعر بوقع خطواتها علي الأرض ، ولم تقو علي الإلتفات والنظر اليه، كانت تشعر به في كل ماحولها ، فالهواء مشبع به ، والمكان يتنفسه شهيقا وزفيرا، والصمت يصغي إليه،أما هي فكانت تلهث حتي لاتتخلف خطواتها عن خطواته،
    كانت تبتسم وتعلم انه يراها مبتسمة،لكنها لاتنظر ناحيته وتتحاشي عينيه عمدا،تذكرت فجأة قول سارة الذي أضحكهن وصار رمزا وشفرة سرية بينهن( كنت أعرف عطره وأميزه حيثما عبر ، حتي أنني ذات مرة كنت أمشي في زحمة السوق العربي في ظهيرة حارقة حين أخترق أنفي عطره، رفعت رأسي وأخذت أجول بعيني في المكان ككلب بوليسي يتتبع لصا، لم يدم بحثي طويلا ، كان أمامي بأكتافه العريضة وشعره الكثيف وشنطته الأليفة المتدلية فوق ظهره كلبلاب متدل عبر سور الي الخارج، صرخت بأسمه بلا شعور، أستدار بسرعة حتي كادت نظارته الصغيرة تقع ، هتف بصوت ضاحك:سارة...لا أصدق...الملكة تتمشي مع الرعية!! أنفجرنا ضاحكين والف فاه مفغور ونظرة دهشة تتنقل بيننا ونحن نتقالد في وسط السوق ، كأننا رائدا فضاء أو مخلوقان فضائيان جاءا من القمر في التو والحين.) عندما فرغت سارة ،أنفجرت الغرفة الصغيرة بالداخلية ضحكا حتي أرتج الجدار المتشقق، وعلي صوت الضحك جاءت نجاة صاحبة النشرات مدفوعة بفضولها المعتاد وأقتحمت الجلسة، فعم صمت قصير،قطعته هاجر بضحكة طويلة وهي تقول: (الكلب البوليسي قاقرين....) ضحكن جميعا حتي نجاة أرتسمت دهشة علي وجهها وهمت بطرح سؤال ، ثم أبتلعت السؤال وأنفجرت ضاحكة أطرشا في زفة صادفها في الطريق. عندما أستعادت هبة هذا الشريط وقفت الدموع في طرف مقلتيها، خنقتها العبرات وهي تهمس بصوت باك: قاقرين عاد الي مركبته، حلق في الفضاء وحيدا،آه ياسارة، إختفي الكتف العريض والحقيبة الساكنة في الظهر ، لم يعد صاحبها بعدك هو الشخص نفسه، لم يره أحد بعدك أبدا كما كان وسيما ساحرا باسما.بل بات شخصا آخرا هائما في عوالم بعيدة يتنقل كالشبح دون أن يشعر به أحد.

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 30-05-2013 الساعة 10:17 AM
  8.  
  9. #30
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    الدولة
    ود مدنى حى دردق / حى 114
    المشاركات
    384

    يا آخر المبدعين
    هذا جمال ما بعده جمال .. وروعة لم تسبقها روعة
    بحضورك يزدان المكان .. ويفوح منه العطر شذيا
    شكرا على هذا السرد العميق .. الذى شحذ كل أحاسيسنا ومشاعرنا
    شكرا" مولانا صلاح سر الختم ..
    ومتعك الله بالصحة والعافية

  10.  
  11. #31
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم سماح مشاهدة المشاركة
    يا آخر المبدعين
    هذا جمال ما بعده جمال .. وروعة لم تسبقها روعة
    بحضورك يزدان المكان .. ويفوح منه العطر شذيا
    شكرا على هذا السرد العميق .. الذى شحذ كل أحاسيسنا ومشاعرنا
    شكرا" مولانا صلاح سر الختم ..
    ومتعك الله بالصحة والعافية
    شكرا كونك اعدت الموضوع الي الواجهة بعد ان ذهب نحو السكون
    والسكون يقتلني ويقتل حرفي وشهيتي للكتابة
    شكرا بحق
    فقد أحييت عروقا تيبست وأملا كاد يحتضر
    فما الكاتب بدون قارئ وقراءة وتفاعل؟
    الكاتب بلا قارئ مثل اولئك المجانين المهووسين باستخدام شارات وصافرات رجال المرور
    وعبثا ينفخون في الصافرة ويقفون في الهجير دون أن يأبه بهم أحد
    أرجو
    الا يتركنا القراء لمثل هذا الصمت القاسي

  12.  
  13. #32
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    الدولة
    ود مدنى حى دردق / حى 114
    المشاركات
    384

    كلام أحلى من الفل
    تسلم مولانا صلاح سر الختم
    يا رجلا من غيم فهلا أمطرت علينا روائعك
    ونعدك ألا نصمت مرة أخرى

  14.  
  15. #33
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم سماح مشاهدة المشاركة
    كلام أحلى من الفل
    تسلم مولانا صلاح سر الختم
    يا رجلا من غيم فهلا أمطرت علينا روائعك
    ونعدك ألا نصمت مرة أخرى
    شكرا لك ام سماح
    وان شاء الله نواصل

  16.  
  17. #34
    فخر المنتديات
    Array الصورة الرمزية ودتابر
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    قطر - الدوحة
    المشاركات
    639

    استاذذي / صلاح

    متابع انا بشغف .. وتقبل هذا المرور السريع ولي عودة لمعانقة حروفك فكم اشتقت إليها .. وانتهز الفرصة لأبلغك الحايا الخاصة والود الجميل .. ولي عودات .

    حنبنيهو البنحلم بيهو يوماتي .. وطن شامخ وطن عاتي
    وطن خير ديمقراطي
  18.  
  19. #35
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ودتابر مشاهدة المشاركة
    استاذذي / صلاح

    متابع انا بشغف .. وتقبل هذا المرور السريع ولي عودة لمعانقة حروفك فكم اشتقت إليها .. وانتهز الفرصة لأبلغك الحايا الخاصة والود الجميل .. ولي عودات .
    المبدع ود تابر
    مرورك اثلج صدري وكلماتك حافز للمواصلة

  20.  
  21. #36
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436


    10
    قاقارين وسارة كانا صفحة جميلة من صفحات الجامعة، كانا مشغولين عن الناس دوما بعالم جميل يضمهما معا، ولكن الجامعة كلها كانت مشغولة بهما، قاقارين كان طالب هندسة متنوع المواهب فهو رسام وشاعر وصاحب جيتار يتكلم حين تلامسه اصابعه الطويلة الرشيقة في رحلات الجامعة واحتفالات الروابط وجلسات السمر البرئية، كان قاقرين في احواله العادية صموتا قليل الكلام يتنقل بخفة في الأماكن كأنه يخشي أن يراه الناس، ولكنه مهما تخفي أو صمت يحدث حضوره في المكان أثراً مماثلاً لحضور قمر في ليلة مظلمة، فتتعلق به العيون وتتبعه النظرات، كانت هبة تقول لنفسها كلما رأته يجاهد للمرور بمكان دون ضجيج أو أثر ، ثم يحدث دوما الضجيج الذي يرغب في تحاشيه( غريبة هذه الدنيا، البعض يسعي للبريق بكل الوسائل، فلا يحصل سوي علي السخط والتبرم والتجاهل ، والبعض يتجنب الضجيج فيحيط به الناس إحاطة السوار بالمعصم حتي وهو غائب عن المكان يظل هو خاطف الأبصار.) كان قاقارين نجما من نجوم الجامعة تتبعه العيون وتحلم به الفتيات ويتبارين في التودد اليه، لكنه كان يتودد الي واحدة فقط، واحدة لم تكن لها بريق ولاشهرة مثله، لكن كان لها حضور مميز في كل مجلس تغشاه،ضاحكة باسمة ، ثغرها الصغير ينفرج عن اسنان منتظمة بيضاء كالحليب، عيونها الواسعة العميقة تجذب الناظرين كما يجذب الرحيق الفراش ،أكثر مايميزها تلك التلقائية وذلك الود مع الجميع بلا تكلف وبلا سوء ظن ، فهي حسنة الظن دوما بالآخرين،كان ذلك هو ماجذب هبة اليها في أيامها الأولي في الجامعة، كن واقفات في صف قصير لأكمال أجراءت ما بالكلية، كانت البنات يرمقن بعضهن خلسة دون أن يثرن الإنتباه أو يلفتن نظر بعضهن، وكانت الإنطباعات تتكون في صمت، كانت سارة واقفة خلفها مباشرة، دون أن تشعر داست علي قدمها، التفتت مسرعة لتعتذر فوجدت وجها صغيرا تملؤه اجمل ابتسامة في الكون عوضا عن التكشيرة وسمعت صوتا رقيقا يهمس ضاحكا(دوسي ساكت ولايهمك)، ضحكتا كصديقتين قديمتين من القلب وتصافحتا بالأيدي وأخذن ينقنقن حتي وجدن أنفسهن في مواجهة النافذة التي كانت تبدو بعيدة قبل تلك (العفصة اللمتنا) كما كن يقلن دائما للاصدقاء وهن يحكين قصة تعارفهن، فيما تبقي من ذلك اليوم كن يسرن سويا في زوايا الجامعة من المين رود الي الداون تاون وهن يتصفحن كتب حياتهن سويا بشغف وفضول ويطوين المساحات ويضحكن من القلب كأنهن ولدن وحبون في ذات المدينة وأرتدن ذات المدارس، في ذلك اليوم حكت لها سارة قصة لم تنساها أبدا، قصة جعلت دموعها تسيل انهارا،تلك هي قصة (الدود الدود ياحبوبة) وهي قصة تحكي عن قسوة قلوب صغيرة، كانت هناك أمراة عجوز تبيع السندوتشات في المدرسة للبنات، كانت سندوتشاتها أشهي من أي طعام تذوقته سارة في حياتها، كانت المرأة نفسها جميلة الملامح برغم كونها باتت حبوبة لاتملك في الفم الا سنتين فقط هن ماتبقي لها، مع ذلك كانت لها اجمل ابتسامة عرفتها سارة في حياتها، كانت كريمة في بيعها حد انها تعطي من ليس معها نقود خلسة دون ان يعرف أحد، وكانت سارة تحبها وتجالسها دوما فتغني جبوبة أم زميم لها اغنيات جميلة وليدة اللحظة لاتزال سارة تحفظها، لكن ذلك العالم الجميل غاب فجأة بسبب فعلة قبيحة لفتاة شريرة دست حشرة في سندوتش اخذته سليماً ثم هتفت وهي تخرج الحشرة منه أمام رفيقاتها( الدود الدود ياحبوبة) وتعالي الهتاف ( الدود الدود ياحبوبة) ، خرجت العجوز كسيفة من المدرسة والبنات يركضن خلفها ويهتفن (الدود الدود ياحبوبة...)لم ترفع رأسها، لم تلتفت الي الوراء، ولم تعد أبدا لتأخذ حاجياتها القليلة، بقي مكانها شاغرا يستدعي الدموع في عيون سارة التي ظلت تبكيها كلما حكت القصة.

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 30-05-2013 الساعة 10:22 AM
  22.  
  23. #37
    رحمة الله عليه Array الصورة الرمزية mahagoub
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    ودمدنى
    المشاركات
    11,330

    امتعتنا بهذا الخلط بين العربية والدارجه
    فى سرد شيق
    ممزوج ببراعة
    بيد فنان ماهر

  24.  
  25. #38
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mahagoub مشاهدة المشاركة
    امتعتنا بهذا الخلط بين العربية والدارجه
    فى سرد شيق
    ممزوج ببراعة
    بيد فنان ماهر
    شكرا اخي محجوب علي هذا المرور الباهي

  26.  
  27. #39
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    11
    كانت الجامعة تضج بالاركان السياسية الملتهبة والليالي الشعرية والمعارض وأعياد ميلاد الحناكيش في الميدان الشرقي تحت القمر، كانت هاجر المفتونة بالقصة والرسم والشعر تقودهن الثلاثة من ركن الي ركن ومن ندوة الي ندوة ومن ليلة شعرية الي معرض وهن سعيدات بهذا العالم الذي انفتح أمامهن فجأة بغير إنتظار، وكان قاقرين حاضرا في كل تلك العوالم كأنه رابعتهن ، قالت هبة لسارة وهي تتحين فاصلا قصيرا غاب فيه قاقرين عن المشهد ليصعد خشبة مسرح مفترضة ليعزف مع فنان من فناني الجامعة( والله ياسرورة تكمل موية البحر وما تكمل نقتكم.... أريتو حالي المافي زولا عبرني بي كلمة) هتفت هاجر ( شفتى الحسادة ياسارة...قلت ليكي البنت دي اعملي حسابك منها.....) وانفجرن في ضحكة ظاهرة علي الوجوه ولكنها لاصوت لها، وحده قاقرين لمحها، فاحني رأسه علي جيتاره وابتسم.
    كانت الجامعة تغلي كالمرجل ، وكن يتنقلن كالفراش بين اركان الاتجاه الاسلامي الصاخبة واركان الجبهة الديمقراطية والاخوان الجمهوريين الرصينة ظاهرا والصاخبة دوما ،كانت حكومة النميري تحتضر في تلك الايام، لكنهم جميعا لم يعرفوا ذلك الا بعد ذلك بسنوات عديدة، كان الشارع يغلي بالمظاهرات والجامعة تزدخم بالمايكرفونات والصحف الحائطية والندوات ، كن يتنقلن حائرات بين المتجادلين، يتحدث المتحدث فيبهر الحاضرين بسلاسة سرده وقوة منطقه وجمال الصورة التي يعكسها عما يؤمن به، فيكاد الحاضرون يوقعون طلبات فورية للانضمام الي جماعته، يتيح الفرصة للنقاش فيتقدم من يهد كل مابناه المتحدث من قصور رمال ومدن فاضلة، يزيح النقاب بقسوة ومنطق رصين عما تحت القصور والمدن الفاضلة ، يلتهب المكان بالخطب الرنانة والتهم المتبادلة وتلتهب الأكف ذاتها التي صفقت للمتحدث الأول بالتصفيق لمنتقديه، ثم تعاود التصفيق من جديد للمتحدث الأول حين يعقب، ويصيبهن الدوار فلا يعدن يعرفن اين ذهبت كرة الحديث
    من شدة الركل الذي تعرضت له بين المتنافسين، تقول سارة ضاحكة(هاجر ..أخير لينا ناس حلمنتيش والمتجهجه الأممي والمتجبجب الودكي والجامعة بعدك كوم تراب لافيها طب لاصيدلة من ناس موضوعية ديل...رأسي لف....أرح نرتاح شوية.) في اللحظة ذاتها يعلو هتاف من ركن بعيد من اركان الجامعة ( لن ترتاح ياسفاح...السكر راح ياسفاح....الجامعة منار ولن تنهار...) فترتعش سارة كعصفور، ينفض سامر الواقفين هنا، يهرولون صوب الهتاف، يعم الهتاف الجامعة، تتقاطع امواج الطلاب وتتلاطم ، يلمحن قاقارين محمولا علي الأكتاف وهو يهتف بهتاف لايتبيننه، القبضات مرفوعة الي الأعلي ، قاقرين يعلو ويرتفع كسارية في عرض المحيط، تندفع الجموع خارجة ، تنفتح الارض عن عربات الاحتياطي المركزي المكتظة بجنود لهم وجوه قاتمة مرهقة وصارمة،الهتافات تعلو، المواكب تتشتت، سحب الدخان تتصاعد، وهن يركضن وسط الجموع كحمامات مفزوعة وضفائرهن يلعب بها الهواء، ثمة وجوه مألوفة كثيرة، ووجوه لايعرفنها أيضا،كانت المظاهرة قد بلغت ميدان ابو جنزير الان، الناس يتراكضون صوب الحافلات المكتظة والحافلات تبحث عن مخارج تقيها الضجيج ، اختلط ضجيج السوق بالمظاهرة، وكانت ناقلات جنود الاحتياطي تتوافد علي المكان ، تأخذ مواقعها والجنود يهبطون منها حاملين صناديق الغاز المسيل للدموع، كانت ثمة زغاريد تخالط الهتاف ، والسماء بات أسودا من أثر الدخان. وكن يهتفن باصوات باتت مشروخة تحت شمس الظهيرة الحارقة: السكر راح ياسفاح...لن ترتاح ياسفاح.....فيعود الهتاف هديرا قويا تردده أصوات قوية: لن ترتاح ياسفاح...ياخرطوم ثوري ثوري ضد الحكم الديكتاتوري.... كانت الخرطوم تغتسل تحت وهج شمس الظهيرة الحارقة من ذنوب لم تقترفها، وكان الموت كامنا في الأزقة والزوايا دون أن يدرين .

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 26-01-2013 الساعة 01:17 AM
  28.  
  29. #40
    اللجنة الاستشارية
    Array
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    الدرجة الأولي
    المشاركات
    3,426

    وكأني عدت الي المين رود واركان النقاش والحناكيش واعياد الميلاد ..
    بل وكاني تعرفت علي قاقرين في عهد آخر من عهود الجامعه ..
    تصوير شيق للاحداث ..
    لا صبر لنا علي الانتظار ..
    اتمني ان تواصل ولا تتوقف ابداً ..

    لا تقف كثيرا عند أخطــــــاء ماضيك ..
    لأنها ستحيل حاضرك جحيمــا ومستقبلك حطامــا ..
    يكفيك منها وقفة اعتبـــار تعطيك دفعة جديــدة
    في طريــــق الحق والصواب ..
  30.  
  31. #41
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريمون مشاهدة المشاركة
    وكأني عدت الي المين رود واركان النقاش والحناكيش واعياد الميلاد ..
    بل وكاني تعرفت علي قاقرين في عهد آخر من عهود الجامعه ..
    تصوير شيق للاحداث ..
    لا صبر لنا علي الانتظار ..
    اتمني ان تواصل ولا تتوقف ابداً ..

    شكرا ريمون
    هو عالم مدهش مقيم بدواخلي ويبحث عن منافذ الخروج
    ولكنه يخرج كالحمي من الجسد
    فقط
    حين يريد
    الكتابة
    عمل ساحر ومجنون ومدهش

  32.  
  33. #42
    اللجنة الاستشارية
    Array
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    الدرجة الأولي
    المشاركات
    3,426

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صلاح سر الختم علي مشاهدة المشاركة

    شكرا ريمون
    هو عالم مدهش مقيم بدواخلي ويبحث عن منافذ الخروج
    ولكنه يخرج كالحمي من الجسد
    فقط
    حين يريد
    الكتابة
    عمل ساحر ومجنون ومدهش
    تعرف يا استاذ انا لما القي ليك عمل جديد ما بفتحوا الا لما يوصل الصفحة التانيه او اقل ..
    بشحتف روحي لما اقرأ مشاركه مشاركه ..
    وهسه روحنا مشحتفه في انتظار حمي الجنون ...

    لا تقف كثيرا عند أخطــــــاء ماضيك ..
    لأنها ستحيل حاضرك جحيمــا ومستقبلك حطامــا ..
    يكفيك منها وقفة اعتبـــار تعطيك دفعة جديــدة
    في طريــــق الحق والصواب ..
  34.  
  35. #43
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريمون مشاهدة المشاركة
    تعرف يا استاذ انا لما القي ليك عمل جديد ما بفتحوا الا لما يوصل الصفحة التانيه او اقل ..
    بشحتف روحي لما اقرأ مشاركه مشاركه ..
    وهسه روحنا مشحتفه في انتظار حمي الجنون ...
    هي فعلا حمي الجنون
    هل تصدقي انهم لايدعونني انام
    اينما ذهبت كانوا معي يتوقون الي اسماعي حكاياتهم وجعلي أري عذاباتهم
    يتزاجمون
    كل يريد انتزاع الخشبة وسرد الحكاية من موقعه ووفق التفاصيل التي يملك

  36.  
  37. #44
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    12
    في تلك الظهيرة سال الدم في الأسفلت سقطت طالبة مضرجة بالدم في بقعة وفي بقعة أخري سقط طالب آخر، عادت معظم الطالبات الي الجامعة والداخليات حافيات ودموعهن جارية ، تم اعتقال مجموعة من الطلاب وتم اقتياد مجموعات أخري الي اقسام الشرطة متلبسين بالتظاهر والهتاف وعدم القدرة علي الفرار من عربات الاحتياطي المركزي المكتظة بالجنود والهراوات والغاز المسيل للدموع،لم تعرف هبة هل تضحك أم تبكي وهي تري أحد زملائها من ابناء كوستي بحجمه الضئيل وهو يهتف في وجه جنود الاحتياطي (يا بوليس ماهيتك كم رطل السكر بقي بي كم...) كانت قوة الشرطة في مواجهته ، ولم يكن يدري ان من حوله كانت هناك قوة اخري بملابس مدنية لها دور ما في قمع التظاهرات ،كان لايزال يهتف حين تقدموا منه وحملوه فوق اكتافهم ويمموا به صوب عربات الاحتياطي، وحين أدرك المكيدة كانت فرصة النجاة قد باتت مستحيلة فتم الالقاء به داخل العربة ولم يعد ظاهرا ولكن الخراطيش السوداء للجنود ظلت ترتفع وتنخفض مثل عصا في يد منجد بارع يشتغل علي كومة من القطن، أما هي فقد أطلقت ساقيها للريح هي والمجموعة التي كانت معها،عصرا كانت سارة تمازحها قائلة السودان لو كان عارف مواهبك في الجري كان وداك الاولمبياد ياهبة...الاولاد ماقدروا يحصلوك، شجرة وجارية، والله انا قعدت اضحك بس وقلت اليحصل يحصل...كان قبضوني بغني ليهم خواطر فيل واعمل فيها عابرة طريق ساكت....الله سترها واتخارجنا غايتو....)
    لكن ضحكاتهن البرئية تحولت الي دموع غزيرة حين تواترت الانباء عن مقتل طالبة وطالب، أخذت الجامعة تغلي كالمرجل تلك الليلة، تبارت المكرفونات في الصراخ في وجه السلطة وتباري المتحدثين في استخدام الاشعار الملتهبة والهتافات ، بدت الجامعة بأسرها جالسة فوق فوهة بركان هائج يقذف الحمم بلا هوادة ولاتوقف،برزت مانشيتات صارخة في صحف النشاط الطلابية تنادي باطلاق سراح المناضل فلان والمناضلة علانة واخري معممة تنادي باطلاق سراح المعتقلين السياسيين والغاء القوانين المقيدة للحريات واخري تصرخ بالمجد والخلود للشهداء الابرار،جاء ود كوستي البطل الذي سيق الي عربة الاحتياطي غدرا ، جاء محمولا علي الاعناق حين جاءت عربة حكومية خجولة بثلة من المقبوض عليهم والمعتقلين واطلقت سراحهم قبالة داخلية ترهاقا ومضت لحال سبيلها مسرعة في خطوة فسرت بانها رغبة في أمتصاص الغضب الطلابي علي جريمتي القتل في الظهيرة، أهتزت الجامعة بالهتاف وهي تستقبل المفرج عنهم والغضب يتصاعد والحماس قد بلغ ذروته: الجامعة منار ولن تنهار....مليون شهيد لعهد جديد ...مليون شهيد لعهد جديد.... تسقط تسقط طغمة مايو...داون داون يو اس اي....... كانت البروق تتلامع في جباه المحمولين علي الاعناق والاصوات تتداخل والنهر الهائج يتلاطم في طريقه الي حيث نصبت منصات الخطابة في الميدان الغربي بالجامعة.

  38.  
  39. #45
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    13
    في تلك الايام برز قاقارين علي مسرح الجامعة بشكل لافت ، فعلي منصة الخطابة في الميدان الغربي برزت موهبته وتجلت مع الكورال الذي كونه تحت مسمي مجموعة إرهاص للفنون، وقف قاقرين بسمته النحيل وطوله الفارع وأصابعه الرشيقة علي الجيتار وسط مجموعة الكورال وغنوا كما لم يغنوا من قبل ، غنوا شعرا يجعل صوفة جلدك تكلب كما عبرت عن ذلك هاجر بلغتها الفريدة، غنوا أشعار محجوب شريف التي تحمل صوته من السجن مناجيا أمه مريم ( يا والدة يا مريم ياعامرة حنية انا عندك زيك كم يا طيبة النية ....ياوالدة دينك كم دين الوطن كمين.....) يغني الجميع ودموعهم تجري علي الخدود وهم يبكون زميلا و زميلة لهم حصدهما رصاص غادر لانهما هتفا مجرد هتاف لايهز عرش باعوضة، لكن الباعوضة لم ترضه،فحصدت روحيهما، وكانوا يبكون مع الشاعر شوقه الي أمه البعيدة وهو يناجيها معتذرا( ماني الوليد العاق لاخنت لاسراق والعسكري الفراق بين قلبك الساساق وبيني هو البندم والدايرو ما بنتم يا والدة يا مريم)
    ثم يرتفع صوت الكورال من جديد عاليا:
    يمـة السجن مليان
    رجالّة ما بتنداس
    الختّو قبلي الساس
    والشالو هّم الناس
    والفات وليدًا ليه
    وما مسّكو الكراس
    ما سمعو يتكلم)
    يتلوي قاقرين مع انغام جيتاره التي باتت عالية كهدير مظاهرة من مظاهرات تلك الايام ، وتعلو الأصوات والايادي ، فيبدو المشهد كأنه صلاة جماعية. وتتواصل الاغاني الملتهبة، ثم تخفت الموسيقي ويتناول خطيب ما المكرفون ويصرخ في الجموع بهتاف فيرددوا خلفه بصوت كهزيم الرعد والأرجل تدق علي الارض، فيبدو للجميع أن السماء ستسقط علي الأرض فزعا وخوفا.. ويتوالي الهتاف وتتوالي الخطب وفواصل الاناشيد ، وحين يأتي الصباح تدق الارجل الملتهبة حماسا الشوارع ويرتفع الهتاف عاليا ، وتتلون سماء الخرطوم بسحب دخان الغاز المسيل للدموع وتهاجر حجارة الارصفة صوب قبعات جنود الاحتياطي هجرتها الموسمية
    وتختنق الاسماك في نهر النيل برائحة الغاز المسيل للدموع وتهرب العصافير من الشجر علي وقع الهروات علي الاجساد الفتية.وهناك كان قاقرين حاضرا يحمل حجارة بدلا من الجيتار نهارا ويهتف بصوت مبحوح مع الهاتفين وشعره الأسود يكسوه غبار.

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 02-02-2013 الساعة 12:39 AM
  40.  
  41. #46
    رحمة الله عليه Array الصورة الرمزية mahagoub
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    ودمدنى
    المشاركات
    11,330

    لست ادرى ما اعترانى
    وجدتنى اعيش احداث اكتوبر الاخضر
    وانا اسابق خيل السوارى
    امتعتنا بوصفك التفصيلى
    فكثر منا من عايش تلك اللحظات

  42.  
  43. #47
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mahagoub مشاهدة المشاركة
    لست ادرى ما اعترانى
    وجدتنى اعيش احداث اكتوبر الاخضر
    وانا اسابق خيل السوارى
    امتعتنا بوصفك التفصيلى
    فكثر منا من عايش تلك اللحظات

    هي فترة لاحقة له ولكن ربما تكون هناك ملامح مشتركة
    سلمت اخي محجوب

  44.  
  45. #48
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436


    14
    كان شيئًا عسيرًا علي الوصف ،شيئًا لم يحدث من قبل ولابعد، كانت أمواجًا بشريةً متلاطمةً تتدفق علي الشوارع بأصرارٍ عجيب، يختلط الهتاف وصوت العربات المسرعة والخطوات علي شوارع الاسفلت ووجوه العساكر المرهقة ، كن الثلاثة في قلب المظاهرات ، حيثما ذهبت المظاهرة ذهبت أقدامهن النحيلة وبحت حلوقهنّ بالهتاف، بدأ الأمر كلعبة خطرة أنجذبنّ اليها بروح المغامرة والفضول وحب الاكتشاف لعوالم جديدة لم يرتدنها من قبل، لكن كل شئ تبدل منذ قتلت تلك الطالبة ( التاية) ، ظلت عيونها المطلة من صورها المزروعة في كل ركن بالجامعة تناديهن سرًا وعلانيةً وتشحذ همتهنّ للبحث عن ثأر يعلمن انه عند الحكومة التي قتلتها وعند الجنود ذوي القبعات الحديدية والهروات السوداء وعلب البمبان وناقلات الجنود، بات الأمر شيئًا شخصيًا له ملامح معروفة لديهن، باتت المسافة بين وجهها وناقلات الجنود مسافةً مسكونةً بالخطرٍ والموتٍ الكامنٍ والهتاف والإصرار المستمر ،باتت هاجر خطيبةً بارزةً في الجامعة ينظر اليها الأولاد بإعجابٍ وترمقها البنات بنظراتٍ هي خليطُ من الاحترام والحسد، أما هي فبدت وكأنها كانت منذ ميلادها سياسيةً خبيرةً في مخاطبة الجموع وإثارة المشاعر وحشد الناس خلف مواقفها،إختارت هاجر مؤتمر الطلاب المستقلين رايةً لها تريحها من كثير من الإستقطابات التي ظلت هدفًا لها من مجموعات الجبهة الديمقراطية والاتجاه الاسلامي المتنازعة علي مسرح الجامعة نزاعًا يماثل في ضراوته نزاعات انصار الهلال والمريخ التي تجعل الجامعة عامرةً بالضجيج وبالجدال حين تقترب مباراة بين الخصمين أو يقترب الدوري من نهايته. إختارت هاجر منبرها وبقيت صديقتاها علي بعد مسافة من منبرها ولكنهن لايفترقن في كل المظاهرات والتجمعات، كانت سارة قريبة دوما من قاقرين وجبهته الديمقراطية وأصدقائه الذين يتحدثون شعرا ولاتفارق الكتب أياديهم ، لكنها ظلت حريصة مثل هبة علي وجود مسافة تظهر للجميع أن صداقاتها وإنتماء أصدقائها شئ يخصهم وحدهم ، أما هي فهي عصفور حر من كل أنواع القيود.لكن الجامعة وقتها لم تكن تلك المدينة الفاضلة أبدًا، فحين وقع صدام بالأسلحة البيضاء في ساحات الجامعة وداخلياتها بين طلاب التحالف بما فيهم الجبهة الديمقراطية وطلاب الاتجاه الأسلامي ، كان نصيب سارة وهبة من العلقة التي نالها طلاب التحالف أكبر من نصيب الطلاب المنتمين الي أحزاب التحالف ، لم تكن تلك المسافة التي تشبثن بها في أيام الحوار الحر كافية لدرء الأذي عنهن حين بات صراع الفكر صراع هراوات وسيخ ومعط شعر وركض ومطاردات لاتري في أكثر افلام الاكشن الاميريكية إثارة. هكذا نبتت للحمامات الثلاث أنيابُ ومخالبُ وأظافرُ ، ولم يعد لهن خيار سوي طي المسافة الوهمية والولوج في دفء القطيع،التحمت سارة بالجبهة الديمقراطية وباتت من أعلامها وزادت هاجر التزامها بمؤتمر الطلاب المستقلين ضراوةً وأضافت الي قاموسها نقد لاذع لأصخاب الايدلوجيا والعنف حسب تعبيرها، أما هبة فبقي فيها شئ من هبة ولم تتزحزح عن موقفها وإن اقتربت أكثر من صديقتيها وأضافت الي أصدقائها من كل بحر مراكبًا وضفافًا وأصدقاءًا.

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 13-02-2013 الساعة 03:29 AM
  46.  
  47. #49
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    15

    كانت الاجواء بالجامعة متوترة ، أنقسم مجتمع الطلاب الي مجموعات ، باتت كافتيريا النشاط كتلة من اللهب حيث باتت مسرحا دائما للندوات الصاخبة والصحف الحائطية ذات العناوين الصارخة والمثيرة ، ثمة وجوه غريبة كثيرة تتجول في المكان، خاصة في ندوات المساء، الفضول واشياء أخري دفعت كثيرا من الناس من فئات مختلفة لارتياد ذلك المكان المسكون بالأخطار والإثارة، ثمة طلاب بجامعات أخري تجذبهم صداقات وارتباطات سياسية أو صلات قربي الي الجامعة وزخمها، وثمة طلاب دراسات عليا وثانويات يجذبهم حنين وشوق الي عالم ساحر يتحرقون الي دفء الوجود فيه، كان سارة وقاقرين عالما قائما بذاته داخل ذلك الضجيج،كان المكان المحبب اليهما هو تلك البنشات التي تجمع بين الكتلة الخرصانية الصلبة وخشب متين وأشجار قصيرة القامة تحيط بها، كانا ينسرقا دوما الي بنش بعيد ويغيب الكون عنهما كمن يدخل في جوف غيمة تخفيه عن الهجير وعن الأرض ، عصفورين حالمين يتحدثا همسا بلا إنقطاع وبلا صوت كمن يصلي صلاة مقدسة،كانت ضفيرة سارة الطويلة المصففة(ذيل الحصان) منسدلة فوق ظهرها وهي جالسة في مواجهة قاقرين وكان القمر يبحث عن مكان بينهما لينصت إليهما،كان قاقرين في حضور سارة شخصا مختلفا عن ذلك الشخص الذي تعرفه الجامعة كلها بركانا ثائرا يلهب الأكف بالتصفيق حين يتحدث وحين يغني وحين يكتفي باللعب باصابعه علي الجيتار،كان قاقرين مفتونا بجيفارا حد الجنون، كان دائم الحديث عنه حتي ان سارة حفظت قصة حياة جيفارا عن ظهر قلب وحفظت ملامح وجهه وتسريحة شعره التي يقلدها قاقرين،رأته في خيالها في شوارع بيونس ايرس عاصمة الارجنتين بسمت نحيل وحقيبة مماثلة لحقيبة قاقرين علي ظهره أبان دراسته الطب وهو يئن من الربو الذي عاني منه وكان سببا في اعفائه من التجنيد القسري لكنه لم يمنعه من التجند طائعا في صفوف الثوار مستقبلا، ورأت جيفارا في سنته الاخيرة في الطب جائلا في امريكا الجنوبية بدراجة نارية ضخمة من بلد الي بلد متشبعا برائحة الناس والشوارع حتي بات وطنه قارة بأكملها بدلا عن وطن صغير فيها، ثم رأته وهو يصافح فيدل كاسترو لأول مرة في المكسيك قبل ان يعرف العالم كاسترو،وسمعت بخيالها جيفارا يؤدي قسم الانضمام الي الثورة الكوبية الوليدة في المكسيك أمام كاسترو،ثم رأته يدخل هافانا هابطا من جبال سييرا علي رأس ثلاث مائة مقاتل منتصرا مع المنتصرين. ورأته يقاتل في احراش زائير مع باتريس لومببا رافضا الفراش الوثير والسلطة في كوبا . وبكت سارة كمن يبكي عزيزا وهي تستمع الي حكاية اعدام جيفارا في بوليفيا في غابة فالي غراندي في اليوم التاسع من اكتوبر 1967.كان قاقرين يبكي بصوت مسموع وهو يحكي قصة أسر غيفارا واستلقائه علي الارض وعيناه المغلقتان ووجهه المتورم ودمه علي الارض يسيل ليسقيها رجولة وثورة مستمرة كما أراد. كانت سارة تبكي حتي بعد ان تعود الي الداخلية حين يهجعن وتحكي لهن كل ما حكاه قاقرين وتصف دموعه ودموعها تبلل خدودهن الثلاث. كان جيفارا حاضرا دوما في سهراتهن التي أردن لها ان تكون سهرات أسرار البنات ، فإذا بقاقرين وجيفارا يحيلاها ألي سهرات الغابات والرصاص والثورة المستمرة.

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 30-05-2013 الساعة 10:31 AM
  48.  
  49. #50
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    16
    (سارة غيمة سارة ) هكذا كان قاقرين يقول دوما عندما تجئ سيرة سارة، كان مستودعا لكل أسرارها الصغيرة، كانت كتابا مفتوحا أمامه مثلما كان هو كتابا مفتوحا أمامها، حدثها عن المطر في أواسط الخريف في طفولته في مدني وصوت الرعد المخيف والبروق المتلامعات وذلك الصوت المخيف الذي يقول الصغار انه صوت صاقعة وقعت في مكان قريب ، ويركضوا بأقدامهم النحيلة بحثا عن ملجأ منها،كان ثمة قصص كثيرة مرعبة عمن صادفتهم الصواعق وأحالتهم الي كتل متفحمة سوداء، كان ثمة همس أن كل من يكذب أو يسرق أو يقترف سوءا قد تصطاده صواعق الخريف وتدكه دكا،كان صوت المطر حين تنفتح أبواب السماء ساعات طوال متصلات صوتا جميلا، علي عكس صوت الرعد والبرق،كان ثمة صلة ما بين صوت المطر وصوت العصافير علي السقوف المصنوعة من الزنك، وكان منظر العصافير المبللة بالمطر منظرا حبيبا الي نفسه ، كانت تبدو سعيدة بالمطر ، وكان صوت الماء المندفع في الخيران الكبيرة المعدة لتصريف ماء الخريف صوتا فريدا هو الآخر، وكانت السبلوقات الصغيرة الراعفة بماء المطر ذات سحر آخر،أما الجنون الجميل فكان هو ركضهم تحت المطر في سعادة وفرح حين يجئ نهارا وهم يغنون: (يامطيرة صبي لينا في إيدينا....يامطيرة صبي لينا في إيدينا....) كانت الأمهات يصرخن فيهم وهن يلمحن الملابس المبتلة والمطر المتساقط منهم أسوة بذلك الساقط من السبلوقات، حين يتوقف المطر ويحل الظلام ويعلو نقيق الضفادع المنتظم، يركضون صوب دفء المواقد والحطب المشتعل والشاي باللقيمات الصغيرة السابحة في زيت الأغاثة الذي غزا بيوت الكمبو الصغيرة في مدني، كان دقيق القمح قمح الإغاثة أيضا، أما الحطب فهو حطب يجلبه الأباء من الخلاء البعيد علي ظهور عربات المؤسسة الفرعية للحفريات التي تنقلهم الي حيث يغيبون عن صغارهم وبيوتهم شهرا كاملا ، حيث يعملون في شق الطرق والقنوات المائية لما عرف بمشاريع التنمية في ذلك الزمان، كان والد قاقرين أحد اولئك العمال ، وكان قاقرين أحد اولاد الرفاهية، واولاد الرفاهية مصطلح اطلقه بعض ابناء الكمبو علي ابناء الكمبو بسبب طبيعة عمل الاباء التي تحتم عليهم الغياب الدائم عن دفء الأسرة في الخلاء البعيد حيث يعيشون في الخيام ولايسمح لهم العمل برؤية أسرهم الا بضعة ايام في نهاية الشهر يذهبون فيها حاملين الماهية ومواد الإغاثة من دقيق وزيت طعام ، يقوموا في تلك الايام القلائل بشراء احتياجات أسرهم وإحتياجات ميزهم المكون من دقيق الذرة والقمح واللحم المجفف المسمي الشرموط ، وفي تلك الأيام المسماة ايام الرفاهية ينعموا بدفء الأسرة وتنعم الأسرة بدفئهم، لذلك سمي البعض اولادهم أولاد الرفاهية، كان قاقرين يضحك وهو يقول( ابناء الرفاهية الذين لم يعرفوا الرفاهية أبدا، تصوري رفاهيتنا ياسارة كانت الذهاب الي الحلاق للحلاقة والمكتبة لشراء لوازم المدرسة وربما الحلواني لأكل حلوي أو شرب عصير طبيعي، كانت فرصتنا الوحيدة للتمخطر بصحبة ابائنا هي أيام الرفاهية تلك)
    نظرت سارة اليه مليا وهي تري عيونه تلمع بالفرح ، رأت فيها مطرا غزيرا يعربد في شوراع تتلوي فرحا في شبق وهي تشربه، رأت بروقا تتلامع فوق أسنانه البيضاء، سمعت صوت الرعد، ورأت دمعة تسقط أرضا بصوت مسموع وهو يخفي آثارها بطرف كمه علي عجل، قالت له وصوتها يأتي من أغوار بعيدة: لا أتذكر شيئا من طفولتي سوي وجه جدتي وفمها الخاوي من الأسنان ونظارتها ذات العدسات الكبيرة وضحكتها الجميلة التي لاصوت لها أبدا لكن وقعها أكبر من هدير مظاهرة في مكان مغلق،لكنني لا أنسي ابدا تلك الأيام البعيدة القاسية في تلك المدرسة التي لم أحبها قط ولم تحبني هي أبدا،كانت مدرسة مختلطة، كنت صغيرة وغريرة ولم يك بمقدوري أبدا فهم تلك الدوامة التي وجدت نفسي في قلبها، وحيدة، وعديمة الخبرة، وقليلة الحيلة،أظنني كنت جميلة أو كان الناس يرونني كذلك، وأظنني كنت مختلفة، جرئية،محبة للمرح ، مشاغبة،واثقة من نفسها حد أنها تبدو لبعضهم مغرورة، محبوبة من الكل حد أنها تبدو لبعضهم مسيطرة ومتغطرسة وترغب في جعل كل من حولها خدما لها،لم اك شيئاً من تلك النعوت القاسية في الحقيقة، كنت مجرد طفلة باتت أنثي دون أن تلحظ ذلك، فظلت تتصرف كطفلة،فجلب لها ذلك متاعب لاحصر لها، كنت أفتح درجي الصغير في المدرسة صباحا فتخرج الأرض أثقالها، رسائل غرام ساذجة وقلوب محبين يخترقها سهم ، وعبارات رنانة: (مجنونك الي الأبد، حلمي ،أميرتي،) أشعار مختارة بعناية،زهور ذابلة داخل رسالة معطرة، شتائم بخط أنثوي: مغرورة، واهمة، أفعي سامة،........ اقسي ما وجدته كان رسما علي ورقة بيضاء يجسد ثعبانا بلا توقيع ولا تعليق سوي كلمة وحيدة: (الكوبرا)....يومها بكيت بلا توقف وخرجت من ذلك المكان البغيض ولم أعد اليه أبدا ...كان ذلك أول قرار اتخذته في حياتي ، وكانت تلك أول لطمة لطمتني لها الحياة بلا سبب ولاحكمة ظاهرة
    كان ذلك شيئا لاينسي أبدا....

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 17-03-2013 الساعة 04:59 AM

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
by boussaid