(11 )
حل الظلام وبلغ التعب أيما مبلغ بالجميع ونام كل واحد جالساً بالصورة التي تريحه(الراحة يا يمه وين؟) همست الحاجة عيشه في وجه الحاج خليل..لسه يا شيخه..وأنت شفت حاجه؟!..
لقد دخلنا غابة(الفيل) وكلها ربع ساعه ونخرج من هذه المنطقه الخطرة..علم يطمئن نفسه..لقد سمع عن الشفته ولكنه لم يلتق بهم عبر خمس سنوات من الأسفار المتصلة بين كسلا والخرطوم..يا ساتر...يا ساتر..!! علم يردد هذه العبارة وهو يبطئ من سير العربه فقد ظهرت له عبر مصابيح العربة ساق شجرة ضخمة وضعت بفعل فاعل علي عرض الشارع وقبل أن يوقف العربة تماماً خرج له مسلحان وهما يركضان بسرعة نحو باب العربة بالجانب الآخر وأطلق ثالث لهما زخات متتالية من الرصاص في الهواء لإرهاب الركاب وعندما فتح لهم الجوكر باب العربة وهو يرتجف من الخوف صاح أحدهما بنبرة تهديد واضحه..(كلو في محلو).. وبلغه التقرنجا وجه زميله بتفتيش الركاب وأخذ أي أموال او مصاغ ذهبية بحوزتهم..بسرعه صرخ في زميله..هنا وقف دكتور تسفاي وخاطب الاثنين بلغتهم..ما معناه أن ما تقومان به عمل جبان ولا يشرف أي أثيوبي يعيش في السودان..قائد العملية التفت ورد عليه بلهجته الاثيوبية (باليه تن افتغمد) ومعناها أجلس ولا تكن صفيقاً..دكتور تسفاي جلس وهو يرتجف من الغيظ..وكان أول راكب خضع للتفتيش هي العروس وفاء..ونسبة لأنها تزينت بالذهب من رأسها حتي أخمص قدميها فقد شرع الاثنان في خلع مصاغها..وحاول المهندس حيدر إبداء نوع من المقاومة إلا أن المحامي هاشم نصحه بالتزام الهدوء..اكتفي الاثنان بما عثرا عليه لدي وفاء وكانت تجلس في مقعدين خلف الباب تماماً..ونزلا بسرعة مغادرين الباص وفي غمرة تلك الدقائق الصعبة كان الرقيب الضئ والجندي عبدالرسول قد أحكما خطتهما همساً وتوزعا الادوار المناسبه من زاوية الوضع الذي جلس فيه كلاهما..وفجأة أنطلقت مجموعات من الرصاص في ظهور الجناة ولمّا ينزلان من الاسفلت..فوقع كلاهما علي الأرض مضرجين بالدماء فما كان من ثالثهما إلا أن لاذ بالفرار وهو يطلق الرصاص عشوائياً لتغطية انسحابه..كارولين صرخت آخ خ..ويبدو أن طلقاً نارياً قد أصابها في كتفها نزل الرقيب الضئ والجندي عبدالرسول من الباص وسيطرا علي الموقف ووجدا أن كلا الرجلين قد فارق الحياة..فاستعادا مصاغ وفاء وحملا الأسلحة الخاصة بالجناة وعادا بسرعة للباص وطلبوا من الركاب أن يترجلوا لمعالجة موضوع الشجرة التي تسد الطريق..وفاء أصيبت بهستريا وكارولين نزفت دماءاً غزيرة ولعل من حسن الصدف أن يكون دكتور سيد موجوداً فقام بربط ذراعها بعمامه تبرع بها الشيخ وانطلقت العربة وهي تنهب الأرض باتجاه القضارف.
إثنان التزما الصمت طوال الرحلة وكان دورهما سلبياً تجاه ما حدث ويحدث وظل كلاهما غارقاً في تأملاته الخاصة كلُ يبكي علي ليلاه..بلقيس حبسوها يوم زفافها ورفض أهلوها طي(البرش) حتي يأخذوا ثأرهم..والنسيم منعت من الذهاب للمدرسة وتحول منزلهم إلي متحف لا يؤمه الجمهور..فقد كان كل من يمر قريباً منه يشير لمن معه قائلاً..شفت البيت أبو شبابيك خدر داك آيوه..آيوه...داك بيت ناس البنية القالو بتنور..البعض أخذ الموضوع علي أساس أنها أوهام وتخرصات..وآخرون قالوا لله في خلقه شئون..وظلت النسيم سراً محيراً وموضوعاً مثيراً للجدل لاسيما بعد وقوع حادث القتل..الشرطة أرسلت أوصاف أدروب وأوهاج لكل نقاط الشرطة في السودان..وقد خمن كلاهما ذلك..ولما علموا بأن الباص سيذهب مباشرة إلي مركز الشرطة بالقضارف ارتعدت فرائصهمامن شدة الخوف..وتحسس كل منهما رقبته وتأكدا أن حبل المشنقه لا يلتف حولهما..لقد بذل المحامون جهوداً مضنية للحيلولة دون شنقهما والحصول علي أحكاما بالسجن..وعند النطق بلفظة(الاعدام شنقاً حتي الموت) أستقبل كل منهما الحكم بمشاعر مغايرة..أدروب تقبل الأمر باعتبار أنه شئ متوقع وأنه قد فعل ما فعل إقتناعاً منه بأن العقوبة من نوع الجناية وهو ليس نادم علي شئ..أما أوهاج فقد أدرك بشفافيته المفرطة أن ما قام به كان خطئاً فادحاً وأنه بذلك الجرم قد تسبب في شقاء وتعاسة بلقيس وفقد تعاطفها معه الي الابد.
هُرع بكارولين ووفاء الي المستشفي بمجرد وصول البص إلي المركز الشرطة بالقضارف ومعهم دكتور سيد ودكتور تسفاي وبالطبع المهندس حيدر..بينما قام الاستاذ هاشم المحامي وعلم والجوكر بشرح ما حدث للشرطة ودون البلاغ باسم الرقيب الضئ لاسيما وأنه سينزل بالقضارف وأخذت أقوال عبدالرسول وعلم والجوكر كشهود واستمرت الشرطة في استجوابهم حتي الساعات الأولي من فجر اليوم التالي وعندما أعيدت كارولين بعد إسعافها والتأكد من أن الجرح كان سطحياً ووفاء بعد تهدئتها بالعقاقير المنومة أصيب المهندس حير بالإحباط عندما علم بأن المصاغ الذهبية الخاصة بعروسته ستحتجز كمعروضات..بذل الأستاذ هاشم المحامي جهوداً جبارة مع الشرطة والقاضي المقيم فسلمت المصاغ للمهندس حيدر بالتعهد علي أن يحضرها للقضارف متي ما طلبت منه الشرطه ذلك..
وتناول الجميع الشاي بالفطائر الذي وصل في رتل من الأواني أرسلتها نسوة قشلاق الشرطة كبادرة كرم لا أكثر..وأخذ الجميع مقاعدهم وتواصل المشوار.
المفضلات