صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 26 إلى 33 من 33

الموضوع: عشرون ووجهة واحدة ..رواية .

     
  1. #26
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    (11 )
    حل الظلام وبلغ التعب أيما مبلغ بالجميع ونام كل واحد جالساً بالصورة التي تريحه(الراحة يا يمه وين؟) همست الحاجة عيشه في وجه الحاج خليل..لسه يا شيخه..وأنت شفت حاجه؟!..
    لقد دخلنا غابة(الفيل) وكلها ربع ساعه ونخرج من هذه المنطقه الخطرة..علم يطمئن نفسه..لقد سمع عن الشفته ولكنه لم يلتق بهم عبر خمس سنوات من الأسفار المتصلة بين كسلا والخرطوم..يا ساتر...يا ساتر..!! علم يردد هذه العبارة وهو يبطئ من سير العربه فقد ظهرت له عبر مصابيح العربة ساق شجرة ضخمة وضعت بفعل فاعل علي عرض الشارع وقبل أن يوقف العربة تماماً خرج له مسلحان وهما يركضان بسرعة نحو باب العربة بالجانب الآخر وأطلق ثالث لهما زخات متتالية من الرصاص في الهواء لإرهاب الركاب وعندما فتح لهم الجوكر باب العربة وهو يرتجف من الخوف صاح أحدهما بنبرة تهديد واضحه..(كلو في محلو).. وبلغه التقرنجا وجه زميله بتفتيش الركاب وأخذ أي أموال او مصاغ ذهبية بحوزتهم..بسرعه صرخ في زميله..هنا وقف دكتور تسفاي وخاطب الاثنين بلغتهم..ما معناه أن ما تقومان به عمل جبان ولا يشرف أي أثيوبي يعيش في السودان..قائد العملية التفت ورد عليه بلهجته الاثيوبية (باليه تن افتغمد) ومعناها أجلس ولا تكن صفيقاً..دكتور تسفاي جلس وهو يرتجف من الغيظ..وكان أول راكب خضع للتفتيش هي العروس وفاء..ونسبة لأنها تزينت بالذهب من رأسها حتي أخمص قدميها فقد شرع الاثنان في خلع مصاغها..وحاول المهندس حيدر إبداء نوع من المقاومة إلا أن المحامي هاشم نصحه بالتزام الهدوء..اكتفي الاثنان بما عثرا عليه لدي وفاء وكانت تجلس في مقعدين خلف الباب تماماً..ونزلا بسرعة مغادرين الباص وفي غمرة تلك الدقائق الصعبة كان الرقيب الضئ والجندي عبدالرسول قد أحكما خطتهما همساً وتوزعا الادوار المناسبه من زاوية الوضع الذي جلس فيه كلاهما..وفجأة أنطلقت مجموعات من الرصاص في ظهور الجناة ولمّا ينزلان من الاسفلت..فوقع كلاهما علي الأرض مضرجين بالدماء فما كان من ثالثهما إلا أن لاذ بالفرار وهو يطلق الرصاص عشوائياً لتغطية انسحابه..كارولين صرخت آخ خ..ويبدو أن طلقاً نارياً قد أصابها في كتفها نزل الرقيب الضئ والجندي عبدالرسول من الباص وسيطرا علي الموقف ووجدا أن كلا الرجلين قد فارق الحياة..فاستعادا مصاغ وفاء وحملا الأسلحة الخاصة بالجناة وعادا بسرعة للباص وطلبوا من الركاب أن يترجلوا لمعالجة موضوع الشجرة التي تسد الطريق..وفاء أصيبت بهستريا وكارولين نزفت دماءاً غزيرة ولعل من حسن الصدف أن يكون دكتور سيد موجوداً فقام بربط ذراعها بعمامه تبرع بها الشيخ وانطلقت العربة وهي تنهب الأرض باتجاه القضارف.
    إثنان التزما الصمت طوال الرحلة وكان دورهما سلبياً تجاه ما حدث ويحدث وظل كلاهما غارقاً في تأملاته الخاصة كلُ يبكي علي ليلاه..بلقيس حبسوها يوم زفافها ورفض أهلوها طي(البرش) حتي يأخذوا ثأرهم..والنسيم منعت من الذهاب للمدرسة وتحول منزلهم إلي متحف لا يؤمه الجمهور..فقد كان كل من يمر قريباً منه يشير لمن معه قائلاً..شفت البيت أبو شبابيك خدر داك آيوه..آيوه...داك بيت ناس البنية القالو بتنور..البعض أخذ الموضوع علي أساس أنها أوهام وتخرصات..وآخرون قالوا لله في خلقه شئون..وظلت النسيم سراً محيراً وموضوعاً مثيراً للجدل لاسيما بعد وقوع حادث القتل..الشرطة أرسلت أوصاف أدروب وأوهاج لكل نقاط الشرطة في السودان..وقد خمن كلاهما ذلك..ولما علموا بأن الباص سيذهب مباشرة إلي مركز الشرطة بالقضارف ارتعدت فرائصهمامن شدة الخوف..وتحسس كل منهما رقبته وتأكدا أن حبل المشنقه لا يلتف حولهما..لقد بذل المحامون جهوداً مضنية للحيلولة دون شنقهما والحصول علي أحكاما بالسجن..وعند النطق بلفظة(الاعدام شنقاً حتي الموت) أستقبل كل منهما الحكم بمشاعر مغايرة..أدروب تقبل الأمر باعتبار أنه شئ متوقع وأنه قد فعل ما فعل إقتناعاً منه بأن العقوبة من نوع الجناية وهو ليس نادم علي شئ..أما أوهاج فقد أدرك بشفافيته المفرطة أن ما قام به كان خطئاً فادحاً وأنه بذلك الجرم قد تسبب في شقاء وتعاسة بلقيس وفقد تعاطفها معه الي الابد.
    هُرع بكارولين ووفاء الي المستشفي بمجرد وصول البص إلي المركز الشرطة بالقضارف ومعهم دكتور سيد ودكتور تسفاي وبالطبع المهندس حيدر..بينما قام الاستاذ هاشم المحامي وعلم والجوكر بشرح ما حدث للشرطة ودون البلاغ باسم الرقيب الضئ لاسيما وأنه سينزل بالقضارف وأخذت أقوال عبدالرسول وعلم والجوكر كشهود واستمرت الشرطة في استجوابهم حتي الساعات الأولي من فجر اليوم التالي وعندما أعيدت كارولين بعد إسعافها والتأكد من أن الجرح كان سطحياً ووفاء بعد تهدئتها بالعقاقير المنومة أصيب المهندس حير بالإحباط عندما علم بأن المصاغ الذهبية الخاصة بعروسته ستحتجز كمعروضات..بذل الأستاذ هاشم المحامي جهوداً جبارة مع الشرطة والقاضي المقيم فسلمت المصاغ للمهندس حيدر بالتعهد علي أن يحضرها للقضارف متي ما طلبت منه الشرطه ذلك..
    وتناول الجميع الشاي بالفطائر الذي وصل في رتل من الأواني أرسلتها نسوة قشلاق الشرطة كبادرة كرم لا أكثر..وأخذ الجميع مقاعدهم وتواصل المشوار.

  2.  
  3. #27
    مشرف المنتدي الرياضي
    Array الصورة الرمزية محمد خليفة
    تاريخ التسجيل
    Nov 2009
    المشاركات
    373

    متعة فوق حد الوصف
    تتدفق الاحداث فى انسيابية اخاذة
    بساطة الكثير من الكلمات اعطت للقصة نكهة خاصة
    واصل سلمت يمينك

  4.  
  5. #28
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    صباح الخير يا محمد ..شكراً علي الكلمات المفرحة ودعنا نواصل الرحلة مع علم والجوكر ..هذا مع تحياتي .

  6.  
  7. #29
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    ( 12 )
    مضت الأمور بسلام..وقد تزينت السهول ببساط سندسي أخضر..وكان المستر هارتمان يصور كل شئ..أخذ صوراً لركاب الباص الواحد تلو الآخر وأبطأ قليلاً أمام وفاء ومونيكا وقد استعادتا مرحهما..وطلب من الحاج خليل أن يبتسم حتي تخرج الصورة بشكل جيّد..وكأنه قرأ أفكار الحاج خليل في تلك اللحظة..لقد أدرك أنه أرتكب خطأ جسيماً عندما وافق علي السفر بالباص بينما العربة المرسيدس التي أشتراها لهما عصمت أثناء إجازته الأخيرة قابعة في باحة الدار..السواق مالو يا حاجه عيشه..طيب لما نشوف آخرتها إيه..الحاج خليل منح(الخواجه) ابتسامة عريضة تحولت إلي ضحكه واهتزاز..والله يا خواجه..ما عندكش هم أبداً..كذلك قام المستر هارتمان بتصويرعلي والشيخ الرباطابي اللذين سعدا كثيرا بذلك وهمس الشيخ في أذن علي قائلاً(عليّ الطلاق الكمرة تسيّك التقول خانقاها شوكة حوت)..اثنان فقط تبرما من التصوير الجاري داخل الباص وهما أدروب وأوهاج..وطلب الجوكر صورة ثنائية مع كارولين..التي قامت بعد لأي وجهد وهي تحمل ذراعها داخل رافعة من القماش..وابتسمت للمستر هارتمان بقدر ما تستطيع وندت عنها صرخة خفيفة (أوو..ماقنفسنت) ومضت الرحلة لطيفة ورائعة لم لا وقد شارفت ألعربه علي الوصول الي السودان علي حد زعم الدكتور سيد..فالسودان عند التكنوقراط..هو الخرطوم..قال ذلك وهو يشرح لدكتور تسفاي أهمية الخرطوم بالنسبة للسودانيين..ولكن قل لي يا صديق متي تأسست الخرطوم ولماذا سميت بهذا الاسم..دكتور سيد أسقط في يده..وتوجس خيفة من البت في مثل هذه الأمور..سميت الخرطوم يا عزيزي لأنها تقبع في نقطة التقاء النيل الأبيض بالنيل الأزرق..وإذ يتشكل نهر النيل بعد ذلك التزاوج فأنه يشبه إلي حد ما خرطوم الفيل..هل قلت غابة الفيل..لا...لا يادكتور..لا أظنك ستنسي ذلك المكان..نعم بالتأكيد لقد كان شيئاً مرعبا أن تري شخصا ما وهو يموت ولو كان ذلك الشخص هو الذي تسبب في إصابة كارولين بطلق نارى..أنت تعلم أن لهؤلاء الشفته دوافعهم..فقد سمعنا بهذا التنظيم منذ الستينات..وحتي يومنا هذا لا كابح لهم سواء داخل الحدود الاثيوبية أو السودانية..أعتقد أن الظروف الاقتصادية التي يعيشها هؤلاء القوم تحتم عليهم البحث عن المال بكل الوسائل ولعلهم استمرءوا حياة الخارجين علي القانون هذه.
    ألعربه تتهادي فوق الإسفلت والنهر يتلوي ليس ببعيد والسكون المطلق يلون الناس والأشياء داخل المركبة..وقد بلغ الإجهاد بكل من بالعربة مبلغاً عظيماً..وكانت شتلات الذرة الممتدة حتي الأفق تبعث علي التفاؤل والأمل وقد ندمت مونيكا ندما شديدا علي مغادرة كسلا..أحست بالفقد لنظرات بشير الدافئة التي كان يلفعها بها وفهمت منها أنه يكن لها إعجابا صامتا حتي لا يجرح مشاعر آمال..هل أحبت بشير؟ إنها لاتدري كنه مشاعرها نحوه..لقد كان لطيفاً معها وهي لن تنسي ذلك المشوار الحالم علي ضفاف نهر القاش..إنها لاتشك لحظة في صدق احساسها نحو جارلس ولكنه في الفترة الأخيرة بدأ يتهرب منها ويتجاهلها..وقد أدركت بغريزتها الانثوية أن أملها في جارلس قد وهن إن لم يكن تبدد..ان عشقها الاوحد كان لـ(أتيم)...ذلك الفتي الذي يدرس الحقوق بالجامعة وكان عندما يعود للقرية في الإجازة الصيفية يضفي عليها أجواء البهجة والحبور..فهو يجيد العزف علي آلة الجيتار..وكانت(مونيكا) تشعر بالغيرة والألم عندما يغني أتيم أغنية الفنان شرحبيل أحمد(طفلة من الخرطوم) فتغادر المكان متعللة بالإرهاق...وسرعان ما تنقضي أيام الإجازة فتذهب هي مع أمه حتي(بور) القريبة لتكون في وداعه..وكانت لحظات الوداع تمزقها فلا تملك سوي الدموع تذرفها بحرقة وأسي وأتيم يلوح لها من علي الباخرة مودعاً وعندما تعود أدراجها للقرية تظل ساهمة أياماً بحالها وترفض القيام بأي نشاط...فلا تطحن الذرة ولا تحلب اللبن عند الفجر ذلك أنها تحتضن صورة أتيم الغائب ولم تعد تسمع عنه شيئاً..أنها الحياة يا مونيكا لا تدوم علي حال...تمنحنا السعادة بسخاء غير أنها تعود فتصادرها بقسوة...والآن هاهو خيال بشير يلح عليها إلحاحا شديداً....أنها لا تأسي علي آمال ذلك أنها قد أسرت لها قبل مغادرة كسلا بأنها قد حسمت أمرها وأرسلت خطابا إلي عصام بالسعودية تخبره فيه أنها توافق علي الزواج منه بعد أن أقسم لها أنه تخلي عن علوية...أما(ريناتا) فقد أعادها ذلك الاخضرار الموحي إلي بلادها واعتراها شعور غامض بأنها تحتاج هذه اللحظة أحضان أمها..وتمنت لو أنها عادت طفلة كما كانت..تتزلج علي الجليد داخل الصالات المغلقة مع صديقاتها وأصدقائها وهم يمضون عطلة نهاية الأسبوع في ثنايا الغابات وفوق سفوح الجبال...يوقدون ناراً عظيمة تطرد البرد الذي يتسلل إلي العظام ويرقصون حتي الصباح....ولكنها أين هي الآن من أمها؟

  8.  
  9. #30
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    (13 )
    (آي سي) تلك إذن حنتوب المدرسة المعروفة التي كانت كثيراً ما سمعنا عنها بإثيوبيا ومن بعد بأمريكا..نعم أنها المدرسة التي تخرج منها رئيس الجمهورية..ووصولنا لها يعني أننا بتنا علي أبواب وادمدني.
    (علم) يهدي من سير العربة ويوقفها عند نقطة التفتيش شرق الكوبري ..وهنا وقفت العروس وفاء وقد انبسطت أسارير وجهها الوسيم...أخيراً يا حيدر..همست في رقة متناهية لعريسها..ثم استدارت دورة صغيرة وألقت نظرة حنونةً علي الجميع وكأنها تودعهم بها...ولاحظ الجميع أن آثار الإعياء بادية عليها بعد الهستريا التي أصابتها عقب الحادث..ونشط الجوكر في تسلق الباص لإنزال الحقيبتين التوأمين وبعض طرود الفواكه...ولا أخال وفاء ستأكل فاكهة هذا العام فقد فاحت رائحة الجوافة من الطرود بالداخل..وحولت كل شئ بما ذلك الناس والأشياء الي جوافه وفي هذه الإثناء كانت عربة شرطة تنحدر من ناحية الكبري ببطء شديد..وتوقفت قريباً جداً من الباص ونزل منها ضابط شرطة وعدد من الجنود بعضهم بالزي الملكي..علم أعتقد أن حادثة غابة الفيل قد شهدت بعض التعقيدات وربما يطلب منه العودة إلي القضارف..في هذه الحالة...حدث نفسه...سأعود بعد أنزال جميع الركاب وأختصر الرحلة للخرطوم..سأله الضابط هل أنت(علم)...نعم...أنا علم...الديك راكبين بأسماء دكتور سيد والأستاذ هاشم المحامي..أعتقد ذلك...إذن هما مقبوض عليهما بموجب قانون أمن الدوله وعليك بتسليمنا(عفشهما) فسوف نأخذهما للقسم...ومن عجب أن دكتور سيد والأستاذ هاشم استسلما للأمر دون إبداء أي اعتراض وكأنهما يتوقعان مثل هذا الإجراء..سيطر جو من الذهول والوجوم علي ركاب الباص وهم يشاهدون الشرطة تقتادهما خارج الباص..دكتور سيد حاول تهوين الأمر علي الركاب..وودعهم بحرارة شديدة خاصة دكتور تسفاي وأبنته كارولين وحدثهما بإنجليزية باهرة كيف أنه كان يرغب في أن يظل بقرب الصغيرة كارولين لمتابعة حالتها حتي الخرطوم ومن ثّم مواصلة علاجها في عيادته الخاصة.
    تحرك البص من جديد ولاحظ الجميع أن عربات الشرطة المحملة بالجنود المدججين بالسلاح تجوب الشارع حتي تقاطع طريق كسلا مع طريق واد مدني الخرطوم..وكانوا قد شاهدوا واحدة أو اثنتين بالقضارف قبيل مغارتهم لها في ذلك الوقت المبكر..الحاصل أيه يا جماعه ..ما تفهمونا أيه اللبيحصل ده..هكذا تحدث الحاج خليل ولو علم بالمهام الخطيرة التي أوفد من أجلها دكتور سيد والأستاذ هاشم لأدرك أن القبض عليهما جاء متأخراً..فقد غادرا الخرطوم قبل عشرة أيام وعرجا علي الحصاحيصا ومدني والقضارف قبل وصولهم لكسلا وعقدا عدداً من الاجتماعات السرية مع زعماء النقابات في تلك المدن للتمهيد للقيام بانتفاضة شعبية في يوم واحد بكل تلك المدن ولعل هذا ما يفسر تزامن أطواف الشرطة في كل مكان في هذا اليوم بالذات..وقد رصدت الأجهزة الأمنية بكسلا تحركاتهما..وعندما همت بالقبض عليهم اكتشفوا أنهما قد غادرا كسلا..وبالتالي أرسلوا للجهات المختصة بوادمدني لإجراء اللازم..الحاجة عيشه جن جنونها وأرتفع السكري لديها لدرجة أنه حولها إلي قطعة سكر..فأنت لو رضعت من أصابع يدها في تلك اللحظات لتذوقت طعم السكر بنفسك..فقد ربطت المسكينة بين المقبوض عليهم وحقيقة أن ابنها الدكتور ماجد هو الذي أوصلهما بعربته حتي الموقف.
    عندما امتطى (علم) طريق مدني الخرطوم أدار مسجل الباص فانطلق صوت (زيدان ابراهيم) ندياً وهو يردد (والله ما منى .. كل الحصل .. ما .. ما منى) وسرت رعشة في أوصال الركاب وأحسوا بالطرب ولكن أين كان هذا المسجل طوال الرحلة .. ربما ضمن (علم) الخرطوم لذلك أطلق العنان للموسيقي وعاد الجوكر للطرب .. وتمايلت كل من كارولين وريناتا ومونيكا مع اللحن .. وطلبت ريناتا من هارتمان أن يشرح لها مفردات الأغنية .. هارتمان قال لها أن شخصاً ما يحاول ان ينفي التهمة عن نفسه .. انعقد حاجباها دهشة وقالت له كل هذا اللحن المتميز عبارة عن مرافعة إمام محكمه .. علم قلب الشريط دونما استئذان فإذا باللحن يقول (في الليلة ديك .. في الليلة ديك) ومرة أخرى سألت ريناتا هارتمان عن معنى ذلك المقطع .. فقال لها إن المغنى سيحدثنا بعد قليل عن ذلك الذي حدث في تلك الليلة .. ريناتا تململت وهي تقول له لقد اعتقدت أن الغناء في إفريقيا ساخنا كطبول معربدة ولكن هذه النعومة تذكرني بالدنمارك .. هل كان السودان مستعمره دنماريكية!!

    التعديل الأخير تم بواسطة عبدالغني خلف الله ; 26-01-2013 الساعة 08:37 AM
  10.  
  11. #31
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة الأخيرة
    كل هذه الأشرطة تخص الجوكر .. (وتشغيل) الموسيقي من اختصاصه هو دون سواه وبدأ يردد كلمات الأغنية مع المغنى وهو يحلم (بفك التسجيلات)ويمنى نفسه بالانتقال لنادي المريخ .. وهذا ما فهمه من رابطه مشجعي المريخ بكسلا .. لذلك قرر أنه وبمجرد وصوله الخرطوم أن يتصل ببعض العناوين التي زودته بها الرابطة وهو لن يغالي في المبلغ الذي سيطلبه من (الشياطين الحمر) .. خمسمائة ألف جنيه لا غير.
    أعمدة الدخان تتصاعد إلى عنان السماء بالحصاحيصا .. حرائق وأصوات رصاص وربما مسيل دموع تسد الأفق . وتوقف رتل طويل من باصات مدني وبعض العربات الملاكي حتى ينجلي الموقف .. إلا أن (علم) ليس لديه وقت يضيعه .. يعنى الموقف حيكون أسوأ من غابة الفيل؟! لا اعتقد ذلك .. وبدلاً من إيقاف العربة .. صار يمر بها وسط العربات وكأنها (فسبا) .. ولدى اقترابه من منطقة بنطون رفاعه غمرت الباص سحابه ضخمه من مسيل الدموع .. فتحول الجميع الى مجانين .. كل الآنسات والسيدات ولولون وصرخن بما في ذلك الحاجة عيشة .. (الشطه يا اخواني الشطه) .. اصبري يا حاجة .. خدي المنديل دوت .. وكانت معركة حقيقيه بين عشرات الطلاب الذين احتلوا الشارع وبين الشرطة التي كانت ترشقهم بالقنابل المسيلة للدموع من على البعد .. الشيخ همس في إذن علي قائلاً .. الشئ ننسرق ونندق وننهان وكمان بنبان على الطلاق دي اصلها لاحكت ولا بقت .. مرت الأزمة على أحسن وجه ونحن ألآن قد تجاوزنا (أبوعشر) ونتجه نحو (الكاملين) .. وهناك تعرضت كل العربات المتجهة والقادمة للخرطوم للرشق بالحجارة من الصبية والتلاميذ الذين كانوا يهجمون ويتقهقرون في أمواج بشرية متلاطمة .. وأصيب أكثر من راكب وقد طلب علم من الجميع إن يضعوا رؤوسهم بين أرجلهم .. الحاجه عيشه لم تلتزم بالتعليمات .. الحاج خليل قال لها:
    نزل راسك ما تبقيش عبيطه .. دا الرأس ما لوش غيار .. ظلت العربة تتعرض لوابل من الحجارة لدى مرورها بالقرى الموازية للإسفلت .. إنها ثورة حقيقيه ومن المؤسف ان يتلقى علم كل تلك الضربات نيابة عن الحكومه .. انا اصلى (.....) علم يحتج لدى دكتور تسفاي وابنته كارولين اللذين تحولا قريباً من علم تفادياً للحجارة ولكن معليش (التقع من السماء تتلقاها الواطه).
    ومن على البعد لاحت عربة نجده ترسل صفارات متقطعة وهي تسابق الريح وعندما باتت خلف البص أعطاها علم الطريق بطريقة مهذبة .. فهو يفهم مثل هذا السلوك الحضاري الذي يمارسه الناس بالخرطوم .. الواحد منهم يخلي الطريق لحين مرور الموكب .. ولكن الجنود كانوا يشيرون على علم بالتوقف .. ربنا يجيب العواقب سليمة .. لعلك ما مسحت ليك تلميذ بالظلط لحقتو كلب الرشايده .. علم يحدث نفسه نعم يا جنابو ان شاء الله خير .. ما في حاجه بس عاوزين الخواجه الشايل الكاميرا داك .. المستر هارتمان ترجل على التو فاخبره الضابط بأنه كان يصور (المظاهرة) بالكاملين من خلال نافذة الباص .. المستر هارتمان حاول إن يقنع الشرطة بأن المظاهرات شئ عادي وهي قائمة في جميع بقاع العالم من كوريا إلى الأراضي المحتلة .. وهي وسيلة غير فعالة في إسقاط أنظمة الحكم .. قالها ضاحكاً محاولاً إضفاء نوع من المرح على الموقف غير إن الضابط أصّر على انتزاع (الفلم) ومن ثمّ سمح للباص بمواصلة السير .. ريناتا قالت له أظنك لم تتعلم من تجربة كسلا عندما أخذت بعض الصور للسوق الشعبية فأخذتك المباحث للمركز وصادرت منك الفلم ... لكنهم لم يصادروا من ذاكرتي تلك الصور يا عزيزتي وهذا يكفي.
    وبعدين يا علم كل المسعودية في الظلط وبالجانبين علم يحدث نفسه: عاد تمشي بي وين .. أخّرم بالخلا ما ممكن الواطه ممطوره .. ارجع المسيد .. عاد ده كلام تتصرف كيف يا علم .. يا اخواننا دنقروا انا حاكابس الجماعه ديل لغاية ما نتخارج .. الجموع الغفيرة هربت من الشارع لتفادي الكارثة .. وقبيل الجزء الغربي من المسعودية وقف احد الشباب وهو يحمل حجراً بحجم (كرتونه) شاي وأومأ بها نحو ألعربه .. علم انحرف بها محاولاً السيطرة على مقود ألعربه وهي تتلوى كأنها ثعبان ثم خففت سيرها وبدلاً من إن تستقر على الأرض.. اندفعت نحو الفضاء الفسيح وانقلبت رأساً علي عقب ..وثارت سحابه من الغبار والدخان .. ترك السكان المتظاهرون أماكنهم وتوجهوا نحو العربة ركضاً وهم يتصايحون:حصلوا الناس يا اخوانا.. وتجمهرت إعداد غفيره من البشر منهم ركاب الباصات الأخرى الذين شاهدوا الحادث وسائقي اللواري وآخرون ..نساء واطفالاً ورجالاً ينسلون من كل حدب وصوب.
    بدأت عملية إخراج الركاب وكان أول من خرج الجوكر والدم يسيل من على وجهه فأخذوه جانباً وهو يرددون بسيطه بسيطه .. سلامه سلامه .. ثم خرج دكتور تسفاي وابنته كارولين .. وتواصلت العملية .. ولم يصب احد بجروح خطيرة وكانت كلها لا تعدوا عن كونها كدمات ورضوض هنا وهناك .. حتى الجوكر نفسه صار يضحك بعد إن تحسس قدميه ووجدهما سليمتين .. دكتور هارتمان وريناتا خرجا دون إن يصابا ولو بخدش وكذلك الحاجه عيشه .. الا أن الحاج خليل واكواى ومونيكا وكذلك علي والشيخ فقد أصيبوا بجروح لأنهم حاولوا أن يفعلوا شيئاً في وجه الطرود والحقائب المتطايرة على وجوههم .. وتبقى اثنان .. ظلا محشورين داخل البص دون حراك .. علم صرخ في الناس: يا اخوانا لسه في اثنين مفقودين .. وكانا (ادروب) و (واوهاج) وتكلفت عملية إخراجهما وقتاً وجهداً مضنياً رغم الكثافة العددية للناس وأخيرا أُخرجا وشكلهما يوحى بأنهما ميتين .. مساعد الحكيم بالمسعوديه قرر إنهما قد توفيا .. وأسدل فوقهما ثوباً أبيض وقرأ الجميع الفاتحه .. ومن لم يمت بالسيف مات بغيره .. هكذا إرادة الله .. هربا من حبل المشنقة ليموتا في حادث حركه (ووب علي ووب علي يا بنات امي) .. الحاجه عيشه تبكي بصوت عال ترك أثره على الجميع.
    = الشيخ !! الشيخ!!
    = ايوه في شنو؟
    = دحين انا في حلم وله في علم؟
    = حصل شنو.
    = كدى عاين بين (التنك) وعلبة (العادم) .. طرف الدلقان يا هو داك.
    دي ما صره القراش؟
    = ايوه .. بلحيل اياها الصره.
    = اشهد إن لا إله إلا الله محمد رسول الله .. على الطلاق لقلبية انعربت عشان ترجع لينا حقنا.
    = يا ما انت كريم يارب .. يا ما انت كريم يارب.


    انتهت

    التعديل الأخير تم بواسطة عبدالغني خلف الله ; 26-01-2013 الساعة 08:52 PM
  12.  
  13. #32
    رحمة الله عليه Array الصورة الرمزية mahagoub
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    ودمدنى
    المشاركات
    11,330

    امتعتنا وعشنا مع شخصياتك
    رحلة روعة فى الجمال
    سرد يتخلله كثير من الواقع
    فى انتظار الرحلة القادمه

  14.  
  15. #33
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    عزيزي الأستاذ محجوب ..مساءات الروعة والجمال والصحة والعافية ..
    أشكرك من كل قلبي علي حضوركم الأنيق ويمتد الشكر لكل الذين تابعوا ونوروا هذا البوست بمداخلاتهم الرائعة ..ودعني أبدأ من هنا رحلة جديدة ولكن هذه المرة في قاع المدينة بالرغم من رهق الكتابة وكثرة المشغوليات ..

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
by boussaid