صفحة 2 من 5 الأولىالأولى 1234 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 26 إلى 50 من 112

الموضوع: رحلة في قاع المدينة ..رواية

     
  1. #26
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    عزيزي صلاح ..والله مجرد وجود قاص متمكن مثلكم هنا وحده قلادة شرف ..اشكرك من كل قلبي علي كلامك الطيب ..تقبل تحياتي وكل الود .

  2.  
  3. #27
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة الخامسة عشرة
    صحونا علي صوت ميكرفونات وآليات وجنود من الشرطة ومسئولين كبار .. ويبدو أن السلطات المسئولة عن التنظيم مصممه علي إزالة بيوتنا وترحيلنا إلي منطقة جديده أطلقوا عليها إسمآ غريبآ أشبه بإسم عاصمة إفريقية .. إنه علي كل حال الهدم والإزالة وفراق الأحباب ..الحكومة تقول هذه الإزالة لمصلحتنا علي المدي البعيد والناس هنا لا يفكرون بالغد .. إن تفكيرهم منصب في ماذا يأكلون غداً وكيف سيدسون في جيوب فلذات أكبادهم ( حق الفطور وحق الكراريس ) .. لا شأن لهم بالغد البعيد أو القريب .
    بدأت الآليات عملية الهدم فتصدي لها الصبية بالحجارة والزجاجات الفارغة ودارت معركة رهيبة بين الشرطة والناس في ثنايا الحي وأصيب كثيرون جراء تلك المواجهات الدامية من الجانبين وسقط أحد أبناء الحي صريعآ وجرح آخرون وعندما شعر المسئولون أن الوضع يمضي نحو الأسوأ أمروا بوقف عملية الإزالة وأمهلونا ثلاثة أشهر أخري لترتيب أوضاعنا .. لملمنا جراحاتنا ودفنا الرجل بعد الإجراءت المعتادة إذ حملناه حتي السلاح الطبي ولم نتمالك أنفسنا فأحدثنا بعض التخريب عند مدخل الكوبري وحصبنا السيارات بالحجارة وتصدت لنا الشرطة مستخدمة الغاز المسيل للدموع وما أن هدأت الأحوال وعدنا إلي الحي حتي وجدت أمراً بإعتقالي ولكن هي بضع ساعات أفرجوا عني بعدها بكفالة وقد كان إستقبال الحي لي لدي إطلاق سراحي رائعآ كيف لا وأنا زعيمهم الجديد .. وكانت تلك الحادثة المروعة بمثابة بداية النهاية وشارة تفرق وتشتت لا مناص منه .. وبالفعل دأت بعض الأسر في هدم بيوتها وجمع ما تيسر من الحطب والخشب والقش للإستفادة منه في الموقع الجديد في ظل تلك الظروف القاسية التي تأخذ بخناق الجميع ولم تجد الدموع والتنهدات في إيقاف عجلة الرحيل .. فتوحدت مشاعرنا واختلطت دموعنا وآهاتنا بوعد تقطعه الأسر الذاهبة للأحباء والجيران .. ( كان حيين بنتلاقي )

    تعانقت ( هند ) ومديرة الملجأ التي ظلت تقوم بمهامها في رعاية هؤلاء الأطفال وغيرهم إلي أن وخط الشيب شعر رأسها .. سألتها مازحة ألا تتزوجين يا صديقتي ..؟ قالت لها إنما نتزوج لننجب وأنا أم لكل هؤلاء الحلوين .. ليتني أجد الصحة والوقت لأعتني بهم .. وبعد أن تبادلا عبارات المجاملة المعتادة عرّفتها علي زميلتها القادمة من نيويورك وأخبرتها أنها بصدد تقديم دعم سخي لجمعيتهم الخيرية وعندما علمت بأن مساعدة الملجأ تدخل ضمن أنشطة الجمعية أصّرت علي زيارته وأنها وبعد إطلاعها علي ألبوم الصور الذي يوثق لزيارات الجمعية كل عيد لفت انتباهها طفل وسيم دائم الإبتسام شديد الشبه بطفل لها توفي في حادث حركة بأمريكا .. فقررت ضمه إليها وأخذه معها لعلّه يعوضها عن طفلها المتوفي .. ومقابل ذلك تتعهد بتقديم دعم سنوي للملجأ يكفي مقابلة كل الإلتزامات الصحية والمعيشية .. طلبت منهم إعطاء بيانات عن ذلك الطفل فعرضتا عليها صورته .. فأخبرتهم المديرة بتفاصيل هربه وعبرت لهما عن أسفها لذلك .. وفي الوقت ذاته أعطتهما بصيصاً من الأمل في العثور عليه .. ذلك أن الطفل الذي هرب معه لا يزال يواظب علي زيارة الملجأ كل عيد وأنهم يجهلون عنوانه ولا يعلمون أين يقيم .. وهو بلا ريب سيدلهما علي مكان وجوده .
    عادت لمنزلهم لتجد الفوضي ضاربة بأطنابها فيه.. إذ علمت أمها من ابن شقيقتها أنهم ضيّعوا الصغيرة ( لوسيانا) في زحمة زوار الحديقة وأنهم يواصلون البحث عنها ..جن جنون ( جوليا ) وأظلمت الدنيا أمام عينيها فهرعت نحو عربتها تسابق الريح نحو حديقة (المقرن) وأمام المدخل لمحوا ( لوسيانا) وأبناء أختها وهم يهمّون بمغادرة الحديقة ..احتضنت صغيرتها وهي تبكي وتردد الحمد لله ..الحمد لله ..همست الصغيرة في وجه أمها ( مامي أنا آسفه ..أقسم لك بأنني أخبرتهم بأنني سأتمشي قليلاً علي أطراف النيل وأعود لأنضم إليهم .. وها قد عدت ..) ..والدتهم وبختهم علي الإزعاج الذي سببوه لجوليا ولم يمض علي وجودها بالخرطوم يوم واحد.. قالوا لها هي تتحدث بانجليزية غير مفهومة ولم نفهم تمامآ ما قالته لنا .. تذكرت تلك الحادثة وهي تقلب في الأوراق الخاصة بحسابات المنظمة بروما وتمنت لو تغمض عينيها وتجد نفسها بالخرطوم مجدداً

    التعديل الأخير تم بواسطة عبدالغني خلف الله ; 10-02-2013 الساعة 08:34 PM
  4.  
  5. #28
    رحمة الله عليه Array الصورة الرمزية mahagoub
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    ودمدنى
    المشاركات
    11,330

    متابعين ومنتظرين الجديد بلهفة العاشق

  6.  
  7. #29
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    مساء الخير أستاذ محجوب ..وهاهو المنتدي يتحول بحق إلي بريد يومي نطمئن من خلاله علي أسرة المنتدي ويمنحنا الإحساس بأننا بين أهلينا وأحبائنا ..و( العز أهل ) كما يقولون ..ليله سعيده وأسعد بإهدائك الحلقة السادسة عشرة مع كل الود .

  8.  
  9. #30
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة السادسة عشرة
    يبدو أن السلطات المحلية عازمة هذه المرة علي إزالة الحي العشوائي بعد التمديد الثالث الذي منحوه لنا .. لذلك بتنا نخرج أنا وشقيقتي سلمي صباح كل يوم نتراكض في جميع الإتجاهات بحثآ عن منزل مناسب لا سيما وأن الوالدة قد سمحت لنا ببيع القطعة الممنوحة لنا بمناسبة إستشهاد والدي في ( واسكيج ) الواقعة بجنوب البلاد .. وكانت أول أسرة رتبت أمورها أسرة ( عبدو الفولاني ) .. والد ( أميرة ) .. فقد إشتري له منزلآ بأحد الأحياء بأمدرمان .. كانت لحظات الوداع قاسية علي الجميع .. تجمهر الكل وهم يناولون الأغراض من المنزل إلي الشاحنات التي اصطفت لنقل الأثاث ومتعلقات الطاحونة والمخبز .. وكنت تسمع أصوات نحيب خافت من النسوة اللائي تجمعن في باحة الدار يودعن زوجة عبدو الفولاني .. وكنت أنا من ينسق التحميل .. أركض هنا وهناك .. أحزم الحقائب وأشرف علي نقلها للعربات وأميرة لا تحّول نظرها عني وقد تجمدت مشاعرها عند نقطة لا أعلمها .. وقبيل المغرب غادرونا بين التوسلات والدموع ( ما تقطعوا أخباركم .. والحي بلاقي .. وداراً ترحب بيكم ) .. أما أميرة فقد مكثت معظم نهار ذاك اليوم الذي سيظل خالداً في حياتي بمنزلنا .. وكنت أعرج عليها فتستوقفني للحظات .. تحتويني خلالها عيناها الواسعتان .. وتكلمني بكلام عذب أجهل كنهه .. كانت تقول لي ( حاول أن تتذكرني يا حربي كل يوم .. إياك أن تنساني .. تذكر أميره أختك الصغيره .. حبيبتك وزولتك .. تذكر أنك كنت وستظل أهم شيء في حياتي .. ) يا إلهي .. كل هذا الحب لي يا دكتوره ..؟!!.. ولماذا جاء متأخراً هكذا .. نعم تأخر لأنني كنت أريدك أن تغير من أوضاعك .. أن يكون حبنا دافعاً لطموحك .. أن تلحق بي يا حربي .. فضلت أن تبقي مجرد صبي ميكانيكي .. وأنا أتقدم في التعليم .. خطوة خطوة وأنت ثابت في مكانك .. لو كنت تحبني كما أحبك لحرّك فيك ذاك الحب طموحاتك .. لو أن الأمر بيدي لقبلت بك اليوم زوجاً وأنت في مهنتك هذه .. لكن أبي لن يوافق .. أعلم أنه لن يوافق .. إنه يدفع الملايين لأكمل دراستي في الطب ولا أريد أن أغضبه .. وستجدني بانتظارك إذا ما تغيرت أوضاعك ولم تتغير مشاعرك تجاهي .. وهكذا كانت لحظات الوداع قاسية ورهيبة .. بيد أنهم رحلوا .. صحونا اليوم التالي ولم نسمع دعاء عبدو الفولاني عند الفجر ( يا أرحم الراحمين أرحمنا ) .. يرددها بصوت جهوري يقتحم مخادعنا وينبهنا بأن الصلاة قائمه .. صحونا ذات يوم ولم نعد نلمح أميرة بشعرها المعقوص في شكل ذنب الحصان وهي تتدافع لتركب الحافلة ومن ثمّ تلتفت نحوي وتمنحني نظرة ملؤها الحب والحنان وتلوح لي حتي بعد أن تتحرك العربه .. ولكننا أيضاً رحلنا إلي منزل عثرنا عليه بعد شق الأنفس فماذا كانت النتيجة ونحن نمضي أول ليلة به ؟!.

    لكمّ تغيرت يا ( جوليا ) ..أين تلك الفتاة العاطفية التي تتدفق رقة وعذوبة ؟ .. اين (جوليا) التي جسدت دور ( جوليت) في مسرحية (شكسبير) .. الطالبة المثالية في كل شيء عازفة الكمنجة المدهشة وكاتبة القصة القصيرة .. هل تتحول تلك الإنسانة النبيلة فجأة إلي غول يدمر ويضطهد ويقطع الأرزاق .. لعلك تقصد موقفي من ( وجدي ) .. وهل من غيره .. كيف والحنين أبداً للحبيب الأول .. هل تسمي هذا الوغد حبيباً.. أي ضمير أنت ؟ .. والله لو كانت الضمائر تباع وتشتري لرميت بك إلي الجحيم .. ولكنك لن تستطيعي منعي من إسداء النصح لك .. فأنا ضميرك .. ضميرك الحي يا ( جوليا ) .. وعموماً المسامح كريم .. تذكري أنه من الوطن وابن الجيران وأمه الحاجة (نرجس) الطيبة المهذبة .. و.. وشقيقته ماريا التافهة الحاقدة المغرورة .. لماذا لا تكمل .. ولماذا صحوت هكذا دونما إنذار .. أين كنت عندما امتهن ( وجدي ) جسدي بالرغم من كوني خطيبته علي رؤوس الأشهاد ..؟ أين كنت عندما جثوت تحت قدميه أرجوه أن يكمل مراسم الزواج قبل أن يسافر وأن يدخل بي حتي استطيع المحافظة علي إبني ؟ .. أين كنت عندما خدعني وأشعرني أنه يعد العدة للزواج وأفاجأ برحيله إلي هنا ؟ .. وبعيداً عن العواطف يا ضميري الخائب .. أليس من حق الذين انتدبوني لمراجعة حسابات المنظمة أن يعرفوا حقيقة ما يجري هنا .. ثلثمائة ألف دولار اختلسها ( وجدي ) .. إنه يخون الأمانة وهذا سلوك متوقع من شخص خان من قبل ويبدو أنه قد أدمن الخيانة ولا منجاة له .. وهو يدخن الحشيش ويمضي جلّ وقته في أماكن اللهو .. إنه عربيد وضيع فماذا تريدني أن أفعل به سوي الزج به في السجون .. بإمكانك أن تقبلي استقالته وتخصمي استحقاقاته لصالح المبلغ المختلس .. هذا أفضل من وجهة نظري .. أف .. أف من غبائك وإنسانيتك وضعفك .. وبالرغم من ذلك سأوافق .. وهكذا وجد وجدي نفسه علي أول طائرة متجهة للخرطوم وحتي تعبّر (جوليا )عن أريحيتها تجاه أسرته .. اكتفت بنقله لفرع المنظمة بالخرطوم مع التوصية بعدم إسناد أية مسئوليات مالية له .

  10.  
  11. #31
    عضو فعال
    Array
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودأزرق
    المشاركات
    250

    واصل أخي الكريم وكلنا قلوب توعي وآذان تصغي

  12.  
  13. #32
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    صباح الخير عصام وطاب يومكم ..معك وكل الرائعين والرائعات بالمنتدي نواصل الترحال في قاع المدينة مع كل الود .

  14.  
  15. #33
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400


    الحلقة السابعة عشرة
    شهر كامل مضي دون أن تصافح عيناي( سحر) وتكتحلا بروعتها الآسرة .. شهر كامل .. حوالي خمسة آلاف ساعة عشتها وأنا أعانق الفراغ واللاشيء والأشواق يا ( سحر) .. فكيف بالله عليك تتركينني للوحدة والشجن والفقد الأليم ؟ .. فهل تكون( لندن ) بعيدة لهذه الدرجة .. كنت أذهب كل جمعة لأفاجأ بها غائبة في أسفارها العجيبة .. أقرع الجرس في توجس وحذر وأنا أتهيأ لسماع صوتها الحبيب إلي نفسي .. وبدلاً عن ذلك تصفعني ردود شقيقها القاسية .. ( مين ..؟) .. تصك أذنيّ كصافرة إنذار .. وما أن أسأله إن كان باستطاعتي الدخول لصيانة عربتها يرد علي بجفاء ( المفتاح مع سحر ..) ومن ثمّ يغلق (المايكرفون) في وجهي .. فأعود أدراجي ألملم أوجاعي وأحزاني .. كنت أريد أن أراها .. أن أهرق أحزانيّ العائلية بين عينيها .. فقد ماتت شقيقتي (نسمه) في ليلة انتقالنا للمنزل الجديد .. كانت غير متحمسة للرحيل وتشبثت بالحي العشوائي حتي بعد أن نقلنا آخر قطعة أثاث .. وكانت صويحباتها أكثر تشبثآ بها .. نسمه شقيقتي الرائعة التي قاومت المرض باستماته .. كانت طفلة لاهية ومرحة حتي أقعدها المرض بعد إكمالها المرحلة الثانوية العامة .. وبرغم الألم الممضّ الذي كان يزلزل كيانها إلا أنها احتفظت بمرحها .. تسمع الراديو طول الوقت وتحفظ الأغاني الجديدة وتلتهم الروايات ودواوين الشعر وتتابع باهتمام ما يدور حولنا .. إن كان علي صعيد السياسة أو الإقتصاد وإن كان علي صعيد مشاكل البلد بشكل عام .. كانت واهنة بعد يوم حافل بالإنفعالات ودموع الفراق والوداع .. وعندما وصلنا المنزل الجديد في الساعات الأولي من الفجر لم يكن يبدو عليها أنها تعاني من شيء ذي بال .. نامت بعمق حتي السابعة صباحاً ولم توقظنا كعادتها بدقات ( بق بن ) تنساب من جهازها (الترانزسستور) معلنة الرابعة صباحاً بتوقيت( قرينتش ).. وعندما حاولت شقيقتي( سلمي) إيقاظها لشرب الشاي وجدتها جثة هامده .. وطاشت في المنزل صيحات وصراخ أمي وشقيقاتي وهن يولولون ويبكينها .. وتجمع الجيران يستفسرون عمّا يجري للساكنين الجدد .. ولما علموا بوفاة نسمه شقيقتي أطلقوا العنان لأفكارهم السمجة .. فمن قائل أننا قتلناها لمداراة العار وخوفاً من الفضيحة ومن قائل أنها انتحرت .. وأشياء أفظع من ذلك بكثير .. وكان لا بد من إخطار الجيران القدامي بالحي العشوائي فحضروا بالعشرات وهم يبكونها بحرقة وبصوت عال .. وفي الطريق إلي المقابر علم الجيران الجدد بحقيقة مرضها الذي امتد لسنوات .. فخجلوا من أنفسهم وسوء ظنونهم .
    ورجعت مرة أخري إلي عالم المعلم (سليمان الفاضي) حيث أنتمي وحيث ينبغي أن أكون مع زملائي في الورشة من (الميكانيكية والكهربجية والسمكرجية والبوهيجية) .. فمالي أنا ومال المضيفة ( سحر ) .. دعها تحلق في سماواتها البعيدة بين ( لندن وفرانكفورت ) .. تلك مرحلة في حياتي أفقدتني توازني ويجب أن يسدل عليها الستار .. فمالي أنا ومال هؤلاء الناس الذين لا نشبههم في أي شيء .. وإذا كانت سحر قد منحتك بعض الإهتمام يا ( وهم ) .. فلأنها مهتمة بعربتها قبل اهتمامها بك وقد علمت بمهارتك في صيانة أعطال العربات .. ويجب ألاّ تتوقع منها مغادرة عالمها من طيارين ومضيفات ومهندسين لتشاركك حياتك المتواضعة هذه .. أرايت يا حربي ؟ (رحنا وجينا لكلامي) .. ألم أقل لك أنك واهم ومخدوع وتلهث خلف السراب إن توهمت أنك ستنال ولو خفقة واحدة من خفقات قلبها الأخضر .. وهل أنت سعيد بهذه النتيجة ؟ .. لا لست سعيداً ولكنني مرتاح لتفكيرك المنطقي هذا .. إذن عليّ أن أعود لعملي بنفس الحماس والإخلاص اللذين بدأت بهما .. وما هي لحظات حتي حضر لي ( كافولة ) وهو يهتف ( يا حربي .. معلم حربي .. ست التيكو .. ست التيكو ..) .. قفزت من مكاني وأنا في حالة أقرب للجنون .. ( آنسه سحر .. مرحبا .. مرحبا .. كيفك يا صالح .. يعني ما فقدتني المده الفاتت دي كلها ..؟! فقدتك والله فقدتك .. يالله أركب أنا قدامي كذا مشوار عشان ترجع بالعربيه للصيانه .. أصلها طولت من غيار الزيت ) .. وبقفزة واحدة انتقلت إلي المقعد الجانبي مفسحة المجال لي لقيادة العربة .. لم يكف قلبي عن الخفقان وأنا أحاول أن استجمع قواي .. أكاد لا أصدق أن من تجلس قربي ( سحر ) .. حبيبة أيامي ومنتهي أحلامي .. نعم وأكثر وهذه المرة لن أتخلي عن أحاسيسي نحوها وسأفصح عنها في أول فرصة مواتية حتي ولو كانت النتيجة صفعة علي الوجه .. لا يهم .. لا يهم أبداً .. سأقول لها أحبك ومستعد لأن أكون خادماً لك مدي الحياة إن كنت لا أناسبك كحبيب وزوج وشريك لحياتك المفرحه .. سأقول كل ما في قلبي مرة واحدة وليكن ما يكون ( سجن سجن .. غرامه غرامه ) .. ( شايف جبت ليك معاي شنو من لندن ؟ ) .. الله !!.. ( أبرول جينز وسويتر من البرد وساعة يد فاخره .. ده كلو عشاني أنا ؟! .. ده كلو عشاني أنا ؟!!.. معقول يا آنسه سحر ..أ ففف.. آسف .. يا سحر.. أيوه كده .. ولو أنها حاجات هايفه .. والله لو لقيت زمن كنت أشتري ليك بدلة صوف ..) أشكرك ..أشكرك .

  16.  
  17. #34
    رحمة الله عليه Array الصورة الرمزية mahagoub
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    ودمدنى
    المشاركات
    11,330

    وعاد الحنين به الى سحر

  18.  
  19. #35
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    عزيزي محجوب ..الإعزاز والود وعاطر التحايا ..وبعدين مع هذا الشاب المتطلع ..؟!..لما نشوف آخرتا ..هذا مع تحياتي .

  20.  
  21. #36
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة الثامنة عشرة
    لم نحتف برحيلنا للمنزل الجديد نسبة لاقتراب موعد عيد الأضحي المبارك .. وتحت إصراري وتشددي وافق ( كافولة ) علي أن يمضي معنا أيام العيد كواحد من أفراد الأسرة وقد وعدته بمرافقته للملجأ بعد أن نضحّي ونتناول طعام الإفطار .. كان عيداً حزينآ بدون شقيقتي ( نسمه ) وقد بكت أمي طوال الليل وفي الصباح ولم تخرجها من تلك الدوامة الحزينة سوي صلاة العيد .. تحلقنا حول المائدة العامرة وقد حرصنا علي إهداء جزء من الخروف للجيران الذين تغيرت معاملتهم لنا .. وقد بقي البعض علي تحفظه بعد أن علموا أن شقيقتي تغني في الأفراح .. ولم نكترث لهم .. ولكل شخص في هذه الحياة مطلق الحرية في التصرف براحته .. هذا ما أؤمن به وهذا ما تعودت عليه منذ الصغر .. احترام خيارات الآخرين ومراعاة مشاعرهم .. وقد ربحت الكثير في فترات لاحقة بسبب هذا المنهج .. ارتدينا أجمل ما لدينا من ملابس وتوجهنا نحو الملجأ .. وما أن وصلنا حتي شعرنا بأن حركة غير عادية انتابت المشرفين علي الملجأ ولفت انتباهنا سيدتان أنيقتان كانتا تجلسان بمكتب المشرفة وأمامهما تكدست أكوام من الهدايا من ملابس ولعب أطفال وحلوي وطابور طويل من الأطفال ينتظر دوره .. انفلت (كافولة) مني وانهمك في تبادل التحايا والتهاني مع المشرفات وكبار الأطفال وكان يناديهم بأسمائهم وكأنه واحد منهم .. واكتشفت كم يحب الأطفال خالهم ( كافولة ) .. تبادلت التحايا مع المشرفة ولاحظت أنها وشوشت ( كافولة ) ببعض الكلمات واقتادته إلي غرفة الإشراف .. تبعتهم نحو الغرفة دون أن آخذ إذناً من أحد ويبدو أن وجودي لم يضايق الموجودات بالداخل .. قالت له أعرّفك بالسيدة ( جوليا ) والسيدة ( هند ) وقد حضرتا من أجل صديقك .. صديقك .. ( شنكل ؟!) ..( كافولة ) وقد أسعفها بالإسم .. السيدة ( جوليا ) شاهدت صورة صديقك في ( ألبوم ) الملجأ وهو يذّكرها بابنها الذي توفي في حادث حركة مؤلم بنيويورك .. وتود مقابلته وربما ضمه إليها .. وقد أخبرتها بمتانة علاقتكما وحدثتها عن قصة هروبكما معاً من الملجأ والقصة طبعاً طويلة وما يهمنا في خلاصة الأمر أين وكيف نعثر عليه .. إضطرب جسمي اضطراباً عظيماً وصار قلبي يضرب بقوة وسال العرق مدراراً يبلل ثيابي بعد أن لاحظت الشبه الكبير بين هذه السيدة الأنيقة وصديقنا ( شنكل ) ولاحظت أيضاً أنها بدت متوترة وقلقة وكأنها تترقب أمراً جللاً .. هنا تدخلت في الحوار وقلت لهم ( شنكل ) صديقي أنا أيضاً وكان معي بالورشة قبل أيام .. في هذه اللحظة انتفضت (جوليا ) وفقدت وقارها .. وقفت علي أرجلها وتقدمت نحوي وهي تردد ( أين هو ؟ أين هو بالله عليك ) .. نريده الآن .. الآن .. هل هذا ممكن ؟! .. نعم ولكن .. لكن ماذا ؟ الله يرضي عليك وعلي والديك .. لكن ماذا ؟ ما المشكلة ؟ .. كنت علي وشك أن أقول لها لأنه بالسجن ولكنني وقد أيقنت بأن هذه السيدة هي أمه بلا شك تحاشيت أن أعطيها عنه انطباعاً سيئاً حتي لا تهرب وتضيع أحلام صديقي التي عاش من أجلها السنين الطوال .. هل معكم عربه ؟ .. سألتها وأنا أتهيأ للقيام .. نعم .. نعم .. معنا عربه .. معنا عربتان .. إذن هيا بنا .. وانطلقنا بعد أن ودعت ( جوليا ) المشرفة وطلبت من صديقتها قيادة العربه وحدثتها باللغة الإنجليزية كلاماً لم نفهمه أنا و( كافولة ) لكن يفهم من حركاتها أنها قالت لها لا أستطيع القيادة .. أعصابي متعبة أو شيء من هذا القبيل .. ركبت بالمقعد الأمامي قرب صديقتها لأدلّها علي الطريق دون أن تعلما أننا في طريقنا للسجن وبقيت هي بالمقعد الخلفي تحاصر ( كافولة ) بالأسئلة عن ( شنكل ) ما شكله وكيف يعيش وأين وممّ وكنت استرق السمع لهما خشية أن يتسرع ( كافولة ) ويخبرها بالحقيقة .. وعندما بتنا علي بعد أمتار من مدخل السجن .. تساءلت ( جوليا ) بحيرة .. أين نحن ولماذا جئنا لهذا السجن ..؟! لأن ( شنكل ) بداخله وهو يمضي عقوبة السجن بسبب مشكلة بسيطة وسوف يخرج قريباً جداً إن شاء الله .. السجن ..؟! .. كيف ولماذا ..؟ تعالوا معي لتعرفوا التفاصيل بأنفسكم .. كانت المفاجأة قاسية عليها وقد غادرت العربة بصعوبة وهي تترنح من هول المفاجآت التي أحاطت بها .. قابلنا مدير السجن بترحاب شديد ولعل هذا دأبه مع جميع الحاضرين من أقارب السجناء .. قدمتهما للضابط وقلت له هذه السيدة تود مقابلة السجين ( شنكل ) .. ( شنكل ؟! ) .. ضابط السجن يسأل باستغراب ؟ ليس لدينا مسجون بهذا الأسم .. ( في يا جنابك .. ..المضمون بتاع المسجد والنادي ..) .. مولانا ؟! نعم هو ويلقبونه ب ( شنكل ) .. ولكننا أفرجنا عنه بمناسبة العيد ولحسن السلوك .. أسقطت عنه بقية العقوبة وقد غادر فيما أظن .. أبداً يا جنابو لم يغادر بعد .. الجاويش وهو ينقذ الموقف للمرة الثانية .. وكانت ( جوليا ) تحاول جاهدة التماسك وهي تتأرجح بين سعادتها بالإفراج عنه وبجزعها من خبر مغادرته ثم تدخل الجاويش ليخبرنا أنه بمنزل المساعد ( بكري ) وقد دعاه لتناول وجبة الغداء .. ولد ممتاز وذكي وأخلاقه عاليه ولد مؤدب .. ولد مهذب .. الضابط وهو يسبغ الصفات علي ( شنكل ) و( جوليا ) تتابعه باهتمام شديد .. ومن ثمّ دعانا للمكتب ووجه الجاويش بأن يذهب ويحضره .. وهنالك أوضحت له ( جوليا ) الغرض من زيارتها له وأعادت علي مسامعه القصة إياها .. قصة وفاة ابنها بنيويورك وكنت علي يقين ثابت بأنها تكذب .
    رجع الجاويش وهو يعيد علي ( شنكل ) المذهول بما يسمع .. سبب إستدعائه .. ( قلت ليك واحده عايزاك بشده واحده محترمه والضابط قال تسيب كل شيء وتحضر فوراً) .. تردد برهة في الدخول .. وعندما بات في منتصف الغرفة تجاوز ( جوليا ) التي كانت تجلس قريباً من الباب ووقف أمام الضابط وهو يقول ( نعم جنابك .. عرفت إنك عاوزني .. خير إن شاء الله ؟ ..لا خير .. اطمئن يا ابني .. هو إنت يجي منك غير الخير يا مولانا ) .. وقفت علي قدميها وهي شبه مذهولة وقد أسكرتها اللحظة التي انتظرتها السنين الطوال .. اللحظة التي عاشت بانتظارها الأيام والليالي مطوقة بالحزن والآلام .. وأدرك ( شنكل ) بأنها هي .. هي أمه ولا يحتاج الأمر إلي براهين .. هنا أخرج من جيبه القطعة المعدنية ومد يده نحوها وكأنه يصافحها ودسها بيدها فأخذته بالأحضان وقد إنفجرت بالبكاء .. ( إبني حبيبي .. إبني حبيبي ..) وتحت وطأة تلك الدقائق القاسية .. اقترح علينا الضابط مغادرة المكتب وغادر هو أيضاً معنا .. وتركناهما لوحدهما .. ولا بد أنه قد دار بينهما عتاب رقيق واعتذار موشح بالدموع والتنهدات .. ولدي خروجهما كانت ( جوليا ) لا تزال تكفكف دموعها .. أما (شنكل ) فقد كان يردد في سره عبارة ( الحمد لله رب العالمين والشكر لله العلي القدير ) ..

  22.  
  23. #37
    رحمة الله عليه Array الصورة الرمزية mahagoub
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    ودمدنى
    المشاركات
    11,330

    شنكل وجمع
    عقبال حربى
    تتحل مشكلة عرسه

  24.  
  25. #38
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة التاسعة عشرة
    شكرت الضابط علي أريحيته وأعلنت عن تبرع سخي للخدمات الإجتماعية بالسجن كما فعلت بالملجأ ومن هنالك توجهنا جميعنا نحو منزلنا وقد رجتني ( جوليا ) وهي تغادرنا أن أرعي ( شنكل) لمدة أسبوع واحد لا أكثر تكون خلاله قد استخرجت له بعض الأوراق الثبوتية لتأخذه معها إلي أمريكا وتود أن يظل هذا الأمر طيّ الكتمان لا يعلم به أحد حتي لا تتدخل أطراف أخري لتفسد عليها خططها ولعلها تقصد بذلك والده ( وجدي ) الذي سبقها إلي الخرطوم من روما .
    وعادت الأيام الحلوة من جديد .. عاد الزمن الرائع وعادت معة الأمنيات الرائعات .. فقد منحتني ( سحر ) أوقاتاً لم أكن أحلم بها وزادت بأن أوعزت لوالدها العائد لمنصبه المرموق .. أوعزت له بتعييني سائقاً خاصاً له ( تعرف يا بابا ميزة صالح ده شنو ؟ .. أولاً ميكانيكي شاطر ومؤدب وممكن ينفعنا في مشاوير الماما وناس البيت ) .. لم تترك له فرصة للرفض أو الإعتذار وهكذا تم تعييني سائقاً للمدير دفعة واحدة .. هوّنت الأمر علي المعلم ( سليمان الفاضي ) ووعدته بأنني سأعمل معه ساعات إضافية وأيام العطلات وقلت له مداعباً ( الحكومه إجازات في إجازات .. عامله زي النسوان في المطبخ .. تقطع الأسبوع زي قرن الباميه .. لو الأربعاء إجازه ده معناه إجازه تلاته أيام وإمكن الواحد ياكل السبت وينزل الأحد .. وهكذا أقنعته بأن يسدد لي استحقاقاتي المالية عن عملي خلال الشهور الأخيرة .. وقد أوفيت بوعدي له بعد تسلمي لمهامي .. إذ حولت تدريجياً كل الصيانة الخارجية لعربات المصلحة لورشته .. كنت أستيقظ مع آذان الفجر .. وبعد أداء الصلاة أرتدي أجمل ما عندي من ملابس وما إلي ذلك من عطور وقص شعر بصفة شبه يومية .. كنت أحاول جهدي أن أبدو أنيقاً في عينيّ ( سحر ) وكانت والدتها أسعد الناس بهذا التعيين الذي أضاف بعداً إجتماعياً جديداً لشخصيتها التي كانت تعاني الأمّرين بسبب سجن زوجها وإيقافه عن العمل وبالتالي حرمانه من مخصصاته .. فأنا الآن سائقهم الخاص .. وكانت ( سحر ) تحرص علي إحضار الشاي المصحوب ب(البسكويت ) بنفسها وتصبه لي .. نتجاذب أطراف الحديث ونثرثر بلا موضوع .. كنت ألمح في عينيها حناناً دافقاً ينساب في صمت دون أن تفصح عنه وكنت أتلقف حنانها بفرح غامر أحبسه بين ضلوعي .. ولعل كل واحد منا كان مقتنعاً بهذا القدر من الحب الصامت أو هكذا خيلّ لي .. وكنت لا أدّخر وسعآ في تلبية رغبات كل أفراد العائلة وأقاربهم في توصيل هذا الضيف أو هذه لا سيما مشاوير ( سحر ) المسائية لحضور حفلات زفاف قريباتها علي امتداد عائلتها المتشعبة .. وأحياناً أعود بالعربة إلي منزلنا في ساعة متأخرة من الليل لا سيما عندما أكون في صحبة العائلة وهي تسهر إلي وقت متأخر في المناسبات .. شخص واحد كان لا يطيقني ولا أطيقه .. ذلكم هوعصام شقيق ( سحر ) .
    لكم تغيرت يا صديقي حربي ..عربه ملاكي أو بالأحري عربة ( تاكسي ) أنيقة صفراء اللون .. ما هذه الأبهة وتلكم الأناقة يا رجل .. ؟ ربنا كريم .. أرسل لنا الرائعة ( جوليا ) .. فقد منحتني مبلغاً لا بأس به كهدية وكذلك فعلت مع كافولة الذي قرر فتح ورشة خاصة به والإنتقال من منزلنا ليسكن بنفس الورشة بعد أن لاحظ تبرم شقيقتي ( سلمي ) من وجوده بيننا .. وعلي النقيض من ذلك رحبت بوجود ( شنكل ) ولعلّه استهواها بوسامته ودماثة أخلاقه بعكس (كافولة الفوضجي) .. المهمل .. الذي لا ينظم حتي السرير الذي ينام عليه .. ولا يساعد في ترتيب أوضاع المنزل لا سيما وأن طالبي ( سلمي ) للغناء في الأعراس يتضاعف يوماً بعد يوم وقد أضافت لفرقتها عازف ( أورج ) شاب أضفي علي أدائها شيئاً من التجديد .. هكذا إذن .. وكيف يا صاحبي توفق بين مشاوير المدير بالمصلحة ومشاوير ( سحر ) وشقيقتك سلمي .. ؟ لا تخف عليّ ّ .. فأنا ( بلدوزر .. أنا صاعقة النهار .. أنا أبو سريع الأصلي ) .. وكيف لو تضاربت مواعيد هذا مع هذه أو تلك .. ؟! .. في ظروف كهذه تبقي مشاوير ( سحر ) أولوية قصوي .. مشاوير مقدسه .. وهل أستطيع أن أفعل شيئاً غير هذا .. أنا الآن مسجل بالكامل للآنسة ( سحر ) .. تكفي الإشارة من يديها لأتحول إلي إعصار كاسح .. تكفي إلتفاتة صغيرة من عنقها الجبار لأقتحم الأهوال ولا أبالي .. تكفي .. لا بل كفي فأنت عبد لعواطفك لآ أكثر .. إسترقّتك هذه الآنسة وحولتك إلي عبد من عبيد جمالها الآسر .. ويالها من عبودية لا أتمني الخلاص منها مدي العمر .. فأين الندية والحب المتبادل ؟! .. أين شخصية الزعيم ؟! لعلك نسيتها وراءك بالحي العشوائي ؟ .. أما هذه فهي مؤجلة لحين إشعار آخر .. فدعني أعش إسترقاقي ل(سحر) بكل ما أملك من إرادة ولن أندم .. وإن كان علي الزعامة فأنا أمارسها فعلاً .. لقد توغلت في مجتمع المصلحة .. أبادر بفعل الخير .. أقف مع هذا في محنته .. أوظف عربة المدير وعربتي للمشاركات الإجتماعية والأخوية وأحمل المرضي للمستشفي .. أقوم بتسليف حتي كبار الموظفين مبالغ في حدود المعقول ولا أضايقهم في ردها .. اتولي كشوفات الأعراس والمرضي و(النفاس) وما إلي ذلك .. الجميع يثقون بي وبأمانتي .. إلي أن وقعت تلك الحادثة الرهيبة والتي خلقت مني بطلاً أسطورياً تناقلت أخباره وسائل الإعلام

  26.  
  27. #39
    اللجنة الاستشارية
    Array
    تاريخ التسجيل
    Aug 2006
    الدولة
    ودمدني / بانت
    المشاركات
    1,705

    بهذا السرد فقط حركت فينا شجن ودموع لم تنضب إلا بدخول أحد الزملاء قاطعاً لحظة مع النفس ومفردات صادقة لروائي مميز .. فما بالك بإذا ما ذادت مساحة اللقاء بين شنكل بجوليا كما أراد لها مولانا صلاح سرالختم .. مبدع أنت بدون شك ..

  28.  
  29. #40
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الأعزاء محجوب وعصام ..لونت مداخلاتكم المفرحة كل مساحات الوجدان المتعب بالراحة والاطمئنان وأشعرتني بأنني لست وحدي في هذه الرحلة الصعبة بقاع المدينة ودموعك يا عصام هي دموع رجال بتهد جبال لكنه ذاك الشعور المترف بالإنسانية الذي جعلك والريس محجوب حضوراً هنا ..طابت أوقاتكما والجميع بكل الخير ..وعمتم مساءً.

  30.  
  31. #41
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة العشرون
    فقد كنت بصدد شراء وقود لعربتي (التاكسي) وقد كنت في وسط صف طويل من العربات عندما توقفت عربة ( تانكر ) عملاقة لإفراغ حمولتها بالقرب من المكان الذي نقف به ولاحظت أن السائق طلب من شخص جاء معه قياس الكمية المستلمة ريثما يشرب قدحآ من الشاي لدي امرأة جلست عند بناية بعيدة من محطة الوقود وقد تحلق حولها عدد من الزبائن .. وكنت وقتها منهمكاً مع تسجيل ل(سلمي) شقيقتي عبر مسجل العربة وفيه أغنيتي المفضلة ( قامت الطياره وأدوا الإشاره .. كاميليا حرقت يا شباب كفاره ) وكاميليا هذه ثبت أنها مضيفة كالآنسة سحر .. وكنت أتساءل متي ستعود من (سفريتها) الأخيرة إلي ( لندن ) .. وقد حزّ في نفسي أنها وفي كل مرة تتخلف ب(القاهرة ) .. لماذا تتخلف ب(القاهرة ) ومن أجل من ؟! .. و(مالك إنت ياخي .. تتخلف .. تسافر .. إنت منو وإنت شنو عشان تسأل هذا السؤال ..) .. هكذا أنتم تحّرمون علينا حتي الأحلام .. أحلام اليقظة .. ولكن ما هذا الدخان الذي يتصاعد من الأنبوب الذي يسحب الوقود من ( التانكر ) إلي جوف الأرض .. وهذا اللهب .. ( النار ..النار ..البنزين ..ألحقونا يا عالم .. وبسرعة الصاروخ تسلق اللهب الأنبوب حتي حافة ( التانكر ) وسيطرت حالة من الرعب الشديد علي الجميع .. ركض الناس متباعدين وحاول آخرون السير بعرباتهم إلي الخلف وسادت فوضي لا مثيل لها .. ووجدتني دون أدني تفكير في العواقب أصعد ( التانكر ) ولحسن الحظ كان المفتاح داخل خزانة التشغيل .. أدرت المحرك وتدحرجت بالعربة نحو ميدان قريب لكرة القدم وكان ثمة صبية صغار يلعبون كرة القدم تراكضوا في جميع الإتجاهات عندما رأوني أتجه نحوهم .. وعندما صرت في منتصف الميدان تماماً .. قفزت من العربة وانبطحت أرضاً علي بعد أمتار قليلة ليعقب ذلك انفجار هائل حول العربة إلي كرة من اللهب .. وهل أصبت ؟ .. إصابات خفيفة وحروق سطحية .. ( سحر ) قالت لي هذه أوسمة علي صدرك يا بطل .. أنا بطل يا (سحر ؟) .. ( بس !!؟ ) .
    مضت إجراءات سفر( شنكل ) علي قدم وساق وقد أرسل له ( المستر رتشارد ) جواز سفر أمريكي يحمل إسمه الجديد .. ( المستر رامي رتشارد روبرتسون ) .. وكنت ألمح سحابة من الحزن تخيم فوق وجهه لا تبددها سوي زيارات أمه ( جوليا ) وعودة شقيقتي ( سلمي ) من حفلاتها للبيت وقد صرح لي أكثر من مرة أنه بات مقتنعاً بأن علي (سلمي) ترك الغناء في الحفلات بل وحتي غير الحفلات .. وذات مرة تجرأ وواجهها صراحة بمآخذه علي الغناء وطلب منها الكف عنه .. ولشدة دهشتي لم تتفوه ( سلمي ) بكلمة سوي عبارة ( إن شاء الله .. الله يهون ) .. متي يا سلمي؟ أريد تحديداً قاطعاً .. أكمل العقود التي بيدي وأعتذر لكل من يطلبني للغناء .. هل ستتخلي ( سلمي ) العنيدة عن الفن الذي أحبته نزولاً علي رغبة ( شنكل ) ..؟! .. لا تستغرب يا زعيم .. أظنك وأنت غارق في دوامة( سحر ) لم تلاحظ مشاعر الحب والإعزاز التي ظلت تنمو وتكبر يوماً بعد يوم منذ أن انتقل صديقك العزيز ( شنكل ) إلي منزلكم من السجن وقد رأيت كيف أنها بنظراتها فقط أجبرت ( كافولة ) علي الرحيل والانتقال ليعيش ويعمل بورشته .. وما هي أيام حتي فاجأنا برغبته في الزواج منها .. وأردف قائلاً سأطلب من أمي إضافتها علي جواز سفري بعد عقد القران وقد أخبرتها بأنني لن أسافر إلا وسلمي معي .. قالت له لماذا لا تسافر أولاً وبعد أن تتعرف علي البلد ربما ترغب في الزواج بأمريكية أو فتاة من الأسر السودانية التي تعيش بصفة دائمة هناك ..؟ قال لها لا بل سلمي يا أمي .. وهكذا تم كل شيء في سهولة ويسر واقتصر عقد القران علي عدد قليل من المدعوين بعيداً عن الأضواء .. وبعد مغادرتهم التي شقّت علي والدتي .. تبارت الصحف في الإعلان عن زواج شقيقتي وسفرها مع عريسها لأمريكا واعتبر الكثيرون أن سفرها خسارة فادحة لمحبي الطرب الأصيل وأغاني التراث .. بيد أن آخرين اعتبروا صوتها ضعيفاً وأنها كانت تعول علي الموسيقي واللحن وأن في صوتها بحة لا تروق للكثيرين .. لكنها علي كل حال سافرت يحف بها زوجها والصغيرة المندهشة لما يحدث حولها (لوسي) .. وقبيل سفرها همست في أذني ( سلمي ) قائلة .. سأدرس الموسيقي وسأصبح فنانة عالمية فقط عليك متابعة وكالات الأنباء .
    وهكذا تمضي بنا هذه الحياة الغريبة تجرفنا معها مثل قطعة طافية فوق الزبد .. تضحكنا أحياناً وتبكينا في أحايين كثيرة .. فقد سافرت سلمي لأمريكا وقبل عام فقط كانت تبيع الشاي أمام دكان (الحاج رضوان ) بالحي العشوائي .. وهانحن نقتني منزلاً يخصنا وحدنا .. به خدمات كهرباء وماء ومواصلات وصارت لدينا عربة خاصة .. ولكننا فقدنا شقيقتنا .. ماتت وهي تحتضن صورة الضنك والمعاناة التي عشناها بالحي العشوائي .. توقفت مخيلتها عند هذه النقطة بينما الكل يتقدم نحو الأمام ..

  32.  
  33. #42
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة الواحده والعشرون
    بطه ..بطه ..بطااااا .. ولكن .. لكن ماذا يا حربي ؟ سألتني والدتي وسلمي بصوت واحد .. في الحقيقة أفكر في الزواج .. الزواج ؟!!..هل أرسل زغرودة تجاوز السماء ( جيد لينا وجيد لينا ) .. سلمي وقد رحبت بالفكرة .. والله أغني لك يا حربي في يوم عرسك كما لم أغن منذ ولادتي .. ( عاد اليوم داك ما ببالغ عديل في الغنا والرقيص .. تسلمي يا سلمي ) إذن من تكون العروس .. العروس موجوده ولو لم يكن لديك ارتباط اليوم يا سلمي نذهب أنا وأنت (وندفع قولة خير .. علي عيني ورأسي يا أحلي أخو في الوجود ) .. وهكذا أصبح الحلم حقيقة ما بين ليلة وضحاها وهاهي بطة قاب قوسين أو أدني من يدي .. ركبنا عربتي التاكسي وكدت أن أصدم ثلاث مرات عدد من العربات ..ياااه .... تلقفتنا قريبة بطة عند الباب .. وكان ترحيبها بنا فاتراً .. جلسنا في بهو الحوش لنعطيها فرصة لتجهز حالها .. عادت لنا بعد قليل لتقول ( إتفضلوا جوه .. شرفتونا كتير ..) ومن ثمّ دست ورقة من النقود في يد أحد الصبية وطلبت منه شراء شيء من ( الكولا ) ..أهلاً وسهلاً .. جاء صوتهابطعم الرماد وكأنه يخرج من أعماق سحيقة .. ولاحظت بشيء من القلق أن (بطة ) غير موجوده .. ( وين بطه ؟ .. ما شايفنها ) .. موجوده مشت علي الجيران .. هنا شعرت بإرتياح مشوب بالحذر .. وكأنما نحن بصدد كارثة ما .. لعلها خمنت ما نحن بصدده .. مظهرنا الأنيق والعلبة التي تحتوي علي ( دبلة الخطوبة ) وقد وضعتها علي المنضدة لتعلن هي القصد من زيارتنا لهم .. قلت لها وأنا اتجاوز حالة الصمت التي رانت علينا .. ( في الحقيقه أنا وأختي سلمي جينا نخطب بطه ويكون لينا عظيم الشرف في تقديم هديه بسيطه .. ) ثم تناولت العلبة وفتحتها مردفاً .. وأهو دي الدبلة .. في هذه اللحظة دخل علينا زوجها وما أن تعرف علينا حتي اكفهر وجهه وبانت عليه علامات الإنزعاج الشديد .. أهلاً وسهلاً .. ولم يكد يجلس حتي دخلت بطة بصورة عفوية وهي تدندن بأغنية .. وما أن أضحت داخل الغرفة حتي تسمرت في مكانها لا تقدم رجلاً أو تؤخرها .. نهضنا أنا وسلمي ( العروس .. دي العروس ) همست في أذنها منوهاً .. أهلاً بعروستنا الحلوه .. بطه .. إسمها بطه .. بطه .. سلمت علينا وجلست في ركن بعيد وقد أشاحت بوجهها عنا .. أعدت حديثي علي مسمع منها ومن زوج قريبتها .. قال لنا بعد تردد وحيره .. الحقيقه .. الحقيقه ما في نصيب .. (النخيل) أشرحي ليهم الحصل وغادرنا وهو يقول ( صلاة العشاء ..عن إذنكم أحصل الصلاه ) .. هنا انفلتت بطه نحو غرفة جانبية وهي تجهش بالبكاء .. ( يا جماعه العرس قسمه ونصيب .. وأخوك حربي نعم الولد .. بس بطه عقدنا ليها الجمعه الفاتت ) .. أظلمت الدنيا أمام ناظري ولم أنتظرها لتكمل بقية حديثها فنهضت مغادراً المنزل وأنا أكاد أنفجر من الغيظ .. لملمت بقايا كرامتي المجروحة وأيقنت بأن هذه الأمور هي فعلآ مقسومة سلفاً ولا نملك أن نفعل إزاءها شيئآ سوي التسليم بالواقع المرّ ..لقد تزوجت سلمي بعد ذلك بشهر وكنت الأقرب للزواج منها ..ولم يتبق لي سوي سحر أو اللاشيء .
    نسيت بطة في زحمة الحياة أوهكذا خيّل لي .. في باديء الأمر كنت أتذكرها حوالي عشر مرات في اليوم وبدأ هذا العدد يتناقص إلي أن جاء يوم لم أعد أذكرها فيه ولو لمرة واحده .. وفي ذات صباح ماطر صفع وجهي عنوان بارز بإحدي الصحف يتحدث عن فتاة شرعت في الإنتحار بتناول كمية من صبغة الشعر وقد تمكن الأطباء من إنقاذ حياتها بما يشبه المعجزة .. وتقول تفاصيل الخبر أن المواطنة ب . ن . ز . البالغة من العمر 24 عاماً قد فعلت كذا وكذا وقد أفادت مصادر الصحيفة أن سبب الحادث يعود إلي تزويج المذكورة من شخص لا ترغب فيه .. حاولت أن أقنع نفسي بوجود تشابه في الحروف الأولي وأن بطة إنسانة عاقلة ولا يمكن أن تقدم علي فعل شيء كهذا و..إقتنعت ..ولم أعد أفكر بالموضوع .

    التعديل الأخير تم بواسطة عبدالغني خلف الله ; 17-02-2013 الساعة 09:19 PM
  34.  
  35. #43
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة الثالثه والعشرون
    كنت منهمكاً في صيانة عربة السيد المدير عندما حضر لي موظف الاستقبال ليخطرني أن شخصآ ما يطلبني .. وقال لي وهو يرمقني بنظرة ذات معني .. سيدة أنيقة وجميله .. تري من تكون وكل أهلي لا يعرفون سبيلاً إلي دواوين الحكومة .. فلا المحليات ولا الزكاة ولا حتي مكاتب تسجيل المواليد .. كل هذه المسميات لا شأن لهم بها .. وقد يجوع الواحد منهم ويخبو لدرجة التلاشي ولا يكلف نفسه عناء البحث عن مكاتب المسئولين .. هل تكون ( أميرة ) .. لقد أضحت فتاة جامعية بإحدي كليات الطب .. لعلها تذكرتني سيما وأنها لم تزرنا ولا مرة واحدة بمنزلنا الجديد ولم تكلف نفسها عناء تعزيتنا في شقيقتنا .. لماذا يا أميرة كل هذا التنائي وكل تلكم القسوة ؟..ليتها تكون هي فقد اشتقت طلتها الآسرة ووجهها الطفل .. بطه ؟؟! ..إنها فعلاً بطة .. ولكن من أين لك يا عزيزتي هذا المظهر الأرستقراطي الخلاب .. أنظروا يا ( جماعه ) إلي تسريحة الشعر والطقم المتناسق في كل شيء بدءً بال( بلوزة والإسكيرت ) وانتهاءً بالحقيبة والساعة .. ياه .. !! لكّم تبدين أنيقة يا بطه .. جلست قربها أسلم عليها وأسألها عن أحوالها .. لقد حصلت علي الطلاق وعلي وظيفة في محل لبيع الملابس النسائية والعطور .. ( بوتيك يعني ) .. (بوتيك شنو) .. وكانت هذه المفردة غريبة عليّ .. المهم سألت عنك في الورشة وأعطاني ( المعلم سلمان الفاضي ) العنوان فجئت إلي هنا علي الفور .. كم أشتاقك يا بطه .. حتي غيوم عطرك أضحت أجنبية يا حبيبة خاطري .. هل ستأتي لنا في بيت بنت خالتي .. لعلك لم تنس الوصف يا حربي .. أنسي ؟! .. بإمكاني الوصول إليكم وأنا مغمض العينين .. تبادلنا حديثاً رائعاً فيما يشبه الهمس وحلقنا بعيداً بأجنحة الأحلام .. وفجأة تقتحم مكتب الاستقبال آنسة ( سحر ) .. أهلاً .. أهلاً .. حمداً لله علي السلامة .. متي عدت من السفر .. ثم ( أسمع يا صالح .. حأسلم علي بابا وعاوزاك في كذا مشوار) .. قدمت لها بطة علي أساس أنها ( بت أهلنا ) سلمت عليها من البعد إذ كانت تتأبط رزمة من الأشياء .. لم تجلس بطة بعد حضور ( سحر) فودعتني وقالت لي في رجاء مخذول ( أوعك تتأخر علي ّ يا حربي .. أوعك ).
    عادت ( سحر ) وتوجهنا سوياً نحو عربتها .. ( لا سوق إنت .. أنا تعبانه شويه ) .. أمرك .. همست في عينيها..وجهتني بالسير عبر شارع النيل .. وألقت برأسها وهي ترسل تنهيدة طويلة .. تري من تكون هذه البنت الصبوحة .. وما علاقتها بحربي .. لو كانت معي ( كاميرا) لأخذت لها صوره وأهديتها لمدير الشركة لتوضع في غلاف ( البونشور ) الخاص بالشركة بمناسبة العام الجديد .. هذا الجمال القروي ينم عن أصالة غريبة .. ( بت أهلنا ) معقول أصدق هذا الكلام .. ولكن لماذا أنا مهتمة بهذا الموضوع .. ؟ .. لا أنكر أن وجودها بالقرب من حربي .. وجهها في وجهه قد ضايقني .. ولكن لماذا ضايقني ..؟ يبدو أن التحليق لساعات طويلة قد أصابني بالدوار .. ترجلنا عند مكتب لبيع وشراء العقارات .. واستقبلنا أحدهم بترحاب شديد وبدأ يحدث سحر بتفاصيل أجهلها تماماً .. وبين الفينة والفينة يؤشر لها علي تخطيطات هنا وهناك .. هذه الشقة مثلاً تطل علي حديقه وروضة أطفال .. بها ( إتنين غرفة نوم وإتنين تواليت وبلكونتين وإتنين غرف إستقبال .. وهذا الركن الصغير يصلح للسفره ) .. سألتني ( سحر ) عن رأيي .. فهمهمت بكلام مثل ( والله مش بطاله وكويسه ) دون الدخول في تفاصيل .. وفي طريق العودة سألتها لماذا إنفاق الأموال في شقة ولديك واحده .. قالت لي وقد أخذ منها التعب كل مأخذ .. هذه ستكون شقتي يا ( صالح ) .. تحميني من غدر الأيام .. شقتي الحاليه في بيت العائلة ليست ملكي بالضبط .. هنا يكمن الفرق .. توقفنا داخل منزلهم ولم يكن به أحد .. شعرت بأنها كادت أن تسقط وهي تحاول الصعود علي الدرج .. تلقفتها قبل أن تسقط وأخذتها بين ذراعيّ وأنا أصرخ كالمجنون .. ( سحر مالك .. مالك يا سحر ؟! .. أنزلتها مرة أخري وسمعتها تقول لي ( دوخه بسيطه يا صالح وبتروح ) .. ومرة أخري تهاوت نحو الأرض فتلقفتها ثانية وصعدت بها الدرج المؤدي إلي غرفتها وأنا أضمها إليّ بشدة وحمي رهيبة تجاوزتها لتحرق أضلعي .. ( إنت محمومه شديد يا سحر .. خليني أوديك المستشفي ) .. شبكت كلتا يديها بعنقي وأنفاسها الحارة تلفح وجهي .. أجلستها علي كرسي بغرفتها وقدمت لها كوباً من الماء .. هل نذهب للمستشفي يا ( سحر ) .. لا أبداً ما في داعي .. (جيب قطعة قماش واعمل لي مكمدات بارده ..) وجلست بقربها علي السرير أنضح الماء البارد فوق قطعة القماش وأبلل بها جبهتها .. وبدون أن أدري وجدتني أمسد شعرها وأفرك يدها التي نامت في يدي وأنا أحنو عليها حنواً لا أجد له تفسيراً .. وبعد تناولها قرص ( أسبيرين ) نامت نوماً عميقاً وأنا جاث قربها أراجع كل خلجة من خلجات وجهها وأتساءل بيني وبين نفسي لماذا أنا هنا تحديداً ..؟ وظللت علي هذه الحالة إلي أن عاد والدها .

  36.  
  37. #44
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة الرابعة والعشرون
    قالت لي أمي كيف تنسي أخوك ( كافوله ) وتهمله بهذه الطريقة وأنت تعلم بأنه قد غادر المنزل دون إرادته ولعلّه ضاق ذرعآ بمضايقات شقيقتك ( سلمي ) التي لم تكن تطيق رؤيته والآن وقد سافرت ( سلمي ) إذهب واسأل عنه( ينيبك أجر ) .. المسكين مقطوع من شجره ولا أهل له .. قلت لها سأذهب يا أمي وسأحاول إعادته للمنزل بكل السبل .. وذهبت لأفاجأ بأن الورشة مغلقة وقد وضعت عليها علامة بالشمع الأحمر .. يا ساتر ؟! ..شمع أحمر في الباب ..؟ وهل يوضع هذا الشيء علي الأبواب ولماذا ؟ .. لقد رأيت الشمع الأحمر لأول مرة بيد الكاتبة ( مها ) بمكتب( الباشكاتب) العم ( خاطر ) .. و(مها ) هذه حسناء المصلحة بدون منازع .. وكنت كثيرآ ما أتسكع( بفرندة ) مكتبها اتأمل جمالها جلّ الخالق .. وأظنها شعرت بإعجابي بها فصارت تمطرني بسيل من المشاوير .. مشاوير لا تصحبني فيها للأسف الشديد .. هي تستغلني دون ريب بيد أنني كنت سعيدآ باستغلالها لي .. كان يكفي أن تكلمني عبر الشباك كلمتين وتتنهد في وجهي وهي تشكو من كثرة العمل .. تنهيدة تزلزل كياني .. ولكن مالنا نحن ومال ( مها ) يا ( حربي ) ؟! .. كنت ستحدثنا بما حصل لصديقك(0 كافوله ) .. نعم .. نعم .. لقد تذكرت وأنا آسف جدآ .. أنت طبعآ تستغرب كلامي عن ( مها ) لأنك ببساطة شديدة لم ترها .. آخ وآخ من ( مها ) .. نعود لموضوع الورشة وما تحصلت عليه من معلومات .. فقد أخبرني صبي قالوا لي إنه يعمل مع الأوسطي ( كافو ) .. وهذا هو الإسم الجديد لصاحبنا ( كافوله ) .. أن الشرطة أخذته معها للتحقيق في قضية (إسبيرات ) مسروقة .. ومن ثمّ انطلقت إلي مركز الشرطة وطلبت مقابلته .. كان حزينآ ويائسآ وهو يتقدم نحوي ولمّا تبين أنني من أسأل عنه انبسطت أساريره وعانقني بمحبة حقيقية .. قال لي أن المعلم ( الكيك ) قد أرسل له إثنين من ( الفتوات ) يهدده بالعمل معه في بيع الإسبيرات المسروقة أو تحمل النتيجة .. وهمس أحدهم في وجهي ( الضبح يا كافوله .. الضبح ) .. لم أشأ إغضابه فأرسل لي ماكينة عربه ( بوكس ) لأبيعها له ويبدو أن الشرطة قد علمت بالموضوع فقبضوا عليّ وحققوا معي .. قلت لهم أن هذه الماكينة لا تخصني وقد أحضرها لي شخصان أعرفهم بالإسم ولكنني لا أعرف عنوانهم .. واليوم فقط قبض عليهما وعليه قد صدقوا لي بضمانه والحمد لله ( إنك جيت في الوقت المناسب ) .. أخذته معي بعد تكملة إجراءات الضمانة واقترحت عليه أن يعمل معنا بورشة المصلحه .. لم يتقبل الفكرة للوهلة الأولي ولكننا وبعد وصولنا لمنزلنا ومقابلة والدتي أقنعته هي الأخري بمعقولية الفكرة .. منحته بعض الوقت ليغيّر ملابسه وعدت للمصلحة وهنالك توجهت مباشرة نحو مكتب ( الباشكاتب ) العم (خاطر) .. لم يتردد في الموافقة وقال لي (أي زول يجينا من ناحيتك يا حربي هو محل ثقتنا ) .. ياه .. كم أنا سعيد بالقبول الذي أحظي به بهذه المصلحة .. هذا لأنك سائق السيد المدير .. لا والله .. ربما يكون لهذا السبب تأثير ولكن .. لا تظلمني بهذه الطريقة المجحفة .. أين خدماتي لكل العاملين ؟ .. بل أين وقوفي مع المرضي والمحتاجين من العمال والموظفين .. هل تعلم بأن أكثر من شخص عرض علي أن أترشح لإنتخابات النقابة التي لم يتبق عليها سوي أسابيع وقد فكرت في الترشح .. ( جد ؟!) .. فلماذا تضحك يا هذا .. أضحك من غبائك وتطلعاتك غير المنطقية يا حضرة (السواق) الخاص للسيد المدير .. هل نسيت أنك أمي جاهل ؟! .. كنت يا سيد وقد التحقت بتعليم الكبار وحصلت علي تقدير ممتاز في القراءة والكتابه .. القضية ليست قراءة وكتابه .. شغل النقابات دا عاوز زول مصحصح .. زول مثقف) .. اسألني أنا فقد كنت يومآ نقابي كبير فماذا كانت النتيجة .. دخلت السجن وأمضيت فيه أنضر سنيّ عمري بدعاوي فارغة مثل النضال والطبقة العامله وما إلي ذلك من ترهات .. عمومآ ستري وسأثبت لك زيف أفكارك عني .. إذن ما هو المطلوب يا عم خاطر ..؟ صديقك هذا يكتب طلب ويرفق معة شهادة الجنسية ورخصة القياده .. وسوف أقوم بالتوصية عليه والباقي عند السيد المدير .. جميل جدآ .

  38.  
  39. #45
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة الخامسة والعشرون
    عدت إلي ( كافو ) .. وهذا هو طبعآ إسمه الجديد وقد أعجبني أكثر من ( كافوله ) .. أشكرك يا معلم ( حربي ) علي مجهودك ووقوفك معي .. ولكنك نسيت شيئآ هامآ .. ماذا أقول لشرطة الجنسية .. من أنا ؟ من هو أبي ؟ أين يعيش أسلافي ؟! .. أنا ضائع متشرد ( ود حرام يا حربي ) .. وسالت دموعه غزيرة فوق وجهه لتبلل ذقنه وتنساب علي قميصه .. تركته ينفس عن أوجاعه وعندما هدأ قليلآ قلت له .. هذا ليس ذنبك وأنت تعرف ذلك جيدآ .. قلت له كلامآ من هذا القبيل وأكثر وقد طاش في خاطري العم صباحي خفير المصلحه .. رجل في السبعين من عمره .. إنتهت به الحياة إلي غرفة صغيرة بذلك الركن القصي بالمصلحة يمضي فيها سحابة يومه يعزف علي ربابته ويغني بصوت واهن ( أتملي ..وو ..أتملي .. تملالي ما تملالي ) وعندما يأخذ منه التعب كل مأخذ يحضر للكافتيريا يروّح عن نفسه يرسل النكات والقفشات .. العم ( صباحي) انتهي كإنسان .. لا أهل ولا ولد .. لا شأن له بما يجري حوله من أمور ولا يشارك الموظفين والعمال أفراحهم وأتراحهم إلي أن التحقت بالمصلحه فصرت أصحبه معي لمنازل الزملاء وأسأل عن أحواله وصحته .. وقد حدثني ذات مرة عن مأساته التي يشيب لها الولدان .. قال لي أنه كان يعيش مع أسرته وعائلته المكونة من زوجتين وعدد من الصبيان والبنات .. يزرع في الوادي ويرعي أغنامه وأبقاره .. وكانت القرية تنعم بالهدوء والإستقرار .. وعندما عاد بعض أبناء القرية من (فرنسا) حيث يدرسون .. قالوا لنا .. سنثور علي الحكومة المركزية لإحساسنا بالظلم وحدثونا بأشياء لا نفهمها .. وهكذا انخرط صبية القرية ومن ضمنهم أولادي في تدريبات عسكرية وما هي شهور حتي أعلنوا عصيانهم وتحديهم للحكومة .. فماذا حدث بعد ذلك سألته ؟ .. أرسلت لنا الحكومة جيشآ جرارآ فتح النار علينا ونحن نغط في نوم عميق ودارت معركة رهيبة بين أولادنا والجنود وفي الصباح وجدنا أن كل شيء قد انتهي .. قتل من قتل وهرب من هرب .. واقتادونا إلي نقطة علي الحدود مع السودان وقد هيأ لي ربنا إبن حلال إصطحبني معه لأقرب مدينة سودانية .. كنت أسير أيامآ وليالي بحالها تدمي قدماي أعواد الذرة الجافة و( الأنكوج ) ومنها توجهت للخرطوم ومنذ ما يقرب العشرين عامآ لا يعلم أحد من أهلي أين أكون وأنا لا أعلم عنهم شيئآ لقد انقطعت أخبارهم عني تمامآ ولم يتبق لي سوي ذكرياتهم .. جميع أولادي قتلوا في الحرب واقتاد الجيش زوجتي وبناتي لإعداد الطعام وغسل الملابس .. لقد كبرت يا ابني ( حربي ) ولا حيلة لي ولا قدرة علي السفر والبحث عنهم لذلك سلمت أمري لله ورضيت بنصيبي .. هونت عليه الأمر وأنا أقول له ( كلنا أولادك يا عم (صباحي ) وأنت في بلدك وبين أهلك .. لذلك لم يتردد عندما طلبت منه أن يعطي اسمه لصديقي ( كافو ) .. وافق دون تردد وبالمقابل أقسم له ( كافو ) بأنه سيكون له ابنآ بحق وحقيقة وسيرعاه ما دام علي قيد الحياة ولكن .. لكن ماذا يا حربي ؟ .. الأمر ليس بهذه السهولة وعمومآ سنذهب إلي محام شاب قريب للآنسة سحر وسنحكي له الحكاية بدون غش أو تزوير ونطلب منه إصدار إقرار موثق بهذا الصدد ولعل نبل المقصد قد ساعدنا في تجاوز غرابة الطلب .. وهكذا سارت الأمور كما خططنا لها وصار بيد صديقي العزيز كافو بطاقة هوية تقول ( الإسم .. كافو صباحي مامون الإمام ) .

  40.  
  41. #46
    رحمة الله عليه Array الصورة الرمزية mahagoub
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    ودمدنى
    المشاركات
    11,330

    تتشابك المواقف
    وننتقل معك من موقف لموقف
    لا نكل ولا نمل
    بل تقودنا روعة السرد
    فتصيبنا حالة من الادمان
    واصل

  42.  
  43. #47
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    عزيزي محجوب ..صباحات الصحه والعافيه لك وللأسرة الكريمه ..
    ومعكم ومع كل الرائعين والرائعات بالمنتدي يطيب الترحال .. فإلي الحلقة التاليه ..ومتابعه ممتعة أتمناها لكم .

  44.  
  45. #48
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة السادسة والعشرون
    أخطر الطبيب آنسة سحر بأنها علي ما يرام وأن الأعراض التي تشعر بها تعود بشكل أساسي للإرهاق والتوتر وعليها أن تخلد للراحة لمدة أسبوعين علي الأقل .. تقبلت ذلك علي مضض وهي التي تعودت علي التنقل والتسفار من بلد إلي بلد وزاد علي ذلك بان قال لها .. عليك الكف عن الطيران لمدة لا تقل عن شهر .. كنت سعيداً بهذه النصيحة فقد أراحني أنها لن تكون مضطرةً للسفر بكل ما ينطوي عليه من مخاطر .. كنت أعبر عن شعوري بتلقائيةٍ وبسفورٍ شديد .. حدقت في وجهي ملياً وقالت ( إنت إنسان غريب جداً يا حربي .. تخاف عليّ أكثر من والدي وشقيقي ..) .. وكيف لا أخاف عليك وأنا أراك تتنقلين من مطار إلي مطار ..؟ همست في عينيها .. وعندما تعودين أشعر بسعادة عظيمة سرعان ما تنقضي عندما تعاودين الترحال من جديد .. أنا .. أنا .. وكنت علي وشك أن أقول .. أنا أحبك يا سحر .. بيد أن الحروف تعثرت فوق شفاهي وآثرت ألآ تخرج .. أنت ماذا يا حربي ؟ أرجوك أكمل .. أنا لا أعرف كيف أفسر لك حقيقة مشاعري نحوك .. أنت عزيزة علي نفسي يا سحر .. لو تعلمين مقدار معزتك عندي منذ أول يوم جئت فيه لورشة المعلم ( سلمان الفاضي ) لما سألتني هذا السؤال وبكل ظلال الشك والريبة التي تطل من عينيك .. أنا لا أشك بك يا حربي ولكنني عشت تجارب مريرة مع البشر .. قسم منهم من أهلي وآخرون جمعتني بهم ظروف العمل وقليل منهم التقيته صدفةً .. ولا أريدك أن تكون كهؤلاء .. أريدك كما أنت وبطبيعتك الطيبة والعفوية هذه .. ولا أريدك أن تخلط الأمور مع بعضها البعض .. لقد أصبحت كواحد من أفراد العائلة .. تأكل معنا في طبق واحد وتجلس معنا نتفرج علي التلفزيون .. عاوزاك تكون زي ما إنت .. وإذا عصام أخوي ضايقك بحاجه كده ولّه كده .. سيبك منو .. وعاين لي أنا ولأبوي وأمي .. لأننا كلنا بنعزّك وبنحبك زي ما إنت بتعزّنا .. أفهم الكلام ده كويس يا صالح لأني ما حأقولو ليك تاني .. واضح ؟ ..واضح ,
    والآن بعد هذه المحاضرة القيمة يا فتي .. ماذا فهمت من كلام الآنسة سحر ؟ لماذا بنعزك وبنحبك وليس بعزك وبحبك ؟ الآن بدأت تفهم .. إن ما تشعر به سحر نحوك لا يعدو عن كونه عطف وتقدير وليس حباً كما تتوهم .. نعم نعم لقد فهمت .. ولكن ما حدث في الأيام التي تلت ذلك الحوار قلب أوضاعي رأساً علي عقب .. فقد طلبت من والدها أن أتفرغ لهم بالمنزل طيلة فترة راحتها المرضية لأتحرك بعربتها إذا ما احتاجوا لمشاوير هنا أو هناك .. فوافق علي الفور .. كنت أحضر باكراً وأبقي في الإنتظار لحين مغادرة والدها وشقيقها فتدخلني والدتها إلي الصالة الرئيسية بالمنزل حيث تقدم لي كوباً من الشاي ومن ثمّ أذهب للسوق وبيدي قائمة من الطلبات لا سيما وأن الطبيب قد قرر لها نظاماً غذائيآ صارماً .. وكانت ضمن القائمة بالطبع الصحف والمجلات النسائية ولدي ساعة الإفطار تهبط سحر من غرفتها وهي بملابس النوم وبدون حتي تصفيف شعرها وقريباً من خزانة الأسطوانات والأشرطة تتناول قارورة عطر مهملة تنضح منها شيئاً تحت أذنيها وذقنها وهي تردد نفس الجملة ( ريحة عصام دي بتكمل متين ؟ ) .. وكنت أجدها رائعةً وجميلةً بالرغم من آثار النعاس التي تبدو عليها ولولا الأعراف والتقاليد لأخذتها بين ذراعيّ أضمها في مودة وحنان .. وكانت تنتابني في بعض الأوقات أحاسيس فوارة كالبراكين خاصة عندما نجلس ثلاثتنا أنا وهي ووالدتها نتفرج علي أفلام ( الفيديو ) .. وما أن يبدأ الفلم حتي تتثاءب والدتها وتستأذن منا في أخذ قسط من الراحة فنواصل أنا وهي متابعة الفلم في الصالة ذات الستائر المزركشة والضوء الخافت .. وكنت أراقب انفعالاتها أثناء الفلم لا سيما عندما يتبادل البطل والبطلة عبارات العشق والهيام أو عندما يدور حديث عن الإخلاص والوفاء بالوعد والغدر والخيانة والخداع .. وما أن ينتهي الفلم حتي تحاصرني بالأسئلة الصعبة حول المضامين التي حاول الفلم تقديمها .. إلي أن جاء ذلك ايوم .. كنا نتفرج علي فلم غربي وعلي غير عادتها جلست بالمقعد الملاصق لمقعدي .. كانت قريبة مني جداً تلفح وجهي أنفاسها .. فاصطدمت يدي بيدها دون قصد ولم استطع مقاومة رغبتي في أخذ يدها الرقيقة بين ثنايا كفي .. زحفت أصابعي نحو أصابعها في رحلة خلتها مائة عام أو تزيد .. ارتاحت أصابعها في يدي فلم تسحبها .. شبكت يدي بيدها في لطف وحذر شديدين وضغطت عليها برفق وحنان .. كانت أحداث الفلم العاطفي عاصفة وملتهبة وقد وصلت إلي نقطة لا قبل لي بها .. فركت أصابعها ورحت أدغدغها في تتابع غريب وأنا أتشبث بهما في استماتة مثيرة .. كانت صامتة وبدت وكأنها ليست معنية بما يفعل بيدها ومع نهاية الفلم حاولت أن أسحب يدي وانصرف بيد أنها هي التي تشبثت بها هذه المرة ..أخذت كفها ورفعتها ببطء نحو فمي أقبّلها وهي تتمتم بكلمات لا أفهمها وجاء الدور عليها لتعانق نعومة شفاهها تضاريس كفي المشرشرة ثم انسلت مهرولة نحو غرفتها وتركتني لوحدي وأنا غير مصدق لما كان يجري علي أرض الواقع قبل لحظات .. وللحظة عابرة أيقنت أنني ربما أكون في حلم وأنني لا أريد لذاك الحلم أن ينتهي ولكن ظاهر كفي يقول لي .. لا لم يكن حلماً .. هنا كانت شفاهها وهنا تدفقت أنفاسها .. هنا بقايا عطرها وكان علي أن أصدق .

  46.  
  47. #49
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة السابعة والعشرون
    قلت لصديقي (كافو) أريدك في مشوار مهم سيصحح الكثير من الأوهام التي تحيط بحياتي …سنذهب لنزور (بطة) .. لقد وعدتها بزيارتهم وحتى لو لم أعدها فأنا اشتاقها بشدة .. اشتاق بحة صوتها ولفتاتها الأنثوية .. وهل يعشق إنسان امرأة ما لبحة صوتها ..؟ لا ليس ذلك بالضبط ولكنني لا اشبع من حديثها لا اشبع من بحتها واشعر كأنني ثمل بينما هي توشوشني بكلامها .. لدى إحساس بأنني خلقت من اجلها .. معها لا احتاج لاثبات شخصيتي ..معها اشعر بالثقة والاطمئنان لقدراتي… إذن ما المشكلة ؟ المشكلة تكمن في (سحر).. هي الأخرى تشغلني وأفكر بها ليل نهار .. هل صدقت انك ولمجرد إن حملت (سحر) بن ذراعيك وهى مغمىً عليها هل تتصور إن هذا المشهد سيتجسد ثانية على ارض الواقع .. بأن تحملها بين ذراعيك وتدخل بها إلي عش الزوجية..؟ أنت واهم ولاشك .. لكنها كانت فعلاً هنا في صدري .. كان حقيقة ولم يكن حلماً .. تلك ظروف لن تتكر.. وأنا سعيد يا صاحبي لأنك بدأت تعقل .. (بطة ) هي الزوجة المناسبة .. (بطة) فقط لا (سحر) ولا حتى (مها) فلماذا نخدع أنفسنا ونركض خلف السراب والحقيقة ماثلة أمام أعيننا .. توقفت لدى الباب ويبدو أن الجميع بالداخل يتوقعون زائرا ما .. فما إن صفق باب العربة وخرجنا منها باتجاه الباب حتى رأيت قريبة (بطة) تقف مخذولة وترد على تحيتنا بفتور شديد .. أهلا ممكن ندخل ..؟ لا والله متأسفين الحقيقة في مناسبة عائلية وفى (ستات) في الداخل .. طيب ممكن أشوف (بطة)؟ بطة غير موجودة .. ( في الكوافير) ولم تكمل حديثها فإذا بعربة ملاكي تقف وتترجل منها (بطة) بصحبة أحدهم وهى بكامل أناقتها .. سلمت علينا وهى تردد في اضطراب شديد اتفضلو .. اتفضلو .. همس (كافو) بان نتريث ولا ندخل .. تابعتها وهى تتوغل داخل المنزل .. قلت لقريبتها ..(ممكن اعرف الحاصل شنو بالضبط ..) هنا كشرت عن أنيابها وقالت لي بحزم شديد .. الحاصل إنو بطة حيخطبوها بعد شويه ونحن منتظرين أهل العريس .. تاجر قدر الدنيا وعندو بوتيكات في كل الخرطوم .. قلت لها وما العيب في ذلك؟.. نقول ألف مبروك وأنا سأكون أسعد الناس بزواج (بطة) وربنا يتمم بخير قلت ذلك وأنا أتراجع نحو العربة .. وفي الطريق نحو منزلنا قال لي (كافو) وهو يحاول تهدئة خواطري انسي بطة يا حربي لقد كنت دائماً أميناً معها فلماذا تغضب ..؟ نعم يا (كافو) .. سأنساها حتماً ولن أفكر بها مطلقاً .. إنها ليست المرة الأولى التي تخذلني فيها ولن تكون الأخيرة فلماذا الندم على امرأة لا يعرف الإخلاص سبيلاً إلى قلبها .. يجب ان تعذرها يا (كابو) .. بطة إنسانة غلبانة وتسعي جاهدة لتأمين مستقبلها مع زوج تطمئن معه خاصة بعد التجربة المريرة التي عاشتها مع زوجها الأول .. وكنت أنا وفي كل مرة الصدر الحنون الذي تطرح عليه بطة عذاباتها وما أن تستعيد ثقتها بنفسها وتجد من يلوّح لها بالزواج حتى تضحي بي .. المرأة بطبعها أنانية وإذا كان حبيبتك من تخون فماذا أقول أنا وقد خانتني أمي .. (يا الله كل شيء قسمة ونصيب والمقدر لابد ان يكون) .. وفي مكان آخر كان شنكل يوشوش أمه بحلو الكلام .. أنا اقدر موقفك يا أمي .. أنت أروع إنسان في الوجود ومن حسن حظي انك أمي فعلاً لا قولاً .. ولو انك لم تضعي النصف الثاني من القطعة المعدنية على الطاولة لصدقت روايتك الأولى بأنني أشبه طفلك الذي مات في حادث حركة .. لقد غفرت لك والحمد لله انك عوضتني حرمان سنين وسنين … واشعر كأن المستر ريتشارد أبى الحقيقي .. هو أيضا يكن لك نفس الشعور وقد قال لي أنه يشعر الآن بسعادة لا يمكن وصفها ذلك انه بات رب أسرة حقيقية تملأ عليه حياته .. فها أنت وزوجتك الرائعة سلمى تبعثران الفرح في باحة حياتنا .. انظر كم هي متواضعة ومتفانية في خدمتنا… تستيقظ من النوم مبكراً لتعد لإفطارنا .. وتذهب للتسوق وحدها وعندما تعود أنت من عملك وأنا وزوجي من المنظمة وابنتى من المدرسة نجدها وقد رتبت البيت واعدت الغداء والقهوة وقامت بتجهيز ملابسنا بما في ذلك الغسيل والمكواة .. هذه انسانة لا مثيل لها .. وانظر كيف ضحت بموهبتها في الغناء لأجلك .. وهى تعلم إن أبواب الشهرة والمجد مشرعة في أمريكا لكل صاحب موهبة ..لا يا أمي الحبيبة (جوليا) .. أنا اقدر أن لكل إنسان ماضيه الذي يخصه وحده .. وأسراره التي لا يود لأحد الاطلاع عليها .. ولكن الأمر يتعلق بأبي الحقيقي .. أنا لا أريد معرفته لأنني اشتاق إليه أو احبه .. كلا .. لقد قلت لي انه كان خطيبك و انه غرر بك وسافر .. هذا المجرم الحقير الذي هو في الأساس أبى وقد خرجت من صلبه .. أريد أن أعرف من هو ؟ وأن ابحث عنه لأحاكمه نيابة عنك .. لأكشف له ضعته وأنه في نظري ونظرك لا شئ ولأقول لذلك التعيس .. أنه قد ضيّع على نفسه فرصة الارتباط بأنبل إنسان في هذا الوجود .. كانت مثل هذه الحوارات تتفجر بينهما عندما يكونان لوحدهما .. وكانت (جوليا) تحرص ألاّ تتبرم من أسئلته وقد سرها انه ليس غاضب عليها وأنه قد غفر لها تخليها عنه .. ويسعدها اكثر تحديقه المسهب بعينيها وهو يردد (امى الرائعة جوليا) يظل يكرر هذه الجملة وهو يأخذ يديها الى فمه يقبّلها وأحيانا يضمها إليه فىحنان وحب .. فتنساب دموع الفرح على خديها فيكفكف دموعها وهو يتمتم (لابأس ياأمى لابأس ).. ويبدوان هذا العالم الصغير يسمح أحيانآ للمواقيت الغائبة بان تصبح حقيقة

  48.  
  49. #50
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة الثامنة والعشرون
    فقد قرع أحدهم جرس الباب وكان بالمنزل المستر رتشارد وابنته و(شنكل) أو بالأحرى (رامى) وزوجته (سلمى) .. ركضت الصغيرة( لوسي ) نحو الباب وهى تصيح (أنا سأفتح الباب..) ووالدها يقول لها (كونى حذرة) وانظرى أولاً عبر العين السرية ولا تفتحى لشخص لا نعرفه .. عادت الصغيرة لوسيانا) أدراجها دون ان تفتح الباب وقالت لوالدها أن شخصاً ما ذو ملامح شرقية هو من قرع الجرس .. نهض المستر رتشارد وفتح الباب .. وسمع الجميع صوت رجل .. المستر رتشارد .. كيف حالكم أنا (وجدى ) .. لا اعتقد بانك نسيتنى .. لاطبعا .. تفضل بالجلوس .. دخل وجدى وسلم على (شنكل ) بمشاعر مضطربة وهو يكاد أن يسقط ..إنه ابنه .. لقد راقب جوليا عندما كانت بالسودان وهى تبحث عنه وكان يختبيء فى مكان ما بالمطار يراقبهم وهم يغادرون .. وقد حدثته نفسه بالأقتراب منهم .. ليقول لإبنه .. أنا أبوك .. ولكن .. لم يكن الوقت مناسباً .. لذلك جاء إلى نيويورك بعد أن استقال من المنظمة التى يراسها المستر رتشارد وتعمل بها بالطبع السيدة (جوليا) والتحق بمنظمة أغاثية أخرى أمرت بنقله للعمل بأمريكا ..وظل لأكثر من ثلاثة أشهر يقدم رجلاً ويؤخر اخرى قبل أن يقرر الحضور إلى هنا إذ لم يجد صعوبة فى الحصول على العنوان .. فهو أيضاً ضائع ومأزوم وقد أربكه عثور جوليا على إبنهما .. إسمى وجدى وأنا من الخرطوم وكنت أعمل زميلاً للسيدة والدتكم .. هرع المستر رتشارد للهاتف وأخبر (جوليا) بما يجرى فى المنزل وطلب منها أن تحضر فوراً .. طلبت (جوليا) من سلمى أن تأخذ ابنتها للحديقة الخلفية وتتركهم لوحدهم ..وبقي وجدى والمستر رتشارد وشنكل وقد إنضمت لهم بعد فترة وجيزة جوليا وأحس شنكل أن هذا الرجل يمثل بالنسبة له شيئا يجهل كنهه.. وشعر فى دخيلة نفسه بالرفض التام لمجرد النظر فى عينيه .. نعم ..زيارة لا نرحب بها .. أما إنك وقد فرضت نفسك علينا فما هو شكل الخدمة التى يفترض ان نقدمها لك .. قال لها وهو فى حالة يرثى لها من الضعف والهزال .. جئت لارى ابنى .. فاذا كنت أنت أمه فأنا أبوه ومن حقي ومن حقه أن يعلم من هو أبوه .. وإذا كنت قد قصرت عندما تخليت عنك في الماضي وعنه فانا هنا لاعتذر عن تقصيرى ولكم أن تقرروا أى شىء بخصوصى.. هنا تدخل المستر رتشاردقائلاً ماذا تعنى بكلمة (ابوه) بحق الجحيم ..هل تملك سنداً قانونياً يثبت أبوتك له .. لا .. لا أملك ولكن جوليا تعلم .. مستر رتشارد .. أرجوك .. جوليا تقاطعه بفظاظة ..عفواً مستر رتشارد .. هو إبنى ولا أملك سندا وأنت ياسيد رتشارد أيضاً لا تملك سنداً قانونياً يثبت أبوتك له وبامكانى أن أطعن أمام المحاكم الأمريكية فى صحة نسبه هذا .. أنا عايش وموجود ومستعد لأكفر عن أخطائى فاين المشكلة إذن ؟ هل تعترف بأنك قد إرتكبت جريمة زنا مع امرأة قاصر وبدون زواج وتطالب بثمرة علاقة محرمة لتدخل السجن وتقضى فيه خمسة أعوام..؟! لا طبعاً الأمر ليس بهذه الصورة .. هنا وقف شنكل على رجليه وقد إستبد به الغضب وصرخ فى وجهه .. كفى ياسيد ومن ثم تقدم نحوه ليقف وجدى .. وقف الأثنان وجها لوجه .. أنت لست ابى ولن تكون .. وأنا لا أتشرف بالإنتساب لشخص وضيع مخادع مثلك .. أنت تافه وحقير .. وقد إقتحمت علينا منزلنا دون إذن من أحد .. هيا أخرج من هنا ولو رأيت وجهك مرة أخرى أمامى ساهشمه بيدىّ هاتين .. لم يجد وجدى بداً من الإنسحاب وقد تحول (شنكل) إلي بركان يريد أن يدمر كل شىء أمامه .. لقد طاشت في ذهنه وهو يوجه السباب له صورة الاذلال والمهانة التى لقيها إبان حياة (المجارى) والتشرد .. وصور الإستغلال البشع التى تعرض لها .. قلت لك وأكرر أخرج من هنا حالاً قبل أن تندم على مجيئك إلى هنا.

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
by boussaid