17
تصاعدت وتيرة الأحداث في الجامعة وجامعات البلاد كلها، كان الجمهوريون فرسان الساحة وقتها ببيانهم الشهير المناهض لقوانين سبتمبر ، كان زعيمهم محمود في محبسه وهم يلهبون الحماسة في الجامعات التي كانت تغلي وتفور،وما أن افرج عنه حتي خرجوا بذلك البيان،كان قاقرين برغم خلافه الكبير معهم معجبا بالاستاذ اعجابا يماثل اعجابه بجيفارا، كان يقول لسارة همسا وجهرا( كم تمنيت التقاء محمود بجيفارا أو العكس، أحدهما كان سيذيب جبل الآخر في نيران عقله الجبار، كانت البشرية وجدت مخرجا من هذه الظلمات.. الاستاذ هو غاندي افريقيا وجيفارا هو والد الثورة المسلحة.) كانت سارة تضحك وتقول له بصوت خفيض أنت مجنون يا عصام... مجنون بشهادة.) هكذا كانت تفعل دائما، تخاطبه باسمه المجرد في حضوره، ولاتتحدث عنه في غيابه الا باللقب السائر عليه في الجامعة كلها، لم تك سارة تدري أن القادم في أشكال أخري ووتيرة متصاعدة شئيا لم يك يخطر لاببالها لا ببال أكثر المتشائمين،سريعا صدر حكم محكمة العدالة( الناجزة) بحق الاستاذ وتم تأييده، وتداولت وكالات الانباء العالمية خبر محاكمة العصر، ظلت الجامعة تغلي كالمرجل والشوارع تفور بالمظاهرات نهارا، والجامعة تعج بالندوات الملتهبة مساء،قال الرئيس ان المخرج هو التوبة أن اراد الاستاذ واتباعه السلامة،تواترت الانباء عن زيارات للشيخ في محبسه لاقناعه بالتخلي عن افكاره مقابل السلامة ، قالوا : كان يبتسم ولايعلق، مساء الخميس في نشرة التاسعة قال المذيع(سيتم غدا صباحاعند التاسعة تنفيذ حكم الاعدام في المرتد محمود) ووالي المذيع بقية اخباره ، كأنه يتحدث عن مباراة في كرة القدم،كانت الخرطوم شاحبة، الشوارع مكتظة بناقلات الجنود المتجه صوب ساحة الإعدام في سجن كوبر بمدينة بحري،كانت الجامعة تغلي ، كانت الجامعة فريقان، فريق متلهف للغد مغتبطا سعيدا، وفريق واجم ساخط لايملك سوي خطب ذرتها الرياح ، فلم تبلغ أعواد المشنقة في تلك الجمعة، جئ به شيخا في السادسة والسبعين يرتدي جلبابا أبيضا، يداه موثوقتان خلف ظهره، وجهه مغطي، كشف الحراس القناع عن وجهه لبرهة يسيرة، كان يبتسم،مثلما كان يبتسم حين رحل فلذة كبده وهو يقول(أنه ذاهب الي أب أرحم مني...)، كان لازال يبتسم حين سحب الحارس قطعتين من الخشب كان يقف عليها، ثم عم السكون.... وفي كراسي المتفرجين كان ثمة رعشة لاتخطئها العين، ثم دوي هتاف ....وبكي الراوي حتي جفت الدموع. وظلت الجامعة واجمة وميكرفوناتها صامتة خرساء في تلك الظهيرة ثم عاود خيلها الصهيل. كان قاقرين يبكي مثل طفل صغير وكان جيتاره مكسورا عند أقدامه ومفتتا الي عدد لايحصي من القطع الصغيرة.
المفضلات