صفحة 3 من 7 الأولىالأولى 12345 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 51 إلى 75 من 165

الموضوع: رواية جديدة: خطوات وبصمات / صلاح الدين سر الختم علي

     
  1. #51
    رحمة الله عليه Array الصورة الرمزية mahagoub
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    ودمدنى
    المشاركات
    11,330

    امتعتنا بسردك ووصفك
    لادق الفاصيل
    فكأننا نعيش بينهم
    نستنشق عبير الحريه
    يسرى ويغلغل فى الاعماق

  2.  
  3. #52
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    شكرا اخي محجوب علي الاطراء والمتابعة

  4.  
  5. #53
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    17
    تصاعدت وتيرة الأحداث في الجامعة وجامعات البلاد كلها، كان الجمهوريون فرسان الساحة وقتها ببيانهم الشهير المناهض لقوانين سبتمبر ، كان زعيمهم محمود في محبسه وهم يلهبون الحماسة في الجامعات التي كانت تغلي وتفور،وما أن افرج عنه حتي خرجوا بذلك البيان،كان قاقرين برغم خلافه الكبير معهم معجبا بالاستاذ اعجابا يماثل اعجابه بجيفارا، كان يقول لسارة همسا وجهرا( كم تمنيت التقاء محمود بجيفارا أو العكس، أحدهما كان سيذيب جبل الآخر في نيران عقله الجبار، كانت البشرية وجدت مخرجا من هذه الظلمات.. الاستاذ هو غاندي افريقيا وجيفارا هو والد الثورة المسلحة.) كانت سارة تضحك وتقول له بصوت خفيض أنت مجنون يا عصام... مجنون بشهادة.) هكذا كانت تفعل دائما، تخاطبه باسمه المجرد في حضوره، ولاتتحدث عنه في غيابه الا باللقب السائر عليه في الجامعة كلها، لم تك سارة تدري أن القادم في أشكال أخري ووتيرة متصاعدة شئيا لم يك يخطر لاببالها لا ببال أكثر المتشائمين،سريعا صدر حكم محكمة العدالة( الناجزة) بحق الاستاذ وتم تأييده، وتداولت وكالات الانباء العالمية خبر محاكمة العصر، ظلت الجامعة تغلي كالمرجل والشوارع تفور بالمظاهرات نهارا، والجامعة تعج بالندوات الملتهبة مساء،قال الرئيس ان المخرج هو التوبة أن اراد الاستاذ واتباعه السلامة،تواترت الانباء عن زيارات للشيخ في محبسه لاقناعه بالتخلي عن افكاره مقابل السلامة ، قالوا : كان يبتسم ولايعلق، مساء الخميس في نشرة التاسعة قال المذيع(سيتم غدا صباحاعند التاسعة تنفيذ حكم الاعدام في المرتد محمود) ووالي المذيع بقية اخباره ، كأنه يتحدث عن مباراة في كرة القدم،كانت الخرطوم شاحبة، الشوارع مكتظة بناقلات الجنود المتجه صوب ساحة الإعدام في سجن كوبر بمدينة بحري،كانت الجامعة تغلي ، كانت الجامعة فريقان، فريق متلهف للغد مغتبطا سعيدا، وفريق واجم ساخط لايملك سوي خطب ذرتها الرياح ، فلم تبلغ أعواد المشنقة في تلك الجمعة، جئ به شيخا في السادسة والسبعين يرتدي جلبابا أبيضا، يداه موثوقتان خلف ظهره، وجهه مغطي، كشف الحراس القناع عن وجهه لبرهة يسيرة، كان يبتسم،مثلما كان يبتسم حين رحل فلذة كبده وهو يقول(أنه ذاهب الي أب أرحم مني...)، كان لازال يبتسم حين سحب الحارس قطعتين من الخشب كان يقف عليها، ثم عم السكون.... وفي كراسي المتفرجين كان ثمة رعشة لاتخطئها العين، ثم دوي هتاف ....وبكي الراوي حتي جفت الدموع. وظلت الجامعة واجمة وميكرفوناتها صامتة خرساء في تلك الظهيرة ثم عاود خيلها الصهيل. كان قاقرين يبكي مثل طفل صغير وكان جيتاره مكسورا عند أقدامه ومفتتا الي عدد لايحصي من القطع الصغيرة.

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 30-05-2013 الساعة 10:35 AM
  6.  
  7. #54
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436


    18

    بات قاقارين فجأة في قائمة المطلوبين أمنيا، أكتشف ذلك بالصدفة، كانت أمسية من أماسي الجامعة الصاخبة، كان بالجامعة ندوة سياسية كبيرة تحدث فيها متحدثون من خارج الجامعة وداخلها، وكان قاقرين حاضرا بلا جيتار ولا أغاني، كان يلهب الأكف بالتصفيق و يشعل القلوب حماسة، في الصباح جاءت الأخبار عن حملة إعتقالات واسعة طالت معظم المتحدثين في الندوة، تواترات الاخبار عن أختطاف الأمن لطالبين من قيادات الطلاب من أمام داخلية ترهاقا، أحدهما من ابناء الجنوب الناشطين في الجبهة الوطنية الأفريقية في الجامعة كان يتمشي قاطعا الطريق من الجامعة الي الداخلية حين توقفت عربة بوكس مسرعة بطريقة استعراضية وقفز منها رجال أشداء وفي لمح البصر حملوه كحمل صغير والقوا به في جوفها وأنطلقت العربة مسرعة كما جاءت علي عجل، عربة أخري حاصرت مجموعة من الطلاب في شارع ضيق كانوا يتمشون فيه علي مهل بعد عشاء في مطعم فول قريب من الجامعة، كان هدفهم محددا، ركزوا عليه وأخذوه من بين رفاقه ومضوا علي عجل نحو المجهول الذي جاؤوا منه،ودع قاقرين سارة والشلة الصغيرة وأختفي من كل مكان كان حضورا فيه،لأول مرة في حياته كان ركوب البص من مدني الي الخرطوم بالنسبة اليه مخاطرة غير مأمونة العواقب، لذلك سافر الي الحصاحيصا بحافلة صغيرة مرتديا جلابية وعمة لم يرتديهما في حياته من قبل، بات شخصا آخرا، وكان بداخله شخص آخر يضطرب ويمور بغضب كبير، كانت إبتسامة ذلك الرجل تقف بوجهه دوما، يصر علي أسنانه في غيظ كظيم، يجتاحه شعور طاغ بأنه جبان ولافائدة فيه، تنتابه رغبة مجنونة في ممارسة خطابة ملتهبة في قلب سوق الحصاحيصا المزدحم باكشاك المرطبات المقابلة لبنطون رفاعة، ينظر الي أشجار النيم الكبيرة التي تنتشر في المكان وينتشر ظلها علي الحشود التي تملأ المكان، المطاعم الصغيرة، رائحة الشواء، زجاج مشروب الفرات الذي يميز المدينة، تنتابه رغبة في الوقوف وسط المكان والإفصاح عن هويته وسب النظام بكل ما يخطر علي البال،ينظرالي مدينة رفاعة فيتذكر أن صاحب الابتسامة الأخيرة كانت له صلة خاصة برفاعة، يتساءل هل هي الأقدار التي جعلته يختار الهروب علي مراحل لتكون رفاعة أمام ناظريه وهو يفكر في المواجهة غير المتكافئة بدلا من الهروب، تتهاطل الأسئلة عليه، ينظر في الوجوه، لايري إنعكاسا لما جري،هل تراه كابوس من كوابيسه الكثيرة؟...لا ..هاهي الحافلة تنهب الطريق الي مدني نهبا وهاهو يفكر من جديد: ماذا ينتظرك في مدني يا تري؟ هل عرفوا بهروبك؟ هل ينتظرونك عند مداخل المدينة بالأصفاد؟ هل من الأفضل أن تهبط من الحافلة قبل وصولها السوق الشعبي؟
    قبل ان يعثر علي الإجابة كانت الحافلة تجتاز مدرسة المؤتمر وتتجه صوب الصينية قبالة نادي الإصلاح، ثم أنعطفت يمينا لتدخل السوق الشعبي
    وتتوقف قبالة مكاتب مواصلات الجزيرة بلونها البرتقالي المميز حيث سبق له في صباح ما أن تعرض لعضة كلب كلفته رعبا وخوفا من خطر مجهول وعددا لايحصي من الحقن المؤلمة. كان المكان هادئا وعاديا ولم يكن ثمة أثر لخطر كامن أو كمين، أخذ حقيبته الصغيرة وتوجه سيرا علي الأقدام صوب الكمبو عابرا السوق الجديد من أقصاه الي أقصاه.

  8.  
  9. #55
    رحمة الله عليه Array الصورة الرمزية mahagoub
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    ودمدنى
    المشاركات
    11,330

    واصل يا الحبيب

  10.  
  11. #56
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436


    19
    قبالة سينما أمير توقف قاقرين، وجد نفسه مدفوعا بعاداته القديمة يتوجه الي صالة السينما حيث تلصق ملصقات أفلام الأسبوع، وقف متفحصا لها بالتفصيل وقد عادت به الذاكرة الي أيام ماضية كانت السينما ودار الرياضة في مدني أجندة ثابتة في برنامجه لاتغير فيها حتي زنقة الإمتحانات شيئا،خرج من الصالة وأشتري تسالي كأنه قادم من البيت كما كان يفعل في السابق قبل دخول السينما، كان في الحقيقة جائعا جوعا طويلا الي تلك الاجواء حد أنه فكر ان في الوقت متسع لادراك الدور الثاني الليلة، ثم تذكر أنه لم يبلغ الدار بعد، وان هناك أسئلة بلا أجابة حول وضعه المرتقب في الأيام المقبلة،واصل سيره والأفكار تتقافز من حواليه،في شقاوة حتي بلغ الدار والظلام قد بدا يرخي سدوله وثمة لسعة شتوية خفيفة تخترق عظامه النحيلة، دفع الباب بلا طرق ودلف الي الداخل، كانت رائحة اشجار الحنة تملأ المكان ولكن رائحة أخري كانت أقوي منها، تلك رائحة اللبن الذي كان علي النار، كان اخوته متحلقين حول حاجة زينب والموقد الذي كان لهب الحطب اسفله يتراقص مثل اشباح تتسلل في الظلمة، حين سمعوا صوته تدافعوا جميعا نحوه وفي لحظة اختلط دفء اللقاء بدفء المكان ودفء اقداح الشاي باللبن بالعناق الحار مع حاجة زينب،، تسرب الدفء الي روحه فنسي كل شئ يتعلق بظروف قدومه من الخرطوم هاربا من خطر اعتقال وشيك،ظل يقهقه ويثرثر ويضحكون حتي فرغوا من الشاي ولقيماته، وتمدد الليل حتي جاءت حاجة زينب بالفطير باللبن وغاصت اصابعه الخمسة فيه بلذة لايعرفها الا من تذوق الفطير باللبن الدافئ في ليالي الشتاء الطويلة،كان سريره معدا بعناية في الحوش الأمامي في الهواء الطلق، المخدة الصغيرة والبطانية نفسها التي تدثر بها آخر مرة كان بالبيت كانت كأنها لاتزال في نفس مكانها، نظر الي السماء ونجومها اللامعة علي قلتها،كان يسمع أصوات اولاد الفريق وهم يعبرون بجوار المنزل من الخارج ويسمع ضحكاتهم ومناداتهم بعضهم بالألقاب الشائعة فيضحك، يكاد يهبط من السرير ويلحق بهم فهو يعلم انهم بعد الثامنة مساء لايقصدوا الا أماكن بعينها فهم أما انهم ذاهبون الي عثمان علفكو لتظبيط الفول أو انهم ذاهبون الي النادي للضمنة والكشاتين أو انهم ذاهبون الي السينما الدور الثاني وغالبا تعقبها حفلة عرس في حي من الأحياء القريبة.
    لكن حاجة جسده للراحة من جراء ارهاق طويل متصل وأرهاق السفر كانت أقوي منه عزيمة فراح يغط في ثبات عميق.

  12.  
  13. #57
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436


    20
    في الصباح أفاق قاقرين نشيطا ورشف شاي الصباح مع أخوته بتلذذ وتمهل وكانت أمه سعيدة كطفل وهي تروح وتجئ بين مجلسهم في البرندة الصغيرة ومطبخها، كانت أجمل أيام حياتها حين يجتمع شملهم جميعا في الدار الصغيرة فتستعيد ذكري أيام كان البيت مكتظا فيها بالبنين والبنات والجيران والأهل والضحكات والجدتان اللتان ظلتا في حالة سفر وقدوم دائمة بين مدني والشمالية حيث الجروف والنخيل والحقوق والجذور والبيوت الطينية شبه الخاويةالغارقة في بحور من الرمال،تكفلت الجامعات البعيدة بالبنات والأولاد ، وغيب الموت الجدتان واحدة تلو الأخري،بقيت حاجة زينب مع اخوته الذين لم يبلغوا المرحلة الجامعية بعد،تنتظر في لهفة أوبة البعيدين وعودة الضجيج المحبب معهم الي الدار،في ذلك الصباح كان قاقرين صاحب الحظوة والإهتمام كله ، كان الأفطار فطيرا ساخنا بالروب المسكر، لايكاد الصحن يقارب نهايته حتي تضيف اليه حاجة زينب فطيرة جديدة وكمية أخري من الروب اللذيذ، أكل قاقرين كأنها المرة الأولي التي يتذوق فيها فطير أمه الشهير في الكمبو كله.
    اعقب الفطير شاي منعنع قدمته أحلام بفخر كأنها تقدم الكون كله له.وكانت النشرة المحلية طويلة جدا ، شملت اخبارا عديدة القت علي عاتقه مهمات جليلة، تمتد من المباركة الي العزاء، الي زيارة مريض، الي السلام علي عائد من غياب طويل.أما اقسي الاخبار فكان هو زواج سمية من أحد أقاربها، تحينت احلام فرصة غياب قصير لشقيقه الأكبر عمر وزفت اليه النبأ وحذرته من السؤال عن سمية أو الاشارة اليها من بعيد أو قريب وهمستعمر حالتو تصعب علي الكافر. لكن تصدق انو اكتر زول في اولاد الفريق خدم في المناسبة)،عاد عمر قبل ان ينبس قاقرين بكلمة فصمتت احلام ومضت بعيدا في سكون ،سرح قاقرين بخياله بعيدا واخذ يسترجع شريط علاقة سمية وعمر، كانت علاقة يضرب بها المثل بين اولاد وبنات الفريق،كان عمر نابغا متفوقا وطويلا ووسيما ومحبوبا من الصغير والكبير في الكمبو، كان لاعب الكرة الماهر محبوب الجماهير عند عشاق الكرة والمغني العاشق للكاشف واغنياته والمجيد لها بشكل مذهل ونجم كل حفلة وبارتي صغير في الحي والاحياء المجاورة وكان فتوة الفريق عند اللزوم في مواجهة عصابات الاحياء الاخري اذا حدثت مشكلة وكان مرسال الجميع الذي يكلفه كل واحد بأي مهمة فينوم غفا كما يقولون فهو هميم ومتفان في خدمة الاخرين،أما سمية فهي شقيقة صديقه المفضل وصديقة اخواته وزينة بنات الفريق في رصانتها ورزانتها، كان الجميع يبتسم حين يري عيونها متعلقة بعمر حين يمضي من المكان كما تتعلق الاضواء بشمس غاربة،وكانت النسوة يتهامسن بخبث حين يرين عمر خارجا من منزل أهلها أو قادما اليه بصحبة شقيقها أو بدونه، وكن يتغامزن في الحفلات حين يغني عمر بصوته الجميل وعيونه متعلقة بسمية كأنه يغني لها وحدها، كان الجميع يعرف بطريقة ما ان عمر لسمية وان سمية لعمر ولم يفكر أحد أبدا في احتمال آخر، لكن المغترب القادم من المجهول وكون عمر تعثر لسبب غير مفهوم في دراسته واكتفي بشهادة ثانوية تقل كثيرا عن احلام أهل سمية، كل هذا قاد فيما يبدو الي هذه النهاية التي لم يتوقعها أحد،لكن الذي لم يفهمه قاقرين هو كيف تقبل عمر هذا الأمر بالصورة التي سردتها احلام، كيف استطاع ان يقف في صيوان عرسها كأنه لم يحبها يوما ولم يتمناها وكأن قلبه لاينزف دما وهو واقف كالجبل ظاهرا؟

  14.  
  15. #58
    رحمة الله عليه Array الصورة الرمزية mahagoub
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    ودمدنى
    المشاركات
    11,330

    وصف جميل
    لزمن لا نزال نعشقه
    ونتمنى أن يعود
    فقد كانت هى حياتنا
    بكل تشابك العلاقات
    والامتزاج بين ناس الفريق
    كأنهم جسد وفكر واحد

  16.  
  17. #59
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mahagoub مشاهدة المشاركة
    وصف جميل
    لزمن لا نزال نعشقه
    ونتمنى أن يعود
    فقد كانت هى حياتنا
    بكل تشابك العلاقات
    والامتزاج بين ناس الفريق
    كأنهم جسد وفكر واحد
    نعم اخي محجوب كانت حياتنا تتدفق عذوبة وطهرا وجمالا وطمأنينة وكان الحب طاهرا برئيا وعلي مشهد من الجميع ينمو نبتة طيبة وحين يموت او تعترض سبيله ظروف يكون الفارس نبيلا والود باقيا فليس هناك رصاص ولاكشف حال ولا كراهية بعد محبة

  18.  
  19. #60
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436


    21

    أختلي قاقرين بعمر في أول سانحة تهيأت له وصارحه بحقيقة موقفه وكونه ملاحقا بسبب نشاطه السياسي بالخرطوم وأنه يتوقع أن تمتد الملاحقة الي هنا بمجرد أن تتبين الجهات التي تلاحقه أنه غادر الخرطوم، عمر لم يك من بين أهتماماته ساس يسوس ، عالمه كله كان محصورا في عشقه لكرة القدم والطرب كما يقول عن الغناء، كان يفخر دوما بانه ينتمي الي حزب البهجة والكفر والوتر، كان يقول لعصام في ونسات الليل الطويلة بينهما في الحوش الصغير ببيت الأسرة بحي 114 المعروف بالكمبو لدي ساكنيه( تعرف يا وهم السياسة دي وهم كبير ساكت،كضب في كضب، الحكومة والمعارضة الاتنين ببيعوا الوهم وطوالي شغالين يا كديسة سكي الفار ويتجادعوا بالحجار، كورتنا دي الشكل ذاتو فيها فن وظرافة، والله تحضر ليك كورة في ميدان بانت الحكم فيها ود الشول ولا ود المبارك أحسن مليون مرة من الحطب الطويلة وهتافات المظاهرات، والله نقرشة عود ود اللمين تلم الناس وتحببهم في بعض أكتر من اجعص جكومة في البلد دي، يا اخي قوم لف، سياسة شنو، هم وغم وتقلة دم...) تضحك من قلبك ياقاقرين وتصمت في حضرة عمر ، فطول حياتك كنت مفتونا بطريقته في الحياة وفلسفته الخاصة التي جعلته اكبر أهلاوي في مدني وأقربهم الي قلوب ناس الاتحاد الذين يسميهم( البقر) بسبب شعارهم الأصفر ، ولايغضبوا منه ولاتراهم في حضرته الا سعداء باسمين، كانت صداقاته تشمل نيلاوية لايشجعون لونا سوي اللون الأزرق والابيض ولا يغيبون حتي عن تمرين النيل، وتشمل صداقاته محبين لجزيرة الفيل وشعارها الاخضر ومحبين للنهضة بشعارها زي اللونين الأزرق والوردي،وكانت له صداقات حميمة مع لاعبي وأداري أندية الشعلة والمدينة والموردة
    المتجاورة في العشير والدباغة ترجع بعض تلك العلاقات الي أيام خلت كانت الأسرة فيها من سكان حي البيان وكان عمر لاعبا مرموقا في فريق ناشئين من تلك الفرق التي تغذي أندية بانت والعشير والدباغة بالنجوم، وكانت المدرسة رباطا آخرا ربط بينه وبين بعضهم،وحين أنتقلت الأسرة ذات صباح خريفي ملئ بالفراشات الملونة والحشائش الخضراء الي حي 114 في أقصي جنوب مدينة ودمدني، ظل عمر لفترة ليست بالهينة يساسق بين الكمبو وبانت وميادينها واصلا لصلاته القديمة ومشبعا لجنونه بكرة القدم، ثم عرف الطريق الي فريق المشعل ممثل 114 في الرابطة الجنوبية وعرفته ميادين الرابطة نجما لايشق له غبار، وانفتحت شبكة علاقاته الواسعة جنوبا لتشمل كل أندية الرابطة الجنوبية ومنافسيها من الروابط المجاورة، كانت روابط الناشئين في ذلك الزمان في قمة بريقها وسطوعها، وكانت مدني عامرة بالمواهب، لكن عصام فيما يتعلق بكرة القدم ظل في الظل دائما، بيد أنه كان مفتونا مثل عمر بالطرب وكان يفوقه بقدرته علي عزف أكثر من آلة موسيقية، ولكن المحبب عنده ظل هو الجيتار دوما،كانا نقيضين في اختيار الاصدقاء، بينما كانت شبكة عمر الاجتماعية أوسع من شبكة الفيس بوك التي ظهرت بعد تلك الفترة بسنوات عديدة وكانت تشمل خليطا من البشر يبدو متنافرا للوهلة الاولي ، لكن سرعان مايكتشف المرء ألف رابط مشترك بين أهله، بينما مال عصام الي أصدقاء لهم ميول متشابهة أو متقاربة مع ميوله، كانت القراءة والكتابة والشعر والرواية والموسيقي والرسم هي الشروط المؤهلة للدخول في عالم عصام، بينما كان عالم عمر يتسع حتي لشلة الغطس في ترعةأم شوكة البعيدة ودراويش المولد أصحاب الجبب المرقعة الخضراء ، وكان عمر الي ذلك مهووسا بالكوتشينة ومولعا بالقول أنه جاء في صندوقها، وكانت قمة سعادته حين يصرخ في الخصوم بتلك العبارات الماركة المسجلة حين يتعسهم الحظ ويعطوه كرت الفتوح المنتظر، كانت طريقته في الاحتفال في الكوتشينة هي ذاتها طريقته في الاحتفال بإحراز هدف في شباك الخصوم في كرة القدم، كان غياظا للخصوم من الدرجة الأولي وظريفا عند الجميع بذات القدر ولكنه مع ذلك خرخار كبير كم تسبب في أحداث صاخبة حين ينهزم في مباراة أو تمرين. في تلك الليلة كان عمر شخصا مختلفا، صمت طويلا ، نظر الي السماء الصافية كأنه يسألها حلا، ثم قال لعصام بصوت جاد لاأثر لشخصيته المرحة المشاغبة فيه: (حاجة زينب حقو ما تعرف حاجةياعصام.... دي اهم حاجة...الحاجة التانية قول للجماعة انك مزرور في الامتحانات وحتقعد مع أصحابك في معسكر مذاكرة عشان تبرر غيابك ، لانو أول حتة حيسألوا فيها الجماعة ديل اذا جو هي البيت وأحسن تكون بعيد منو،احسن تقعد مع شلتنا بتاعت الكوشتينة في بيت العزابة بي جاي، خليني انا اتابع الموقف حول البيت) ...كان يتصرف كأنه سياسي محترف وخبير فيما يتحدث عنه، فلم يقل عصام شيئا وماتت كل أسئلته بشأن سمية علي طرف لسانه. وفي الصباح التالي كان قد انتقل الي بيت العزابة كما خطط عمر.

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 25-02-2013 الساعة 03:36 AM
  20.  
  21. #61
    عضو جديد
    Array الصورة الرمزية فيض التشبع
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    الدولة
    ودمدني - حي ناصر
    المشاركات
    29

    الاخ الاستاذ المبدع صلاح احببت المشاركة في قراءة كتاباتكم الرائعة اولا ثم ابداء رايا نقديا بعبر عن راي كاتبه المتواضع من باب الفائدة - الرواية جيدة الفكرة تتلمس افكارا وموضوعات شتى
    وبسيطة الصياغة وضوحا يفيد المتلقى فقط اتمنى ان تراجع بعض العبارات التى قد لا يحتاجها المعنى في احيان كثيرة مثل ( وكونها كانت الريح تلعب بها) وكالمطر في( والخواطر تتهاطل عليها ) حيث تفهم من السياق و(تستأذن أو تطرق الابواب) حيث يمكن الاكتفاء بأحد المعنيين وهكذا .. الملاحظات لا تعيب النص فالفكرة جيدة وكتاباتك رائعة

  22.  
  23. #62
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    شكرا اخي الكريم علي مرورك

  24.  
  25. #63
    رحمة الله عليه Array الصورة الرمزية mahagoub
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    ودمدنى
    المشاركات
    11,330

    جولة مجانية
    بين فرق واحياء مدنى
    وكانت جميلة وصافية مثل نيلها
    وماخده من لونك اصالته ونضرته

  26.  
  27. #64
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mahagoub مشاهدة المشاركة
    جولة مجانية
    بين فرق واحياء مدنى
    وكانت جميلة وصافية مثل نيلها
    وماخده من لونك اصالته ونضرته
    هي مدني مدينتي وحبيبتي التي ترعرعت فيها وشربت من عذبها ومن أنفاسها ملأت منطادي وحلقت وروحي دوما تشتهيها كما تقول اغنية ود اللمين

  28.  
  29. #65
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436



    22
    زوار الفجر لم يتأخروا كثيرا، ففي اليوم الثالث لهروب قاقرين من الخرطوم الي مدني ظهرت وجوه غريبة في الكمبو وأخذوا يسألون عن عصام بالحاح تحت ذرائع مختلفة، تارة زميل له يريد منه بعض الكتب، وتارة أخري هناك رسالة مرسلة معه من أحد الزملاء، وثالث يسأل إن كان عاصم هنا أو لايزال بالخرطوم،عمر فهم حقيقة الأمر وأرسل الي عصام من يحذره، كان عصام وقتها في النادي مندمجا في قيم ضمنة مشتعل، حين همس الكنقس صديق عمر في أذنه بكلمات، بات الأمر شأنا عاما في لحظات، عقد اجتماع صغير للتفاكر حول المخرج وأستقر الرأي علي ضرورة مغادرة عصام للكمبو بليله هذا وتبرع الاستاذ حامد صاحب العربة الوحيدة التي كانت بالنادي وقتها وهو من ابناء الكمبو الذين رحلوا الي بيت مملوك للاسرة في حي مايو لكن علاقته بالكمبو وشلة النادي جعلته ساكنا بحي مايو وناديه لايزال هو نادي الكمبو،تبرع حامد بالمخاطرة بنقل المطارد عصام بعربته ، كانت فقرة غاية في التشويق فقرة إخراج عصام من النادي الي حيث العربة ليبقي منخفض الرأس بداخلها حتي أكمل حامد لعبه بالنادي بتربيزة الكوتشينة بشكل طبيعي وخرج في مواعيده المعتادة وحيدا نحو العربة، أدار محركها وأنطلق، وهكذا غادر عصام الكمبو داخل تلك العربة البيجو التي اصبحت فيما بعد صديقة له لسنوات طويلة ظلت فيها رفيقة وفية لصاحبها المعلم المهاب في مدني من أقصاها الي اقصاها لكنه كان ساعة الشدة مجرد ولد فريق مخلص لاولاد فريقه وعلي استعداد للتضحية بوظيفته ومكانته لاجلهم دون أن يسأل حتي من لون ولد الفريق السياسي، كان ذلك موقفا فريدا حفره الزمان في ذاكرة قاقرين خاصة حين إكتشف بعد تلك السنوات ان استاذ حامد قيادي بارز في الحركة الاسلامية التي كانت علي النقيض مع جبهته الديمقراطية. في تلك الليلة انتقل عصام مرة أخري تحت جنح الظلام من بيت استاذ حامد سيرا علي الأقدام الي منزل اهل الكنقس صديق شقيقه عمر القريب من منزل استاذ حامد وهناك كان مخططا له ان يختفي زمنا طويلا حتي تنقضي الهجمة الشرسة، لكن تطورات الأحداث اللاحقة فرضت عليه مسارا آخرا،بعد يومين من اختفائه اقتادت عناصر أمن النميري والده الشيخ الي مكاتبهم قبالة سجن مدني الكبير، كان والده هادئا وغاضبا، هادئا بطبعه وغاضبا لان ابنا من صلبه قاده الي موقف مماثل وهو الذي قضي حياته كلها باحثا عن سترة الحال ومتجنبا كل ما يمكن ان يسئ الي اسمه،قال لهم صادقا لا أعرف اين ابني ولم اكن موجودا عندما عاد من جامعته، كنت في الخلاءاعمل كثور في ساقية لاجله ولاجل اخوانه، لا أعرف أين هو.ابقوه حبيسا عدة ساعات وهم غير مصدقين ما يقوله، قالوا له ستبقي معنا حتي يأتي ولدك، قال لهم بصوت غاضب: في شريعة منو تقبضوني انا بدل ولدي؟ قالوا له بصفاقة: في شريعتنا نحن، ولدك لو ما عمل شوشرة ما كان في زول سأل فيهو، قال لهم : شوشرة؟ كيف يعني؟ كتل ولا سرق ولا حرق؟ قالوا له: أسوأ من ذلك .ولدك طلع مظاهرات وعمل ازعاج للسلطات وماعندو شغلة في الجامعة غير المناشير والخطب ، عامل فيها عنتر..نظر اليهم طويلا ثم صمت ولم ينبس بكلمة، تركوه وتجاهلوه نهارا كاملا، حين جاء عمر يسأل عنه وجدوا الحل من ورطة ابقاء أبيه في الإمساك به، نادوه وقالوا له: ياحاج انت امشي بيتك نحن ما عندنا معاك حاجة، لكن ولدك دا قصاد داك، يجينا البطل داك ولا تجيبوا نفك ليك دا...يلا اتوكل...نهض الوالد ونظر الي عمر في عينه طويلا ، قال له عمر: امشي يا أبوي، امشي وخليها علي الله ، عوجة مافي. وفي المساء كان الكنقس غاضبا وهو يحكي الحكاية بتفصيلاتها لعصام وعند الختام نهض عصام وذهب سيرا علي الاقدام الي مكاتب الأمن قبالة السجن، سأل عن مكتب الضابط ، أشاروا اليه بلا أكتراث، فلم يكن فيهم من يعرف طريدتهم الشريرة،دخل عصام المكتب، وجد شابا في منتصف الثلاثينات وحيدا يكتب بالقلم في ملفات أمامه، لم يرفع وجهه لينظر اليه، حتي بعد ان القي عليه السلام، لم يرفع الرجل رأسه إلا حين قال عصام بصوت واثق: أنا عصام عبدالله الذي تبحثون عنه جئيتكم بنفسي.نهض الرجل واقفا ونظر اليه طويلا دون رد علي ما قاله، ثم قال له بصوت مهذب خفيض :أجلس ياعصام. في تلك الأمسية خرج عمر من حبسه وولج عصام سجن مدني الكبير في عنبر المعتقلين السياسيين المكتظ بكل الوان الطيف السياسي وقتها وبه عدد معتبر من قيادات النقابات العمالية، كان أصغر معتقل سياسي يلج في تلك الأيام، كان هناك محامون لامعون ، واطباء، ومعلمون ونقابيون كثر، كان العنبر منقسما الي قسمين، قسم به الاسلاميون الذين كانوا حلفاء الأمس القريب، وقسم فيه معارضون من أطياف متعددة أخري، الي ذلك القسم إنضم عصام.

  30.  
  31. #66
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436


    23

    كان عنبر المعتقلين السياسيين مكتظا، فقد كانت البلاد مضطربة من أقصاها الي أقصاها، وكان السجن هنا هو صورة طبق الأصل لسجون متعددة في مدن السودان أكتظت بالمعتقلين من كل شرائح المجتمع، لذلك لم يشعر عصام بأي نوع من العزلة أو الخوف، خاصة ان افراد جهاز الأمن لم تكن لهم أدني علاقة بالسجن،فقط كان يخاف شيئا واحدا وهو أن يتم ترحيله الي الخرطوم كما فعلوا مع أثنين من زملائه ( طالب وطالبة) صادفهما في معتقلات الأمن لكن الأحداث المتلاحقة والأضطرابات المستمرة بالعاصمة فيما يبدو شغلتهم عنه، لذلك أقبل علي حياة المعتقل بشهية مفتوحة كأنه ولد هنالك، كان كل شئ مرتبا ولكل معتقل حصة في العمل موزعة بينهم، فالكل يطبخ ويحاضر ويغسل ملابسه ويكويها وفي نفس الوقت يتقاسمون الاخبار الواردة من الخارج والافكار والقصائد وحكايات الصمود وتاريخ الحركة السياسية وفتحت مواهب عصام المتعددة الطريق أمامه فبات ركنا ركينا في برامج المعتقلين الثقافية، كان يغني ويلحن بدون جيتار مكتفيا بأي شئ يصلح طبلا،وحين يغني وعود العاصفة لمحمود درويش بصوته القوي كان دوما يلمح دموعا تترقرق في عيون لم يتخيل يوما أن لها نصيب في الدموع، الغريب ان جهاز الأمن انتابته نوبة كرم مفاجئة فأمطر المعتقلين بكميات من سجاير البرنجي والبحاري والشاي، جلبها مأمور السجن وسلمها الي المعتقلين مبتسما فتقبلوها متوجسين، ثم ضحكوا وبعضهم يقول متفائلا: يبدو ان نهاية الطغمة دنت ، فارادوا استمالة القلوب، اضربوا خيراتهم فهي لنا في الأصل.سمعتوا ليكم بي سجارة كتلت ليها زول ولا شاي سمم ليهو زول؟ اضربوا ياجماعة وخلوها علي الله. في تلك الايام تناهت الي مسامعهم اخبار عن مسيرة الردع التي خرج بها انصار النميري تأييدا له في شوارع الخرطوم وكيف انها كانت وبالا عليهم ،وكان التفاؤل في محله فبعد ايام قلائل من ذلك في اليوم السادس من ابريل عام 1985 تحلقوا جميعا داخل السجن حول راديو صغير يستمعون الي بيان من وزير دفاع النميري عبد الرحمن سوار الذهب وهو يعلن انحياز الجيش الي الشعب بعد انهار المسيرات الشعبية المطالبة برحيل الدكتاتور.
    كان صوت الرجل يأتي هادئا لا أثر للثورة أو الغضب فيه:
    "لقد ظلت القوات المسلحة خلال الايام الماضية تراقب الموقف الأمني المتردي في انحاء الوطن، وما وصل إليه من أزمة سياسية بالغة التعقيد، ان قوات الشعب المسلحة حقناً للدماء وحفاظاً على استقلال الوطن ووحدة اراضية قد قررت بالاجماع ان تقف الى جانب الشعب واختياره، وان تستجيب الى رغبته في الاستيلاء على السلطة ونقلها للشعب عبر فترة انتقالية محددة، وعليه فإن القيادة العامة تطلب من كل المواطنين الشرفاء الأحرار ان يتحلوا باليقظة والوعي وان يفوتوا الفرصة على كل من تسول له نفسه اللعب بمقدرات هذه الامة وقوتها وأمنها".
    ارتفع هتاف هنا وهتاف هناك :
    عاش كفاح الطبقة العاملة
    الله أكبر ولله الحمد
    خيبر خيبر يايهود جيش محمد سوف يعود
    بدأ السجن مسكونا بالغرابة،وارتفع الهتاف ، وبكي الرجال،وتصافحوا،ثم عادوا،الي وجومهم مجددا،همس البعض أن الأمر مجرد مسرحية فقط.ساد صمت ثم علا الجدال وأشتد،وانتهي الجدل حين جاءت جموع هادرة الي السجن
    وخرجوا منه محمولين علي الاعناق وسط بحار هادرة من البشر في هجير شمس ابريل الساطعة في مدني

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 27-02-2013 الساعة 01:37 AM
  32.  
  33. #67
    رحمة الله عليه Array الصورة الرمزية mahagoub
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    ودمدنى
    المشاركات
    11,330

    قضة كفاح بطل
    فهى تصوير ورمز لكل سودانى هميم
    لا يرضى الضيم له ولوطنه
    فلا ادرى لم استكان

  34.  
  35. #68
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436


    24
    بات البيت الصغير المكون من غرفتين ومطبخ وراكوبة معروشةبالشرقانيات اللامعة كالذهب والذي تتوسطه شجرة قرض عملاقة، بات مزارا للأهل والأصدقاء الفرحين بسلامة عصام وإنقشاع الغمة عن الوطن،كان التلفزيون لايزال يبث مناظر المتظاهرين في الأيام الأخيرة للنميري وهم يحملون أغصان شجر النيم ويهتفون وهم يعبرون كباري العاصمة سيرا علي الأقدام، كانت الاناشيد الوطنية تصدح من الراديو والتلفزيون بلا انقطاع، كان عصام النجم المتوج في الكمبو في تلك الأيام، كان والده يبتسم وهو يحكي بفخر قصته مع شريعة أولئك الذين أتخذوه رهينة ولم يطلقوا سراحه الا بعد حبس عمر رهينة ولم يطلقوا عمرا الا بعد حضور عصام وتسليمه نفسه وكان يحلو له ان يختم قصته بآيات القرآن (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ
    اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) ، كان عمر مبتسما هادئا يتجاذب أطراف الحديث مع اصدقائه الذين ضاق بهم المكان فتجمعوا خارج الدار الصغيرة في كراسي وشقت أصوات قهقهاتهم عنان السماء وكان استاذ حامد حاضرا هو الآخر بسمته الوقورولم ينبس ببنت شفة عن مغامرته الليلية في تهريب عصام من الكمبو، بقي مستمعا ومتداخلا بكلمات بسيطة وهادئة وأنصرف في هدوء كما جاء، كان عصام ينظر اليه ويود لو يأخذ كل واحد من الحاضرين جانبا ويحدثه عن شهامة الرجل وشجاعته ومخاطرته بنفسه في تلك الايام القاسية، لكن هاتفا خفيا قال له ان الرجل لا يحب ذلك فلاتغضبه ولاتجرحه، فلاذ بالصمت، وقفزت الي ذهنه صورة معلم من نوع آخر ، كان استاذا متعاونا في الجامعة وقاضيا في الوقت نفسه،، لاحقت قوات الاحتياطي المركزي طلابه حتي قاعات الدرس وضربتهم بقسوة وحملتهم كالنعاج الي ناقلت الجنود ومن ثم الي قسم شرطة والي قاعة محكمة كان الاستاذ قاضيها،نظر الي وجوه طلابه المتورمةوملابسهم الممزقة ولم ير فيهم سوي ما هو مكتوب باوراق البلاغات(مثيرو شغب)لم يكلف نفسه عناء النظر اليهم أو الاصغاء اليهم وأوقع عقوبة الجلد بهم، وحين وقف عصام وظهره للشرطي في ذلك الفناءوأرتفع السوط في يد الشرطي لم يهتز له جفن ولم تصدر عنه أنة حين لسع السوط ظهره كأنه حصان كارو هزيل يسومه صاحبه العذاب، حينها أرتفعت زغرودة من طالبة ما، تعالت الزغاريد ، ولم يعد عاصم يشعر بشئ، وحين توالت العملية في ذلك الفناء، أزدادات الزغاريد فقد كانت الموظفات بالمكان دامعات الأعين قد شاركن بلا وعي في الزغاريد، نظر عصام الي القاضي الأستاذ فوجد رأسه منكسا الي الأرض وصوت الشرطي يوالي النطق بعدد الضربات: 12/ 13/ 14....... وكانت الشمس ساطعة بوهج غريب

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 02-03-2013 الساعة 01:39 AM
  36.  
  37. #69
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mahagoub مشاهدة المشاركة
    قضة كفاح بطل
    فهى تصوير ورمز لكل سودانى هميم
    لا يرضى الضيم له ولوطنه
    فلا ادرى لم استكان
    شكرا اخي محجوب علي متابعتك الجميلة وتعليقاتك المحفزة

  38.  
  39. #70
    رحمة الله عليه Array الصورة الرمزية mahagoub
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    ودمدنى
    المشاركات
    11,330

    تداعيات زمن عاشه الفرد
    بكل ما فيه من معاناة
    وتتوالى الحكومات
    وليس فيها ما ينفع الناس
    وتدور الساقية مرة آخرى

  40.  
  41. #71
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    تدور الساقية ويريدون شيئا ويريد الله شيئا ويفعل الله ما يريد

  42.  
  43. #72
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436



    25
    كجبل صنعه طفل من رمال إنهار نظام النميري ومضي الي زوايا النسيان، برز في الساحة سادة جدد تلمع فوق اكتافهم صقور ومقصات ونجوم ويعطيهم الزي العسكري بريقا وهيبة، كانت الجامعة لاتزال مغلقة، ولكنها باتت من مراكز صناعة الحدث، ترك الأساتذة قاعات المحاضرات وخاضوا في وحل السياسة حتي الركب كما طاب لعمر وصف الأمر، بات نقيب الأطباء رئيسا للوزراء يتحدث عن زهور وأشياء لم ترد ببال من الهبت ظهورهم السياط وهتفوا تحت شمس الخرطوم في وجه رجال الاحتياطي حد الموت، حتي الأحزاب صاحبة السحر والمكانة الخاصة عند الطلاب قبل الانتفاضة باتت باهتة وظهرت لها وجوه عديدة أكثرها قبيح، باتت أحزابا في العلن لها مقرات معلومة وسيارات تجوب المدن بالميكرفونات التي تدعو لليال سياسية صاخبة كانت ذات يوم مثل الغول والعنقاء والخل الوفي،ظهرت في عالم السياسة مصطلحات جديدة شاعت في الأستعمال اليومي ( سدنة مايو) (بقايا مايو) وفي المقابل ( شراذم اليسار) (أحزاب السفارات)، خرجت صحف عديدة متشاكسة مسحت الأرض بكل شئ، بدا سوق السياسة نسخة مكررة من هتافات الباعة المتجولين في السوق العربي: (قرب جاي ...علينا جاي....قرب...قرب ...أوع يغشوك....تعال هنا الأصلي...الرخيص بي رخصتو يضوقك مغستو والغالي بي غلاتو يضوقك حلاتو....قرب..قر....ب ......) كان عمر أول الساخطين: (قلت ليك يا عصام ...السياسة في البلد دي وهم وضياع زمن...والله النميري بي استبدادو اخير من المولد دا.... والله ديل يدوهم فريق كورة ينزلوه من الاولي للتالتة في موسم واحد...يا اخي خلينا بالله...) ، كنت قد تعلمت فضيلة الصمت ياعصام في تلك الأيام، علا صوتك في الفترة الأولي وعلا صوت جيتارك في كل ركن في مدني ومن بعدها الجامعة والدور الحزبية والمسارح ، غنيت كل شعر وقعت يدك عليه وغازلت كل أمنية طافت بذهنك في أيام الحزن الكثيرة قبل سقوط النميري، غنيت بثقة من يري المستقبل أخضرا باسقا جميلا أمام عينيه، غتيت بكل إحساس فيك:

    مساجينك مساجينك مساجينك

    تغرد في زنازينك

    عصافيراً مجرّحه بى سكاكينك

    ***

    نغنى ..

    ونحن فى أسرك

    وترجف ..

    وانت فى قصرك

    كنت تنظر في وجه سارة وهي منفعلة مع النشيد ، فيعلو صوتك علي صوت الكورال:

    برغمك نحن مازلنا

    بنكبر بى زلازلنا

    بنعشق فى سلاسلنا

    وبنسخر..

    !من زنازينك

    مساجينك مساجينك مساجينك

    تلتهب أكف الحاضرين بالتصفيق، تتحول الاغنية الي مظاهرة جميلة لايعكر صفوها جنود الإحتياطي وخوذاتهم الشبيهة بالرصاصة.
    ثم يتغير الإيقاع ويصدح صوت جميل لتلك الفتاة :

    حنبنيهو البنحلم بيهو يوماتى
    وطن شامخ وطن عاتى
    وطن خيّر ديمقراطى
    وطن مالك زمام أمرو
    ومتوهج لهب جمرو

    فتبكي واياديك تعبث بالجيتار بمودة وتتذكر صوتا كان يغني ذلك النشيد كاملا في ظلمة السجن، كان صوتا خافتا لكنه صوت لاينسي وصاحبه لاينسي، فصاحب الصوت تاريخ يمشي بين الأحياء، نقابيا في أحد مصانع النسيج حيث يعمل حين أعتقلوه كان، نقابيا بينه وبين السجن عشرة طويلة ممتدة،وكان بينه وبين حبل المشنقة قاب قوسين أو ادني،قال ذلك وهو يبتسم كأنه يتحدث عن زيارة صديق ، استيقظ فضول عصام دفعة واحدة، لكن الرجل الصموت صمت ومضي. وبعد جهد جهيد تجمعت فصول حكايته من أفواه رفاق السجن كأنها قطع متناثرة من الزجاج كانت فيما مضي قطعة واحدة. كان عثمان ذات يوم شريكا في إنقلاب عسكري ضد النميري، كان دوره خطيرا وصغيرا لكنه كان كافيا للحكم عليه بالإعدام في حمي الإعدامات التي تعقب إنقلابات العالم الثالث الفاشلة دوما،لكن صدفة ما ونزوة ما للرئيس القائد حولت حكمه من الإعدام الي المؤبد، فنجا، وعاش ،وخرج من السجن مدنيا ليلتحق بوظيفة عمالية ويواصل انقلاباته المدنية ورحلاته صوب المحققين والسجون. كانت سارة تستمع الي قصص عصام الكثيرة عن رفاق السجن الغامضين، تتفرس فيه مليا وتقول بصوت هامس : (تغيرت كثيرا يا عصام، والعالم كله تغير حولنا، أشعر ان عالمنا الذي عرفناه يتهدم وينهار.....) يلفكما صمت، تقول لها في سرك قصدا فيخرج الكلام كما يخرج الهواء من صدرك حرا وعاليا أنت كوني الجميل الذي لايتغير يا سارة....انت غيمتي السارة) تبتسم سارة وتشيح بوجهها بعيدا خجلا.

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 02-03-2013 الساعة 06:39 AM
  44.  
  45. #73
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436


    26
    لكن كونك الجميل تهدم بغتة، كنت بعيدا في أطراف امدرمان لاهثا خلف إجتماع صغير يظن من يلهثون اليه أنه سيغير العالم وأن كل العيون متعلقة بنتائجه الخطيرة، كنتم تتجادلون جدلا عقيما حول الثورة وأعداء الثورة ، حول جدوي التغيير ، كان ثمة كلمات كبيرة تقال، ساعات طويلة من إستعراض العضلات اللفظية والفكرية، كنت مرهقا ويائسا بشكل ما ومرتبكا، كان ثمة شئ ما يحترق بداخلك، فجأة وجدت نفسك تخرج من الحجرة الصغيرة العابقة بالدخان الذي يبحث عن مخرج وأرضها ممتلئية بالسعوط وأعقاب السجائر، كدت تختنق، خرجت بلا مقدمات، لم تستمع لصوت من ناداك، مضيت راجلا حتي تجدد الهواء في رئتيك وأستعدت شيئا من توازنك، بحثت عن أقرب محطة مواصلات ويممت صوب الجامعة، كنت تحتاجها وحدها، هي وحدها غيمتك السارة القادرة علي أن تعيد الي كونك أوتاده وتوازنه، هي وحدها القادرة علي إعادة ترتيبك،كانت الحافلة تعبر النيل عند المقرن في هذه اللحظة ، فتحت صدرك للهواء وتنفست تنفسا عميقا كعادتك كأنك تريد التزود بمؤونة عام بأكمله من نسيم المقرن العليل، كانت أجمل لحظات حياتك هي حين تمر بهذه البقعة وتتنسم هذا الهواء ،كانت الحافلة تتهادي علي مهل ، من الإتجاه الآخر كانت هناك سيرة عريس تعبر النيل في الإتجاه المعاكس متجهة الي أمدرمان، كان صوت الدلوكة عاليا وصوت فتاة ما يرتفع بأغنية مشهورة من أغاني السيرة تتحدث عن ود القبائل السائر الي عروسه بالعديل والزين، ابتسم عصام وتخيل نفسه عريسا مخضب الأيادي بالحنة وعلي جبينه هلال ، ورأي في الخيال سارة السارة تعبر النيل من الخرطوم صوب أمدرمان بفستان أبيض متخذة شكل غيمة كبيرة يغطي ظلها المكان ويحجب أشعة الشمس ، رأي أشعة الشمس تتعلق بها وتجذبها نحو النيل، والنيل يرتفع الي الأعلي ، ثم ينحني عند قدميها الصغيرتان، تبتسم سارة، تنبت زهور ملونة علي أمتداد الضفتين، تظهر أسراب من الفراشات الملونة يرفلن في ثياب بيضاء ويحطن بسارة إحاطة السوار بالمعصم، تغيب سارة رويدا رويدا في النيل، لايبقي طافيا منها شئ سوي شعرها الفاحم السواد، يبدو متهاديا فوق الموج والأزهار البيضاء والملونة تحيط به كأنه حورية نصفها في الماء ورأسه طافيا فوقه، تصرخ بأعلي صوتك فلايخرج من حلقك شئ، تهزك يد ما، تسمع صوت الكمساري يقول لك ان الحافلة بلغت محطتها الأخيرة. تنظر حولك، تري أرتال من البشر، تسرع نحو ميدان ابو جنزير تقفز في حافلة من حافلات بحري، تنزل قبالة الجامعة، تسرع الخطي، تركض مسرعا حتي تلحق باليمامة قبل أن تغادر موقعها، مابالهم ينظرون اليك نظرات غريبة؟! مابالهم لايردون التحية بل يفتحون الأفواه في بلادة ثم يصمتون؟! بلغت الركن الأليف، كان العش خاليا من سارة السارة ومن هاجر ومن هبة ومن أي أثر، عدت أدراجك بخطوات بطئية إستشعرت شيئا غير عادي في المكان، كان ثمة دموع في عيون تعرفها،وحين احتضنك سامي وهو يبكي كالأطفال، بكيت دون أن يقول، بكيت، وكنت تسأل بجنون: الحاصل شنو؟ الحاصل شنو؟
    نطق سامي.....لم تسمع شيئا ولم تر بعدها......غاب الوجود وغبت عن الوجود......

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 02-03-2013 الساعة 08:12 PM
  46.  
  47. #74
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    27
    باتت الجامعة جحيما لايطاق، وبات الوطن كله نعشا كبيرا لا أزهار منثورة فوقه ولامعزون متشحون بالسواد ولانساء نائحات ، لكن الفجيعة سكنت حتي أجنحة الطيور وأغصان الشجر ومقاعد الأسمنت المطعمة بالخشب في كلية القانون، حتي المين الرود الراقص دوما علي وقع الصبايا المسرعات شاخ فجأة وبات خرابة مهجورة تخرج منها العفاريت نهارا وتلاحقك بالسؤال عن الغيمة السارة، عن عيونها الواسعة وشفتاها المنفرجة دوما عن إبتسامة ضاحكة، حتي علب سجاير البرنجي التي كنتما تتبادلان الرسائل والرسومات علي ظهرها باتت هي الأخري خناجر تخرج من الظلمة وتنهض من الأرض وتستوي علي قدميها وتطاردك بالسؤال عنها، تبكي وتركض ، فتركض الاشجار علي جانبي الطريق خلفك وتلاحقك حتي البوابة حيث سفح دم الحمامة، هناك فقط تجفل الأشجار وتركض عائدة الي مواقعها، تبقي وحدك تتلوي علي جانب الأسفلت وتبكي حتي يدركك الرفاق ، تحملك الأيادي كما حملت الحمامة حين وقعت الواقعة، تستكين في أيديهم وتكاد تصرخ بهم ليسرعوا بك الي حيث رقدت حمامتك في قلب الخرطوم رقدتها الأخيرة دون أن تتزود منها بنظرة أخيرة حتي، لكنهم لن يحققوا مبتغاك ، تجد نفسك في قلب البركس، مروحة عتيقة تدور فوق رأسك وعيون محبة تحيط بك وشريط حياتك يدور أمام ناظريك كأنه فيلم من الأفلام العديدة التي شاهدتها مع سارة في سينما الbn ، تكاد تسمع صوت أنفاسها في الظلام، تكاد تري صدرها يعلو وينخفض، وتكاد تسمع صوت أرتطام دمعتها بالأرض في المشاهد الحزينة، تدرك الآن ان هذه الجامعة وما حولها تحولت الي مشنقة لن تقوي علي الوقوف تحت أعوادها ماتبقي لك من سنين دراسة، تدرك أن ثمة شئ ما ذهب مع سارة ولن يعود، تنهض، تلملم حاجياتك البسيطة، تنظر الي الجيتار نظرة طويلة، تراه دامع العينين باكيا كحصان يتوسل اليك في ضراعة الا تتركه هنا، تتوقف عن المسير، تتردد قليلا، ثم تتناوله في صمت وتسرع خارجا، لاتنظر حولك عمدا، تركض عابرا النفق الي الشارع، تقفز في أول حافلة وتغيب في جوفها، هكذا بهذه البساطة انتهت علاقتك ياعصام بدراستك هنا، لم تعد أبدا الا بعد سنوات عديدة. ظن الزملاء والأصدقاء أنك بحاجة الي استراحة ما، ظنوا أنها موجة حزن عابرة ستمضي الي حال سبيلها، لكن الأمر بالنسبة اليك كان مختلفا جدا. في الحقيقة كان كل شئ يتهدم ويتبدل ويمضي في اتجاهات لم تكن بالحسبان،كان الوطن قد بات مزعة لحم صغيرة تتجاذبها أياد كثيرة،المجلس العسكري بات مركزا من مراكز الإستقطاب وطرفا في لعبة ترويض الثورة النمرة، الثوار تفرقت بهم السبل، كل كتلة منهم سعت جهدها لتكون صاحبة النصيب الأكبر في كيكة السلطة القادمة كحصان سباق جميل وقوي لامالك له، بعضهم بات وزيرا في حكومة الجزولي دفع الله التي تمد يدا في العلن للتجمع الذي قاد الانتفاضة وتجاهر بأنها تمثله، ولكنها تمد يداً أخري في السر للمعسكر الآخر الذي سعي أهل المعسكر الأول غاية جهدهم لعزله وإبعاده عن دائرة الفعل، وكانت البزات العسكرية تمارس دور حمائم سلام بين المتنازعين وتمارس الرقص علي كل السلالم حتي سلم الحريق كما قال عمر وهو يصف الحال ويؤكد علي نظريته الخالدة حول السياسة والسياسيين( السياسة دي وهم كبير ساكت وكضب في كضب....هم وغم وتقلة دم وآخرتا خم)، كان عمر قد توقف عن الدراسة في مرحلة الثانوي العالي باختياره،كان ابوكما يريده مهندسا ولكن عمر المتفوق والأول الدائم علي دفعته لم يك يرغب في دراسة الهندسة، تصادمت الإردتان، كانت النتيجة رفضا قاطعا للمسار المرسوم ونتيجة متواضعة علي غير المتوقع، فأستشاط الوالد غضبا ، وعندها قرر عمر ان يعمل بشهادته تلك عله يستطيع إكمال تعليمه لاحقا، هكذا بات المهندس المرتقب مضيفا بريا في شركة مواصلات الجزيرة، الي حين، لم يكن يدرك مداه عمر. في هذه الاجواء الملتهبة قدر عصام أن الأسرة غير مهيأة لتحمل صدمة أخري،ولم يجد بداً من مواصلة دراسته عند اعتاب المشنقة.

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 05-03-2013 الساعة 04:38 AM
  48.  
  49. #75
    رحمة الله عليه Array الصورة الرمزية mahagoub
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    ودمدنى
    المشاركات
    11,330

    كم بكينا على وطن
    تلاعب به الساسة والعسكر
    فلا هم لهم سوى المصلحة الخاصه
    فلم يأتى من همه الوطن والمواطن
    ليبنى ويعمر وطن ملئ بالخيرات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
by boussaid