نرجع للموقف السياسي على راي قناة النيل الازرق بعد ما تسلينا بسؤال العاقب .. وانا اعرف ان السياسية مثل علاج الامراض المزمنة مرة لكن لا بد منها ...
ذكرت انا اني دخلت جامعة الجزيرة في العهد الديمقراطية .. وكما قلت ان ماساة الديمقراطية في السودان وسبب هشاشتها انه اي قضية حتى ولو كانت صغيرة تجد من تبناها واصبحت تتسع دائرتها مثل القاء الحجر في البركة الراكدة ... مثلا التضامن مع عمال مصنع الخيش بالغزالة جاوزت لنيل حقوقهم وتجد الاركان اشتعلت ورغما عن انه لم يسمع بهم احد من قبل سوى اساتذة الجغرافيا في المراحل الابتدائية .
وعلى هذا النسق فقس لانه الى ان وصلنا السنة الثالثة في الجامعة تكاد تكون اقفلت ثلاث مرات بسبب الاحداث الى ان جاء انقلاب الانقاذ في عام 89 .. وحتى تلك الفترة انا لم انتظم مع اي حزب سياسي .. ولكن لم افوت اي نشاط سياسي قام به اي تنظيم سوى اسبوع ثقافي او ندوة سياسية .. ولو كنا في الاعداية والندوة في النشيشيبة حضرت اليها .. وظليت محتفظا بعلاقات طيبة مع كل قيادات التنظيمات .. وفي نفس السنة الثالثة عرض علي اخ صديق ورئيس الطلاب الاتحاديين ترشيحي في اللجنة التنفيذية لرابطة طلاب كلية الاقتصاد .. وافقت انا واخ قريب وصديق عزيز من ابناء شندي . ايضا تربطه صداقة قوية مع الاتحادي .. فزت انا في الانتخابات وتقريبا حققت عدد كبير من الاصوات ان لم يكن الاكبر بسبب انه اكتشفت كل القوائم الاخرى اضافت اسمي مع مرشحيها عدا قائمة واحدة وهي قائمة حزب الوفاق وهو كان واجهة سياسية لجماعة انصار السنة المحمدية . والتي غيرت رايها في الدورة التالية التي ترشحت بها واحرزت العدد الاكبر بعد استضافة انصار السنة والسبب هو الرسم .. وهذه قصة لوحدها ..
عندما انضميت للجنة التنفيذية لرابطة طلاب الاقتصاد اوكل الي مهمة السكرتير الثقافي للجنة . وبديت برنامجا انقلابيا .. قررت الا يكون النشاط الثقافي للرابطي كالمعهود وهو اقامة الندوات والاسابيع والاشعار كالعاده وهي ان ياتي مقدمون من خارج الجامعة ويكون دور الطلاب سلبي اي متفرجون فقط .. ولكن اقترحت ان يكون كل شئ من صنع طلاب الكلية .. ومن خارج الجامعة ياتوا كمتفرجين فقط .. وفعلا بدات بالشعراء من الطلاب وكانت المفاجاة وبمختلف التوجهات السياسية اتضح انه الطلاب فيهم عدد كبير من الموهوبين في الشعر وحفظ الشعر واقمنا اول منتدى شعري في الجامعة وقوامه الطلاب فقط .. وكانت المفاجاة في انه ظهر هنالك عدد كبير من الطلاب لم يكن يتخيل احد ان لهم علاقة بالشعر او الادب .. وكانت الروعة في الالقاء .. وكذلك اقمنا مسابقة مطارحة شعرية .. واستمر السميستر هكذا .. وفي الفترة بين السميسترين قررت ان اقيم معرضا للرسم في الجامعة حتى نشجع الطلاب الذين لهم هوايات في الرسم لابراز مواهبهم .. والاجازة رغما عن انها كانت قصيرة حوالي شهر .. ولكن انا عكفت في البيت في كسلا واعديت حوالي خمسين لوحة بكل ما وقع في يدي من نوع الوان .. كما ذكرت لانه عندنا المطبعة والمكتبة لم تقابلني مشكلة في الخامات من حيث انواع الورق والالوان .. وعندما فتحت الجامعة مرة اخرى وافق اعضاء اللجنة التفيذية على فكرة المعرض وتحمسوا معي وفعلا ذهبنا الى وزارة الثقافة واعطونا بورتات العرض .. وكان توجد قاعة جديدة في النشيشيبة ( كانت في السابق مشرحة لكلية الطب ) وافقت ادارة الجامعة مشكورين على منحها لنا لمدة اسبوعين .. واقمنا المعرض .. وقد اعجب الناس .. وقد قام بافتتاحه الدكتور الراحل محمد نور حسين الخبير الاقتصادي رحمه الله عميدا للكلية في تلك الفترة .. والذي سمعت انه توفى بالقاهرة بعد ان هاجر وعمل بالجامعة الامريكية هناك .
انا عندما عملت الخمسين لوحة كنت لازلت متلزما بالحلال والحرام في الرسم .. لذلك حرصت الا تكون اي لوحة فيها ذالت روح لا حيوان ولا انسان.. وانما كلها كانت عبارة عن لوحات رمزية او طبيعة صامته .. واذكر من ضمن اللوحات التي جذبت الناس كانت لوحة عبارة عن يد انسان تمسك سجارة واليد نفسها عبارة عن جزع شجرة زابلة ومحتوتة الاوراق .. ولوحة ثانية عبارة عن فانوس بالحجم الطبيعي مضاء .. والثالثة عبارة عن جنازة معدة للدفن والقبر محفور وعدة الحفر وتوجد اثار ناس دون ان يوجد اي شخص ظاهر .. هذه اللوحات للصدفة كانت في بورد واحد وهي لفتت نظر الدكتور وجعلته يعلق في كراس الانطباعات كاتبا عابرة ( سجارة ... فانوس ... جنازة ) هذه هي الحياة .. واعتقد انه الدكتور توفى بسبب التدخين فعلا نسال الله له الرحمة .
والتعبير الثاني الذي لفت نظري في كراسة التعبيرات هو تعبير انصار السنة المحمدية اذ كتبوا كلاما بمعنى انهم اول مرة يشاهدون معرضا شرعيا ليست فيه اي لوحة تخالف الشرع .. وهذه هي الرسالة المبطنة التي قصدتها انا ..
لان التطرف هو رفض الاشياء جملة وتفصيلا والاعتدال هو الانتقاء تحت قاعدة ضار ونافع .. لايمكن نحرم الرسم جملة طالما انه هنالك انواع في الرسم لاتخالف الشرع .. وتحت هذا التشدد تجد ناس كثيرين حرموا من موهبتهم وهواياتهم .. فلذلك نقول لا للفرض المطلق ولا للتحريم المطلق ولا للتكفير المطلق والاسلام هو دين وسطية ..
انتهت الدورة الاولى للرابطة بعد ان اقمنا فيها المعارض واسبوع الكلية .. واعيدت الانتخابات وترشحت انات للمرة الثانية وهذه المره احرزت اكبر عدد من الاصوات لانه انصار السنة اضافوني الى قائمتهم ايضا ..
لكن الدورة الثانية كانت دورة المصادمات مع الانقاذ وسنعود للاحداث الدامية مرة اخرى .



رد مع اقتباس




المفضلات