صفحة 5 من 7 الأولىالأولى ... 34567 الأخيرةالأخيرة
النتائج 101 إلى 125 من 159

الموضوع: فضفضة علي الهواء

     
  1. #101
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    كعادته يتوقف أمل دنقل عند لحظة فاصلة في حياة شخص أو مجموعة من الناس ثم يتأمل عميقا في مواقف الناس المختلفة وردود افعالهم المختلفة في اللحظة الواحدة ليعبر عبر الموقف قنطرة التاريخ الي الواقع المعاصر معززا موقفا يؤمن به أو معليا قيمة يؤمن بها وحاطا من قدر موقف لايقره
    ولكنه في قصيدة مقابلة خاصة مع ابن نوح نسي شئيا مهما وهو ان الطوفان كان رمز الثورة علي القيم السلبية والتغيير القادم وكانت السفينة بشارة الخلاص للبشرية الغارقة في الموبقات وكان المتخلفون عن السفينة هم من جاء التغيير ضدهم وضد قيمهم السلبية
    وليس العكس .....شخصيا بدا لي التعاطف مع ابن نوح غريبا في هذا السياق
    لكن أمل لديه رؤية خاصة قائمة علي تمجيد التمرد علي السلطة وعلي العقل الجمعي
    ومن هذه الرؤية كانت زاوية تناوله لموضوع الطوفان فجسد الطوفان بانه محنة واجهها وطن فتمايزت الصفوف اثناء المحنة بين هارب لينجو بنفسه وصامد ليزود عن الوطن وهنا يعقد امل دنقل مقابلة بين طوفانين طوفان نوح الوارد في القرآن وهو خير وتغيير للباحثين عن التغيير والثورة علي الفساد
    وبين الطوفان الذي نعيشه في العصر الراهن وهو طوفان معاكس طوفان القيم السلبية والهزيمة وانكسار الاوطان امام جحافل الاجنبي التي يتقدمها بني جلدتنا
    مبشرين بان سفينة النجاة هي الالتحاق بالمصالح والجيوش الاجنبية
    في هذا التوصيف الاخير تكون السفينة زائفة والطوفان شر وامتحان يتطلب الصمود لا الهروب نحو السفينة الزائفة

  2.  
  3. #102
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اشتقت اليك يامدني شوقا ماطرا مثل خريفك الذي يغسلك بالمطر والدموع في كل عام من ذنوب العام الذي مضي، خريفك هو هبة الطبيعة اليك كي تعوضك شظف عيشك وقسوة الحكام الذين اكلوا في موائدك العامرة عمرهم كله ولم يهتموا بوضع نظام يجعلك في آمان من بقايا طعامهم، وجدوك خضراء متوردة الخدود عافية ودرسوا فيك في مدارس نظيفة ما استطاعت الي ذلك سبيلا يؤمها اساتذة مؤ هلون ومخلصون زرعوا صحاريهم بالمعارف والبذور الخصبة وامطروها من انهار معارفهم ما جعلها تتفجر ينابيعا وخضرة ومعارفا ثرة، لكن الاولاد خانوك، هدموا الفصول التي تعلموا فيها وجعلوها خرابا، اسلموا معلميهم الي الجنون والمرارات والاحساس الدائم بالعقوق، باعوا الكراكات التي شقت الترع وانهار علي يديهم المشروع الذي بناه مستعمر اكثر رحمة منهم باهلهم، يبس المشروع الحلم، لم تعد الجزيرة ارضا مروية،سكنت العصافير، احتضرت كل تفاتيش المشروع وشحب وجه مدني زهرة المدائن مع شحوب مشروع الجزيرة.......................
    ما بال شوقي بات حسرة
    ما بال مدني غابت
    وحضرت المرثية
    يا مدني
    كم اشتاقك

  4.  
  5. #103
    عضو مميز
    Array الصورة الرمزية bit madani
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    مدني
    المشاركات
    481

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صلاح سر الختم علي مشاهدة المشاركة
    اشتقت اليك يامدني شوقا ماطرا مثل خريفك الذي يغسلك بالمطر والدموع في كل عام من ذنوب العام الذي مضي، خريفك هو هبة الطبيعة اليك كي تعوضك شظف عيشك وقسوة الحكام الذين اكلوا في موائدك العامرة عمرهم كله ولم يهتموا بوضع نظام يجعلك في آمان من بقايا طعامهم، وجدوك خضراء متوردة الخدود عافية ودرسوا فيك في مدارس نظيفة ما استطاعت الي ذلك سبيلا يؤمها اساتذة مؤ هلون ومخلصون زرعوا صحاريهم بالمعارف والبذور الخصبة وامطروها من انهار معارفهم ما جعلها تتفجر ينابيعا وخضرة ومعارفا ثرة، لكن الاولاد خانوك، هدموا الفصول التي تعلموا فيها وجعلوها خرابا، اسلموا معلميهم الي الجنون والمرارات والاحساس الدائم بالعقوق، باعوا الكراكات التي شقت الترع وانهار علي يديهم المشروع الذي بناه مستعمر اكثر رحمة منهم باهلهم، يبس المشروع الحلم، لم تعد الجزيرة ارضا مروية،سكنت العصافير، احتضرت كل تفاتيش المشروع وشحب وجه مدني زهرة المدائن مع شحوب مشروع الجزيرة.......................
    ما بال شوقي بات حسرة
    ما بال مدني غابت
    وحضرت المرثية
    يا مدني
    كم اشتاقك
    و أنا اشتقت إليها تلك المدينة المدينة التي لا ينافسها في قلبي غير اربع بقاع ... الحرمين و موقع قدما حبيبي و لعله هناك ... و اشتقت لكتابتك الطفولية عنها ... بطابعك النبيل يا صديقي ... زدنا من دفاترك اشركنا اسرارك معها ...

    [عُدْ طفلاً ثانية / عَلِّمني الشعر / وعلِّمني إيقاع البحر /
    وخُذْ بيدي / كي نعبر هذا البرزخ ما بين الليل وبين الفجر معاً /
    ومعاً نتعلَّم أُولى الكلمات / وأَرجعْ للكلمات براءتها الأولى / لِدْني من حبة قمح، لا من جرح، لِدْني / وأَعدني، لأضمَّك فوق العشب، إلى ما قبل المعنى / هل تسمعني: قبل المعنى / عُدْ طفلاً لأرى وجهي في مرآتك / هل أنت أنا / وأنا أنت؟ /... درويش ...
  6.  
  7. #104
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    شكرا اختي بت مدني
    مدني مدينة الجمال
    والمحبة الصافية
    والوداد الدائم
    والطفولة والصبا
    ساكتب عنها
    فانتظروني هنا

  8.  
  9. #105
    عضو مميز
    Array الصورة الرمزية bit madani
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    مدني
    المشاركات
    481

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صلاح سر الختم علي مشاهدة المشاركة
    شكرا اختي بت مدني
    مدني مدينة الجمال
    والمحبة الصافية
    والوداد الدائم
    والطفولة والصبا
    ساكتب عنها
    فانتظروني هنا
    يلا ... فلتحضر ... ذكرياتك ...

    [عُدْ طفلاً ثانية / عَلِّمني الشعر / وعلِّمني إيقاع البحر /
    وخُذْ بيدي / كي نعبر هذا البرزخ ما بين الليل وبين الفجر معاً /
    ومعاً نتعلَّم أُولى الكلمات / وأَرجعْ للكلمات براءتها الأولى / لِدْني من حبة قمح، لا من جرح، لِدْني / وأَعدني، لأضمَّك فوق العشب، إلى ما قبل المعنى / هل تسمعني: قبل المعنى / عُدْ طفلاً لأرى وجهي في مرآتك / هل أنت أنا / وأنا أنت؟ /... درويش ...
  10.  
  11. #106
    عضو فعال
    Array الصورة الرمزية ود سعدابى
    تاريخ التسجيل
    Aug 2009
    الدولة
    ضل الغيمة
    المشاركات
    321

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صلاح سر الختم علي مشاهدة المشاركة
    بعض المدن مثل القهوة سوداء ومرة وساكنة من الخارج ولكنها جميلة نبيلة ومنعشة وصديقة من الداخل.....
    وبعضكم من بعض القهوة .. شفيفين.. نقيين.. حالمين تنشدون الحب تزفون الفرح لكى نستنشقة فى زمن اصبح الفرح من ضمن الغول والعنقاء والخل الوفى
    بعضك من ريد .. وكلك من جمال .. ونحنو جلوس أمامك نتلقى
    تسلم عزيزى سر الختم
    عميق الود .. كلاليق الفرح

    بتذكرك .. فى العتمة .. نور
  12.  
  13. #107
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ود سعدابى مشاهدة المشاركة
    وبعضكم من بعض القهوة .. شفيفين.. نقيين.. حالمين تنشدون الحب تزفون الفرح لكى نستنشقة فى زمن اصبح الفرح من ضمن الغول والعنقاء والخل الوفى
    بعضك من ريد .. وكلك من جمال .. ونحنو جلوس أمامك نتلقى
    تسلم عزيزى سر الختم
    عميق الود .. كلاليق الفرح
    الحبيب ود سعدابي
    هو حليب ودمدني يجمل كل من يحظي برشفة منه ويحلق به في الثريا بين النجوم وجوار القمر
    هو جمال ودمدني
    جمل كل مافيها ومن فيها
    تابعني ياصديقي
    فالفضفضة تحلو وسط أقمار المدينة ونجومها

  14.  
  15. #108
    عضو مميز
    Array الصورة الرمزية bit madani
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    مدني
    المشاركات
    481

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ود سعدابى مشاهدة المشاركة
    وبعضكم من بعض القهوة .. شفيفين.. نقيين.. حالمين تنشدون الحب تزفون الفرح لكى نستنشقة فى زمن اصبح الفرح من ضمن الغول والعنقاء والخل الوفى
    بعضك من ريد .. وكلك من جمال .. ونحنو جلوس أمامك نتلقى
    تسلم عزيزى سر الختم
    عميق الود .. كلاليق الفرح

    أعود هنا لهذا الشارع الفاتح على القلب و المؤدي لمدينتي التي فقط تختزنها ذاكرة كذاكرتك الجمالية أستاذي و مولاي صلاح سر الختم...

    فقد تعبنا من كنس شوارع كثيرة من بقايا رماد ... قد أنجبته نار تلك المدينة ... لأستنشق القهوة و اتكئ ها هنا و إحساس بلأمان من هول الزمان الذي لا ندري من اين أتى به هؤلاء ال لا أصلاء و لا يشبهونها تلك المدينة ...

    [عُدْ طفلاً ثانية / عَلِّمني الشعر / وعلِّمني إيقاع البحر /
    وخُذْ بيدي / كي نعبر هذا البرزخ ما بين الليل وبين الفجر معاً /
    ومعاً نتعلَّم أُولى الكلمات / وأَرجعْ للكلمات براءتها الأولى / لِدْني من حبة قمح، لا من جرح، لِدْني / وأَعدني، لأضمَّك فوق العشب، إلى ما قبل المعنى / هل تسمعني: قبل المعنى / عُدْ طفلاً لأرى وجهي في مرآتك / هل أنت أنا / وأنا أنت؟ /... درويش ...
  16.  
  17. #109
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اعود يا اصدقاء الحرف وعشاق مدينتنا الي الذاكرة المسكونة بودمدني

    درست في مدرسة الجنوبية الابتدائية بحي الدرجة بمدني قبالة مدرسة السني الثانوية التي كانت تسمي في ذلك الزمن النيل الازرق الثانوية وكان يدرس بها اخي الدكتور محمد سرالختم وقتها، كنت صغيرا في الصف الثالث الابتدائي حين انتقلت من مدرسة بانت غرب الابتدائية التي درست فيها الصفين الأول والثاني ثم انتقلت الأسرة الي حي 114 وكان لابد من نقلي الي مدرسة اقرب من بانت غرب التي كانت الأقرب حين كنا نسكن حي البيان، كان ذلك الانتقال انتقالا مبهرا ، فالبئية في مدني جنوب ( احياء الدرجة المزاد والحلة الجديدة و114وشندي فوق والسكة حديد) كانت شيئا مختلفا عن حي البيان وبانت والعشير، ففي هذا الجزء الجنوبي من مدني كانت الخضرة تكسو الشوارع بشكل واضح، كانت الحواشات القريبة التابعة لمشروع الجزيرة وتلك الترعة التي تشق حي 114 وتفصله عن الدرجة تضيف بعدا مختلفا للمنطقة، مدرسة النيل الأزرق كانت عالما ساحرا وجميلا ومشتهي، كانت فناء واسعا به مجموعة كبيرة من الفصول وبها داخلية مكتظة بالطلاب، وبها ميادين باسكت بول وكرة طائرة مميزة،اتذكر اننا كنا عندما نأتي صباحا الي المدرسة نتلفت صوب ميدان الطائرة الخاص بمدرسة النيل الازرق،، نري الشبكة منصوبة وفريقان من طلبتها واقفان كل فريق يرتدي زيا مميزا، وثمة استاذ مصري الجنسية يرتدي فنيلة خضراء ممسكا بالصفارة، تبدأ المباراة صاخبة ساحنة وبقية الطلاب حول الملعب يشجعون ونحن ننظر من بعيد في شوق الي يوم نبلغ فيه هذه المدرسة، يرن الجرس في مدرستنا فنركض نحو الباب الصغير خوفا من العقاب ان تأخرنا عن الطابور، ويتكرر المشهد ذاته كثيرا، اظن ان ثمة حكمة كامنة خلف تجاور مدرستين مثل مدرستنا الصغيرة ومدرسة اخوتنا الكبار الثانوية العليا التي تفصل بيننا وبينه مرحلة الثانوي العام، فقد كانت المدرسة الثانوية بميزاتها غير الموجودة في مدرستنا تمثل طموحا مشروعا لنا وتشكل حلما يجعلنا نطوي الفصول طيا لبلوغه، اتذكر ان ناظر مدرستنا الاستاذ محمد يوسف كان رجلا صارما ومهابا، اتذكر حتي العجلة التي كان يستقلها في قدومه وذهابه، اتذكر انني قابلته بعد سنوات عديدة في السوق الجديد بمدني جوار البوستة، كان لايزال علي عجلته تلك وكنت قد بت محاميا يرتدي بذلة كاملة في عز الصيف، توقفت وصافحته وقلت له انني تلميذه فضحك وقال لي يا بني انا لا انسي تلاميذي ابدا، اتذكرك وكل زملائك واحدا واحدا، وانا فخور بكم دائما ويكفيني ان يوقفني في كل دقيقة واحد منكم ويسلم علي بصفتي المحببة التي لايسلبها مني معاش الحكومة( يا استاذ)، كان متأثرا جدا، وكنت سعيدا جدا بلقائه، تذكرت قصة سراج الجعلي ذلك النحيف المشاكس الذي كان نجم الفصل في الهرجلة ونجم الطابور في الصمود امام الجلد العلني المتكرر، كان لايصرخ ولا يئن ابدا، يرفعه اربعة من (ناس ورا) الذين يتميزوا بالطول والقوة وبروز معالم البلوغ عليهم، ينهال السوط علي صلبه وهو يضغط علي اسنانه وحين يطلقوه يقفز نشيطا ويقف في الطابور كأن شيئا لم يكن، حتي كان يوم، كان المسؤول عن الطابور في ذلك اليوم استاذنا مهدي عابدين لاعب اتحاد مدني الفلتة في ذلك الزمان، لاحظ استاذ مهدي في صمود سراج شيئا غير عادي، فانبري وفتشه فاخرج (لستكا جوانيا) كاملا كان محشوا بين الرداء والجسد النحيل، حين رفعوا سراج مجردا من حصانته الخفية صرخ باعلي صوته من السوط الأول وبكي في الثاني وانفلت هاربا من المدرسة في الثالث وضحك الطابور كله.....

  18.  
  19. #110
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    من الاشياء الموجعة في ذكريات الطفولة في مدرسة الجنوبية الابتدائية تلك الجريمة التي ارتكبها أحد المعلمين بحقنا، كانت مدرستنا تجمع بيننا نحن ابناء العمال الفقراء محدودي الدخل وبين أولاد كبار الموظفين والتجار في المدينة، فقد كان حي الدرجة الذي تقع به المدرسة هو حي الطبقتين الوسطي والثرية وكان سكانه يجمعون بين خليط من كل الطبقات وصفوة من الأثرياء وكبار الموظفين في المدينة، كانت ظاهرة التعليم الخاص والمدارس الخاصة لم تعرف طريقا بعد للمجتمع السوداني في ذلك الزمن منتصف السبعينات، كانت المدارس كلها حكومية وشعارات مثل الزامية التعليم ومجانيته هي المحببة لدي حكومة النميري ذات الشعارات الاشتراكية، كانت الدروس الخصوصية تشق طريقا خجولا في ذلك الوقت، وكان من نصيبنا ان ندفع ثمن ماقبضه معلمنا ذلك الذي يسمي يونس وكان استاذا للحساب قبل ان يصير اسمه رياضيات، اختار ثلاثة من كبار تجار المدينة الاستاذ المذكور ليقدم دروسا خاصة لاولادهم الثلاثة في الحساب، فانعكست تلك الحصص الخصوصية علينا نحن الذين لم نكن نحتاجها ولانملك ثمنها لو احتجناها ، كان انعكاسها علينا ان معلمنا المحترم بات يميز بين طلابه الخصوصيين دافعي الأجر الخاص من اولاد المصارين البيضاء وبين تلاميذه الفقراء الذين تدفع له الحكومة نيابة عنهم راتبه المحدد، كنانرفع ايدينا ونصرخ بحماسة ( فندي ...فندي....فندي) لكي نجيب علي سؤال في الحصة فيتجاهل اصابعنا الصغيرة واصواتنا التي بحت ويطلب من واحد من فرسانه الثلاثة ان ينهض ويجيب واذا اخطأ يعدل اجابته ويطلب التصفيق له، كنا نشعر بالم كبير وحسرة وغضب منه ومنهم، كيف سولت له نفسه وهو معلمنا كلنا ان يمنح بعضنا امتيازا علي البعض لاسباب لاعلاقة لها البتة بالتعليم او الذكاء، وكيف قبلوا هم ان يصبح الفصل واستاذه ملكا لهم وحدهم ونصبح فيه لاقيمة لنا ولاصوت مثل جدرانه؟ ....كان رد فعلنا ان كرهنا الاستاذ فكرهنا حصته وكرهنا الحساب كراهية امتدت الي عمرنا كله وقذفت بنا فيما بعد بعيدا عن المساق العلمي وقذفت بنا في حينه الي ترتيب متأخر في الفصل، اتذكر جيدا انني كنت قد جئت منقولا من مدرسة بانت غرب وترتيبي الأول مشترك بنقصان ثلاث درجات فقط وكانت درجتي في الحساب ممتازة جدا، وحين انهيت عامي الأول بعد صدمة استاذ يونس تلك وترتيبي الحادي عشر ودرجات الحساب هي الأسوأ وهي سبب التدحرج.... كانت تلك جريمة لاتغتفر لازلت اتذكرها بذات الشعور بالظلم وبالغضب برغم السنوات البعيدة التي تقع مابين عام 1974 وعام 2013. الغريب ان الفرسان الثلاثة لم يتجاوزوا في التعليم المرحلة الثانوية، توقف قطارهم فيها وباتوا تجارا مثل ابائهم ، فيما واصل أقرانهم تعليمهم الي أعلي مراتبه، لم تشفع لهم نقود ابائهم ولم تمنع أقرانهم قلة حيلة ابائهم من مواصلة تعليمهم. اما استاذ يونس فنسأل الله ان يسامحه ويفغر له ماتقدم وتأخر من ذنبه، فقد كانت غلطته معنا درسا نافعا لنا تعلمنا منه الكثير وأهم ماتعلمناه هو اجتناب الظلم بكافة اشكاله.

  20.  
  21. #111
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اشهدكم واشهد الله انني احببت مدني بكل جوارحي
    احببت طفولتي وصباي وشبابي الباكر فيها
    احببت ازقتها وشوارعها الترابية
    وخريفها ورعوده وامطاره الكثيرة
    احببت مقاهيها ومطاعمها ومكتباتها الكبيرة
    ومكتباتها المفترشة الأرض جوار حديقة وقيع الله
    احببت السينما الخواجة وصوت القطار متحركا من المحطة او قادما اليها بجوارها
    احببت سينما امير وجمهورها يختلط بجمهور دار الرياضة وجمهور مطاعم الفول في السوق الجديد
    احببت البيان حيث طفولتي الباكرة والعشير والدباغة وبانت وام سويقو جيران البيان ونجوم المدينة في كل المجالات
    احببت الكمبو او 114 حيث انفقت سبعة عشر عاما من عمري هناك وسط اجمل تشكيلة بشرية عرفتها في حياتي
    هناك حيث فريق الوحدة والنجمة والمشعل والمجد والسد وحيث نادي العمال العريق
    احببت الحلة الجديدة وشبابها الظريف الذي جاورناه وتنافسنا معه ومع شباب المزاد في الرابطة الجنوبية للناشئين تنافسا شريفا
    تعرفنا من خلاله باصدقاء كرام باتو نجوم الكرة بودمدني
    احببت حي الدرجةالذي كان اغلب رفاق دراستنا واصدقائنا منه حيث جمعتنا المدارس والاهتمامات المشتركة والصداقات الممتدة عبر السنين
    احببت الاهلي والاتحاد والنيل والدفاع والنهضة والجزيرة والزهرة والموردة والتضامن والنجوم والشعلة والشاطئ والاصلاح والثوار فريقي والمريخ وعلم الوطن والرابطة والمدينة
    احببت نادي الجزيرة ونادي الخريجين
    واحببت مسرح الجزيرة والبرتش كانسل
    وحسن جادالله وسمكه الرهيب
    وابوظريفة وفوله الظريف
    وسوق بانت
    وميدان المولد
    وخيم الطرق الصوفية والدراويش والمراجيح وحصين السواري وحصين المولد
    وقبة ودكنان
    وقبة ودمدني السني وبصات الضهاري
    و سوق الفسيخ
    وسوق الدجاج والبيض
    وزحمة المواصلات وسوق المزاد
    وام بارونا
    وام سنط وجناينها
    ونادي الجزيرة وحفلاته الحصرية
    احببت مدني بشيوخها
    ولصوصها
    وفتواتها
    ومجانينها
    وعباقرتها
    وظرفائها
    زراع وقوارة
    وعبد الرحمن تاشي
    حيدر قطامة
    احمد شبك
    سنطة
    الفاتح رنقو
    التاج الشيخ
    مجد الدين سنهوري
    الحاج الامين
    مهدي عابدين
    حموري
    والاسيد
    واستاذ النيل
    وود صقر
    وحسن كمونية
    عليوة و مبارك الفاضل
    وجلال عبد الله
    اوبالي والبطل
    عبد الفضيل والوالي
    حسن خميس وحاكم
    اسمر وكسلا
    الرشيد ادم
    مبارك سيسو وهجو وزنقو وسقد والنقر وعادل عبد الحفيظ وطارق مسلاتي
    ........................

  22.  
  23. #112
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    طيفها
    (توثيق لحالة اشتياق مستمرةالي الراحلة أمي آمنة بنت وهب عليها رحمة الله تجددت عند الوعكة الصحية التي ألمت بأبي متعه الله بالصحة والعافية مؤخرا)
    وجه أبي طفولى الملامح ذكرنى بك يا أمي
    الألم علي وجهه يستدعي صورتك من الذاكرة
    فيتوهج المكان بك كغابة مظلمة غشاها برق فجعل ليلها نهارا
    يغيب الألم عن وجه أبي ويتفرس في الملامح القادمة من أعماق الذاكرة
    فتجئ الابتسامة وتحل الطمأنينة علي وجهه المتغضن
    يحادثك كأنه يراك
    وكأن الأيام الخوالي قد عادت
    وكأن رحيلك الي الضفة الأخري لم يك سوي كذبة بيضاء
    يتوهج وجهه ويضئ
    فيتوهج المكان كله ويضئ
    يجئ صوتك من مكان ما
    متبوعا بضحكتك الباسمة التي لاصوت لها
    تلمع سنك الذهبية الوحيدة التي تتوسط الأسنان
    مثل ملكة وسط الوصيفات
    تتوهج كقمر مكتمل علي صفحة سماء مرصعة بالنجوم
    أعترف الآن يا أبي أن أمي منذ رحلت تأتيني كثيرا في الأحلام
    تارة مبتسمة وراضية
    وتارة صامتة واجمة
    وتارة شبحا غامضا
    لكنني أعرف بطريقة ما أنها هي
    أعرف أنها تستغيث حينا
    وأن قلبها الكبير يتوجع في صمت حين يتوجع واحد منا
    كما ظلت تفعل طوال حياتها القصيرة الحافلة
    أصحو مفزوعا خائر القوي
    أصلي وأبكي بلا أنقطاع
    أسأل نفسي عن مغزي حضورها في المنام
    أنتظر شروق شمس
    أهاتف أخي
    فيبتسم صوته في الهاتف ويفاجئني بسؤال( زارتك بثيابها البيضاء في المنام؟! لم تقل شيئا ومضت ، أليس كذلك)
    أرتجف بردا واقول بحماس( نعم ...نعم....)
    أعرف أنها تشتاقنا
    أعرف أنها تحتاجنا
    أعرف أن روحها تسكننا وتسكن كل الفضاءات وكل الأحلام
    أعرف ياأبي أنها تحلق هنا في سماء هذه الغرفة الصغيرة
    حيث تعثرت ذات ظلمة وحدث لك ذلك الكسر الصغير
    أعرف أنها تألمت معك كثيرا
    وأن دموعها سالت
    فبللت أرضية الغرفة حتي باتت الغرفة نهرا
    والسرير مهدا تحفه الأزهار والعصافير
    أعرف أن روحها ظلت ترفرف في المكان كحمامة
    وأنها رافقتك في رحلة الإستشفاء
    من البيت الي المشفي
    ومن المشفي الي البيت
    أكاد أراها رافلة في ثياب الحكيمات البيضاء
    وهي تحوم حولك
    تقيس نبضك
    وتمسح حبة عرق من علي الجبهة
    وتفرش أغطية نظيفة
    تعطي الورد جرعة ماء
    والزائرين ابتسامة
    أراها تقف بالباب
    تنحني للقادمين للاطمئنان عليك
    تتصفح الوجوه بمحبة وحسرة
    كونهم لايرونها مثلما تراهم
    ولاتستطيع الترحيب بهم كما كانت تفعل طوال حياتها
    أراك تبتسم برغم الألم
    تغدو طفلا في لحظات
    ما أجملك أبي حين تذكرها وحين يكتسي وجهك بمحبتها
    وماأجملها وهي حاضرة في غيابها وحضورها
    أعرف أنها تتفرس فينا واحدا واحدا وتتابعنا ببصرها وقلبها ونحن نحوم حولك مثما يحوم الفراش حول حقل من الزهور
    أراها تبتسم من القلب حين تري الأولاد يقبلون جبهتك
    والبنات جالسات عند قدميك
    وهن يباشرن تدليك أصابع قدميك النبيلة بلطف ومحبة
    أراها بخيالي تسرح خصلة شعرها الجميلة وتسدل الثوب فوقها
    وجبهتها الوضئية تلتمع
    هاهي الان واقفة في خشوع تصلي بكل حواسها
    في ركن من الغرفة..
    هاهي تسجد وتعفر جبهتها
    فيسجد الجدار معها
    ويسجد دولاب الملابس معها
    تنهض فينهض الكون معها
    وتهمس انت بصوتك الخافت( الدولاب يسجد للمرة الخامسة...كل شئ يسجد ويستوي واقفا ، ثم يسجد.....)
    لايفهمون شئيا من حديثك الغريب
    فهم لايرون ما تري
    تدرك ذلك "أخيرا فتكف عن الكلام
    وتغيب في الصمت....
    تسلم أمي، تلتفت نحوك باسمة وهي تطوي مصلاتها الصغيرة،
    تسألك ماذا كنت تقول لها، تنظر في عينيك
    فتري ما أردت ان تقول
    فتبتسم......ويبتسم المكان


    صلاح الدين سر الختم علي
    مروي
    7يوليو/7/ 2013

  24.  
  25. #113
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اشتهيت ليالي رمضان في مدني
    تلك المشاوير
    ذلك الضجيج الفرح
    تلك الضحكات الحرة
    تلك الوجوه المحبة المحبوبة
    تلك الربوع المطمئنة
    تلك الازقة المظلمة والمضئية بقلوب أهلها
    اولئك الشباب المتجمعون في نواصي الفريق
    وواجهات الدكاكين في الاحياء
    وخطوات الحسناوات الجميلات وهن يتنقلن كالفراش في الشوارع
    وبيوت الجيران والدكاكين والبوتيكات الصغيرة

  26.  
  27. #114
    عضو مميز
    Array الصورة الرمزية bit madani
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    مدني
    المشاركات
    481

    عود هنا لهذا الشارع الفاتح على القلب و المؤدي لمدينتي التي فقط تختزنها ذاكرة كذاكرتك الجمالية أستاذي و مولاي صلاح سر الختم...

    فقد تعبنا من كنس شوارع كثيرة من بقايا رماد ... قد أنجبته نار تلك المدينة ... لأستنشق القهوة و اتكئ ها هنا و إحساس بلأمان من هول الزمان الذي لا ندري من اين أتى به هؤلاء ال لا أصلاء و لا يشبهونها تلك المدينة ...

    [عُدْ طفلاً ثانية / عَلِّمني الشعر / وعلِّمني إيقاع البحر /
    وخُذْ بيدي / كي نعبر هذا البرزخ ما بين الليل وبين الفجر معاً /
    ومعاً نتعلَّم أُولى الكلمات / وأَرجعْ للكلمات براءتها الأولى / لِدْني من حبة قمح، لا من جرح، لِدْني / وأَعدني، لأضمَّك فوق العشب، إلى ما قبل المعنى / هل تسمعني: قبل المعنى / عُدْ طفلاً لأرى وجهي في مرآتك / هل أنت أنا / وأنا أنت؟ /... درويش ...
  28.  
  29. #115
    عضو مميز
    Array الصورة الرمزية bit madani
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    مدني
    المشاركات
    481

    أفتقدت هذا المكان المحبب .. إلى قلبي ........

    [عُدْ طفلاً ثانية / عَلِّمني الشعر / وعلِّمني إيقاع البحر /
    وخُذْ بيدي / كي نعبر هذا البرزخ ما بين الليل وبين الفجر معاً /
    ومعاً نتعلَّم أُولى الكلمات / وأَرجعْ للكلمات براءتها الأولى / لِدْني من حبة قمح، لا من جرح، لِدْني / وأَعدني، لأضمَّك فوق العشب، إلى ما قبل المعنى / هل تسمعني: قبل المعنى / عُدْ طفلاً لأرى وجهي في مرآتك / هل أنت أنا / وأنا أنت؟ /... درويش ...
  30.  
  31. #116
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة bit madani مشاهدة المشاركة
    عود هنا لهذا الشارع الفاتح على القلب و المؤدي لمدينتي التي فقط تختزنها ذاكرة كذاكرتك الجمالية أستاذي و مولاي صلاح سر الختم...

    فقد تعبنا من كنس شوارع كثيرة من بقايا رماد ... قد أنجبته نار تلك المدينة ... لأستنشق القهوة و اتكئ ها هنا و إحساس بلأمان من هول الزمان الذي لا ندري من اين أتى به هؤلاء ال لا أصلاء و لا يشبهونها تلك المدينة ...
    اهلا بك
    بت مدنى
    الغريبة انني كنت عاكفا اليوم علي نشر كتاباتي المعنونة مدني مدينة الجمال النائم علي مدونتي
    وعدت لالقى نظرة هنا فوجدت الفضفضة قد عاد اليها بعض القها
    شكرا علي احياء البوست وحتما نواصل الفضفضة والتواصل في هذا المكان المحبب الي النفس كونه يحمل اسم مدينة الزهور

    http://seerazateaonaser.blogspot.com/

    http://salahestory.blogspot.com/

    http://kalmaatonasmaat.blogspot.com/

  32.  
  33. #117
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    حبوبة بتول والرحيل الي عالم رحيم مثلها
    اتذكرها بشلوخها العريضة علي خديها وعيونها الواسعة وهمتها العالية وهي تجوب المدينة سيرا علي الأقدام في أغلب الأحيان من أقصاها الي أقصاها مجاملة ومواصلة للأرحام دون أن تتأثر أناقتها بتلك المشاوير المضنية ودون أن تشكو تعباً أو تتذمر، كانت تلبس حذاء نسائياً مصنوعا من الجلد وهو الصورة النسائية للمركوب الرجالي، كان حذاؤها مميزاً ولامعا دوما ويندر أن يعلوه غبار الطريق فتبدو كأنها كانت تمشي علي الماء لا علي طرق ترابية،كانت تحمل في يدها دوما سبحة حباتها لونها خضراء فاتحةتكون ملفوفة دائما في يدها اليمني، كانت روحها عالية دوما وابتسامتها كوناً من الوسامة والطيبة والفرح الطبيعي والمحبة، كنت أحبها محبة كبيرة وزادت تلك المحبة بسبب تلك المحبة بينها وبين أمي التي كنت أقتفي أثرها في كل شئ فأحب معها من وما تحب وأمقت معها من تمقته وما تمقته، كانت حبوبة بتول صفحة فريدة في ذاكرة ودمدني وذاكرة أهلنا المنتشرين في المدينة ، كانت دوما أول الواصلين للناس في أفراحهم وأتراحهم وآخر المغادرين، وكانت دوما هي محور الأهتمام والترحيب والمثال الذي يطلب من الجميع بلوغ مداه وقمته الفريدة في التواصل والمحبة، كان بيتها الصغير في حي البيان مدني المتخذ شكل المثلث الصغير قبالة منزل اسرة فريني هو قبلة كل الأهل وهو صالة الوصول التي لابد لكل قادم الي ودمدني من الأهل أن يمر عبرها وينعم ببشاشة أهلها وكرمهم وكسرتهم التي تعاس علي الهواء مباشرة، أذكر ذلك البيت بصفائح حمامه المعلقة علي الجدران والتي لم تخل قط من الحمام الساكن فيها والمتمتع بخدمات مميزة والمطمئن لأهل الدار والمعتاد علي ضيوفهم الكثر الذين لايزعجونه أبداً، في ذلك البيت الصغير رأيت لأول مرة في حياتي التلفون الأسود ذي الأقراص التي تعلق عليها طبلة صغيرة أحيانا وتكون في أغلب الأحيان بلا طبلة، أشبعت فضولي بشأن كيفية استعمال التلفون في تلك الدار ، وكنت اقف مبهورا أراقب المرحوم صديق محمد علي ابن حبوبة بتول الذي كان يعمل بمصلحة التلفونات وهو يستخدم التلفون ويحادث أشخاصاً غير مرئيين، كنت مبهوراً بصورته علي الجدار بالأبيض والأسود داخل فريم خشبي مذهب ومكتوب أسفلها أسم أستديو مقره القاهرة، كانت الصورة تجعل من صديق شخصاً أكثر وسامة وكونها مصورة خارج السودان يعطيها بعدا آخراً وغموضاً وهيبة، كنت أحاول تخيل القاهرة وشوارعها وملامحها بلا فائدة،في تلك الدار كان اقتراب رمضان حدثا مهما، تجلب حبوبة بتول أمرأة تعمل ببراعة في مجال صناعة الابري الأبيض والأحمر ، كنت اتابع العملية من مرحلة احضار العيش وعمل الزريعة والذهاب الي الطاحونة للتدقيق حتي الكوجان للعجين واشعال النيران والعواسة علي الصاج، اتذكر تلك المرأة وهي جالسة علي بنبر صغير ارتفاعه من الأرض بضعة سنتيمترات وأمامها الصاج الموضوع فوق أربعة حجارة موزعة علي الأطراف وتحته الحطب مشتعلاً متوهجا لينتج حرارة علي سطح الصاج ليعاس الآبري علي تلك الحرارة، كان الحظب يتمرد حينا فيخرج دخانا بدل الوهج فتقوم المرأة بعملية ابدال لنوع الحطب وتستخدم الهبابة لتوليد اللهب وطرد الدخان، يتساقط عرقها غزيرا وهي تضحك وتوالي الونسة مع حاجة بتول وبناتها زهراء بت التجاني وحليوة ومن تكن حاضرة من الجارات أو الأهل، كنت أحرص علي متابعة تلك الطقوس واتحرق شوقا للحظات أكل الابري بنظام القروض مثله مثل الكسرة والفطير،اما طقوس خبيز العيد فهي عالم آخر ساحر نتابعه من الألف الي الياء ولانفوت اكل البسكويت ابتداء من الفرن البلدي ايام كان الفرن البلدي الذي ينتج الرغيف هو المكان الوحيد المتاح لانضاج الخبيز فالبيوت لم تعرف افران الكهرباء والافران المنزلية في ذلك الزمان، فكنا نحمل الصواني التي عليها البسكويت والكعك علي الرؤوس الصغيرة ونذهب الي الفرن لكي تكتمل عملية الانتاج هناك بادخال الصواني الفرن واخراجها ناضجة ومن ثم العودة بها الي البيت.كانت تلك الدار الصغيرة مصدر مسرات كثيرة وكبيرة لنا في طفولتنا الباكرة، وكانت ابتسامة حبوبة بتول اكبر مسرة بين تلك المسرات، فهي تصافح الناس مبتسمة وتمشي مبتسمة وتصلي وعلي وجهها طمأنينة وشبح ابتسامتها المضئية مختبئ في الشلوخ والعيون الواسعة،كانت صرة ثوبها دوما تنفتح عن حلوي أو نقود لشراء حلوي تمنحها للصغار، وكانت لاتنهر ولاتنادي بصوت مرتفع أبدا، ولاتذمك حتي لو كنت غارقا في خطأ فادح أو متسخ الملابس بسبب تهورك، كل ماتفعله هو ان تبتسم وتقول لك باسم امك( يا ود فلانة تعال يا الفالح ...تعال هاك اجر اشتريلك حلاوة لكن في الأول اجر غسل ايديك وغير وتعال يا المبروك...اجر يا الفالح) تفهم انك مخطئ ولكن الأمر ليس خطيرا ، نركض مسرعين مستجيبين للتصحيح اللطيف ونعود فنجدها توفي بما وعدت، تعطيك قرشك السحري فتركض صوب الدكان....كانت كونا جميلا غاب فجأة، فجأة افتقدناها وافتقدنا شلوخها المميزة وصرة ثوبها المفتوحة علي الفرح ونبرة صوتها الخفيض الذي لايزعج باعوضة لكنه يبشر بالخريف والخير، افتقدنا قرشها السحري وبسكويتها وتمرها وحلاوتها المقدمة دوما مثل ثمار شجرة ليمون مزروعة في الشارع، غاب صوتها وهي تقرأ القرآن وتدفعنا الي انتظار ذلك الزمن الذي نحفظ فيه ما يمكننا من اداء الصلاة بانتظام مثلها، بات البيت صامتا، افتقدت الطرق في المدينة خطواتها الوئيدة التي تقطعها جئية وذهابا وصلا للارحام ومحبة وتقربا......سألناهم ببراءة( أين ذهبت حبوبة بتول؟) قالوا بغموض( ذهبت الي عالم رحيم مثلها)....لم نفهم شيئا قلنا بسذاجة( هل تعود قريبا؟ هل ستحضر معها حلوي جميلة؟) كان الصمت هو الأجابة.
    اللهم أرحم حبوبة بتول وطيب ثراها واجعل الجنة مثواها بقدر ما زرعت من محبة وواصلت ووصلت من أرحام.

  34.  
  35. #118
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    قصتى مع مهنة المحاماة من الألف الي الياء هى المحطة القادمة في الفضفضة

  36.  
  37. #119
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    قصتى مع المحاماة من الألف الي الياء
    لماذا وكيف اخترت قراءة القانون والاشتغال به ؟


    لا أدرى بالضبط متى بدأ حلم الاشتغال بمهنة القانون يراودنى، لكننى أعرف أن اكبر المؤثرات علي اختيارى كانت صدفة جعلت ثلاثة محامين تحت التمرين يكونوا أساتذة للانجليزية بمدرستنا الثانوية ( مدرسة السنى) بمدينة مدنى في مطلع الثمانينات، هولاء الثلاثة الذين صاروا فيما بعد من أشهر المحامين في المدينة كان لوجودهم تأثير بالغ علي أحلام التلامذة الذين كنت أحدهم،كان الفرسان الثلاثة هم الأستاذ حسن حسين حمد الذى صار فيما بعد معلمى في مهنة المحاماة، والأستاذ مرشد الدين محمد يوسف، والأستاذ صالح محمود، كان ثلاثتهم متخرجين حديثا من جامعة الخرطوم كلية القانون ويتهيأون للجلوس لإمتحان مهنة القانون وكانوا يعملون محامين تحت التدريب مع الاساتذة عبد المنعم الخضر جكنون المحامى وسيف الدولة خضر عمر المحامى وأحمد عباس المحامى(الثلاثة من أعلام المهنة في مدنى) بذات الترتيب الوارد للثلاثة،واختار الثلاثة أن يلتحقوا بوظيفة التدريس كمحطة مؤقتة الي حين الانخراط الكامل في المحاماة فتم استيعابهم الثلاثة كمعلمي لغة إنجليزية، وكان لنا نصيب معهم الثلاثة في حصة الأدب الانجليزي فقد درسنا كل واحد منهم رواية من الروايات المقررة علي طلاب الثانوى آنذاك فتعرفنا عبر التدريس علي شخصياتهم الشفيفة وبرزت أمامنا منظومة أفكار كل منهم وإطلاعه وكان ثلاثتهم ذوي ميول اشتراكية واضحة واسعى الإطلاع يتعاملون مع مهنة التدريس كرسالة انسانية وفكرية فكانت حصة الأدب الانجليزى معهم تحليقا جميلا في فضاءات فكرية وثقافية واسعة،كانت حصة الأدب الانجليزى معهم تماثل سفرا بعيدا وسياحة ممتعة في بلدان غريبة وتعرف علي ثقافات جديدة واختزان لقصص ومشاهد ومشاعر انسانية تمس شغاف قلوبنا الصغيرة برغم بعد المسافات واختلاف الثقافات واعتقد ان تلك الحصص وتلك الروايات العظيمة كانت بوابة عبرنا من خلالها الي فضاءات أوسع من فضاءاتنا ولامسنا فيها عظمة الأدب وتعلمنا فيها عشق الروايات وطرق السرد وهو أمر شكل اهتماماتنا وشخصياتنا لاحقا بشكل مؤثر. كنا ننتظر بفروغ صبر وشوق شديد حضور الاستاذ حاملا معه رائعة الكاتب الايرلندى أوسكار وايلد
    (أهمية أن تكون جاداً (The Importance of Being Earnest)
    المكتوبة في 1895. وهي عامرة بالروح الساخرة وتصور النفاق الاجتماعي للطبقة الوسطى في العصر الفيكتورى حيث يحاول الابطال الظهور بشخصيات مختلفة في كل واقع مختلف،وهناك موقف ساخر من الحرب وأبطالها المرسومين في المخيلة عند بعض الناس البعيدين عن واقع الحرب القبيح.
    كانت شخصيات الاساتذة الثلاثة متباينة، فبينما كان حسن حسين صارما جدا، ينهمك في التدريس كمن يؤدئ صلاة في استغراق وتركيز ويحرص حرصا بالغا على النطق الصحيح الواضح للمفردات وشرح المغزى بطريقة مفصلة والتوقف عند معانى الكلمات الجديدةثم ينصرف بهدوء كما جاء، كان الاستاذ صالح محمود مدرسة أخري تتشابه مع الاستاذ حسن فيما سبق ، لكنه كان مسكونا بحب كبير لمسقط رأسه دارفور،فكان ينتهز كل مناسبة عابرة ليحدثنا عنها بلغة انجليزية سليمة ومشوقة ، تجعل من الحصة سياحة داخلية وخيالية معاً،كان حب الرجل لموطنه ملهما وملفتا جعلنا نتوقف عنده كثيرا،كان الرجل فخورا بجذوره بشكل رائع وفريد.أما الاستاذ مرشد الدين فقد كان ساخرا بطريقة لاتجاري وكان موجزا دوما في شرحه ولكنه يتميز بالعمق والمعلومات الغزيرة المصاحبة للشرح فهو يملك معارف خاصة تتجاوز حدود الكتاب والحصة ولكنه لايسرف فيها فيجعل فضولنا في أعلى مستوياته فيتحرك فينا حب المعرفة. هكذا كان كل منهم ملهما بطريقته الخاصة. كان حسن حسين من أبناء الجزيرة أبا وسط السودان وصالح محمود من ابناء جنوب دارفور منطقة نيالا زالنجى بينما كانت جذور مرشد الدين من مناطق كردفان. كانوا ثلاثة أقمار من الريف زينوا سماء مدينة ودمدنى بعلمهم وتميزهم وشكلوا أفقا للعديد من تلامذتهم عبر قوة المثال ودفعوهم الي رحاب مهنة القانون، لذلك لم تكن صدفة أبدا أنني اتجهت لدراسة القانون واننى حين أكملت دراسة القانون بعد ذلك بسنوات عديدة جئت فطرقت باب الأستاذ حسن حسين الذي بات من أعلام المحامين في المدينة والتحقت بمكتبه محاميا تحت التمرين ومن ثم محاميا محترفأ ونهلت من معارفه حتي بات لى مكتب محاماة خاص في عمارة كان من أبرز المحامين فيها أستاذ صالح محمود المحامي ولم يكن الأستاذ مرشد بعيدا فتلاحقت الكتوف في المحاماة بين التلميذ وتلامذة آخرون وبين معلميهم الثلاثة.ولم يكن أمرا مدهشا أن الثلاثة استقروا بالمدينة وتزوجوا فيها وبقوا بها حتى اصطادت المنافئ الاستاذان حسن حسين ومرشد الدين في نهاية التسعينات فيمما صوب الخليج بعد سنوات عامرة بالبذل والنجاحات في المحاماة في مدنى.









    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 06-09-2013 الساعة 03:33 AM
  38.  
  39. #120
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    بين ذلك الحلم الذى شهق في مدرسة السنى الثانوية في داخلى وبين اشتغالى بالمحاماة سنوات عزيزة شهدت احداثا كثيرة لاتنسي في حياتى ، منها ماكتبت عنه مثل قصة استشهاد طه يوسف عبيد وعلاقتنا برابطة الجزيرة للاداب والفنون وبعض ملامح حياتى في ودمدنى ومنها ما لم اكتب عنه بعد وهو سنوات الجامعةالتي وجدت نفسي استعير بعض شخوصها واحداثها في راوياتى، فعلت ذلك في الرمال يافاطمة وعدت وفعلته في روايتى نيران كامنة ولكن القسم الأهم من احداث وشخوص الجامعة استعرته وحورته وجسدته في روايتي بحيرة التماسيح التي رأت النور الكترونيا تحت اسم خطوات وبصمات وستري النور ورقيا قريبا تحت مسمى بحيرة التماسيح،فقد كانت فترة الدراسة الجامعية بجامعة القاهرة الفرع خريفا ماطرا وغنيا بالاحداث والبذور الصغيرة التي باتت مشاريع عملاقة، كنت فتى نحيلا مشتعلا بالحزن والغضب والثورة وشغوفا بالشعر والقصة والرواية والتواصل مع الاخرين وأدوار البطولة، فقد كان استشهاد طه يوسف عبيد مؤثرا علي شخصيتى بشكل كبير، لذلك اندفعت الى قلب الحياة الجامعية بتهور واندفاع كبير، كانت جامعة ذلك الزمان بركان ثائر وبرلمان ثقافى وفكرى وسياسى دائم البريق والتوهج
    وجدت نفسى في أعلى تلك الموجات منذ الوهلة الأولى
    جئت حاملا غضبى
    وصاحب موقف واضح من السلطة التى قتلت صديقه ونثرت دمه فوق قميصه


    جئت ومشهد قصف جنازة طه يوسف عبيد بالرصاص امام المؤسسة الفرعية للحفريات بمدنى فوق شارع الاسفلت هو المشهد المسيطر على ذاكرتى والمصاحب لكلمة مايو واسم النميري
    (وهو مشهد تسلل غصبا عنى ووجد طريقه الي رواياتى)


    لم يكن لدى خيار سوي العمل السياسى لاسقاط نظام
    جعلنا نرى الدم بدلا عن الزهور ونحن لانزال في مقتبل عمرنا.

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 06-09-2013 الساعة 09:33 PM
  40.  
  41. #121
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    الفراش الجائل
    كانت الدهشة الأولى موجودة بالطبع فقد كان الانتقال الى المرحلة الجامعية انتقالا فيه كثير من الأشياء الجديدة، ففى المراحل الدراسية السابقة كنا نأتى من البيت واليه نعود يوميا ولكن الجامعة ارتبطت بالانتقال الي مدينة كبيرة كالخرطوم والى حياة جديدة مختلفة بعيدة عن الأسرة ودفئها والى نظام تعليم يقوم على الحرية الشخصية في الحضور والمواظبة بخلاف نظام المراحل التعليمىة السابقة الذي يبدو أكثر صرامة وتقل فيه مساحات الحرية الشخصية، لكن الحرية الشخصية فى المرحلة الجامعية ترتبط بالمسؤلية الشخصية عن نتائج تلك الحرية، بالامكان الا تتابع المحاضرات وان تتغيب ولكن يجب ان تبذل جهدا أضافيا لكى لايفوتك شئ وتنجح برغم عدم المواظبة،ونفس المبدأ يسود فيما يتعلق بخياراتك الأخرى الثقافية والسياسية والاجتماعية، فالاهتمام بالأدب مثلا كان مكانه في المراحل السابقة حصة أو حصتان في الاسبوع وبعض المناسبات الثقافية والوطنية، أما الجامعة فهى مائدة عامرة بالجمعيات والروابط والفرق الثقافية والأنشطة التى أقبلنا عليها في نهم وشراهة، ولم يكن نهمنا وقفا علي حامعتنا وحدها فقد كنا نهاجر مثل أسراب الطيور الي كل الجامعات ومواقع الأنشطة الثقافية والأدبية فلا نفوت محاضرة ولا أمسية شعرية ولامنتدى ولامسرحية أو معرض أو مهرجان ونقتنى الكتب في كل صباح بكل الطرق : إستعارة وشراء ومبادلة وأختلاساً بالقراءة حيث هي في مكتباتها التجارية أو العامة أو بيوت الأصدقاء أو غرف الداخليات في الجامعات التى بها داخليات حين نغشاها في زيارات الي الأصدقاء هناك، كان نهمنا للقراءة لاينتهى أبداً وكانت مناسبة مثل احتفالات االتخريج في معهد الموسيقي والمسرح حدثا أكثر أهمية عندنا من أي حدث آخر، فكنا نركض الى مسرح قصر الشباب والأطفال لنتابع بشغف ودقة كل العروض ونتناقش عقب كل عرض حوله نقاشا لاينتهى، عرفنا داخليات جامعة الخرطوم داخلية داخلية واقتحمنا سفرات الطعام فيها مع طلابها وتقاسمنا معهم طعاما شهيا كانت تقدمه حكومة السودان لطلابها دون شعور بالغيرة أو التهميش ودون شعور منهم بأننا دخلاء، كنا لانغيب عن حدث هناك فنحن حاضرون في المعارض وحفلات الروابط والأركان السياسية والقراءات الشعرية ونقرأ صحف النشاط الحائطية قبل المعنين بها أحيانا ، وكنا منفتحين علي كلية الفنون الجميلة ونشاطاتها وخصوصا معارض التخريج وكانت ظلال الأشجار هنالك سكنا دائما لنا حيث نقضي سحابة النهار للمذاكرة أيام الامتحانات وللثرثرة والأنس في الأيام الأخرى، كنا كالطيور

    والفراش نتنقل حيث شئنا وكيفما شئنا سيرا علي الأقدام قاطعين المسافات جائلين في العاصمة المثلثة من أقصاها الي أقصاها لانستخدم وسائل النقل إلا مكرهين .

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 06-09-2013 الساعة 09:40 PM
  42.  
  43. #122
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    الحنينة السكرة

    جامعة القاهرة الفرع
    كانت جامعة القاهرة الفرع ذات طبيعة خاصة جدا، فهى معرض دائم ومهرجان متجدد ونهر متدفق من الشباب من الجنسين ، من كل انحاء البلاد الكبيرة تجمع طلابها في حشد نادر المثال، فليس ثمة مكان أو زمان آخر قادر بالجمع بين ذلك المزيج الذى يشمل قادمين من كل بقعة صغيرة وكبيرة في السودان، فقد كانت الجامعة توفر فرصا كبيرة للقبول في كلياتها التى تزدحم بطلاب نظاميين وطلاب منتسبين يشملون كل الأعمار تقريبا، ولكنك تجدهم جميعا في حوش الجامعة الفسيح الذي ينطبق عليه ذلك المثل الساخر لصديقنا عادل سعيد اب جقادو وهو أحد ظرفاء الجامعة من ابناء مدنى من جيلنا فقد كان يقول كلما نظرنا الي ارتال البشر من الطلاب الذين تعج بهم ساحة الجامعة الضيقة المسماة الحوش ( صحى النفوس كان اتطايبت السرير بشيل المية والحوش بشيل من غير حساب)، كان ذلك تلخيصا ساخرا لحالة ذلك الحوش الممتلئ بالجميلات الخائفات من غباره علي تسريحاتهن واناقتهن وهو ممتلئ باصدقاء لهم كتاحة تسبقهم اكثر خطرا من ريح العتويت في طوكرالشرق الشهيرة بكتاحتها الفريدة،كانت جامعة غريبة في كل شئ، بائعات الطعمية وسلطة الأسود بجوار حوائط بيوت الاشلاق المحيطة بالجامعة وهن مقنطرات علي بنابر وهيطة وحولهن قفف من السعف وحلل من الألمونيوم تحتوى علي الأطعمة التى تباع للطلبة والطالبات، باعة السجاير والحلوى ومناديل الورق داخل الجامعة وأشهرهم ابو دقن الذى لايفوت صلاة في مسجد الجامعة الصغيرة ويرتزق من بيع السجاير والاقلام والمناديل واللبان ، مكتب البريد الذي يحتل زاوية في الجامعة يتحلق حولها الطلاب وهو محاصر دوما بالاركان السياسية الملتهبة التي تبدأ بجمع صغير ثم تمسي مظاهرة حاشدة يلتف حولها المنتمون واللا منتمون والعابرون وحتى ضيوف الجامعة ليشاهدوا عروضا حية في فنون الجدال السياسي ونماذج عملية لكيفية مسح الخصم بالارض والحط من قدره ثم التصدى لهجوم مضاد يمارس فيه الممسوح به الأرض مسحا مماثلا للمتحدث وجماعته بالأرض، كان صراعا للديكة بكل ماتعنى الكلمة من معنى، صراعا لايستسلم فيه طرف ولايكف فيه المتعاركان عن اطلاق قنابل الكلام الموجهة للاخر ، وفي بعض الاحيان يتعدى الأمر قنابل الكلام الى ما هو اخطر وأكبر،وفي قلب هذا الضجيح هناك حالمون وحالمات ينتحون أركانا قصية وينسجون عالما ورديا لاينتمى الي مركب الضجيج الذي يجلسون في قلبه، تجدهم يجلسون ساعات طوال يتهامسون ويبتسمون ويحتسون العصير من الكافتيريا المزدحمة علي مهل وبتلذذ
    وينسلون بين الفينة والاخري للحصول علي شاي أحمر لايغيب عن الجلسات وحين تعلو اصوات مكرفونات الجدال علي همسهم يخرجون من الحوش ويذهبون الي حوش كلية التجارة أو يحتمون بسلم الاداب الذى اشتهر بكونه ملاذا للعشاق والصداقات البرئية والهاربين من الغبار والضجيج وفي وقت الامتحانات مكانا مميزا للمذاكرة. كانت للجامعة وجوه أخري عديدة، هناك معارض الروابط الأقليمية التى تعج بها الجامعة فهى تحيل الجامعة بصيواناتها الكثيرة الي معرض دائم يعكس ملامح تلك الأماكن القصية والقريبة التي جاء منها الطلاب وتتبارى الروابط في ابراز مايميز مناطقها من تاريخ وجغرافيا وفلكلور وفنون وفنانين، فتتحول الجامعة في مواسم استقبال الطلاب الجدد الي مهرجان قومي للثقافات، يوما يحتل النوبيون برطانتهم الجميلة وجرجارهم ورقصاتهم المميزة المشهد، ويوما تتحول الجامعة الي طنابير شايقية ملئية بالحنين ، ويوما يتفنن أهل الشرق في عرض ملامحهم الفنية المميزة، ويوما ينبرى أهل مدنى فتصدح اصوات ابوعركى وود الأمين وصديق متولى وصديق سرحان، ثم يحتل أهل كوستى المشهد بابداع يميزهم وتتوالى الايام والليالي الثقافية والمعارض ، ثم تأتى دورة لمعارض الكتاب والندوات الثقافية والدينية، تبدو الجامعة سوق عكاظ كبير في ناحية المنتدى الادبى وجماعة الجو الرطب وعشاق الحلمنتيش، ثم تخطف الصحف الحائطية للجماعات السياسية في الجامعة الأبصار بمانشيتاتها الصارخة
    ومعارضتها المعلنة للسلطة في بلد صامت خارج أسوار الجامعة، كان أولئك الذين يحررون تلك الصحف الجرئية يبدون أشخاصا ساحرين قادمين من كواكب بعيدة بجرأة فعلهم وعباراتهم، هكذا وقفت في وسط ذلك الحوش صغيرا صئيلا مندهشا وباحثا عن موطئ قدم في بحر متلاطم الأمواج، خائفا ذهبت أبحث عن رابطة ابناء مدنى عساها تبدد شعورا بالغربة والضآلة وقلة الحيلة أعترانى.


  44.  
  45. #123
    عضو مميز
    Array الصورة الرمزية bit madani
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    مدني
    المشاركات
    481

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صلاح سر الختم علي مشاهدة المشاركة
    قصتى مع مهنة المحاماة من الألف الي الياء هى المحطة القادمة في الفضفضة

    و بإيقاع الدهشة كنا ننتظر و بدوزنة الجمال أتيتنا ... روعة السرد تفرض الإنتباه و الترقب الصامت ...

    لتتالق الروىء الجمالية لماضي يستمد النبض من كلماتك ...

    و لو ان المحامة مهنة صعبة الممارسة دون ان يتأذى ممارسها حين تحيل ممارسيها (إلا من رحم ربي ) لمتشدقون بالحروف المنمقة دون ان يكون لهم تمام الإحساس بها فيمتهنون إصباغ التجمل على أصول الوقائع التي ليست كذلك حتى يصدقهم المنصتون ... و لكن في سردك العالي الشفافية يتساقط هذا ال Stereo-typing تماما ... تحياتي

    و تقديري ...

    [عُدْ طفلاً ثانية / عَلِّمني الشعر / وعلِّمني إيقاع البحر /
    وخُذْ بيدي / كي نعبر هذا البرزخ ما بين الليل وبين الفجر معاً /
    ومعاً نتعلَّم أُولى الكلمات / وأَرجعْ للكلمات براءتها الأولى / لِدْني من حبة قمح، لا من جرح، لِدْني / وأَعدني، لأضمَّك فوق العشب، إلى ما قبل المعنى / هل تسمعني: قبل المعنى / عُدْ طفلاً لأرى وجهي في مرآتك / هل أنت أنا / وأنا أنت؟ /... درويش ...
  46.  
  47. #124
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    شكرا اختى بت مدنى على هذاالدعم الجميل لهذه التداعيات التى اردت بها رد الجميل لأناس نبلاء تركوا بصمات كثيرة في حياتى وجملوها بوجودهم فيها

  48.  
  49. #125
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436



    رابطة ودمدنى بالفرع عالم ساحر
    كانت رابطة مدنى بالجامعة خلية نحل ونجمة كبيرة في سماء الجامعة، كانوا في استقبالنا بحفاوة ظاهرة تمارس في الجامعة مع البرالمة سنويا، لكنها حفاوة تختلف عن غيرها في كونها حفاوة نابعة من القلب وفي كونها امتداد لعلاقات سابقة علي الجامعة بين ابناء الرابطة، قد تكون علاقة قربى أو جيرة حي أو زمالة دراسة في مرحلة سابقة أو علاقة رياضية أو حتى سياسية أو ثقافية، لذلك كانت الرابطة بيتا يشعر فيه المرء بالإلفة ويذوب سريعا في سكانه الذين يعرف الكثير منهم سلفا وثمة الف باب ونافذة تنفتح بينه وبين من لم يعرفهم قبلا، فالقواسم المشتركة كثيرة جدا،عن نفسي فقد اندمجت في مجتمع الرابطة ووجدت نفسي علي الفور، قابلت الاخت رجاء حسن هاشم التى كانت بكلية التجارة وهي من بنات الدرجة وكنت اعرفها قبل الجامعة بحكم الجوار وبحكم زمالتها في الدراسة مع اختي الكبرى وباتت فيما بعد سكرتيرا عاما للرابطة وعملت نائبا لها في احدى الدورات، وكانت هناك ايضا الراحلة ثورة عبود بنت المزاد التي كانت بكلية الاداب وكانت هناك معرفة سابقة علي المستوى الأسرى، وكان هناك الاخ الفاتح خضر الكاشف المحامى وكان من قادة الرابطة وكان بالسنة الاخيرة بكلية الحقوق وهناك الاخ الصديق ابراهيم تاج الدين حمد النيل الذى كان ابرز سكرتير رياضي للرابطة لعدة دورات والاخ عصمت محمد يوسف امين مال الرابطة وكانا بكلية الحقوق وبلجنة الرابطة وهناك الاخ عادل الباهى والاخ عبد العزيز محمد احمد والاخ عبد الله خالد من ابناء دردق الذى شغل منصب السكرتير العام للرابطة والاخ خالد عبد الوهاب من ابناء جزيرة الفيل وهناك الاخت فوزية من ام سنط والاخت منى ادريس من بانت ومجدى برير من الدرجة وقائمة طويلة من الاسماء اللامعة التي عايشناها في الرابطة، فتحوا لنا قلوبهم من الوهلة الأولى وبت من أول سنة سكرتيرا اجتماعيا بالرابطة وفيما بعد سكرتيرا عاما بعد تخرج من وجدناهم امامنا بالرابطة.كانت رابطة مدنى مجتمعا جميلا قائما علي المحبة والترابط دونما اعتبار للاختلافات السياسية وغيرها، لذلك كان العمل فيها يشكل واحة في هجير لافح، كان تركيز الجميع علي مايقوى الصلات بين الاعضاء وعلى ما يقدمونه من برامج لمجتمع المدينة التى جاؤوا الي الجامعة منها فكان جل النشاط في العطلات في مدنى. واتذكر أن أول التحديات التى واجهتنا كانت كيفية الحصول على موافقة الفنان الكبير ابو عركى علي الغناء في حفل الرابطة لاستقبال الطلاب الجدد الذين كنت أحدهم ، كانت المشكلة ان اعضاء الرابطة في دورة سابقة خلقوا جفوة مع الفنان المرهف عندما اتفقوا معه ولكنهم لم يلتزموا ولم يعتذروا له، فبات الطريق مفروشا بالأشواك، لكننا لم نيأس اصطحبنا معنا الأخ سلمان محمد احمد عضو الرابطة وقريب الفنان ابو عركى وذهبنا الي الفنان الكبير الذى استقبلنا ببشاشة وسماحة ووافق علي الحفل مجانا دون قيد أو شرط، ولازلت اتذكر كيف انتظرت الجامعة كلها ذلك الحفل الفريد الذى كان في الهواء الطلق في الشارع الواقع بين حوش الجامعة الرئيسي ودار الاتحاد، واتذكر كيف افترش ابناء رابطة كوستى المحبين لعركى الأرض أمام المسرح(منهم اتذكرزكي منصور المحامى وعبدالسلام ابو ادريس ونجاة وصلاح عبد الله وود الرضى) واتذكركيف غنى الطلاب مع أبو عركى (ياتحفة حواء ياروح ادم ياست الكل)، وغنوا معه( مرة ناحت في المدينة الحمامات الحزينة قامت ادتا من حنانا)، كان ابو عركي يغني وعروقه نافرة كحصان يركض في مقدمة السباق وعرقه يغطي جسده اللامع وعيونه تلمع وكان الناس سكارى بخمر الأغنيات وكنا سكارى بما حققنا من نجاح ساحق وباهر. كان يوما لاينسي ابداً.كان الدرس الأول الذى خرجت به من تلك التجربة هو أهمية أن تكون دوما جزءا من كل وان تقبل علي الناس بلا هواجس مسبقة فعندها تذوب كل الهواجس التى تسكنهم تجاهك،أبو عركى ضرب مثالا في الولاء لمسقط الرأس والتعامل الراقى مع أبناء مدينته، كان بسيطاً وحازماً وعفيفاً حين قال عن نفسي أنا متبرع بالحفل لكننى لا أستطيع اجبار العازفين على التبرع، عليكم فقط ترحيلهم وتخصيص ما يرضيهم،وكان عازفيه عند حسن ظننا بهم حين جاروه في التبرع تقديرا له ولكوننا طلاباً، كانت تجربة جميلة حقاً،والجميل ان مبدعى المدينة كانوا دوما عند حسن الظن بهم وهم يزينون حفلات الرابطة سنويا بالمجان أو فئات رمزية جداً، ومن تجارب الرابطة الفريدة في تمويل أنشطتها اننا ذات مرة سافرنا الي مدينة كوستى حيث كانت السينما هناك تعرض فيلما هنديا لعدة ايام لصالح رابطة مدنى وكان فرسان التجربة الأخوة عصمت محمد يوسف وعبد الله خالد. ومن الأنشطة الجميلة للرابطة حفل التخريج للخريجين الذى كان ينظم بمدينة مدنى بطابور للخريجين يجوب المدينة قبالة المسرح وشارع النيل وحفل تخريج بمسرح الجزيرة تحشد له الأسر في منظر جميل وأجواء احتفالية وانسانية رائعة ولن أنسي ماحييت تخريجنا ودموع والدة زميلينا سيف الفاضل وعبدالله الفاضل المحاميان فيما بعد تلك السيدة المكافحة النبيلة التى كانت أما للجميع. كان عملنا بلجنة الرابطة قد أتاح لنا فرصة القيام بتخريج من قبلنا ومعايشة تجربة تخريج الآخرين لنا. كان مهرجانا جميلا في الحالتين.
    ولازلت اتذكر تلك المدحة المحورةعلي يد اخونا عادل اب جقادو لتصبح نشيد الوداع الرسمي للجامعة في أوساط الطلاب الخريجين:
    الجامعة مابتدوم
    ياحليل فرع الخرطوم
    من جيتا داب برلوم
    في حوشا حايم حوم
    نخلط بنات بالكوم
    في تجارة والعلوم
    وسلم الحقوق
    ياحليل فرع الخرطوم
    الجامعة ما بتدوم
    يا حليل سلم الاداب
    وقعادنا جنب الباب
    يا حليل ود العباس
    الشايو يزبط الراس
    والجامعة ما بتدوم
    ياحليل فرع الخرطوم.

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 09-09-2013 الساعة 03:43 AM

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
by boussaid