انها رومانسية لابعد الحدود .. جرفتها امواج السفر لشواطيء الغربة القاسية .. هاجرت تبحث عن غداً اجمل بعد ان ارهقها انتظاره في بطن وطنها حالها كحال كل المهاجرين الكادحين .. هاجرت وفي حقائبها اشواق للاهل للحبايب للوطن قبل وبعد.. سافرت وفي خاطرها عشم واحلام وطموحات تترغبها في احدى الخلجان البترولية الخاوية الا من عقالات لا تقوي على ربط احزمة اشواقها المفروشة في كل المناحي او تلكم التلفزيونات المتطورة فضائياً واخلاقياً اغتربت حيث لا جار او جزارة او سوق خدار كما في بلادي ليس هناك قعدة جبنة تتخلها ونسة "شمارات" وبعض اخبار الحي المتنوعة لعمرى ان تلك "القعدة" افضل بمئات المرات من القعدة المسنجرية تلك الملاذ السيء احياناً والذي حل محل قعدة الجبنة مؤخراً ففي بلادي قعدة الجبنة لها طعم ونكهة غير انها صحية اجتماعياً ..
فقدت الكثير في غربتها .. فكانت تمضى لحظات فراغها رتيبة كئيبة .. تحاول أن تشغل نفسها بأشياء كثيرة ولكنها تفشل . . تنبهت للكمبيوتر الذي لا تعرف عنه كثيراً فولجت اليه من باب التعليم ليس إلا .. فقطعت شوطاً كبيراً فيه حتى اصبحت مستخدم جيد له وبعدها انتقلت الى "الشبكة الالكترونية" فكان هذا العالم الجديد افضل الحلول السيئة لها (تكنولوجياً) وبدأت رحلة التعامل بالرموز .. في القرية الصغيرة تلك التي احتوت العالم برمته .. حيث التواصل والتلاقى والتحدث على الهواء مباشرة اهل القضارف وفرنسا ، ليبيا وام دوينة وبلجيكا والمعيجنة كلهم في وعاء واحد.
صنعت لها منتجعا في هذا العالم الرمزي الصغير الواسع .. وانيساً لوحدتها قبل ان تتحول الى مدمنة "انترنيتياً" بالتواجد المستمر على الكمبيوتر وليتها توقفت حد الإدمان حيثانها شطحت لابعد من ذلك فقد قيل انها والله اعلم عندما انجبت طفلها الأول فيما بعد اسمته "قوقل" تيمناً وإعجاباً بمحرك البحث العجيب قوقل، لأنه كان "لقوقل" الفضل لجمعها بحبيب القلب فقد ساقها محرك البحث الشهير قوقل يوماً ما وبينما كانتتبحث عن قصيدة لنزار قباني "الم اقل انها رومانسية" كانت تبحث عن قصيدة لنزار قباني فهي مولعة بكتاباته وفي تجوالها بين ازقة قوقل وجدتها في احدى المنتديات الادبية المنتشرة بكثرة على الشبكة فقرأت القصيدة وتنقلت في أروقة المنتدى الذي اعجبها فاستقرت به وغرقت فيه
كان تصميم المنتدى جميلاً ذو الوان فرايحية جذابة حتى الاسماءالمستعارة فيه تخطف الروح المشحتفة بالحنين وللحنان غير انه زاخراً بالإبداع وغزير بالشعراء والمستشعرين فنتقلت بين قصائدهم وقصصهم ونثرهم كثيراً .. وقررت ان تشترك به ففعلت وتعرفت علي اعضاؤه من على البعد .. لم تشارك رغم انها مولعة بالخواطر الرومانسية ولها كتاباتها إلا أنها فضلت القراءة فقط .. وفي اثناء تجوالها كان احدهم احد الاعضاء يدعي "أمير الرومانسية" تقرا له كثيراً لأن كتاباته كانت تلامس الاوتار البعيدة فيها فأحدث شغباً بدواخلها وهي ترقبه وتتلصص لكتاباته بشوق وشغف وتشفى واقتضاب احياناً..!! تفكر به كثيراً مستعينة بالخيال الرومانسي فيها تحاول أحياناً التعقيب له لكنها تجد اصابعها متجمدة بالكيبورد وتتوه منها الحروف فيتعذر لديها التعقيب ولكن لم يستمر هذا الحال كثيراً عندما ساقتها الغيرة القاتلة اثر تلك الردود الآسرة التي تخطانها كل من "اسيرة الشوق" و "همس القوافي" اشعلتها فاصبح شغلها الشاغل ذلك الامير الذي لا يعرفها ولا تعرفه إلا من خلال كلماته المرونقة وخيالها الهلامي
أخيراً رأت ان تستعين بصديقتها تلك التي كانت قد تعرفت عليها عبر دليل الاصدقاء وهو ذلك الذي يضع فيه زوار الشبكة اميلاتهم وعنواينهم الالكترونية بقصد التعارف ...
حكت لها عن الامير كثيراً ، اسلوبه ، انتقاؤه للكلمات ، أفكاره وكيف انه يخاطب خواطرها .. وشعورها بالغيرة من الاعضاء نحوه ووو...الخ ، دلتها الصديقة والتي لها باع طويل في هذه الأمور .. الى الطريقة بأن ترسل له رسالة خاصة تبين له فيها اعجابها بكتاباته ..فليكن هذا باب للدخول ومن بعدها العزف على الأوتار الأخرى ... فقد وجدت الباب ولكنها احتارت في كيفية الدخول وتاهت في أسئلة: كيف تعبر له عن اعجابها وماذا تقول له وبدأت تنتقى المفردات تنسجها وتزركشها قبل ان تكتبها بحروف انيقة رقيقة وتدسها في رسالة خاصة ومن ثم ضغط زر الارسال لتنطلق الرسالة الخاصة محلقة الى سماء امير الرومانسية وتلتحف هي قساوة الانتظار متوسدة التأمل ...!!
كتبت له في رسالتها الخاصة رحلتها في الوصول الى المنتدي ومن ثم عبرت له عناعجابها بكلمات مرونقة ومتحفزة بعض الشي وختمتها بتقديرها له ..!!
رد لها بتقديره لهذا الاعجاب وشكرها على رسالتها بحروف ندية جميلة وانيقة وختم رسالته يدعوها بالمشاركة .. وهكذا توالت واستمرت بينهما الرسائل الخاصة وامتد جسرالتواصل الكترونيا حد العمق بعد ان تبادلو عناوين البريد الالكتروني ليصبح الحديث صورة وصوت ومن ثم تبادل التلميحات والرومانسيات الغير مباشرة عبر لوحات المفاتيح رسول المشاعر العصري لتتمرحل العلاقة بينها الى ان نشب بينهما حب مفجع .. باتو يقضون كلاوقاتهم في المسنجر وكان الوقت يمضي عاجلاً .. ادمنته وادمنها الا ان المسافة بينهما كانت تحول دون التلاقى الا عبر المسنجر والهاتف بالاتصالات وتبادل الرسائل الغرامية القصيرة
أخير قررا تبديد هاجس المسافة واكمال المملكة الرومانسية بالزواج فاتفقا على مراسم الزواج فسافر اليها من غربته الى غربتها تجرفه العاطفة فتزوجا على سنة الله ورسوله وعاد بها الى غربته وعاشا ردحاً من الزمان حتى انجاب ابنهم "قوقل" ولكن بعدها بدأت نقاط الاختلاف تبدو في ارض الواقع بعد ان كانت اتفاقاً الكترونياً .. وفي أمور بسيطة ولكنها جوهرية .. الا ان انفصلا اخير لشجار نشب وكان سببه هو ذلك العداء القائم بين امير الرومانسية وفرشاة الأسنان.
المفضلات