جلس مع صديقه على طرف الساحة التي تفصل منزلهم عن باقي الحي .... ليس له صديق غيره هما الاثنين مكملان لبعضهما ... هو يتامل سكون الليل وهدوءه وصديقه يسرد له كيف تم اختياره ليكون موظفاً بالمجلس المحلى , ويلوك تفاصيل تذكيته بواسطة خاله ... اذ لخاله حلقة قوية تربطه مع رئيس المجلس ... ولهم صلات ايضا مع الحكومة والحزب الحاكم.. ...
( كيف يا زول الجماعة ديل كيزان من زمان)
( بس ما ليهم تاثير يذكر ..؟؟)
( من والقال ليك ... ولله انا سمعتهم ليك امس دي بيتكلمو عن زيارتم للخرطوم لمقابلة الرئيس عديل كدا)
(يعني انتا هسع بقيت موظف مجلس محلي ... ولله مبروك عليك)
تذكر هو مثل شعبي قديم ( الما عندو ضهر بنجلد على بطنه ) قاله في سره وهو شارد الذهن .. فجاءة قطع شروده تحريك كيس التمباك بين اصابع صديقه . تكوّر شي صغير في يد صديقه .. وبحركة رشيقة وضعه تحت شفته العليا وضغطه بسبابته بطريقة سحرية نوعا ما ... تناول هو الكيس وفعل ما فعل صديقه الا انه كان اكثر رشاقة فقد وضعها داخل الشق الايمن من فمه .. وفي عينيه لمعت فكرة سطحية جدا وقال:
اسمع انتا ناس قرشي ما عندهم بارطي الليلة
رد صديقه : بارطي حق شنو كمان في الايام دي !!
ياخي ما تستهبل ..انت ما عارف انو احمد اخوهم جا يعرس ولا شنو ..
رد صديقه : يلا نشوف اللمه فيها شنو
ابتسم هو فقد ابتلع صديقه الطعم بسهولة ,, ابتسم من داخله لانه سوف يتخلص من ثرثرة صديقه المزعجة لهذا اليوم..... اما صديقه فقد كان يدور في راسه ان هذا الذي يمشي بجواره اصبح اكثر ملل واكثر احباطاً بسبب عدم العسور على وظيفة بعد التخرج...شعر به وتنهد وهو يمنى نفسه ان اتسع الوقت فسوف يساعده بكل ما يمكن فعله.
سارا في الشوارع الضيقة والمظلمة الا ان خفنة ضوء هنا وهناك تضرب وجهيهما وهما يتسكاعان .. عند باب ناس قرشي وقفا واصوات الموسيقى صاخبة ومتمازجة مع زغاريد من حناجر نساء قطعن شوطاً في الحياة الزوجية. اطلا من الباب الواسع وهناك كان حولهم بعض الشباب ينظرون الى الكرنفال داخل الحوش الذي تشتت عليه الضوء من كل صوب وحدب .. وهناك عريس يجلس في المنتصف تمام .. وحوله ثلاثة اشخاص .. يبدو انهم لا ينتمون الى المكان من هيئتهم (ضيوف يعنى) .. والبخور والحناء والشموع .. والزهور البلاستيكية تكاد تحجب العريس من ان يراء من امامه ...
كان هو يفكر في ان يلمح شخص له معه صلة .. كي يقترب منه .. وتكون هذه اولى خطوات التخلص من صديقه الثرثار هذه الليلة ... تلفت يمينأً وشمالاً .. فجاءة انتبه ان صديقه ليس موجود بجواره ... تراقص الفرح في داخله .. خطاء خطوات نحو الشارع .. وما كان الا ان اطلق ساقيه .. وجرى الى داخل الشارع الضيق .. بعد لحظة اصبح يمشي فقد تخلص من صديقه ... وهو ينظر الى الامام اذا بشخص يمشي امامه مباشرة دون ان يلتفت ..( لا لا معقولة دي ) فقد عرف هذا الشخص انه صديقه قد سبقه في التخلص منه هو .. فقط هنا احس انه اصبح مُملاً هذه الايام وهذا اعز صديق له يتركه في حفل الحناء ويغادر ليتخلص منه ... صاح ( يا عبدو يا عبدو ...) ما ان سمع الذي يسير امامه حتى توقف وهو يرسل قهقهة مكتومة فقد لحق به صاحبه ... اذاً انها نفس طريقة التفكير ذاتها بلحمها وشحمها .. فهم عبدو هذا لذا ضحك ...وصله وتعانق مع عبدو كالعادة عندما يلتقيان .. وسارا الى داخل الليل.
المفضلات