حين كنت ابلغ الثامنه أو التاسعه من العمر كنت كثيرا ما ارافق " والدي " في جولاته في مشروعي " الجزيرة و الرهد " الزراعيين بحكم عمله في وزارة الري ...
كنت اسعد جداً بهذه الرحلة التي عادة ما اعود منها بصور شتى , يتمازج فيها جمال الانجاز , وروعة الاعجاز , تتملكني الدهشة والانبهار من حجم هذا المارد الضخم , العلامه والوشم الذان يميزان ويزينان تلك المساحة الواسعه من الارض , وانا ارى كل تلك القنوات التي تسري كما الشرايين في الجسد تضخ الماء في قلب الارض , التي تحوى بطونها خيراً ونعمة طالما جادت بهما على انسان الجزيرة والسودان , فكانت متكئاَ وعماداً لأهله ...
كنت ارى ذاك المزارع الملوح بالسمرة , البسيط في ثيابه الرثه المنسوجه من نبات ارضه الطيبه التي بللها عرقه فسال فيها وروى طينتها , ويداه المخضوبتان بطين الارض , وقد تقوس ظهره من إنحناءة ملؤها الاعتزاز ...
وهو يحمل بين يديه " طورية " حفرت في ذاكرة التاريخ ...
وباطن الارض فكان خراجها الكثير الكثير ...
المفضلات