هناك على طرف القرية .... تقبع شجرة الجميز الضخمة ...قديمةٌ هي ... شامخة منذ عشرات السنين ...تمد أغصانها الكبيرة مد ما تستطيع ... دائمة الخضرة ... وكثيرة الإثمار ...تزورها أمهات الأطفال الذين يشكون آلام التسنين ... كما يزورها بعض العشاق في أصائل أيام الخريف ... و تزورها كذلك بهائم القرية فتمضغ ما تساقط من ثمارها وأوراقها .. فملكيتها لا تؤول لأحد ... ولا يذب عنها أحد ... و لا أحد يدري من زرعها على وجه التحديد، و لكن يشاع أن أحد الشيوخ الصالحين ويدعى الشيخ (فضيل الأصم) هو من قام بذلك قبل عقود مضت.
ولكن بالرغم من كل حسناتها ، وظلها الظليل فالكل يخشاها .......يقال أن (عابدين النقلتي) قابله مارد ضخم فيها ... وأخبره أن هذه الشجرة ملك له، ويعيش فيها هو وزوجته وأولاده الخمسون .!!.!وأخبره أن يبلغ الجميع بأن لهم النهار وله الليل ... وأن من يقطع منها غصناً بترت يده ، و كل من يخالف أمره تصيبه العاهات والجنون ، هذا إن بقي حياً!!
أما النور المجنون فحكايته غريبة ، وقصته شاعت حتى سمع بها القاصي والداني ...
كان النور من قلائل المتعلمين في القرية ... أنيق في لباسه ... بليغ اللسان .. لم يزرع ولم يرعى الغنم في صغره كسائر أطفال القرية ... وقد واصل دراسته في المدينة حتى تخرج من المدرسة الثانوية .. و عمل في مصلحة سكة الحديد موظفاً كبيراً يشار إليه بالبنان ، وكان أهل القرية يطلقون عليه لفظ (النور الأفندي) ...
كان النور دائم السخرية والتهكم على ما يشاع من أقوال أهل القرية حول شجرة الجميز ، ولم يكن يصدق مطلقاً ما يقوله عابدين النقلتي ، وكثيراً ما نعته بالكاذب ، حتى استفزه عابدين في أحدى ليالي الشتاء أمام ملأ من الناس ... وطعنه في رجولته ... و تحداه أن يزور الجميزة ليلاً ...
تجمع كل من كان في المجلس ينتظرون عودة النور الأفندي من شجرة الجميز حتى انتصف الليل .... وعدهم أن يحضر لهم من أغصانها وأوراقها وثمارها ما يقنعهم بسخافة ما يدعيه عابدين النقلتي ... ولكنه لم يعد ...
وطال الانتظار ... لم تكن شجرة الجميز قريبة حتى يُسمع صوتاً أو يقفى أثر ... ولم يجرؤ أحد أن يتقدم قيد أنملة ... فقرروا المكوث في مكانهم حتى الصباح ....
ومع أول خيوط أرسلتها الشمس هرعوا إلى مكان الجميزة .... وتسمروا في أماكنهم من هول ما رأوا ... يتبع
المفضلات