النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: الشكل و المضمون في القصة السودانية(2) /دراسة نقدية/ صلاح الدين سرالحتم علي

     
  1. #1
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    الشكل و المضمون في القصة السودانية(2) /دراسة نقدية/ صلاح الدين سرالحتم علي

    الشكل و المضمون في القصة السودانية
    محور قضايا المرأة في القصة السودانية (2)
    (بنت مجذوب) و(مصطفي سعيد ) ومتي يرعي الحمل آمنا بجوار الذئب ؟
    قصة السراب الذي يحسبه الظمآن ماء في (زجاجة البارفان) .
    بقلم/ صلاح الدين سر الختم علي

    تناولنا في الجزء الأول من هذه الدراسة موضوع قضايا المرأة في القصة السودانية باعتبارها من المضامين الهامة المتكررة في القصة في الفترة موضوع البحث – الخمسينات والستينات وما قبلها – وتناولنا نماذج قصصية مختلفة أبرزها دور الرائدة القصصية (ملكة الدار محمد) في اثراء القصة السودانية في هذا الشأن .
    وتعرضنا الي كتابات (الطيب صالح) باعتبارها من الكتابات السودانية المتميزة التي عالجت قضايا المرأة معالجة عميقة وواقعية .
    ونواصل في هذا المقال دراستنا لموضوع قضايا المرآة في القصة السودانية وسنحاول ابراز نصوص قصصية هامة بالتحيلي والقاء الضؤ عليها باستخدام منهج تحليلي توثيقي يحاول ايجاد العام والجوهري والمشترك بين تلك النصوص بغيه انتاج معرفة بها ووضعها في اطارها المعرفي والجمالي والتاريخي الصحيح .
    ان الذين ياخذون علي (الطيب صالح) مثلا رسمه لشخصية (بت مجذوب) تلك المرأة المتقدمة في السن التي تجالس الرجال ولا تتحرج عن الحديث في شئون الزواج والجنس ومميزات ازواجها الراحلين وتتميز عموما بجرأة شديدة في التعبير عن نفسها في مجتمع الذكور . ان الذين ياخذون علي (الطيب صالح) ايراده لهذا النموذج الانساني في رواياته ينسون ان هذا النموذج نموذج واقعي وموجود في الحياة السودانية ، ويتجاهل هؤلاء المعترضون علي شخصية (بت مجذوب) ان المجتمع السوداني لم يكن يسمح للنساء الشابات والفتيات الصغيرات بتلك المساحة التي يسمح بها لمن هن في سن (بت مجذوب) وبالتالي فان جرأة (بت مجذوب) التي تتجاوز الخطوط الحمراء في الحقيقة تعبر عن حرمانها وصمتها الطويل ، حيث انها اجبرت علي الصمت وعدم التعبير عن نفسها وعن مشاعرها بصوت مسموع طوال سني طفولتها وشبابها حيث كان ذلك عيبا وغير مقبولا ، وعندما بلغت هذه السن المتقدمة قررت البوح بكل ما لديها وقول الذي منعت من قوله خلال تلك السنين التي انقضت من عمرها .. بعباره اخري ان (الاغلبية الصامته) تتكلم اخيرا وتحاول ادراك ما فاتها .. انها تمارس حقها في التعبير بأثر رجعي ، واعتقد ان هذه هي الرسالة الحقيقية الكامنة خلف شخصية (بت مجذوب) فالشئ الطبيعي ان المشاعر المكبوته لفترة طويلة من الزمن عندما تجد الفرصة للتعبير عن نفسها والخروج من القمقم لا يخلو ذلك (التعبير) من التواء أو هستيريا او كما قال (الطيب صالح) نفسه علي لسان مصطفي سعيد في (موسم الهجرة الي الشمال) (لكن إلي ان يرث المستضعفون الارض ، وتسرح الجيوش ، ويرعي الحمل آمنا بجوار الذئب ، ويلعب الصبي كرة الماء مع التمساح في النهر ، الي ان ياتي زمن السعادة والحب هذا ، ساظل أعبر عن نفسي بهذه الطريقة الملتوية) موسيم الهجرة – طبعة دار الجيل (ص53-54) .
    ان طول لسان (بت مجذوب) وطريقتها في التعبير عن نفسها التي لا تخلو من وقاحة تخفي في طياتها رغبة ما في التشفي ممن فرضوا عليها الصمت طويلا .
    ولعله يجدر بنا في هذا المقام ان نشير الي ظاهره اخري جديرة بالدراسة وهي ظاهره (احاجي الحبوبات والامهات) في المجتمع السوداني ومن ابرز تلك الاحاجي قصة (فاطمة السمحة والغول) فهذه القصة التي شكلت وعينا المبكر ولا زالت تأسر الاجيال حتي اليوم هي قصة بسيطة وعميقة جدا ، يختطف ( الغول) (فاطمة السمحة) ويحملها عبر مسافات بعيدة ويضعها في كهفة توطئة لاكلها .. ولكن النوم يغشي (الغول) كما يغشي الناس الموت بغتة – والغول ينام عاما كاملا حسب الاحجية او كما قالت جدتي رحمها الله وفي هذه الاثناء تستنجد (فاطمة) بالفارسين (حسن) و(حسين) (اولاد عيسي الاثنين) عن طريق الغناء ويسمع الفارسان النداء ويحضرا علي جواديهما ويقتلا (الغول) ويحررا (فاطمة السمحة ) من اسره .
    وتتعد الروايات وطرق سرد هذه (الحجوة) حسب التعبير السوداني – لكن المغزي يبقي واحدا ، فهذه القصة تلخص واقع النساء بدقه متناهية ، فهن اما هدف لاطماع الغول بما يرمز اليه من رموز عديدة .. او أنهن في انتظار فارس مثل (حسن) و (حسين) لينتشلها وينقذها من الغول الذي قد يكون (العزوبية او الفقر او سطوة الاب او الاسرة او عذاب زوجة الاب ... الخ ) .
    ولم يزل السؤال الطفولي الذي كان يرن في اذهاننا ونحن (صغار) يرن (جدتي ..اذا لم تكن فاطمة سمحة هل كان (حسن وحسين) سينقذاها من الغول ام لا ؟!! .)
    كانت جدتي تقول كمن يعتذر (فاطمة سمحة اخلاق يا صغار وليس المقصود فقط جمال الوجه !! )
    هذا الاستطراد المقصود منه تبيان انه حتي القصة المتوارثة (الاحاجي) كانت تتضمن تعبيرا عن الازمة التي تعيش تحت وطاتها النساء منذ زمن بعيد واعتقد ان دراسة تلك الاحاجي ستقود الي نتائج مدهشة حيث نكتشف ان (الاحاجي) كانت وسائل تعبير بديلة حاولت النساء الخروج بها من دائرة (الصمت المفروض) والشكوي بصوت خافت الي الاجيال الجديدة الناهضة فجاءت تلك الاحاجي في كثير من الاحوال معبرة عن همومهن واوجاعهن واشواقهن المبهمة الي الحرية والي الانصاف .
    ويمكن القول ان الاحاجي تشكل (ذاكرة اجتماعية متجددة) ومتبدلة مع تبدل القيم او الهموم والوعي خصوصا ان وسيلة تداولها هي المشافهة وقوة الذاكرة واحيانا يتم تعديل القصة لتواكب الوضع المعين الذي تروي فيه .
    ونتناول فيما يلي بعض أهم النماذج القصصية السودانية التي تناولت موضوع البحث :-
    (1) قصة القطار – احمد الامين البشير :-
    هذه القصة تجسد جانبا من واقع المرأة السودانية والمجتمع السوداني في زمن كتابتها عبر تصويرها رحلة شاب سوداني بالقطار من الخرطوم الي عطبرة ليعمل معلما هناك وحين يركب القطار تلفت نظره فتاة مسافرة في ذات القطار يتضح انها معلمة منقولة للعمل في عطبرة فيخفق قلب الشاب عند رؤيته لها باحاسيس لا تخلو من تصورات حالمة عن الحب والعلاقة مع الجنس الاخر ، ونلاحظ في القصة عدم وجود اي حوار مباشر بين الفتاة (سكينة) و (الراوي) وهذا أمر لم يكن وليد الصدفة ، بل هو مقصود ليعكس جانبا من جوانب المجتمع السوداني المحافظ في وقت القصة حيث كان خروج المرأة الي التعليم والعمل في بداياته الاولي وكانت العلاقة بين الجنسين محاصرة بمجموعة من القيم والمفاهيم والتصورات المحافظة ، وكان طبيعيا جداً في القصة ان كل شئ حول الحب والميل العاطفي قد دار فقط في ذهن الراوي وخياله ولم يخرج منه في شكل تصريح او تلميح الي (سكينة) انه حب خيالي عاش ومات في الخيال المحض !! والدلالة هنا ان الشابة السودانية المتعلمة والعاملة في تربية الاجيال والشاب السوداني المتعلم والعامل في تربية الاجيال عاجزان عن تخطي الحدود التي رسمتها التقاليد وعاجزان عن ادارة حوار واقعي حول المستقبل والحاضر بالرغم من ان الاقدار وضعتهما معا في قطا واحد وفي زمن واحد ومهنة واحدة ومدينه واحدة هي عطبرة التي يفترض ان يبداأ فيها تأسيس حياة جديدة !! .
    وفي داخل القصة نفسها يجسد الكاتب بذكاء شديد وبراعة نوعا اخرا من العلاقات بين الرجل والمرآة عبر تصويره علاقة تنشا بين طفل وطفلة بصورة عادية جداً لا تعقيد فيها ولا حواجز ولا تقاليد تحول دون التلاقي حيث يصف الكاتب ذلك بقوله ( كان الممر خاليا الا من الطفلة والطفل وقد وقفا امام نافذة بعيدة وقد وضعت يدها علي كتفه تراقبه وهو يحاول جاهدا ان يقسم برتقاله نصفين متساويين )
    ونلاحظ هنا ان الطفلة والطفل رمز مركب فهما يرمزان الي رجل وامرآة الغد والمستقبل من جهة ومحاولة الطفل تقسيم البرتقالة الي نصفين متساويين نصف له ونصف للطفلة تركز الي محاولة الاجيال الجديدة الناهضة تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات .
    اما وضع الطفلة يدها علي كتف الطفل فهي ترمز الي قدرة الاجيال الجديدة علي تجاوز الحواجز التي وضعتها التقاليد بين الجنسين واليد علي الكتف تعبير برئ عن الحنان والمحبة والمشاركة والثقة بالنفس وسمو المشاعر وهذه هي صفات المرأة السودانية الجديدة التي تبشر القصة بميلادها . ونلاحظ ان الممر والنافذة البعيدة اللذان وقف الطفلان عندهما يرمزان معا المستقبل فكلاهما يشتركان في كونهما معبران او منفذان الي عالم جديد ومن جهة اخري يمكن النظر الي الطفل والطفلة باعتبارهما يجسدان الراوي وسكينة في الماضي قبل ان تدخل الحواجز المصطنعة بينهما وتكبلها بالقيود وتسلبهما التلقائية والعفوية والصدق وجميع الصفات الجميلة التي كانا يتمتعان بها في الطفولة .
    هذه القصة قصة جيدة من حيث كونها ذات مغزي ومضمون عميق ، ومن الناحية الفنية هذه القصة مكتوبة علي غرار قالب قصة (المشهد) او (الاسكيتش) التي تتميز بالخلو من البداية والذروة او تركيز الثقل في نهاية القصة – فالقصة عباره عن مشهد صغير من الحياة يوحي بالمضمون ، ومع ذلك فان القصة لم تخل من عيب الاستطراد في بعض الاجزاء منها الامر الذي يجعلها اقرب الي الخواطر الذاتية .
    لكن اجمل ما في القصة علي الاطلاق هو استخدام كاتبها للطفل والطفلة وعلاقتهما مع بعضهما استخداما ذكيا للتعبير عن المغزي الرئيسي للقصة عبر المقارنة التي يتم عقدها ما بين التلقائية والبراءة والصدق والعفوية التي تسود في هذه العلاقة وما بين التعقيدات الاوهام والحواجز غير المرئية التي تقف ما بين الرجل والمرأة الممثلين في (سكينة) و(الراوي) وتمنع نشؤ علاقة طبيعية واقعية خالية من الاوهام بينهما ، فالكاتب لجأ الي ابراز التناقض للايحاء بالمضمون دون تقريره .
    قصة (زجاجة البارفان) تاليف/ حامد محمود وافي :-
    هذه القصة تدور حول احلام العذاري في مجتمع شرقي مغلق ، والنموذج الذي تجسده القصة هو (امال) الفتاة السودانية الفقيرة التي تعيش مع أمها وتضطر الي العمل (ممرضة) حتي تتعاون هي وأمها علي اعباء الحياة . وتضطر الأم الي ايجارة جزء من المنزل الذي تقيمان في الي رجل غريب حتي تنتفع بقيمة الاجرة . وتحت تأثير حديث زميلاتها الممرضات عن الحب والعلاقات مع الجنس الاخر وتحت وطأة الحرمان الذي تعيشة (امال) وحاجتها الي الحنان والي ما يبدد الروتين والوحشة التي تعاني منها تبدأ (امال) تحت وطاة كل هذه المؤثرات مجتمعة في التفكير في (الجار الغريب) الذي لم تره مطلقا ولا تعرف عنه سوي انه(عامل مطبعة) ينام النهار كله ويعمل الليل باكمله ، ورويدا رويدا ينمو في قلب (امال) البكر الخالي حب ساذج من طرف واحد للغريب وتبدأ (امال) في البحث عن وسيلة تعبر بها عن هذا الحب وتلفت بها انتباه (الغريب) فتقوم بشراء زجاجة من العطر تقتطع ثمنا من راتبها الضئيل لكي تهديها الي الجار ، ولكنها عندما تعود الي المنزل حاملة هديتها تجد في انتظارها مفاجاة قاسية تتمثل في ان (الجار الغريب) قد رحل فجاة دون ان يدفع ما عليه من مال !! وهكذا تبدد (الحلم) وانتهي الوهم الذي عاشته (امال) الي العدم واصبح سرابا حسبته (امال) الظمانة ماء !! .
    القصة تتحدث اذا عن اشواق امرأة مكبوتة ومحرومة الي الحب والحنان واشباع الفضول ، ولكنها تنتهي نهاية حزينة ذات واقع قاسي اقرب ما يكون الي تلقي صفعة علي خد كان يتوقع قبلة دافئة ممتلئة حنانا .
    ونلاحظ ان اسم الفتاة بطلة القصة (امال) اسم له دلالته الرمزية فاذا كانت (امال) قد اصيبت بخيبة امل بالغة عندما وجدت الرجل الذي حلمت به محض سراب وامل كاذب ومخادع هرب دون ان يدفع ما عليه من اجره فهل اراد المؤلف ان يقول بذلك ان (امال) المرآة السودانية ستصطدم بسرابات كاذبة مماثلة لما تعرضت له بطلة القصة ؟!!
    وفي القصة ملمح هام اخر حيث ترصد القصة بدايات خروج المرآة السودانية الي العمل ودور الظروف الاقتصادية في ذلك التطور الاجتماعي ، وتبقي صورة هذه الفتاة الساذجة التي تعاني من الكبت والحرمان وهي تحمل زجاجة العطر وهي عائدة الي المنزل وهي تفكر في الكيفية التي ستقدمها بها الي الغريب ، ثم وقع المفاجأة عليها حين وجدته قد ترك الدار خلسة دون دفع ما عليه من أجرة .. تبقي هذه الصورة واحدة من اروع واعمق الصور الانسانية التي تجسد الواقع الذي كانت ترزح في ظله المرأة ، وهي صورة لا تقل روعة عن صورة الحوذي الذي اضطر ان يكلم حصانه ويبثه حزنه علي فقد ولده حين لم يجد من يستمع اليه من البشر في قصة (انطون تشيخوف ) الشهيرة

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 26-02-2010 الساعة 10:04 PM

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
by boussaid