المدعو الترابي قد زار تلك المناطق ذات سنة ( جدباء ) والخريف فيها طلع ( بيش ) ووجد كل تلك ( المطامير ) خالية تماماً إلاّ من بعد الفئران التي إتخذتها مسكناً بعد حفرٍ يسير , الكل كان مستبشراً بتلك الزيارة عسي ولعل يجود عليهم شيخ حسن ويحِن عليهم ويساعدهم ولو بالقليل , الله أكبر , الله أكبر , ...... الخ , هكذا كان الاستقبال وعلي ضل ذلك الصيوان الفسيح الذي تمّ تجميعه من كل القري المجاورة ( كان موضع ) كرسي مريح قد أوتي به من أحد الاثرياء للسيد حسن الترابي وبعض كراسي أخري للرفقة المباركة لشيخ حسن , عندما جاء دور الترابي بأن يلقي كلمته علت اصوات الكل حتي أطفالهم وفجأة كان الصمت الانتظاري ( بماذا سيتبرع هذا الترابي لتلك الارياف ) صعد الترابي علي تلك الترابيز التي تمّ رصّها بنظام ومثبتة تثبيتاً محكماً خوف الزحزحة والاندراشة لذلك الترابي , فما كان منه غير أن يقوم بـ ( قراءة سورة الضحي ) وتفسير بعض من آياتها علي طريقته الخاصة وبينما الكل فاتح خشمه وأذنيه صاغية إذا به يختم بالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ونزل مشي ( عشان يتناول وجبة الغداء ) تلك التي تمّ جمع التبرعات لها من قبل شهر وأكثر لتلك الزيارة الغير موفقة خالص , أكلوا وركبوا عرباتهم وتوكلوا وتركوا الكل في حالة تغني عن السؤال ( ياهو دا حالهم ) وكأنّ تلك الارياف غير تابعة لخريطة السودان , أو كأنها غير تابعة لتلك المليون ميل مربع , أو كأنّ من يسكنونها ليس ببني بشر , لماذا يا( بنوكنتري ) لماذا التمييز , أما كان لذاك الترابي أو غيره ممن زاروا تلك المناطق بان يتفقدوا ماذا ينقص البشر هناك , وماهي احوالهم وكيف يعيشون , فأين وجه الشبه مابين المسئولية عن البغلة التي تعثر بالعراق عند ( عمر بن الخطاب ) رضي الله عنه وارضاه , والمسئولية عن البشر الذين تقتلهم الملاريا وسوء التغذية وأمراض كثيرة يصعب الوصول الي المستشفيات بالمدن الكبيرة لانقاذ المريض بها ( كل الموجود هناك شفخانة متهالكة ولاتستحق ان تكون مكان للصحة ) والذي بها ( حكيم ) وليس طبيباً يمكنه تشخيص الحالة , النساء هناك تقتلهنّ ( الوِلادة ) كل تسعة اشهر لماذا ( لأنّ المشيمة مانزلت ) ولابد من الذهاب الي مستشفي ولكن كم يبعد أقرب مستشفي حتي يتم إنقاذ تلك الروح كيلو مترات كتيرة والله , دائماً كنت لا استبشر خيراً عندما تذهب تلك العربة لاسعاف زولة ولادتها لم تتم بعد , فقد إرتبطت عودتها عندنا ككل اهل القرية ( بالموت ) وما أن تأتي تلك العربة التي حُملت عليها تلك المرأة فمن بعيد يُمكنك أن تسمع صوت المرافقات لها وهنّ يبكين وكثيراً ماسمعتهم يقولون ( والله قرَّبنا نوصل المستشفي بس يومها تمَّ والأجل كان اسرع ) فمن هو المسئول عن تلك الارواح ياسادة ؟ هل هو صعباً للغاية بأن تكون هناك مستشفي يلجأ اليها اولئك الغلابة أوقات الشدّة والمرض البكتل ؟ ولا المناطق دي مابتستحق يكون فيها مستشفي عشان الناس تتعالج زي ( مابتتعالجوا انتوا في واشنطون ولندن ) ؟ اليس لنا نصيب من مال دولتنا العام ( بَيْد أنه من عرقنا وقوت شفعنا وضعفائنا) ؟ دفعناها رسوماً للموانئ والمطارات والمنسقيات , وجبايات وقِبانات , دمغات للجريح والشهيد وترعتي كنانة والرهد , وهلمجرا , فأتونا حقنا الذي هو لنا .. الوقت لايكفي بأن اتحدث عن بقية الامراض التي فتكت بالكثيرين هناك كـ ( الايرقان , الحميات بأنواعها , النزيف , وغيرها ) داحالتو دي ماعندنا أمراض ( موتة الفجعة ) لوعندنا كان الناس هناك إنقرضت زماان وأصبح كل السودان ( مُدناً ) ( حضراً بلا ريف ) , ( موية , كهرباء , صحة , تعليم ) الحاجات دي عاملة لي وجع حاجات كتيرة خاصة لمّا اسمع واحد منهم ينطق بها بصوت عااالي طالع من كَم مايك ويختم بـ ( كل زول حيأخذ حقه ) ودي من الاولويات والضرورات , طيب ماتعملوها ياخ وخلوا أولاد وبنات الناس يبطلوا يركبوا الحمير عشان يمشوا يدرسوا في القري التانية , خلوهم يرتاحوا شوية من جري الحمار من الصباح وفي عِز النهار وهم رجوع الي بيوتهم , أعملوا ليهم آبار وخلوهم يبطلوا يشربوا من تلك الحفاير ( هُمْ وحيواناتهم ) , أعملوا ليهم مستشفيات عشان الموت مايغشاهم كل ساعة ولا ( يبطلوا وِلادة يعني ), اعملوا ليهم كهرباء عشان يحاربوا ذلك الضلام الذي عاش معهم كل تلك السنين مذ أن شبوا وهم لايعرفون ماهو لون الحياة الحقيقي ( ليلاً ) ضلاماً وجدوه وقد حسبوا بأنّ كل العالم ليلاً يحمل هذا اللون الاسود ..
المفضلات