يعتبر البصل أحد أهم محاصيل الخضر في التجارة العالمية إنتاجاً وتصديراً واستيراداً، إذ بلغ الإنتاج العالمي للبصل في العام 2010م حوالي "73.2" مليون طن بقيمة "9" بلايين دولار، وكانت أهم الدول المصدرة للبصل أمريكا والتي بلغت قيمة صادراتها "113" مليون دولار، تلتها الصين بقيمة "57" مليون دولار. ومن الدول العربية تصدرت مصر بما قيمته "14" مليون دولار.
وهذه السوق العالمية للبصل لها مواعيد للتصدير والاستيراد، ولها مواصفات للمحصول خاصة بكل سوق فهناك المواصفة العالمية والمواصفة الأوربية والمواصفة العربية، وهنالك اشتراطات تتعلق بجودة المحصول ومن أهمها متبقي المبيدات والأسمدة في الأبصال، وعمليات الإعداد والتعبئة والشحن.
ومن جانب آخر فإن تصدير أي محصول يتوقف على اقتصاديات الإنتاج وتكاليف التصدير والتي بدورها تحدد سعر المحصول التنافسي في السوق الخارجية، كما أن تصدير أي محصول يتطلب الدخول إلى السوق العالمية بجودة منافسة وأسعار مشجعة واستمرارية في توفير السلعة وكل هذه المتطلبات للدخول إلى السوق العربية ناهيك عن الأوربية لا تتوفر في السودان مع إمكانية تحقيق ذلك نسبة لتوفر كل المقومات التي تجعل من السودان احد أهم الدول العربية المصدرة للبصل.
إلا أن عدم الاهتمام بصناعة البصل للصادر جعل التفكير بتصدير البصل لا يجد اهتماماً إلا عندما تحدث مشكلة مثل المشكلة الحالية والتي تمثلت في وفرة المحصول لظروف خاصة لا علاقة لها بتصدير المحصول مما جعل بعض الجهات المنتجة والحكومية تنادى بتصدير المحصول لتجنب كارثة انهيار الأسعار والتي يتضرر منها المنتج والبنوك الممولة وهذه الكارثة لها أسبابها المنطقية والتي من أهمها الأسعار العالية التي وصل إليها سعر جوال البصل في السنوات الثلاث الأخيرة وتحقيق بعض المنتجين لأرباح لم تتحقق في تاريخ إنتاج البصل بالسودان حتى وصلت إلى أسعار خرافية وغير حقيقية ( أكثر من 500 جنيه سوداني للجوال) ما دفع كثير من المزارعين والمنتجين بل حتى الذين لا علاقة لهم بزراعة البصل لزراعة المحصول سعياً وراء الربح الكبير الذي تحقق لبعض المنتجين في السنة الماضية ما أدى إلى التوسع في الرقعة الزراعية لتتضاعف كما حصل في ولاية الجزيرة مثلا حيث كانت المساحة المزروعة في العام الماضي حوالي 11000 فدان لتصل هذا العام إلى حوالي 22000 فدان، إضافة إلى تحول كثير من مزارعي الجزيرة ونهر النيل من الزراعة الشتوية إلى الزراعة الخريفية التي تتميز بمواعيد إنتاج توافق الأسعار العالية للبصل والتي تخصص فيها منتجي البصل بكسلا ثاني أهم مناطق إنتاج البصل مما أدى إلى توفر المحصول بصورة كبيرة في وقت واحد وبالتالي انهيار الأسعار.
هذه الكارثة أراد البعض بحسن نية من قبل بعض المنتجين والمسئولين علاجها بفتح باب التصدير الذي هو أصلاً مفتوح لتشجيع تصدير المحصول، وهذه كارثة أخرى اخطر من كارثة انهيار أسعار المحصول ذلك لان تصدير المحصول بوضعه الراهن سيؤدى بلا شك إلى مضاعفة الخسائر حيث ستتضاعف تكاليف التصدير من إعداد للصادر والترحيل والشحن والرسوم الحكومية والجمركية للبلد المشترى مما يؤدى إلى ارتفاع تكاليف المنتج وبالتالي فقدان للقدرة التنافسية في الأسواق الخارجية مع العلم بان المحصول متوفر في الأسواق العربية وبأسعار لا يمكن منافستها، هذا من جانب ومن جانب آخر سيتم إرجاع هذه الشحنات من البصل لعدم توافقها مع متطلبات ومواصفات الصادر والتي من أهمها نسبة المتبقي من المبيدات في الأبصال مع الوضع في الاعتبار فوضى تعامل المزارع مع المبيدات مع العلم بأن الدول المستوردة لديها معامل حديثة للكشف عن هذه المواد، إضافة لذلك فان إرجاع اى شحنات لأي إشكالية فيه إساءة لسمعة منتجنا من البصل قبل تصديره وغلق لأبواب التصدير مستقبلاً.
ولذا فإننا نحذر من تصدير المحصول اللهم إلا إلى دول الجوار التي تقبل بأي منتج، مع العلم بان بعض دول الجوار التي كنا نصدر إليها البصل كإرتريا مثلا امتدت إليها يد المنتج السودانى الذي اتجه إليها منتجاً للمحصول للتخلص من تكاليف الترحيل وهروبا من الرسوم الحكومية.
ومن ناحية أخرى فان البصل السوداني لا يمكن تصديره لإشكاليات كثيرة تتعلق بالمحصول أهمها ضعف الجودة والتي تتمثل في بقايا الإزهار الحولي والتي تشكل ما يقارب من ثلث المنتج إضافة إلى الازدواج وعدم التجانس في الشكل والحجم واللون وفقدان القشرة الخارجية والنسبة العالية للرطوبة وعيوب الحصاد وآثار الإصابة بالأمراض والحشرات واخطر من ذلك كله نسبة المتبقي من المبيدات في الأبصال فقبول كارثة انهيار الأسعار أهون من كارثة تصدير المحصول حيث تتضاعف التكلفة بإضافة تكلفة التصدير والإرجاع وإساءة السمعة.
وحتى لا تكون ميتة وخراب ديار، وعلى كل الجهات ذات الصلة أن تعد العدة من الآن للدخول في صناعة تصدير البصل بتوفير كل المقومات اللازمة من سياسات وإمكانيات ومعامل وخطط ومناطق وتأهيل للمزارعين والمنتجين والمصدرين بمتطلبات التصدير، والعلاج الصحيح لهذه الكارثة والبداية الصحيحة لصناعة الصادر أن تتحمل الدولة الخسارة وتقوم بشراء المحصول من المزارع بالسعر الذي يغطى تكاليف الإنتاج وخيارات الدولة في التصرف اكبر من خيارات المزارع البسيط وذلك ضمن برنامج قومي لصناعة تصدير البصل وسوف يتم تعويض هذه الخسائر في أعوام قليلة من تصدير المحصول على اقل تقدير بإذن الله تعالى ثم مع الجهود الحقيقية والعلمية.
د.جمال الدين الطيب عبد الرحيم
متخصص في إنتاج وتربية البصل للصادر
أستاذ مساعد بكلية الزراعة – جامعة أم درمان الإسلامية
00249116928234