الأدب و أعادة صياغة التاريخ
كتب : يوسف احمد
أُثير كثير من الجدل حول الطرق التي كُتب بها تاريخ السودان في كونها طرق و اساليب لم تُجل تلك الحقب بالشكل الذي يتناسب مع أهمية تلك الحقب ، و أيضا مع عظمة الرموز التي أسهمت في صنع التاريخ أو التي أسهمت في تغيير مسار التاريخ .. كما أن الأحداث التي تم تصويرها في بعض الكتب التي تناولت التاريخ ؛ شابها بعض اللبس و عدم الدقة في نقل تلك الأحداث... .. كما أن الدباء عزفوا عن المحاولة في إعادة صياغة التاريخ ؛ ربما كانت معضلة النشر و الصعوبات التي تكتنف عملية النشر و التوزيع ؛ وقفت حائلا بينهم و بين عملية الإسهام في معالجة موضوعات تتعلق بالتايخ ؛ ليستاثر المؤرخون بكل الحق في الكتابة لتاريخ السودان .. و دور الروائي هنا يختلف عن دور المؤرخ ؛ فالمؤرخ يسجل بينما الروائي يخلق.. كما أن هناك أنطباعات حسية يعجز المؤرخ عن وصفها .. في حين ان هذه الأنطباعات يسهل رصدها بواسطة العمل الفني .. ففي بعض الدول التي يجد فيها الأدباء سعة من وقت و جهد و فرص تساعدهم في تقديم ما يشاءون من افكار ؛ طُرق هذا الباب .. فظهرت ما يعرف بالرواية التاريخية ؛ التي يختلط فيها الواقع و الخيال مع تجارب السابقيين .. إلا أن الأدباء لم يقفوا كثيراً عند الكتابة للتارخ ، فالكثير منهم يفضل الكتابة من خياله الخالص .. و تاريخنا غني بالأحداث و الأشخاص و العبر و التجارب التي يجدر الرجوع إليها لأخذها بالأطلاع و البحث .. و هذه دعوة للأدباء ليحاولوا الكتابة للتاريخ .. و انا أعتقد ان هناك قراء سيتجاوبون مع الرواية التاريخية .. و كما أسلفت ، فأن هناك أحداث لم يتم تصويرها بدقة .. و هنا أُقصر حديثي علي الدولة المهدية بأعتبارها الأقرب زمنياً .. فهناك مؤرخون عاصروا تلك الحقبة و كتبوا عنها و لكن منهم من لم يخلص في رصد تلك الأحداث .. فهناك كرامات لم يقم هؤلاء المؤرخون بتسجيلها إلا أن هذه الكرامات تواتر نقلها عبر الأجيال .. و علي سبيل المثال تلك الكرامة التي حدثت في واقعة شيكان : " عندما أحتشد هيكس بجيشه الذي فاق الأثني عشر ألفاً .. في غابة شيكان ، و كان ينوي القضاء علي ثورة الأنصار ؛ فكان هناك بروجي يرتقي شجرة فارعة الطول يتابع تحركات جيوش الأنصار .. إلا أن البروجي رأى أنصاراً يقتحمون من جهة السماء ، فصاح بأن يضربوا جهة السماء ، فحدثت بلبلة في الجيش فأمر هيكس بضرب البروجي حتى لا ينفضح أمر الجيش .. " هذه و غيرها من الكرامات التي لم يرد ذكرها علي صفحات التاريخ إلا أنها قد تناقلت عبر الأجيال .. و في أعتقادي أن تصوير مثل هذه الأحداث في رواية سيضفي واقعاً سحرياً علي الرواية يكون له أبلغ الأثر .. و هناك روائي كبير ممن أهتموا بالكتابة للتاريخ ذكر أنه يتردد علي الأماكن الأثرية و الأطلال المتبقية من أثر السابقيين ؛ فقال أن هذه الأماكن تسهم في أذكاء جذوة الخيال من خلال الوقوف علي هذه الأطلال و تنسم عبق الماضي التليد .. هذه المنطقة .. التاريخ .. بحاجة للأدباء .. و عندما أقول الأدباء أقصد الروائيين ؛ لأن الرواية وحدها القادرة و بكل كفاءة و أقتدار علي تجاوز حدود الزمان و المكان لتنقل لنا ما كان يضج في تلك الحقب الماضية من حياة .. و أستخلاص ما نتج من عبر و إجلاء تجارب الأنسان الماضي ليستنفع بها إنسان الحاضر .. و لا أطالب الأدباء بتجشم مشقة الترحال و الوقوف لدي أطلال السابقيين ؛ و لكن لدي الأدباء حاسة صادقة في تصوير الأشياء و أجلاء سحرها الكامن .. فلا شك أن هذه الحاسة ستكون عونهم عندما يكتبون للتاريخ
المفضلات