صفحة 1 من 4 123 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 25 من 85

الموضوع: أنستاسيا .. وردة الهزيع الأخير ..رواية جديدة .

     
  1. #1
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    أنستاسيا .. وردة الهزيع الأخير ..رواية جديدة .

    بسم الله الرحمن الرحيم
    انستاسيا ..وردة الهزيع الأخير ..رواية

    عبدالغني خلف الله
    الحلقة الأولي
    أويس .... نعم؟! إسمك مرة أخري يا ولد ..إسمي أويس مرغني الفاضل .. واضح .. هيا أجلس . .بعده .. كان ذلك أول سؤال أتلقاه وأنا أخطو أولي خطواتي بالمدرسة الابتدائية .. جاري في الفصل همس في أذني بلطف لا يشبه السن التي نحن بها قائلاً .. منو السماك كده .؟. أبوي طبعاً .. وده اسم شنو ؟ .. في الواقع لم أكن أعرف الإجابة .. وعند عودتي لمنزلنا لم يكن والدي قد حضر من العمل .. فهو ضابط إداري .. فتوجهت بالسؤال لوالدتي .. ماما .. ماما.. ما معني أويس؟! أويس .. إنتظر لما بابا يرجع ..انتظرت عودة والدي بفارغ الصبر وعندما هممت بسؤاله كلفني بحزمة من المهام .. ( دخّل الرغيف.. .. تلقي الجرايد في المقعد الخلفي وأمشي نادي أستاذ عبدو عشان اتغدي معانا) وكان ثمة ضباطاً آخرين في معيته ..وهكذا ضاعت عليّ فرصة التعرف علي كنه اسمي وبت مستعداً لسخرية زملائي .. ولكن ظل الفضول مسيطراً عليّ إلي أن حانت اللحظة المناسبة .. إذ دخل علينا أستاذ اللغة العربية فتوجهت إليه بالسؤال دون تردد .. أستاذ .. أستاذ .. ممكن أسألك سؤال ؟ .. طبعاً يا ابني تفضل .. أويس معناها شنو؟ .. أغلب الظن أن المقصود هو أويس القرني وله قصة معروفه فقد أوصي الرسول صلوات الله وسلامه عليه أصحابه بأن يطلبوا من أويس هذا أن يدعو الله لهم كلما لقوه .. لأن دعوته مستجابة وهو من عباد الله الشاكرين علي الابتلاء مثل سيدنا أيوب عليه السلام .. فهمتوا المعني يا أولاد ؟ .. فهمنا .. ومن ثمّ واصل الحصة ومذ ذاك الحين وأنا أمشي مشية الخيلاء بين التلاميذ وتناقل الجميع قصة اسمي وتنازل لي الألفة طواعية عن موقعه وانهالت علي الهدايا من زملائي بالفصل .

    أويس..؟ .how do you spell it كيف تتهجاه ؟ أنستاسيا .. وقد راق لها الاسم .. هل يمكن أن أكتبه (oh ..Yes? ) .. بالطبع ولم لا ..( سباسيبا ) .. لا شكر علي واجب .. ومرة أخري وجدتني وأنا أشرح لها معني الاسم .. كانت منفعلة بما تسمع .. وتوقفت كثيراً عند مدلول الشكر علي الابتلاء .. لا بد إنه كان إنساناً رائعاً .. وفي زمننا هذا يصعب العثور علي شخص كهذا .. تأمل معي الزملاء في ال( أونفيرستيت دورشبي ) .. بجامعة الصداقة والذين حضروا إلي موسكو من جميع بلدان العالم الثالث .. ولكنهم وبدلاً من التفرغ للدراسة تجدهم يتبادلون خبراتهم في صنع الألغام والمتفجرات ويحملون بين جوانحهم حقداً هائلاً علي مجتمعاتهم التي حضروا منها لا سيما الأنظمة الحاكمة في بلدانهم .. إنهم ثوريون وأنتِ تعلمين ذلك وبلدكم تمنحهم فرصة الحضور إلي هنا ليصبحوا شيوعيين ثوريين .. شيوعيون نعم أما ثوريون فلا .. وما الفرق يا أنستاسيا ؟ الفرق كبير .. نحن لم نطلب منهم إراقة الدماء .. فقط أردنا منهم التبشير بقيم ومبادئ ثورة (البروتاريا) ونشر الفكر الاشتراكي لا أكثر ؟
    أنستاسيا ..أنستاسيا .. مهرة آسيوية من الزمن الجميل تمتلئ حيوية وسحراً ..تركض من غرفتها حتى الكافتيريا وتركض من الكافتيريا حتى قاعة المحاضرات وتركض من قاعة المحاضرات حتى نزل الطالبات ..فهي في حالة ركض مستمر ..أحياناً تركض في الميادين الفسيحة بالجامعة في زمهرير الشتاء لا تأبه بالرياح العاصفة والمطر ..لم تركضين هكذا يا قمري ودوائي في هذه البلاد الثلجية المذاق ؟.. أنستاسيا كفاك ركضاً فأنا أريدك في أمر هام .. قله لي وأنت تركض بجانبي ..أريد أن أعترف لك بأنني .. بأنني .. تكلم فأنا مصغية لك .. ( يالوبلو تيبيا) .. ماذا قلت ؟ الرياح قوية وأنا لا أسمعك جيداً ..لا بأس عندما تكملين هذا الشوط انضمي لي بالكافتيريا ..لأقول لك ..أحبك يا ( أنّا ) ..بكل لغات الدنيا ..فقط أحبك وليتك تفهمين ؟
    ***
    شتاء موسكو القاسي يمزق أوصاليّ ..فأنا لم أتمكن من دفع فاتورة التدفئة فقطعوا عني الغاز ..إن المصاريف لا تأتي من السودان بانتظام والكمبيوتر المتنفذ لا يفهم أن الناس في دول العالم الثالث يعانون من البيروقراطية لدرجة الجنون .. ولم تنجح الألحفة الكثيفة في كبح جماح الرياح العاتية التي تولول في الخارج ..وهاهو الكون يطرح جانباً ستر الظلام ويتهيأ لاستقبال يوم جديد ..
    ارتديت ملابسي علي عجل وتوجهت نحو أقرب مقهىً لتناول قدحاً من الشاي إذ لم يكن بمقدوري صنعه بنفسي .. فكل شيء ب(الشقة) معطل .. كنت علي موعد مع أنستاسيا لأحدثها عن تأريخ المنطقة العربية وتاريخ السودان علي وجه الخصوص وقد لاحظت اهتمامها بالتاريخ ..ولم أدرِ وأنا أقطع المسافة من علي الرصيف الخالي من المارة .. أن أكثر من مفاجأة تنتظرني داخل المقهى .. لم أكترث لها في بادئ الأمر وأنا أخلع عني الجاكتة السوداء ذات الأزرار المدببه وأسلمها للنادل .. كانت تجلس في أقصى ركن بالمقهى وأمامها قدح من القهوة وهي تدخن .. سيدة في مقتبل العمر ذات ملامح لاتينية والأرجح أنها من البرازيل أو ربما كولومبيا .. كانت ساهمة ومهمومة لا تشعر بما يدور حولها تنفث الدخان من سيجارتها فينداح دوائر غامضة ترسم أنماطاً من الصور المبهمة ..وبدا وكأنها تتابع بنظراتها كل نفثة منذ أن تغادر فمها الرقيق وحتى مصافحتها لزجاج النافذة المبلل .. جلست بالقرب منها وأنا أرتجف من شدة البرد .. قلت لها صباح الخير ..ردت بإيماءة مترددة وأشاحت بوجهها عني لتراقب عبر الحاجز الزجاجي مجموعة من الصبية يتزحلقون علي الجليد بأحذيتهم ذات العجلات .. الناس هنا يتأقلمون مع كل الأجواء في سهولة ويسر أليس كذلك ؟! .. همست بهذه الملاحظة وأنا أوجه السؤال مباشرة نحو عينيها ..عينان زرقاوان فيهما عوالم من السحر غريبة .. وزاد الموقف غموضاً صوت المغني الذي ينداح عبر جهاز التسجيل ( إنني أبحر إلي وطني مرة أخري ..إنني أبحر ..) وصوت (رود ستيوارت) المفعم بالشجن يحاصرنا ..( لن أبكي أبداً بعد اليوم .. لن أبكي أبداً ) .. هي إذن لحظة مشاركة وجدانية لهموم الغربة بعيداً عن الوطن ..فعادت هي مباشرة إلي( بوقوتا ) وعدت أنا إلي (وادمدني ) وذكريات طفولتي هناك وإلي (رزان ) .. ولماذا رزان بالذات؟! ..كنا جيراناً ووالدها يعمل معلماً بالمدرسة الوسطي .. ولمّا كانت المدرسة التي تدرس بها في جوار مدرستي فقد طُلِب مني أن أقوم بتوصيلها كل يوم وإعادتها بعد نهاية اليوم الدراسي .. كانت لطيفه ولديها مقدرة فائقة علي سرد القصص المسلية عن والدها وأمها وإخوتها الصغار .. بيد أننا افترقنا بعد حين وتفرقت بنا السبل .. نقل والدها في بادئ الأمر ونقل والدي بعد فترة قصيرة من مغادرتهم .. بكت وهي تودعني وكنا وقتها قد صرنا في الصف الخامس .

  2.  
  3. #2
    سكرتير مجلس الادارة
    Array الصورة الرمزية ساريه
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    الدولة
    مدينة الجمال مدنى
    المشاركات
    2,243

    قرأت ما خطته اناملك اخى عبد الغنى ويملأنى احساس المتعه والاندهاش ...
    وكأنى اتناول فنجان قهوه خالى من السكر ... مرارة البن وحلاوة الاحساس .... يعجبنى أسلوب (السهل الممتنع الذى كتبت به احساسك )
    يا ريت تواصل ....

    هذا هو النسيان ..أن تتذكر الماضى ولا تتذكر الحكاية ......
  4.  
  5. #3
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    شكراً جزيلاً سارية وأسعد كثيراً بإهدائك وكل المتواجدين الآن الحلقة الثانية من ( أنستاسيا) ..هذا مع تحياتي .

  6.  
  7. #4
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة الثالثة
    إسمي أويس وأنا من أفريقيا من السودان وأدرس الطب بجامعة الصداقة .. وأنا من كولومبيا واسمي إيزابيلا وأمارس التجارة .. سعدت بمعرفتك ..وأنا أيضاً ..قالت ذلك وهي تلملم علبة سجائرها وأشيائها ..قمت بسرعة لإرجاع مقعدها للوراء قليلاً لأمّكنها من النهوض بيسر ..هل تحضرين عادة لل(هايسندا ) ؟ ..أحياناً .. طاب يومك .
    كنت شارد الفكر طوال اليوم أفكر بتلك السيدة الغريبة .. إيزابيلا .. إيزابيلا .. لماذا هي وحدها ؟ وما الذي يدفعها للخروج في ذلك الصباح الباكر ؟ هل لاحظت الفراء الفخم الذي كانت ترتديه ؟ لا بد أنه يساوي آلاف الدولارات والقادحة المذهبة وسيماء العز والثراء التي تلون كل حركة وكل سكنة من سكناتها .. يا لأناقتها ويا لجاذبيتها .. لكأنها حقل من المغناطيس .. ولكن أنستاسيا أخرجتني من تأملاتي كعادتها في كل مرة .. ركضت نحوي فيما كنت أتهيأ للدخول إلي قاعة المحاضرات وقد منحتني ابتسامة عريضة أضاءت وجهها الجميل .. ومشكلة انستاسيا أنها لا تدرك كم هي جميله ..لا تهتم بمظهرها كبقية الطالبات .. ولا تضع شيئاً من العطر .. إنه رداء ( الجينز) المتواضع وبلوزتها البيضاء أو السوداء لا فرق ..وكأن لديها عداء مستفحل ضد البهرجة والألوان ..ولكنها تبقي جميلة بذاك السمت القوقازي الخلاب ونظرات الاعتداد بالنفس والبلد والتاريخ ..ألهذا السبب تدرسين التاريخ يا أنستاسيا ..؟ فاجأتها بهذا السؤال ذات مرة وكنا نجلس في أريكة داخل مسرح الجامعة الخالي من الناس .. كانت قريبة مني بدرجة أصابتني بالتوتر الشديد وبعفويتها المعهودة أراحت رأسها فوق كتفي وحدثتني كيف أنها تخاف كتابة التاريخ .. وضعت يدي فوق ركبتها اليمني أنقّرها في تتابع محموم وراودتني نفسي في تطويقها بذراعيّ وتقبيلها ولكن نقاشها الجاد للموضوعات التي طرحتها وشعورها الأخوي نحوي جعلاني أصرف النظر عن ذلك التصرف الأحمق ..إن السمو فوق الشهوات واجب صعب والطبيعة الحيوانية للرجل حين تستثار يجب أن تكبح عندما تكون القضية أسمي من كل الغرائز .. مرحباً انستاسيا.. لم أرك منذ الأمس ..لدي خبر سار لك وآخر مزعج بعض الشيء .. مزعج ؟ كيف ومتي وماهو ؟ .. وكنت قد تلقيت اتصالاً هاتفياً من الوالد يخبرني فيه أن صحة والدتي ليست علي ما يرام ..أصابني رعب حقيقي وتلاحقت أنفاسي في صعود وهبوط لدرجة الجنون .. أمي الحبيبة يا كم أحبها ..لقد وعدتها بأن أعود ومعي (بكلاريوس) الطب ووعدتها بأن أكون طبيبها الخاص حتى آخر يوم في العمر ..بيد أن ابتسامة انستاسيا الغامضة والتي تلمّح إلي عتاب حقيقي وكأنها تقول لي لقد كشفتك أيها المخادع قد أراحتني نوعاً ما .. لنبدأ بالخبر السار .. لقد قررت إدارة الجامعة منحك غرفة بالداخلية الغربية ..غرفه ؟!!! لي أنا ؟! ما أروعك يا أنستاسيا ..إذن لن يتحتم عليّ تمضية ليلة أخري بدون تدفئه ..أما الخبر الثاني يا مكّار .. لقد كشفك أحدهم وأنت تقبّل الطالبة الكشميرية مساء البارحة ..أنا أقبّل شاهنده ؟!! هذا ليس صحيحاً ..أقسم ..لا تقسم يا أويس ..هنالك سوء فهم قد وقع وعليّ تصويبه .. صوب كما تشاء ولكن الأمر لا يعنيني في شيء .. إنهم يعولون عليك كثيراً في الحزب وأنت قد حفظت ولا ريب قوانين الجامعة ..لا أعمال فاضحة داخل الحرم الجامعي أم لعلك نسيت يا صديقي ..؟ في الحزب ؟ نعم .. سمعتهم يقولون أثناء الاجتماع الأخير أن لديك (كارزما) غير عادية وميول فطرية نحو الفكر الاشتراكي من خلال مراقبتهم لسلوكياتك طوال العامين المنصرمين ومنذ انطلاقة هذا العام .. ويتوقعون لك مستقبلاً باهراً في عالم السياسة عندما تعود لبلدك السودان ..إذن لقد كنتِ هناك ؟ .. بالطبع .. وأنتِ من أوجد لي الغرفة بالداخلية ؟ ..ماذا تظن أنت ؟..ألم أقل لك أكثر من مرة بأنك أغلي شيء أنتجته روسيا عبر قرون .. شكراً .. شكراً .. والآن دعنا نتوجه نحو شقتك وسوف أساعدك في لملمة متعلقاتك.
    شاهنده ..العزيزة الكشميرية ..تسحرني منذ قدومها للجامعة هذا العام .. لعلها أيقظت في دمي كل تراكمات الإعجاب التي يكنّها كل سوداني أدمن الأفلام الهندية في السودان وأنا واحد منهم ..علمت منها بأنها مسلمة وقرأت لي سورة الفاتحة وسورة الإخلاص ونحن نستدفئ في المكتبة الجامعية من زمهرير الشتاء .. اعتراني شعور طاغ بالبهجة وهي تختتم تلاوتها بعبارة ( سدق ألاهو الأزيما ) .. وكنت لا أرتوي من التحليق في سماواتها كلما أتيحت لي الفرصة ومساء أمس كانت محبطة وحزينة وبكت بدموع المطر وهي تنقل لي نبأ استشهاد شقيقها في(سرنغار).. حاولت أن أخفف عليها مصابها وأنا أضمها إلي صدري وأمسد شعرها وصدي نهنهاتها تزلزل كياني ..إنها وحيدة في هذا البلد بعكس بقية الطلاب .. وبالفعل سعيت نحو تقبيلها ولكنني حين اقتربت من شفتيها تذكرت بأن هذا الفم الممتلئ يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فاعتراني شعور عميق بالخوف والرهبة .. صعدت قليلاً لأقبلّها فوق جبينها فتراءت لي وهي غارقة في السجود لله .. ومن ثم ّ مكثت بقربها طوال الليل في مقعد خشبي في مواساة أخوية لا أدري كم أخذت منا من وقت وأوصلتها إلي نزل الطالبات وأوصيتها بالتشبث بالذكر حتى يطمئن قلبها وأن الشهيد حي يرزق كما أنبأنا بذلك القرآن الكريم
    ***
    [/color]

    التعديل الأخير تم بواسطة عبدالغني خلف الله ; 04-01-2013 الساعة 09:26 PM
  8.  
  9. #5
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة الثالثة
    لا أملّ التردد علي ( الهاسيندا ) بحثاً عن إزابيلا .. لدرجة أنني أصبحت من الوجوه المألوفة لدي أصحاب المقهى .. وربطتني صداقة حقيقية مع (جوكي ) الموسيقي .. فصرت أساعده في انتقاء الأقراص الموسيقية التي يقدمها لرواد المقهى وكانت تستحوذ عليّ أغنية بوب مارلي no woman no cry )) .. بصورة أقرب إلي الإدمان .. وذات مساء ناعس شابه هواء لطيف لا يشبه أجواء موسكو الممطرة .. أطلت علينا إزابيلا كملاك صغير أضاء المكان بحضوره القوي .. تجمدت الدماء في عروقي .. ازداد إيقاع الموسيقي عنفواناً .. واجتاحت أعصابي كيمياء اللهفة والأشواق فحولتني إلي بارود يوشك أن ينفجر .. أزاحت بعض الرزاز الذي تجمع فوق كتفيها وهي تسلم معطفها للنادلة وربطت شعرها بمنديل أحمر قبل أن تقرأ المكان وعندما التقت أعيننا هتفت دون أن تدري ( هالووا ) هل تذكرني ..؟ أراهن أنك إزابيلا أليس كذلك ؟ .. نعم بالطبع أنا هي .. لديك ذاكرة لا تضاهي .. أين كنت طوال الأسبوع الماضي ..؟ كنت في رحلة عمل إلي( ليننقراد) .. مرحباً بك .. كيف أنت ؟ ..أنا بخير وعليّ أن أعترف بأنني افتقدتك وأنك أوحشتني بشده ..أحقاً ؟ .. أنا آسفة لم أكن أتصور بأن للرومانسية مكان في ذاكرة القرن العشرين .. لو كنت أعرف أن شعورك نحوي قوي بهذه الدرجة لطلبت منك مرافقتي وهذا ما ستفعله بدون تردد كل امرأة منسية مثلي .. كانت رحلة طويلة وقاسيه .. قلت لها لا بأس ولكنني لن أفرط فيك مرة أخري .. تحت أمرك .. وهكذا أزاحت إزابيلا عن كاهلي كل تراكمات الترقب والعودة إلي الداخلية وأنا أجرجر أذيال الخيبة والألم .. راجعت كل التفاصيل الممكنة في مرايا قدها الصبي وهي تحاول استعادة لغتها الإنجليزية مع بعض الجمل الإسبانية المبعثرة أثناء حديثها هنا وهناك .. ولم أشأ الضغط عليها من الوهلة الأولي .. وتركت كل ما أود معرفته عنها لمقبل الأيام .. ثرثرنا قليلاً عن الوضع العام في الاتحاد السوفيتي والعالم بصفة عامه وتوقفنا عند ظاهرة ( البروستاريكا ) .. والانقلابات في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وتبين لي أنها ثورية المزاج بصورة أخافتني وجعلتني أتردد عشرات المرات في سؤالها من تكون ولماذا هي هنا وما حقيقة الأعمال التجارية التي تقوم بها في موسكو؟ وعند منتصف الليل أصرت علي توصيلي حتى بوابة الجامعة وعانقتني بصورة متعجلة ونحن داخل العربة وهي تتمنى لي ليلة سعيدة وتابعتها بكل جوارحي وهي تدير ماكينة عربتها وتستدير لتغادر .
    لم أعد قادراً علي التركيز في المذاكرة وها نحن وقد تجمعنا للاستماع إلي مسئول الحزب عن دائرة موسكو ليحدثنا عن التحولات الاقتصادية التي أحدثتها ثورة (البروتاريا) في المجتمع الروسي .. وبدأ وكأنه يفند كل أطروحات الرأسمالية وينتقص من فعاليتها .. وعند ختام المحاضرة همس في أذني (بسام القادم) من نابلس بالضفة الغربية المحتلة .. إياك أن تثق في هذه الترهات يا أويس .. لقد تجولت في الريف الروسي ورأيت مدي البؤس الذي تعيشه الجماهير هناك .. حدثني أيضاً عن المزارع الجماعية التي تشبه إلي حد كبير نظام (الكميونات) بإسرائيل وكيف أن المواطن بالكاد يحصل علي ما يسد رمقه وحكي لي طرفة حول أحد المزارعين الذي اجتهد في تحقيق الربط المفروض عليه في توريد أصواف الأغنام وقد جاء إنتاجه أقل من المطلوب بأوقيات معدودات بيد أن مسئول الحزب أصّر علي أن تستكمل (الكوتة ) قبل أن يؤشر علي اسمه .. فما كان من ذلك المزارع إلا أن قص شعر رأسه وخصلات بناته الثلاث ليكمل الربط المفروض عليه .. سألته في إشفاق هل ستعود في عطلة نهاية العام إلي فلسطين وكانت عري الصداقة قد توطدت بيننا .. طبعاً سأعود ..لا بد لي من تعويض ما فاتني من الانتفاضة ..ولكنني أخاف عليك من البطش الإسرائيلي ..اعتدل في جلسته وكأنه يود الإفصاح عن شيء خطير ..لا تخف عليّ يا صديقي العزيز أويس ..أنا الآن في الخامسة والعشرين من عمري وقد وصلت إلي السقف العمري الذي يتمناه كل شاب فلسطيني وأية امتدادات أخري في الحياة بعد الخامسة والعشرين هي ملك لحركة التحرير الفلسطينية تفعل بها ما تشاء متي ما شاءت وكيفما شاءت .
    كنت أحاول إعادة ترتيب الغرفة بالطريقة التي تروقني عندما سمعت قرعا خفيفاً علي الباب وصوت مدير الداخلية ينادي علي إسمي ..فتحت الباب لأستحلي الأمر فوجدته بصحبة شاب ذي ملامح أوربية ويحمل فوق كتفه حقيبة متوسطة الحجم ..أقدم لك الطالب (شوماخر) من ألمانيا الغربية وسيكون زميلك بالغرفة .. ترددت برهة وأنا أهمهم بعبارات الترحيب المعتادة ..لا تقلق مستر أوليس ..أويس وليس أوليس .. قلت وأنا أصححه ..مستر(شوماخر) يتقن الإنجليزية ولن تكون اللغة حاجزاً بينكما ..أدخلته وقدمت له كوباً من العصير وكان يبدو متعباً وحائراً .. ربما من آثار السفر .. مرحبا .. سعدت بمعرفتكم .. من أي بلد أنت ؟ أنا من السودان ..أعرف السودان لقد قرأنا عنه ونحن أطفال صغار ..أحقاً..؟ نعم ..Das land des mahades..لقد كتب عنكم (كارمايكل) كلاماً رائعاً وعن الثورة المهدية بالذات .. وكنتم تصدرون لنا الأعلاف الغنية بالدهون .. كلامك هذا أطربني يا (شوماخر) .. ولكن ماذا تعني كلمة شوماخر ؟ .. تعني صانع الأحذية ..وأنت هل يحمل اسمك مدلولاً خاصاً أم أنه مجرد اسم .. قلت له وأنا أستجمع أفكاري .. لهذا الاسم قصة عظيمة ومن ثمّ طفقت أقص عليه قصة ذلك العابد الصابر ودعوته المستجابة .. بيد أنه فاجأني بقوله ولكنني لا أؤمن بأشياء من هذا القبيل كالجنة والجحيم ويوم القيامة .. قلت له في حزم شديد .. لا أعتقد أنه قراراً صائباً وسنتجادل في هذا الأمر لاحقاً .. تركته يأخذ حمّاماً دافئاً وعوضاً عن النوم تابعته وهو يغير هندامه وكأنه يتأهب للخروج .. أتوقع مجيء (أنجلينا) ابنة عمتي التي سبقتني إلي هنا وتحضّر للماجستير في العلوم السياسية .. وبالفعل سمعنا طرقاً خفيفاً علي الباب وصوت هامس يستأذن الدخول .. تفضلي أنجي .. يسعدني أن أقدم لك المستر أوليس وهو من السودان ويدرس في كلية الطب .. أويس ..عفواً .. كانت رائعة الجمال بحق .. ربما أكثر من أنستاسيا .. قوام فارع وملابس بسيطة وقد تبعثرت خصلات شعرها فوق كتفها العاجي .. (واو..!!) .. تنهدت بارتياح بالغ وبشيء من الدهشة .. أنتم من ذبح (غردون باشا) أليس كذلك ؟ .. نعم ..[نعم ولكنها لم تكن رغبة المهدي ..لا يهم المهم أنكم نلتم من ذلك الطاغية .. يدهشني حديث فتاة جميلة مثلك عن الذبح بهذا الحماس .. ولم لا ؟.. كل تصرف جائز من أجل القضية ..القضية ؟ .. ولكنك فاتنة جداً والمفروض أن تكوني رومانسية ..لا تراهن علي جمالي فأنا قوية الشكيمة ..

  10.  
  11. #6
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة الرابعة
    حاولت تغيير مجري الحديث وسألتها عن موضوع درجة الماجستير الذي تحضّره .. لينين .. لينين؟! .. كل شيء يخص لينين .. حياته أفكاره .. مؤلفاته .. كل شيء عن لينين .. وتركتهما يغادران والحيرة تعربد في دواخلي .. الذبح ؟ .. القضية ؟ أي لغز أنت يا أنجلينا ؟! ..أذكر أن رزان قالت لي ذات مرة .. عندما يذبح خروف في منزلنا في عيد الأضحى أو في أي مناسبة عائلية أركض نحو غرفتي وأدفن وجهي في الوسادة وأضع وسادة فوق راسي حتى لا أسمع صوت الخروف وهو يتألم .. قلت لها هذا شعور طيب يا رزان .. أنت بنت حلوه ورائعة وأتمنى أن نتزوج عندما نكبر .. نتزوج ؟ صرخت في استنكار واضح .. أنت صغير ولن يكون بوسعك حملي بين ذراعيك إن أنا قبلت بك عريساً يا أويس .. تماماً كما نشاهد في المسلسل .. بل أستطيع .. لن تستطيع .. بل أستطيع .. تراهنني علي ذلك ؟ سأتظاهر بأنني مريضة وسأجلس تحت ذاك الجدار وحاول أن تحملني بين ذراعيك .. قلت لها موافق .. وبسرعة غريبة ركضت نحو الجدار وتهاوت نحو الأرض وهي تدّعي الضعف والمرض .. وضعت حقيبتي جانباً وشبكت كلتا يدي حول خصرها وعندما هممت بحملها سقطت من فوقها وتكومنا فوق بعضنا البعض كتلة واحده .. شعرت بالخذلان المرير .. أما هي فقد انفجرت في ضحك أقرب للهستريا .. ومن ثمّ نهضت مجدداً وأنا أنفض التراب عن قميصي ومددت لها يدي أساعدها علي النهوض .. وفي هذه اللحظة مرت سيدة بقربنا وسألتنا في استغراب ..( ما بكما يا أولادي ؟ ) .. قلت لها.. أبداً .. أختي مريضة ولا تقوي علي السير ..فاقترحت علينا أن نوقف عربة (كارو) سارت في محازاتنا لتنقلنا حتى منزلنا وهذا ما فعلناه بالضبط .
    سألت أنستاسيا وكنا نتناول وجبة العشاء بالكافتيريا عن سر هذا التواجد الكثيف للطلبة الأفارقة بالجامعة .. طلاب من الصومال وجيبوتي وأثيوبيا وأنجولا .. وكانت في تلك اللحظة قد أنهت عشاءها وأخذت منديلاً ورقياً تجفف يديها ..هذا سؤال مهم وللإجابة عليه لا بد من إجراء تمرين صغير .. هيا انهض واقترب مني .. ماذا يدور بخلدك يا أنّا؟ .. قلت لك اقترب وستري بنفسك ماذا يعني وجود هذا الكم من الطلاب من شرق ووسط إفريقيا .. أذعنت لرغبتها واقتربت منها .. بل اقتربت منها جداً وكأنني أنتظر هذه اللحظة منذ مجيئي إلي موسكو .. والآن ضع يديك فوق خصري وسأضع يديّ فوق كتفيك .. حسناً .. طوق خصري بصورة أقوي ..أقوي من ذلك .. وبدا وكأننا نرقص علي أنغام الموسيقي .. والآن .. اتركني ولنعد لمائدتنا ..الاتحاد السوفيتي يا أيها الطبيب الإفريقي يفعل تماماً بأفريقيا كما فعلنا نحن منذ قليل .. قلت لها لا أفهمك يا (أنّا) .. السيطرة علي الصومال وهذا يعني الوصول للمياه الدافئة وذاك حلم قديم يراودنا منذ قرون .. والسيطرة علي جيبوتي معناه تحريرها من النفوذ الفرنسي ودعم نظام (منقستو هايلي مريم) الشيوعي وكذلك دعم الثوار الأنقوليين وقيام دولة شيوعية بذاك البلد ودعم الحركات المسلحة في (لايبريا وساحل العاج ) وعزل شمال أفريقيا عن جنوبها تكون بالنهاية نهاية الحقبة الإستعمارية بأفريقيا وسيطرة الغرب الرأسمالي عليها ..إنها لعبة القط والفأر التي يمارسها الغرب معنا ويجب أن ننتصر في نهاية المطاف ..الآن فهمت ياغاليتي ( أنّا ) ..( داسفيدينا أويس ) .. مع السلامه .
    اليوم هو السبت وفي المساء ستقدم علي خشبة المسرح عروض(فولكلورية) ضمن النشاط الثقافي بالجامعة ونسبة لأن معظم الطلاب السودانيين قد تخرجوا .. وإذ لم يقبل أي طالب هذا العام من السودان بعد تدهور العلاقات بين الاتحاد السوفييتي والسودان الذي انقلب علي السوفييت بمائة وثمانين درجة وتحول من حليف قوي للشيوعيين في قلب إفريقيا إلي خصم عنيد ..لذلك لم يكن أمامي سوي الاستعانة ب(شاهنده الكشميرية) و(بسام الفلسطيني) لتقديم شيئاً ما باسم السودان .. وكنت قد أحضرت معي آلة الربابة التي أتقن عزفها بشكل لافت وكانت (أنّا) كثيراً ما تطلب مني أن أغني لها وحدها بل وأن أشرح لها معاني الكلمات ..غنيت لها ذات مرة أغنية (النعام آدم) .. ( مرحبتين حبابك ) ..كانت محبطة بعد الشجار العنيف الذي وقع بينها وبين خطيبها .. وفي مساءات كتلك يكون الشجن باذخاً وموجعاً في الوقت ذاته .. بكت فشعرت بارتياح شديد .. فدموع المرأة تعني أن الأزمة في طريقها للزوال.. هل تحتفون بالأنثى في بلدكم لهذه الدرجة يا أويس ؟ بل وأكثر من ذلك يا فرحة عمري .. وكانت شاهنده هي الأخرى في حاجة لمن يخرجها من عزلتها التي فرضتها علي نفسها منذ استشهاد شقيقها في (سرنغار) في عملية فدائية استهدفت برلمان الإقليم هناك .. لذلك عكفت علي تدريب شاهنده وبسام لأداء رقصة( كسلا ) ورقصة (الشايقية) وتحصلت لهذا الغرض علي سيفين من نادي الفروسية بالجامعة .. كانت ( أنّا ) تراقب وتصحح لينسجم الرقص مع بعض الرقصات الروسية لما يمكن أن يحدثه ذلك من أثر في نفوس المسئولين فقد علمنا أن تلفزيون موسكو سينقل الحفل علي الهواء مباشرة وأن ثلة من كبار المسئولين في الدولة سيشرفون الحفل .. ُقدمت العديد من الرقصات الإفريقية الصاخبة ورقصة (السامبا البرازيلية )وتجاوب الحضور مع الرقص والغناء .. وعندما جاء دورنا لتقديم فقرة السودان تذكرت بأنني أمثل حضارة عمرها أكثر من خمسة آلاف سنه وأعظم شعب علي وجه هذه الأرض علي الإطلاق فأعطاني ذلك الشعور قدراً لا بأس به من الشجاعة الأدبية .. حييت الجمهور الغفير الذي كان حاضراً بالعربية والروسية ومن ثمّ بدأت في استعراض مهاراتي في العزف .. فوجئ الجميع بالطاقة التطريبية الهائلة التي اختزنتها تلكم الآلة الصغيرة وساد صمت رهيب أرجاء المسرح وشعرت وكأنما الجميع مشدوداً نحوي وقد جرفته مفردات الغناء الجميل ( حتى الطيف رحل خلاني ..) .. المفردة الجامحة .. وشلال من الشجن والنشوة والنغم البهيّ يدوزن المكان .. وفجأة وبدون مقدمات مررت ريشتي علي الأوتار أكاد أمزقها ووضعت آلة الربابة خلف رأسي لتدخل شاهنده بقوامها الممشوق وقفزاتها المتتالية المصحوبة بصفقة( الشايقية) وبسام الماهر بطبعه في الرقص يقفز عالياً ويتوقف هنيهة لمواصلة التصفيق ..ثم ( مرحبتين حبابك ..اليوم السعيد الليله جابك يا فريع البان) شعرت وكأنني أغني لشاهندة وحدها الكشميرية القادمة من نسج البساتين والأساطير .. ومن ثم ّ تناول كلاهما سيفيهما لتسبح شاهنده كحمامة بيضاء والغناء (البجاوي) العريض يغطي كل الناس والأشياء ليخرجهم من وقارهم .. انضم إلينا وزير الثقافة ومديرة الجامعة وأنستاسيا ..فرقص الجميع داخل وخارج المسرح مع رقصة السيف وتقافزت (أنّا) كغزالة بريه .. ولدي نهاية الفقرة فوجئت بعاصفة من التصفيق يستقبلنا بها الجمهور وقبل أن نعود لمواقعنا وفي منتصف المسافة بين المسرح والمقاعد فاجأتني (إزابيلآ) ..اخذتني بالأحضان ودارت بي وهي تهتف (فانتاستيكا..فانتاستيكا)

  12.  
  13. #7
    مشرف القسم الثقافي

    Array الصورة الرمزية ياسر عمر الامين
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدنى
    المشاركات
    2,635

    دعنى فى البدء ارحب بمقدمك واحتفى بقلمك وحرفك ويبدو اننا موعودون برحلة شائقة فى رحاب وردة الهزيع الأخير...

    يا وحى الهامنا وموضع احترامنا يا مدنى الجميله ليك مليون سلامنا.
  14.  
  15. #8
    عضو ذهبي
    Array
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    ام درمان - الراشدين
    المشاركات
    3,009

    شكراً لحرفك الجميل أخي وأستاذي عبد الغني خلف الله
    وأستأذنك في أن أستريح علي رحاب حرفك الجميل

    اللهم صلي وسلم وبارك على الحبيب المصطفى
    عدد خلقك
    ورضا نفسك
    وزنة عرشك
    ومداد كلماتك


    http://fc01.deviantart.com/fs13/f/20...alanbecker.swf
  16.  
  17. #9
    عضو ذهبي
    Array الصورة الرمزية ايمن عبد الله
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    الدولة
    ودمدني / حي ناصر
    المشاركات
    5,501

    عبد الغني دائماً يتحفنا بالروائع ..
    تسلم اخي العزيز عبد الغني ..

    ومزيداً من الإبداع ..

  18.  
  19. #10
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية telecom
    تاريخ التسجيل
    Aug 2009
    المشاركات
    800

    لقد اعدت الى نهم القرأة مرة اخرى
    وانا التهم كلماتك التهاما

    ما اجمل حرفك ايها الرفيق
    موداتى

    اللهم اغفر لى وارحمنى وعافنى وارزقنى
  20.  
  21. #11
    رحمة الله عليه Array الصورة الرمزية mahagoub
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    ودمدنى
    المشاركات
    11,330

    لا تزال هنالك اقلام توقظ ما خبو فينا
    فاتحفنا وامتعنا
    واجعل خيوط الحروف تتناسج وتعطينا
    اعذب الكلمات

  22.  
  23. #12
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    أعزائي ..بل أهلي وعشيرتي ياسر ..خالد ..أيمن ..تلكوم ..والريس محجوب ..بالرغم من برودة الطقس هنا في الخرطوم إلا أن كلماتكم أشاعت الدفء في دواخلي ..حفظكم الله من كل سوء ..أنتم ومن حولكم هذا مع كل الود .

  24.  
  25. #13
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة الخامسة
    انتهى العرض الجميل الذي اشتمل علي رقصات من معظم دول الإتحاد السوفيتي .. رقصات أنيقة مترفة وأزياء رائعة . .رقصات من أوكرانيا ورومانيا وجورجيا ومن كل أقاليم روسيا تعكس الانتماء الرهيب للوطن والتراث والهوية وتبقّّي إعلان الفقرات الفائزة التي ستنافس بها (الأونيفيرستيت دورشبي)- وهذا هو إسم جامعة الصداقة - بقية الجامعات الروسية في حفل موسمي يقام كل عام ضمن فعاليات الاحتفال بانتصار الثورة البلشفية في العام 1917 علي خشبة (البولشوي جاتر)..المسرح القومي الكبير والتي غالباً ما يشرفها رئيس الحزب الشيوعي الرئيس (قورباتشوف) أو نائبه .
    لم أكن طبعاً أنتظر الفوز ولا بالمركز العاشر ناهيك عن المراكز الثلاث التي ستذهب للمسرح الكبير بالنظر لقلة المشتركين معي وعدم إلمامهم التام برقصات الشايقية والبجا حتى وإن أبدعا أيما إبداع .. وكانت مفاجأة لا تصدق إذ فزنا بالمركز الثالث وتماوج اسم السودان في جنبات المسرح وسط عاصفة من تصفيق الأخوة العرب والأفارقة علي السواء وأخذتني شاهنده بالأحضان وهي تجهد نفسها في تأليف زغرودة علي الطريقة السودانية وتقافزت إيزابيلا وهي تصفق في حماس منقطع النظير وافتقدت في تلكم اللحظات ( أنّا) ولم أجدها .. وتقدم بسام الفلسطيني القادم من (نابلس) لاستلام الجائزة وكأنه سوداني بحق وحقيقة ..وهتف وهو يصافح مدير الجامعة ( فيفا سودان ..) .
    انتهى الحفل ونحن لم نزل في ردهات المسرح نتجاذب أطراف الحديث .. قالت لنا إزابيلا ونحن نتأهب للمغادرة: هل تقبلون دعوتي للعشاء في ال(إنريكي رستورانت) احتفاءً بهذه المناسبة .. وافق بسام وكذلك شاهنده فقلت لهم .. وفيم الانتظار إذاً ؟..وفي مرآب السيارات أشارت إزابيلا إلي سيارة مرسيدس جديدة وقالت هيا اركبوا .. سيارة فارهة لم أر مثلها في موسكو .. يا إلهي .. همست شاهنده من شدة المفاجأة إذ لم تكن تتوقع أن تكون إزابيلا بهذا القدر من الثراء .. أما أنا فقد أتاح لي لقاؤنا في ( الهاسيندا ) فرصة التعرف علي ثرائها .. أدارت مفتاح العربة لينطلق الغناء من شريط كاسيت كان موجوداً داخل جهاز التسجيل وكانت الكلمات باللغة الإسبانية وكأنه نشيد وطني أو شيء من هذا القبيل .. هذا نشيد القوات المسلحة الثورية في كولومبيا .. إزابيلا وهي تعود بالعربة إلي الخلف .. وماذا تقول كلمات النشيد ؟ ..بسام يتساءل .. ترددت برهة قبل أن تقول لنا ..معناه ( أقتل .. أقتل من أجل كولومبيا حرة وخذ موقعك في الصفوف الأمامية ولا تجبن أمام الطغاة مصاصي دماء الكادحين ..لأن النصر سيكون حليفنا في نهاية المطاف ) .. لم أعلق بكلمة وكذلك فعلت شاهنده و بسام.. حتى وصولنا المقهى الضخم والأشهر في موسكو .
    دلفنا إلي جناح الأسر بالمطعم وحظينا بمعاملة خاصة غير متوقعة وكأننا من كبار الزوار وقادة الدولة وتقدمنا النادل ومضيفتنا توجهه باختيار طاولة متميزة في جناح الأسر أعطته رقمها تحديداً .. انحناءات وتقدير وعبارة طاب مساؤك سيدتي تشير إلي أنها من الرواد المعروفين للمطعم .. طالعنا قائمة الأسعار ونحن لا نصدق الأرقام الفلكية التي اشتملت عليها .. وكأن إزابيلا قد قرأت ما يدور بخلدنا فطلبت منا ألاّ نقلق من الأسعار وأردفت قائلة في مرح واضح .. كنت مثلكم وأنا طالبة بجامعة ( كاراكاس ) مفلسة ويتيمه قبل أن ألتقي .. المهم لا تقلقوا .. المفروض أننا نحتفل بمناسبة استثنائية مع أشخاص استثنائيين .. قالت ذلك وهي تسهب في الترحيب بنا .. تلتقي من ؟ سألت نفسي .. والنادل بانتظار نوع الشراب الذي نفضله فاخترنا عصائر الليمون والبرتقال .. أما هي فقد قالت للنادل ..هات لي زجاجة ( بيرنود ..).. معلوم سيدتي .. وكنت أسمع بهذا الاسم لأول مره .. يطلقون عليه شراب الملوك والأباطرة وهو أجمل من الويسكي والكونياك .. والفودكا أيضاً؟!..بسام وهو يشارك في الحوار .. والفودكا أيضاً؟! .. أول مرة أشرب فيها هذا النوع من الخمر كانت في ( روما ) قبل خمسة أعوام عندما كنا نقضي شهر العسل ..شاهنده ماذا تشربون في كشمير ؟ وبدا وكأنها تحول مجري الحديث للمرة الثانية حتى لا نسألها عن زوجها ولماذا تعيش وحيدة في موسكو ..لا شيء مميز .. شاهندة الرزينة ترد عليها وقد ارتسمت فوق شفاهها ابتسامة عريضة أضاءت تضاريس المكان .. الكولا والبيبسي ونادراً ما يسمح باستيراد الخمور في) مظفر أباد ) عاصمة الشطر الباكستاني من كشمير.. تناولنا عشاءنا ونحن نستمتع بمعية وأريحية إزابيلا وعزفت جوقة موسيقية بعض الألحان الراقصة فطلبت مني مشاركتها الرقص وشجعنا بسام وشاهنده وهم يتابعون براعتها وتخلفي في أداء الرقصات .. وفجأة أطفئت الأنوار عدا أضواء خافتة ملوّنه لتعزف الفرقة لحناً هادئاً ..وضعت إزابيلا يديها فوق كتفي .. وهمست في وجهي ونحن نتنقل من هذه الناحية لتلك ..أخشى أن أكون متورطة في التعلق بك يا أويس .. تشغلني باستمرار وتناجيني في اليقظة والأحلام وصورتك لا تفارقني .. وقالت كلاماً كثيراً تصورت أنه بفعل الخمر وقد تكون صادقة في بوحها .. أنت انسانة رائعة يا إزابيلا ولو لم تكوني متزوجة لأخذتك عنوة زوجة لي ..قلت لها هذا الكلام لأقطع عليها الطريق ..فأنا هنا لدراسة الطب وليس للحب .

  26.  
  27. #14
    فخر المنتديات
    Array الصورة الرمزية بدر الدين محمد
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    الدولة
    ود مدني حي المدنيين الجامع
    المشاركات
    3,210

    لك التحية عبد الغني (اويس)

    ومرحب بيراعك الدفاق ونفسك الدافئ الطويل
    وتأكد ان ما تنكب على جمعه نتذوقه بنهم
    واصل هذه الاقصوصة لتضاف الى ذخيرة المنتدى

    أحببت ذا الخلق العظيم
    نورا وعلما وصراطا مستقيم
    وهو تياري وحزبي وإمامي والزعيم
    فله التعصب (كله) والانحياز
  28.  
  29. #15
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية ودالعمدة
    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    الدولة
    من أرض المحنة
    المشاركات
    2,252

    أخى الروائى عبدالغنى
    دعنى اعيد القراءة مرات ومرات ومرات
    ودعنى فى كل قراءة اكتشف خبايا
    أنستاسيا .. وردة الهزيع الأخير
    لا أقول رائعة فالروعة هنا لا تكفى للتعبير
    جميل سردك للتفاصيل الدقيقة
    ونحن نتابع ذلك يحسسنا وكأننا كنا هناك
    مستمتعين حد الدهشة


    ملف مرفق 15288

    و انتمى إليكَ ......
    ياوطناً تفردَ بالجمالِ وبالبهاء
    ياأرضَ مهيرة وبنونة ......
    ياديوانَ الرجالِ وبيتَ العوينِ ....
    يامرتعَ الأطفالِ عندَ الرواكيبِ مساء
  30.  
  31. #16
    اللجنة إلاستشارية
    Array الصورة الرمزية هيثم عبدالعال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    الدولة
    ودمدني مايو 40
    المشاركات
    2,081

    كنت ولا زلت أعشق أدب السيرة الذاتيه
    إلتهمت النص ولكأني أقرأ في صوره عتيقه لإيزابيل اللندي
    دوماً ما أجادل أن أروع ما يكتب هو ما يجعلك تتخيل نفسك وأنت تتجول بين شخصيات الروايه
    وأنا الآن أشتاق أنستاسيا وأنتظر إيزابيلا

    شكراً عبدالغني

  32.  
  33. #17
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    أحبتي بدر الدين ..ود العمده وهيثم ..السلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته ..سأكون معكم كل يوم بإذنه تعالي ..وتكفيني لحظة مشاركة وجدانية مترفة مع صحبتكم الرائعة ..هذا مع تحياتي .

  34.  
  35. #18
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة السادسة
    لم أنم جيداً البارحة لشعوري بالقلق علي سلامة إزابيل ا.. فقد أوصلتنا إلي الجامعة بصعوبة شديدة وندمت أنني لم أجبرها علي ترك مقود السيارة لي لأقوم بتوصيلها حتى دارها .. فقد تسني لي تعلم قيادة السيارات عبر سائق والدي العم (خليفه) عندما كنا بمدينة (سنجه) بالسودان وكان والدي حينها الضابط التنفيذي الأول وكنت أنا طالباً بالثانوي العالي ..كان العم خليفة يأخذني إلي أطراف البلدة ليعلمني فنون القيادة .. بيد أنها تشبثت بالمقود وظلت تردد .. سأكون بخير .. لا تقلقوا عليّ . وفي هذا الأثناء دخل الغرفة (شوماخر) وقد عاد من وجبة الإفطار التي فاتتني بسبب السهر ليلة البارحه ..قال لي أنت لم تتناول إفطارك ويفوتني أنا أيضاً الإفطار في بعض الأحيان .. ما رأيك لو نتقاسم كلفة شراء ثلاجة صغيرة نحفظ فيها بعض الوجبات الخفيفة وشيء من الجبن والزبد .. قلت له والله فكرة هائلة يا (شوماخر) ولكنني مفلس ونثرياتي الشهرية لم تصلني بعد .. لا يهمك .. قالها لي في محبة صادقه ..تذكر أننا في مهد الاشتراكية ..أدفع أنا القيمة وتسدد لي لاحقاً .. في هذه اللحظة سمعت صوتاً ينادي علي أسمى ..الطالب أوليس ..الطالب أوليس مرة أخري .. فكرت في عدم الرد .. نعم قلتها بحزم .. هنالك سيدة تطلبك علي هاتف الاستقبال .. توجهت إلي هناك لأجد إزابيلا علي الجانب الآخر ..( دوبريا أوترا .. أويس ..) .. صباح الخير (إزابيلا ) .. كيف وصلت البارحة ؟ . .كل شيء علي ما يرام ..وماذا تفعل الآن ..؟ .. أبداً .. كنت و(شوماخر) زميلي في الغرفة نناقش مشروع شراء ثلاجه لغرفتنا ..ثلاجه ؟ لا تفعلا أي شيء .. فأنا أعرف مدير ( سوم سوبرماركت ) .. وسيعطيكم ثلاجة جيده بسعر ممتاز .. سأعود لك بعد ساعه .. (داسيفدينيا أويس) .. مع السلامة .. عدت للغرفة وأخبرت (شوماخر) بأن صديقة لي ستحصل لنا علي عرض جيد بخصوص الثلاجه .. أين( شاهنده ) الفتاة الكشميرية ؟ هل تقابلها هذه الأيام ؟ سألني ونبرات صوته يشوبها بعض التردد .. ماذا تريد منها .. لقد كنا معاً يوم أمس علي خشبة المسرح .. ألم تكن حاضراً .. لا .. لا .. أنا لا أؤمن بهذه الأفراح الموسمية مثل كرنفال (ريودي جانيرو بالبرازيل) .. وكرنفال (دسلدورف) في (ألمانيا) .. إنه افتعال صريح للسعادة .. لماذا لا نكون سعداء علي الدوام بدون أعياد أو مناسبات تذكرنا بحاجتنا للتوحد والفرح .. لهذا أسألك عن شاهنده .. فهي تعجبني جداً وقد حاولت الاقتراب منها وفهمها دون جدوي وكذلك إنجلينا .. فهي تتمناك وتشتاقك وأنت لا تحس بها .. فماذا لو مارسنا نوعاً من المشاركة الرومانسية مرة كل أسبوع نتحرر فيها من رغباتنا وشهوتنا كل’’ تجاه الآخر ؟ فنتعرف علي طقوسكم الجنسية كأفارقة وتتعرفون علي طقوسنا كأوربيين .. أتقصد الممارسة الجماعية للجنس يا (شوماخر) ؟ ..أعوذ بالله العظيم .. هل تسمي الجنس والإباحية ممارسات ..؟! إنها طقوس شيطانية لا تليق بالبشر .. ( شاهنده) فتاة مسلمة وأنا مسلم وديننا ينهانا عن مثل هذا السلوك .. ضرب كفاً بكف وقال لي بغضب شديد: أنتم أناس تعيشون بعقلية القرون الوسطي يا أويس .. صدقني يا صديقي.. بل أنتم من يعيش بعقلية الغابة ..صحيح أنكم مهد المدنية ومنبعها بيد أننا مهد الحضارة والرقي ..أخذتم من المدينة قشورها ونمط حياتها ..غّركم إحساس زائف بالغطرسة والقوة والتمّيز علي بقية شعوب العالم فقتلتم الملايين في فرنسا وبلجيكا إبان الحرب العالمية الثانية ووصلتم حتى شمال إفريقيا وقضيتم نحبكم هنا في (ليننقراد) كغزاة معتدون .. وكل النزاعات المسلحة في العالم من عملكم ..أطرق نحو الأرض وهو يكرر ويعيد في ذهنه ما سمعه مني .. لقد كنت أعتقد بأنكم ظلاميون منسيون ولا فكر لديكم وهاأنت تسمعني كلاماً غريباً فيه شيء من المنطق .. ولكنكم تتعالون عليها علي مرّ العصور ..قلت له .. وبذلك تخسرون فرصة التعرف علي قيمنا ..وهذا ما يفسر تخبطكم الدائم وبحثكم الدؤوب عن الحقيقة ولو استمعتم لنا باحترام ستتعلمون منا كما تعلمنا منكم الكثير من العلوم في الطب والتكنلوجيا ..هل تعرف العالم (رونتقن) الذي اخترع علم الأشعة ..إنه ألماني ونحن والعالم استفدنا من اكتشافاته ولم يقلل من مكانته كونه ألماني لاينتمي إلينا .. واستمر النقاش علي هذه الحالة وشعرت في لحظة ما أنني أكاد أكسبه إلي جانب الإسلام عندما قرع أحدهم الباب وقدم نفسه لي قائلاً ..نحن من (سوم سوبرماركت) .. وقد أحضرنا للسيد أويس ثلاجة متوسطة الحجم ونطمع في توقيعه علي هذه الأوراق ..ولم ينتظر مني جواباً ليدخل بعض العمال وهم يحملون الثلاجة ..أين نضعها ؟ ..أين يضعونها يا (شوماخر ؟ ) هنالك بالقرب من النافذة .. وبينما كنت أوقع بالاستلام قرأت أسم المشتري لأكتشف أنه إيزابيلا .. والقيمة مدفوعة بالكامل بما في ذلك كلفة الترحيل.

  36.  
  37. #19
    نائب المشرف العام
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2006
    المشاركات
    9,979




    ما شاء الله وتبارك الله،
    لن أكرر مِن ما قيل مسبقاً لك أخي عبدالغني،
    غير أننا نتمنى قراءة كامل ما خطيته من هذه الرواية،
    و
    أيضاً إن وُجد غيرها لاحقاً إن شاء الله.

    مع كل الشكر والتقدير لك.




    علِّمي نفسك ما تندهشي

    صدِّقي كل الما معقول!!

    -----------------------

    سأبقى ماحييت بدار دنيا .. رفيقاً لا يخون ولا يجافي
    وأحفظ عهدكم في عمق قلبي .. ويروي ودكم نظم القوافي

    ويبقى دائماً هناك وإن (مرام) لتحقيقه.

    -----------------------------------------------

    اللهم اغفر لوالدي، وارحمهما وأطل في عمريهما يارب العالمين.

    -----------------------------------------------

    اللهم ارحمني برحمتك، واغفر لي يا مالك الغُفران،
    واجعل قبري روضة من رياضك، وأدخلني فسيح جناتك،
    يا رب العالمين.
  38.  
  39. #20
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    صباحات الإشراق والجمال والصحة والعافية لك ولمن حولك بت الرفاعي ..وأسعد كثيراً بإهدائك الحلقة السابعة مع كل الود .

  40.  
  41. #21
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة السابعة
    والآن لكي أفهمك جيداً لا بد لي أن أتعرف علي كل كبيرة وصغيرة تتعلق بنشأتك ..أين ولدت ومن هما والداك وكيف تعيش وأين كان أسلافك الأوائل قبل استقراركم بالخرطوم ؟!..هل أبدأ بوالدي ؟ ..لا بل أبعد .. بجدي ؟ ..لا بل أبعد ..بمن إذن أبدأ ؟ ..بجدك العاشر لأبيك ..أليس لديكم ما بات يعرف بشجرة العائلة ؟ .. جدي العاشر يا ( أنّا ) .. هل أنت جادة فيما تطلبين ..؟!!..نعم ..نعم ..أنا جادة وأصغي إليك جيداً ..فاجأني طلبها الغريب ..فأخذت نفساً عميقاً وبدأت أقص عليها قصصاً من نسج خيالي حتى أتفادي هذا الموقف الصعب . .كان جدي العاشر ملكاً يعيش وشعبه في منطقة نائية بالجزيرة العربية .. وكانت لديه ابنة كثيرة الجمال تدعي ( شجرة الدر )..ومن شدة جمالها وعلمها وأدبها تناقلت سيرتها القوافل الصاعدة والهابطة في وهاد وجبال جزيرة العرب ..وتقدم العشرات من أبناء الملوك والأمراء يطلبون يدها من أبيها الملك ..وحتى يتخلص جدي من هذا المأزق .. وضع شرطاً غريباً علي خاطبيها وهو القفز فوق فوهة جبل (الجلاميد) بفرسه من هذا الجانب إلي الجانب الآخر ..كان جبل (الجلاميد) بعلوه الشاهق جبلاً واحداً ..وضرب زلزال عنيف ذاك الجبل فقسّمه إلي نصفين لتقوم بينهما هوة عظيمة ..بيد أن المسافة بين النصفين لا تكاد تزيد عن العشرة أمتار ..وقبِل الأمراء والنبلاء التحدي من شدة تعلقهم بجدتي ..بالرغم من المخاطر التي تكتنف العملية بأسرها ..قام كل فارس باختيار أقوي وأصلب ما لديه من خيول ..واجتمع جمهور غفير من الناس يتقدمهم الملك والوزراء والأمراء والأعيان ..وتجمع شعراء العرب من كل حدب وصوب ليؤرخوا لذلك الحدث الجلل ..باستثناء جدتي الأميرة (شجرة الدر) ..التي لم تكن أصلاً موافقة علي هذه المغامرة الغريبة واعتكفت بجناحها الخاص بقصر أبيها تدعو الآلهة لكي ينجح أول المتسابقين فلا تراق قطرة دم واحده ..( أوو ..لا بد إنها كانت إنسانة رائعة بحق يا أويس ..(أنّا) وقد بدأت تنفعل بمجريات القصة ..وبدأ السباق الرهيب .. تقدم فارس معروف بالشجاعة والإقدام وهو يمتطي جواداً عربياً أصيلاً ..وأنشد أبياتاً من الشعر يتغزل فيها بجدتي ويصف الموت في سبيل الفوز بها بأنه شرف لا يدانيه شرف ...ومن ثمّ انطلق إلي الوراء بحصانه وتقدم بها وهو يسابق الريح نحو الفوهة الرهيبة ..حبس الجميع أنفاسهم وأشفقوا عليه بل وتمنوا لو أنهم لم يأتوا إلي هنالك أصلاً ..ولكنها مشيئة جدي الملك العنيد لم تترك لهم أي خيار آخر سوي الحضور ..ثم وبقفزة عملاقة لامس الفرس حواف الجبل بيد أنه سقط في تلك الهاوية الرهيبة مع فرسة بين صيحات وأناة الحضور ..وتساقط الفرسان الواحد تلو الآخر ..إلي أن جاء الدور علي جدي ..كان فارساً عملاقاً ..تبدو عليه سيماء النبل والأصالة وهو يقود فرسه المعروفة لدي العرب ب(النعامة) ..أوهي أنثي يا أويس ؟ نعم .. نعم يا ( أنّا ) ..وأنشد شيئاً من الشعر يصف فيها شجاعته وإقدامه ويذّكر العرب بالمعارك الكبرى التي خاضها دفاعاً عن قبيلته وأهله وعاد إلي الوراء بعيداً جداً ..وقبل أن يتقدم نحو الهوة السحيقة وصلت جدتي ( الأميرة شجرة الدر) وسط كوكبة من الجواري والقيان ..وكانت بصدد أن تتوسل لوالدها للكف عن هذا السباق السخيف الذي راح ضحيته عدد غير محدد من أنبل فرسان العرب ..ولكن الجميع كانوا مشغولين بما يمكن أن تترتب عليه القفزة التالية ..ولم يخيب جدي آمال جمهوره العريض فطارت ( النعامة ) عالياً في الفضاء لتحط بقدميها الأماميتين حيث تقف جدتي الأميرة (شجرة الدر) ..هتف القوم عالياً من شدة النشوة والحبور وتنفست الأميرة الصعداء وكذلك الحضور الكبير ..ترجل جدي من علي ظهر ( النعامة ) وانحني أمام جدتي الأميرة وهو يقّبل يدها ..وبعد أن أنشد شيئاً من الشعر معدداً مناقبها متغزلاً في جمالها تقدم نحو جدي الملك يطلب يدها ..وأقيمت الولائم والأفراح أياماً بل شهوراً وكان عرساً خرافياً لا يصدق .

  42.  
  43. #22
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية أحمد (الغالي)
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    الدولة
    ودمدني مايو 40
    المشاركات
    737

    الروائي الرائع عبد الغني
    أعتذر عن القدوم متأخرا ً
    و لكن هذا المكان به الكتير من الدسم
    لذا سأعود في القريب لأحظى بما هو كل جميل
    تحياتي العميقة

    إنــما أنشــــــد الحق و الخيــــــر و الجمـــــال
  44.  
  45. #23
    رحمة الله عليه Array الصورة الرمزية mahagoub
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    ودمدنى
    المشاركات
    11,330

    قصص كاملة الدسم
    واصل

  46.  
  47. #24
    عضو جديد
    Array
    تاريخ التسجيل
    Jun 2012
    المشاركات
    70

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالغني خلف الله مشاهدة المشاركة
    بسم الله الرحمن الرحيم
    انستاسيا ..وردة الهزيع الأخير ..رواية

    عبدالغني خلف الله
    الحلقة الأولي
    أويس .... نعم؟! إسمك مرة أخري يا ولد ..إسمي أويس مرغني الفاضل .. واضح .. هيا أجلس . .بعده .. كان ذلك أول سؤال أتلقاه وأنا أخطو أولي خطواتي بالمدرسة الابتدائية .. جاري في الفصل همس في أذني بلطف لا يشبه السن التي نحن بها قائلاً .. منو السماك كده .؟. أبوي طبعاً .. وده اسم شنو ؟ .. في الواقع لم أكن أعرف الإجابة .. وعند عودتي لمنزلنا لم يكن والدي قد حضر من العمل .. فهو ضابط إداري .. فتوجهت بالسؤال لوالدتي .. ماما .. ماما.. ما معني أويس؟! أويس .. إنتظر لما بابا يرجع ..انتظرت عودة والدي بفارغ الصبر وعندما هممت بسؤاله كلفني بحزمة من المهام .. ( دخّل الرغيف.. .. تلقي الجرايد في المقعد الخلفي وأمشي نادي أستاذ عبدو عشان اتغدي معانا) وكان ثمة ضباطاً آخرين في معيته ..وهكذا ضاعت عليّ فرصة التعرف علي كنه اسمي وبت مستعداً لسخرية زملائي .. ولكن ظل الفضول مسيطراً عليّ إلي أن حانت اللحظة المناسبة .. إذ دخل علينا أستاذ اللغة العربية فتوجهت إليه بالسؤال دون تردد .. أستاذ .. أستاذ .. ممكن أسألك سؤال ؟ .. طبعاً يا ابني تفضل .. أويس معناها شنو؟ .. أغلب الظن أن المقصود هو أويس القرني وله قصة معروفه فقد أوصي الرسول صلوات الله وسلامه عليه أصحابه بأن يطلبوا من أويس هذا أن يدعو الله لهم كلما لقوه .. لأن دعوته مستجابة وهو من عباد الله الشاكرين علي الابتلاء مثل سيدنا أيوب عليه السلام .. فهمتوا المعني يا أولاد ؟ .. فهمنا .. ومن ثمّ واصل الحصة ومذ ذاك الحين وأنا أمشي مشية الخيلاء بين التلاميذ وتناقل الجميع قصة اسمي وتنازل لي الألفة طواعية عن موقعه وانهالت علي الهدايا من زملائي بالفصل .

    أويس..؟ .how do you spell it كيف تتهجاه ؟ أنستاسيا .. وقد راق لها الاسم .. هل يمكن أن أكتبه (oh ..Yes? ) .. بالطبع ولم لا ..( سباسيبا ) .. لا شكر علي واجب .. ومرة أخري وجدتني وأنا أشرح لها معني الاسم .. كانت منفعلة بما تسمع .. وتوقفت كثيراً عند مدلول الشكر علي الابتلاء .. لا بد إنه كان إنساناً رائعاً .. وفي زمننا هذا يصعب العثور علي شخص كهذا .. تأمل معي الزملاء في ال( أونفيرستيت دورشبي ) .. بجامعة الصداقة والذين حضروا إلي موسكو من جميع بلدان العالم الثالث .. ولكنهم وبدلاً من التفرغ للدراسة تجدهم يتبادلون خبراتهم في صنع الألغام والمتفجرات ويحملون بين جوانحهم حقداً هائلاً علي مجتمعاتهم التي حضروا منها لا سيما الأنظمة الحاكمة في بلدانهم .. إنهم ثوريون وأنتِ تعلمين ذلك وبلدكم تمنحهم فرصة الحضور إلي هنا ليصبحوا شيوعيين ثوريين .. شيوعيون نعم أما ثوريون فلا .. وما الفرق يا أنستاسيا ؟ الفرق كبير .. نحن لم نطلب منهم إراقة الدماء .. فقط أردنا منهم التبشير بقيم ومبادئ ثورة (البروتاريا) ونشر الفكر الاشتراكي لا أكثر ؟
    أنستاسيا ..أنستاسيا .. مهرة آسيوية من الزمن الجميل تمتلئ حيوية وسحراً ..تركض من غرفتها حتى الكافتيريا وتركض من الكافتيريا حتى قاعة المحاضرات وتركض من قاعة المحاضرات حتى نزل الطالبات ..فهي في حالة ركض مستمر ..أحياناً تركض في الميادين الفسيحة بالجامعة في زمهرير الشتاء لا تأبه بالرياح العاصفة والمطر ..لم تركضين هكذا يا قمري ودوائي في هذه البلاد الثلجية المذاق ؟.. أنستاسيا كفاك ركضاً فأنا أريدك في أمر هام .. قله لي وأنت تركض بجانبي ..أريد أن أعترف لك بأنني .. بأنني .. تكلم فأنا مصغية لك .. ( يالوبلو تيبيا) .. ماذا قلت ؟ الرياح قوية وأنا لا أسمعك جيداً ..لا بأس عندما تكملين هذا الشوط انضمي لي بالكافتيريا ..لأقول لك ..أحبك يا ( أنّا ) ..بكل لغات الدنيا ..فقط أحبك وليتك تفهمين ؟
    ***
    شتاء موسكو القاسي يمزق أوصاليّ ..فأنا لم أتمكن من دفع فاتورة التدفئة فقطعوا عني الغاز ..إن المصاريف لا تأتي من السودان بانتظام والكمبيوتر المتنفذ لا يفهم أن الناس في دول العالم الثالث يعانون من البيروقراطية لدرجة الجنون .. ولم تنجح الألحفة الكثيفة في كبح جماح الرياح العاتية التي تولول في الخارج ..وهاهو الكون يطرح جانباً ستر الظلام ويتهيأ لاستقبال يوم جديد ..
    ارتديت ملابسي علي عجل وتوجهت نحو أقرب مقهىً لتناول قدحاً من الشاي إذ لم يكن بمقدوري صنعه بنفسي .. فكل شيء ب(الشقة) معطل .. كنت علي موعد مع أنستاسيا لأحدثها عن تأريخ المنطقة العربية وتاريخ السودان علي وجه الخصوص وقد لاحظت اهتمامها بالتاريخ ..ولم أدرِ وأنا أقطع المسافة من علي الرصيف الخالي من المارة .. أن أكثر من مفاجأة تنتظرني داخل المقهى .. لم أكترث لها في بادئ الأمر وأنا أخلع عني الجاكتة السوداء ذات الأزرار المدببه وأسلمها للنادل .. كانت تجلس في أقصى ركن بالمقهى وأمامها قدح من القهوة وهي تدخن .. سيدة في مقتبل العمر ذات ملامح لاتينية والأرجح أنها من البرازيل أو ربما كولومبيا .. كانت ساهمة ومهمومة لا تشعر بما يدور حولها تنفث الدخان من سيجارتها فينداح دوائر غامضة ترسم أنماطاً من الصور المبهمة ..وبدا وكأنها تتابع بنظراتها كل نفثة منذ أن تغادر فمها الرقيق وحتى مصافحتها لزجاج النافذة المبلل .. جلست بالقرب منها وأنا أرتجف من شدة البرد .. قلت لها صباح الخير ..ردت بإيماءة مترددة وأشاحت بوجهها عني لتراقب عبر الحاجز الزجاجي مجموعة من الصبية يتزحلقون علي الجليد بأحذيتهم ذات العجلات .. الناس هنا يتأقلمون مع كل الأجواء في سهولة ويسر أليس كذلك ؟! .. همست بهذه الملاحظة وأنا أوجه السؤال مباشرة نحو عينيها ..عينان زرقاوان فيهما عوالم من السحر غريبة .. وزاد الموقف غموضاً صوت المغني الذي ينداح عبر جهاز التسجيل ( إنني أبحر إلي وطني مرة أخري ..إنني أبحر ..) وصوت (رود ستيوارت) المفعم بالشجن يحاصرنا ..( لن أبكي أبداً بعد اليوم .. لن أبكي أبداً ) .. هي إذن لحظة مشاركة وجدانية لهموم الغربة بعيداً عن الوطن ..فعادت هي مباشرة إلي( بوقوتا ) وعدت أنا إلي (وادمدني ) وذكريات طفولتي هناك وإلي (رزان ) .. ولماذا رزان بالذات؟! ..كنا جيراناً ووالدها يعمل معلماً بالمدرسة الوسطي .. ولمّا كانت المدرسة التي تدرس بها في جوار مدرستي فقد طُلِب مني أن أقوم بتوصيلها كل يوم وإعادتها بعد نهاية اليوم الدراسي .. كانت لطيفه ولديها مقدرة فائقة علي سرد القصص المسلية عن والدها وأمها وإخوتها الصغار .. بيد أننا افترقنا بعد حين وتفرقت بنا السبل .. نقل والدها في بادئ الأمر ونقل والدي بعد فترة قصيرة من مغادرتهم .. بكت وهي تودعني وكنا وقتها قد صرنا في الصف الخامس .
    جميلة تلك السياحة الروحية وذلك التنقل الذي لايشعرك بالملل أبدا ونحن مابين الطفولة والصبا تنقلنا مابين لوحة وأخرى نجوب معك أنحاء العالم نرسم معك الملامح والوجوه الاوروبية منها واللاتينية ونحن جلوسا يدهشنا قصر المسافات حتي عدت بنا لودمدني فمرحبا بك فيها فهي الجمال الذي يخلق الجمال ..... .. لك التحية ونتمني لك دوام التقدم

    التعديل الأخير تم بواسطة ملكة النحل ; 12-01-2013 الساعة 03:57 AM
  48.  
  49. #25
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الأعزاء أحمد ومحجوب وملكه ..ربما كنت سأهديكم كل الحواس أوسمة من الذهب لكنني أكتفي بتلويحة حائرة من علي البعد لتقول لكم كم أشتاقكم واشتاق تلك الساحرة المترفة وادمدني ..سلمتم من كل سوء آميين .

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
by boussaid