الحلقة والتاسعة والعشرون
لم أشأ أن أذهب لسحر وأنا خالي الوفاض لذلك طلبت من الست الوالدة ان تعد لها حساءاً من الخضر وشيئآ من ( النشاء) المصنوعة من مسحوق الذرة مع (العرديب) .. وتفننت الوالدة المتخصصة في صنع الأكل الطيب في إخراجها بشكل رائع .. حملت أشيائي وتوجهت إلى الفردوس الممنوع وأميرة تشوقاتي ( سحر ) .. قرعت الباب فإذا بي وجهاً لوجه مع شقيقها عصام .. صباح الخير أستاذ عصام .. الوالدة طبخت بعض الطعام للأستاذة سحر ورجتني أن أحمله لها .. سحر ؟!! .. سحر تأكل مثل هذه الخزعبلات يا حربي .. إنها أختي وأنا أعرفها جيداً .. إذا كانت سحر تعاف حتى ماء ( الحنفية ) فكيف تستسيغ أي أكل لا تعرف نوع اللحم الذي صنع منه .. أنها لحمة ضاني .. والله العظيم .. ويجوز يكون لحم قطط أو فئران أو شيء من هذا القبيل .. وبينما نحن نتجادل أطلت ( سحر ) من نافذتها وهي تقول له ( ده منو يا عصام .. أهلاً حربي .. اتفضل أدخل ..) هنا أفسح لي شقيقها الطريق وتوجه نحو عربته وهو يردد كلام مثل ( البت دي جنت ؟! أكيد جنت .. انا ماعارف كيف بتستحمل الاشكال دي ..) ابتلعت اهانته وركضت صوب الصالة وكانت هي قد نزلت من غرفتها .. ياه .. ده كلو لي انا ؟! .. انت تستاهلي كل خير يا استا .. يا سحر .. يالله من أين نبدأ ؟!.. بهذه السرعة ؟!.. في الحقيقة انا مضطر اسيبك عشان ألحق انتخابات النقابة وحتفوز يا صالح ؟!.. ان شاء الله .. دعواتك .. ان شاء الله يارب .
وصلت متأخرآ لاجتماع الجمعية العمومية وكان هنالك حشد هائل من الناس وقد برز اسمي ضمن قائمة المرشحين .. صالح عويضة الملقب بحربي .. وكان ترتيبي العاشر ويتعين على كل مرشح القاء خطبة قصيرة يوضح فيها برنامجه الانتخابي .. لم أكن خطيباً مفوهاً ولا مثقفاً ضليعاً في فنون الخطابة .. وقفت امام ذلك الحشد الذي آزرني بالتصفيق الشديد .. قلت لهم .. لا استطيع ان اعدكم بحلول سحرية لمشاكل العمال والموظفين .. لكنني اعدكم بأنني مستعد لأن اموت في سبيل تحقيق مطالبكم وطموحاتكم في العيش الكريم .. وقاطعتني الجموع الحاضرة بتصفيق حاد .. وزدت بأن قلت .. صدقوني يا اخواني ويا اخواتي .. لن اساوم على حقوقكم حتى لو اعطوني كل كنوز الدنيا .. والسلام عليكم .. ثلاث جمل لا أكثر ولكن ردة الفعل كانت توحي بأنني سأكون ضمن الخمسة الفائزين بمقاعد النقابة وقد جاء ترشيحي تحت مسمى ( مستقلين) .. مع وجود مرشحين لاحزاب عقائدية واخرى طائفية .. ومن ثمّ جرت الانتخابات .. ولم تعلن النتيجة إلا قبيل صلاة المغرب .. حيث نلت أكبر نسبة من الاصوات .. (750) صوت من اصل ثلاثة آلاف صوت . وعلى الفور دخلنا في اجتماع مغلق لاختيار الرئيس والسكرتير وأمين الخزينة .. وكان التباين واضحاً لدى المنتخبين حول من سيكون رئيس النقابة ويكتسب هذا المنصب اهميته من ان الشخص الذي سيفوز به سيصعد تلقائياً للنقابة المركزية للوزارة لذلك إستعّر الخلاف بين الاربعة الموجودين بالاجتماع وعندما فشلوا في الاتفاق على ملء المنصب اقترح احدهم اسناده لي .. الاخ حربي يا اخوانا شخص مستقل ومقبول لدى القاعدة ونال أكثر الاصوات .. وهكذا تم انتخابي كرئيس للنقابة وهو اختيار ستترتب عليه اشياء بعضها مفرح والآخر محزن .. أولاً .. ما يسعدني هو انني ساحظى بمكتب مثل بقية الموظفين وميزانية وسأكون حاضراً في اجتماعات رؤوساء الادارات والاقسام وسوف ادعى لاجتماع النقابة العامة برئاسة الوزارة لدى التئام النقابة العامة وبمجرد اكتمال انتخاب النقابات الفرعية .. وتلك قصة أخرى .. ثانياً وما يحزنني ويحّز في نفسي هو انني لن اكون بعد اليوم السائق الخاص للسيد المدير وسأحرم تقريباً من رؤية سحر كل يوم .. لذلك خرجت من الاجتماع وانا مهموم البال لا انا قادر على الفرح ولا انا قادر على الإنغماس في الحزن .. وفي ثاني يوم قلت لـ(سحر ) وانا ازف لها نبأ فوزي في الانتخابات وتعييني رئيساً للنقابة .. انا حزين وتعيس لانني لن اكون معكم طول الوقت كما كنت في السابق .. ولكنني مستعد لأي مشاوير في الامسيات .. وحتى اثناء ساعات العمل واعطيتها رقم هاتف البقالة القريبة من منزلنا .. كانت سعيدة ومتوثبة بعكس ما توقعت .. مبروك يا صالح ومزيد من التقدم .. قالت لي ذلك وعيناها تشرقان بالدموع .. بيد ان الدموع طفرت من عينيها الرائعتين لتستقر عند زوايا فمها الارجواني الرقيق .. هل تبكين يا سحر ؟! دموع الفرح يا صالح .. يالله شد حيلك وورينا صالح الحقيقي .. صالح الزعيم .. مش بقولوا عليك كده في الورشة .. نعم .. نعم يا سحر .. يا مليكة اشواقي وأميرة احلامي .
لم يستغرب السيد المدير دخولي عليه .. فهتف ليبارك لي انتخابي رئيساً للنقابة .. كل ناس البيت سعيدين بهذا الاختيار .. طبعاً يا عمي .. أنت المدير وأنا رئيس النقابة .. بإمكاننا أن نتآمر على حقوق الخلق إن شئنا .. ولكن كونك والد الآنسة (سحر) حبيبة عمري ومنتهى أحلامي لن يعفيك من شراستي .. صحيح أنت من أتى بي إلى هنا .. وأنت في (الحسبة) تبقى والد أجمل زهرات حياتي .. القاتلة (سحر) .. نعم لقد قتلتني و(غلاوتك عندي) وأظنها ستمارس معي وظيفة السفاح مدى حياتي .. أليست الأشواق نوعاً من الذبح .. هي كذلك لو كنتم تعشقون .. أسألوني أنا .. أسألوا العبد لله صالح عويضة الملقب بـ(حربي ) أسألوه عن حدود الألم والسهر والمواجد .. أنا من سار حتى آخر نقطة في خارطة الصبابة .. ولم يتبق إلا أن اهوي إلى أعماق سحيقة ليس لها آخر .. إن شاء الله أكون عند حسن ظنك سيادة المدير .. بس لدي طلب بسيط أرجو أن توافق عليه .. المكتب يحتاج إلى كاتب يساعدنا في المكاتبات مع النقابة الأم ومع إدارات المصلحة المختلفة .. ويا ريت تنتدب لينا الآنسة (مها) من مكتب الباشكاتب مؤقتاً وتصدق لينا بآلة كاتبة وشوية أداوات مكتبية .. على عيني ورأسي يا صالح .)
****
المفضلات