صفحة 3 من 5 الأولىالأولى 12345 الأخيرةالأخيرة
النتائج 51 إلى 75 من 112

الموضوع: رحلة في قاع المدينة ..رواية

     
  1. #51
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة والتاسعة والعشرون
    لم أشأ أن أذهب لسحر وأنا خالي الوفاض لذلك طلبت من الست الوالدة ان تعد لها حساءاً من الخضر وشيئآ من ( النشاء) المصنوعة من مسحوق الذرة مع (العرديب) .. وتفننت الوالدة المتخصصة في صنع الأكل الطيب في إخراجها بشكل رائع .. حملت أشيائي وتوجهت إلى الفردوس الممنوع وأميرة تشوقاتي ( سحر ) .. قرعت الباب فإذا بي وجهاً لوجه مع شقيقها عصام .. صباح الخير أستاذ عصام .. الوالدة طبخت بعض الطعام للأستاذة سحر ورجتني أن أحمله لها .. سحر ؟!! .. سحر تأكل مثل هذه الخزعبلات يا حربي .. إنها أختي وأنا أعرفها جيداً .. إذا كانت سحر تعاف حتى ماء ( الحنفية ) فكيف تستسيغ أي أكل لا تعرف نوع اللحم الذي صنع منه .. أنها لحمة ضاني .. والله العظيم .. ويجوز يكون لحم قطط أو فئران أو شيء من هذا القبيل .. وبينما نحن نتجادل أطلت ( سحر ) من نافذتها وهي تقول له ( ده منو يا عصام .. أهلاً حربي .. اتفضل أدخل ..) هنا أفسح لي شقيقها الطريق وتوجه نحو عربته وهو يردد كلام مثل ( البت دي جنت ؟! أكيد جنت .. انا ماعارف كيف بتستحمل الاشكال دي ..) ابتلعت اهانته وركضت صوب الصالة وكانت هي قد نزلت من غرفتها .. ياه .. ده كلو لي انا ؟! .. انت تستاهلي كل خير يا استا .. يا سحر .. يالله من أين نبدأ ؟!.. بهذه السرعة ؟!.. في الحقيقة انا مضطر اسيبك عشان ألحق انتخابات النقابة وحتفوز يا صالح ؟!.. ان شاء الله .. دعواتك .. ان شاء الله يارب .
    وصلت متأخرآ لاجتماع الجمعية العمومية وكان هنالك حشد هائل من الناس وقد برز اسمي ضمن قائمة المرشحين .. صالح عويضة الملقب بحربي .. وكان ترتيبي العاشر ويتعين على كل مرشح القاء خطبة قصيرة يوضح فيها برنامجه الانتخابي .. لم أكن خطيباً مفوهاً ولا مثقفاً ضليعاً في فنون الخطابة .. وقفت امام ذلك الحشد الذي آزرني بالتصفيق الشديد .. قلت لهم .. لا استطيع ان اعدكم بحلول سحرية لمشاكل العمال والموظفين .. لكنني اعدكم بأنني مستعد لأن اموت في سبيل تحقيق مطالبكم وطموحاتكم في العيش الكريم .. وقاطعتني الجموع الحاضرة بتصفيق حاد .. وزدت بأن قلت .. صدقوني يا اخواني ويا اخواتي .. لن اساوم على حقوقكم حتى لو اعطوني كل كنوز الدنيا .. والسلام عليكم .. ثلاث جمل لا أكثر ولكن ردة الفعل كانت توحي بأنني سأكون ضمن الخمسة الفائزين بمقاعد النقابة وقد جاء ترشيحي تحت مسمى ( مستقلين) .. مع وجود مرشحين لاحزاب عقائدية واخرى طائفية .. ومن ثمّ جرت الانتخابات .. ولم تعلن النتيجة إلا قبيل صلاة المغرب .. حيث نلت أكبر نسبة من الاصوات .. (750) صوت من اصل ثلاثة آلاف صوت . وعلى الفور دخلنا في اجتماع مغلق لاختيار الرئيس والسكرتير وأمين الخزينة .. وكان التباين واضحاً لدى المنتخبين حول من سيكون رئيس النقابة ويكتسب هذا المنصب اهميته من ان الشخص الذي سيفوز به سيصعد تلقائياً للنقابة المركزية للوزارة لذلك إستعّر الخلاف بين الاربعة الموجودين بالاجتماع وعندما فشلوا في الاتفاق على ملء المنصب اقترح احدهم اسناده لي .. الاخ حربي يا اخوانا شخص مستقل ومقبول لدى القاعدة ونال أكثر الاصوات .. وهكذا تم انتخابي كرئيس للنقابة وهو اختيار ستترتب عليه اشياء بعضها مفرح والآخر محزن .. أولاً .. ما يسعدني هو انني ساحظى بمكتب مثل بقية الموظفين وميزانية وسأكون حاضراً في اجتماعات رؤوساء الادارات والاقسام وسوف ادعى لاجتماع النقابة العامة برئاسة الوزارة لدى التئام النقابة العامة وبمجرد اكتمال انتخاب النقابات الفرعية .. وتلك قصة أخرى .. ثانياً وما يحزنني ويحّز في نفسي هو انني لن اكون بعد اليوم السائق الخاص للسيد المدير وسأحرم تقريباً من رؤية سحر كل يوم .. لذلك خرجت من الاجتماع وانا مهموم البال لا انا قادر على الفرح ولا انا قادر على الإنغماس في الحزن .. وفي ثاني يوم قلت لـ(سحر ) وانا ازف لها نبأ فوزي في الانتخابات وتعييني رئيساً للنقابة .. انا حزين وتعيس لانني لن اكون معكم طول الوقت كما كنت في السابق .. ولكنني مستعد لأي مشاوير في الامسيات .. وحتى اثناء ساعات العمل واعطيتها رقم هاتف البقالة القريبة من منزلنا .. كانت سعيدة ومتوثبة بعكس ما توقعت .. مبروك يا صالح ومزيد من التقدم .. قالت لي ذلك وعيناها تشرقان بالدموع .. بيد ان الدموع طفرت من عينيها الرائعتين لتستقر عند زوايا فمها الارجواني الرقيق .. هل تبكين يا سحر ؟! دموع الفرح يا صالح .. يالله شد حيلك وورينا صالح الحقيقي .. صالح الزعيم .. مش بقولوا عليك كده في الورشة .. نعم .. نعم يا سحر .. يا مليكة اشواقي وأميرة احلامي .
    لم يستغرب السيد المدير دخولي عليه .. فهتف ليبارك لي انتخابي رئيساً للنقابة .. كل ناس البيت سعيدين بهذا الاختيار .. طبعاً يا عمي .. أنت المدير وأنا رئيس النقابة .. بإمكاننا أن نتآمر على حقوق الخلق إن شئنا .. ولكن كونك والد الآنسة (سحر) حبيبة عمري ومنتهى أحلامي لن يعفيك من شراستي .. صحيح أنت من أتى بي إلى هنا .. وأنت في (الحسبة) تبقى والد أجمل زهرات حياتي .. القاتلة (سحر) .. نعم لقد قتلتني و(غلاوتك عندي) وأظنها ستمارس معي وظيفة السفاح مدى حياتي .. أليست الأشواق نوعاً من الذبح .. هي كذلك لو كنتم تعشقون .. أسألوني أنا .. أسألوا العبد لله صالح عويضة الملقب بـ(حربي ) أسألوه عن حدود الألم والسهر والمواجد .. أنا من سار حتى آخر نقطة في خارطة الصبابة .. ولم يتبق إلا أن اهوي إلى أعماق سحيقة ليس لها آخر .. إن شاء الله أكون عند حسن ظنك سيادة المدير .. بس لدي طلب بسيط أرجو أن توافق عليه .. المكتب يحتاج إلى كاتب يساعدنا في المكاتبات مع النقابة الأم ومع إدارات المصلحة المختلفة .. ويا ريت تنتدب لينا الآنسة (مها) من مكتب الباشكاتب مؤقتاً وتصدق لينا بآلة كاتبة وشوية أداوات مكتبية .. على عيني ورأسي يا صالح .)
    ****

  2.  
  3. #52
    رحمة الله عليه Array الصورة الرمزية mahagoub
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    ودمدنى
    المشاركات
    11,330

    وانقلب الموازين
    وصارت العواطف تتلاعب بحربى
    اين المستقر
    لا نزال متابعين وفى الانتظار

  4.  
  5. #53
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    عزيزي محجوب ..أجمل صباح لأروع رفقه ..بالله عليك قول لسحر وحربي حير2نا معاكم ..مع كل الود .

  6.  
  7. #54
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة الثلاثون

    قالت مها وهي تتبوأ مقعدها ( أوعك تفتكر يا حربي أني سكرتيرتك ..) قلت لها .. أنا لا أحلم ولن أحلم بأن تكون لي سكرتيره في يوم من الأيام .. وقد كنت صادقاً فيما أقول .. فانا حقيقة لا أسعي للشهرة والمجد .. ولا أروم سوي حياة بسيطة أجد فيها الوقت لنفسي ولوالدتي وشقيقاتي وأصدقائي .. وأحلم طبعاً بزوجة حلوه .. زوجه أنيقه .. وعند هذه النقطة تأملت مها بعمق .. كان لوجهها جمال غامض .. يختبيء خلف تقاطيع عادية ولكنها مريحة للنظر .. وهل ستبدأ في عشق مها أيضاً يا هذا ؟ ..( مها ) ..؟ لا والله لم أفكر بذلك قط ..لأن سحر تربعت علي عرش قلبي لا تترك بوصة واحدة لأخري .. ولكنك ستجد لها دون شك حيزاً في وجدانك .. فأنا أفهمك جيداً .. لا لن أجد .. بل ستجد .. يجب أن أعترف بأنها حلوة علي كل حال .. وإعجابي بها بلا عنوان .. بلا هوية لحين إشعار آخر .. ربما يتطور هذا الإعجاب إلي حب .. ربما ..( تاني تلقي الملح وين ؟ ) .. مها وهي تشير بالطبع إلي عربة السيد المدير التي كنت أعمل بها كسائق قبل انتخابي رئيساً للنقابه .. لا إطمئني يا قمري فأنا والحمد لله أملك عربة ملاكي وقد حضرت بها للعمل هذا الصباح وقد حرصت علي تسليم العربة الحكومية بالتفصيل .. الإطار الإحتياطي والرافعة وحزمة المفاتيح وأشرطة تسجيل مختلفة هذا بالإضافة لبعض المساند والعطر المثبت فوق ( الطبلون وما إلي ذلك .. ولم أنس طبعآ توديع الحاجة زوجة السيد المدير وشقيقها الذي أعطاني درساً في الوطنية ( نقابة شنو وعمال شنو ؟ .. هو انتو شغالين لامن تعملوا ليكم نقابه ؟ .. تبيعوا في بنزين الحكومه وتشاركوا في المسيرات .. سامحك الله يا ( عصام ) .. فأنا مستعد لتحمل إهاناتك من أجل الرائعة سحر .. كانت حزينة وساهمة وهي تضع يدها فوق يدي دون أن تنبث ببنت شفه .. وكنا وحدنا تحت مظلة العربة قريباً من البوابة الرئيسية .. حدقت في وجهي ملياً وكأنها تود الإفصاح باشياء لا تملك الجرأة علي البوح بها .. ووجدتني أفرك أصابع يدها كما فعلت ليلة سقوطها وهي مغمي عليها .. سوف تزورنا يا صالح .. أليس كذلك ؟ نعم وهل أستطيع غير ذلك .. وأنا مستعد لكل مشاويرك المسائية وتلفون الجيران وتلفون الكنتين معاك .. مش ؟ .. أيوه معاي .. طيب مع السلامه .. مع السلامه .
    حملت قرارات الإجتماع الأول للنقابة للسيد المدير وكانت (مها) هى من طبعتها على الآلة الكاتبة .. وأضافت كلمة (حربى) للتوقيع .. قلت لها .. لا يا آنستى الجميلة .. (حربى) هذا لقب وإسمى الحقيقى هو صالح عويضة عبد السيد ..أهدتنى إبتسامة رقيقة وهى تسبل أجفانها فى حنان دافق.. تناولت منها المظروف وقد اعترانى اضطراب عظيم وتساءلت بينى وبين نفسى .. لماذا أنا ضعيف لهذا الحد أمام الجمال .. إسمى حربى وأنا فى أغلب الأحوال شجاع ومتهور أقود شاحنة وقود مشتعلة وأضعف كاى طفل أمام الجمال .. أهلاً وسهلاً بالنقابى الكبير صالح .. كان ذاك هو السيد المدير وقد التقانى بفرح غامر ظنا منه بأننى ساكو ن ذراعه الأيمن فى الحفاظ على هد وء العاملين بالمصلحة بالنظر لعلاقتى السابقة به كسائق متفرغ .. حدثنى حديث العارف بالمصلحة وتاريخها وعرج على أول مدير لها .. المستر قريفس هو أول خواجة تقلد منصب المدير لهذه المصلحة .. كنت وقتها مساعد كاتب عندما أتى إلى هنا في بداية الخمسينات .. وقفنا في شكل طابور وهو يسلم علينا فردا فردا .. يتفحص وجوهنا كقائد فى الميدان .. مااسمك من فضلك ؟ الخواجة وقد وقف قبالتى .. عز الدين .. اسمى عزالدين ياسيدى هل تقبل بان تكون أحد العاملين بمكتبى .. الاحظ أن انجليزيتك لا بأس بها .. على الرحب والسعة سيدى .. وقص على نصف دستة من مواقفه مع المستر قريفس والانجليز عامة .. ومن ثمّ عرج على الكورسات التى تلقاها فى كل من نيويورك وبوسطن ودلهى .. نحن جيل محظوظ .. قال لى وهو يواصل حكاياته فى زمننا التدريب خارج البلاد متاح للجميع والحكومة تنفق بسخاء على البعثات ولعل هذا ما يفسر المقولة المشهورة ان الانجليز لم يتركوا لنا شيئا يذكر باستثناء مشرو ع الجزيرة بيد انهم تركوا لنا خدمة مدنية ممتازة .. كان يتكلم وأنا أستمع وتركته ينزف كل ما بدواخله وأخيراً فطن إلى أننى هنا كرئيس للنقابة وليس كصديق قديم .. والآن كيف أساعدكم .. قلت له أنا سعيد بالعمل فى النقابة تحت إمرة مدير فى قامة سيادتكم ولكننا فى أول اجتماع للنقابة .. تداولنا فى نقطتين رئيسيتين .. أولاهما متاخرات بدل المامورية وتعويضات أسر العمال الذين إنقلبت بهم الشاحنة وهم فى طريقهم لاداء واجباتهم وكما يعلم سيادتكم فقد توفى منهم خمسة وجرح الخمسة الباقون وحتى اليوم لا نلمس دعما ملحوظا من قبل الدولة لأسرالجرحى والمتوفين ..لا يا صالح .. قال ذلك وقد بدأ عليه التوتر.. أرسلنا جوال سكر وصفيحة زيت وثلاثة كراتين من الصابون لكل بيت عزاء وسلمنا أسر الجرحى مبلغا لابأس به من المال .. لقد زرتهم بنفسى فى المستشفى وقمت بواجب العزاء حتى لاولئك الذين خارج الخرطوم .. نعم سيادتكم هذا عمل جيد ولكنه ليس بكاف .. وقد طلب منى الأخوة فى النقابة بتسليمكم هذه المذكرة التى تطالب بدفع متأخرات بدل المامورية وتسليم كل أسرة المبالغ الموضحة أمام كل جريح ومتوفّ فى خلال أسبوع والا فإنهم سيدخلون فى اضراب مفتوح عن العمل .. سلمته المذكرة وغادرته بسرعة وهو يردد كلمة .. لكن .. لكن .. وعدت للمكتب لاجد بطة ومها وجها لوجه .

  8.  
  9. #55
    رحمة الله عليه Array الصورة الرمزية mahagoub
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    ودمدنى
    المشاركات
    11,330

    والله يا حربى
    من ورطه لورطه
    يحلك الحل بله

  10.  
  11. #56
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    عزيزي محجوب ..الود والإعزاز وأشهي الأمنيات لشخصكم الغالي ..
    فعلاً يحلنا الحله بله .. بالمناسبه بله دا منو ؟ ..

  12.  
  13. #57
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة الواحدة والثلاثون
    ويبدو أن بطة هذه لا تريد ان تتركنى وشأنى .. لقد سئمت خياناتك ونقضك للعهود .. ولكن .. من أين لك هذا الاشراق والجمال يا بطة .. لكأنك إنسان آخر التقيه لأول مرة .. سلمت عليها وأنا أقدمها لمها على أساس أنها (بت اهلنا) قارنت بين كلتيهما ووجدت الفارق الكبير فى المظهر والجوهر .. الأسورة الذهبية الرهيبة مقابل اليد الفارغة إلا من سوار مصنوع من ذنب الحصان .. وحقيبة اليد الفاخرة والساعة المذهبة والثوب السويسرى مقابل حقيبة مها المثقوبة وساعتها (الكوارتز) وهندامها المتواضع .. ونظرت إلى الحذا ء اللامع الذى استقر على قدميها المصقولتين مقابل الحذاء القديم والغبار يلون قدميها الصغيرتين..(عن اذنكم) مها وهى تغادر المكتب .. أهلاً بطة كيف حالك .. حالى لا تسر (وتحنن الكافر) خير ان شاء الله .. أنا تعيسة فى زواجى وتمنيت لو لم أقبل به .. وبالرغم من تضحيتى بالزواج منه إلا أن إبنته الكبرى بلقيس أحالت حياتى إلى جحيم .. إبنته الكبرى ؟ قاطعتها بإستغراب .. نعم وقد لا تصدق إذا قلت لك إنه شيخ فى السبعين من العمر.. وهو غنى ومهذب .. وهل تزوجته من دون حب يا بطة ؟ وكيف احبه وانا أحبك أنت يا حربى .. انت تعلم دون غيرك انك حبى الأول والأخير .. فكيف أحب مرتين .. قالت ذلك وقد بدأ الإنفعال يسيطر عليها .. وتدحرجت دموعها ببطء فوق وجنتيها الرائعتين..ولكنك ذبحت الحب الذى تتحدثين عنه أكثر من مرة ..خذلتنى مرتين يا بطة .. وفى كل مرة احمل أحلامى واشواقى وأنا أكاد اطير من اللهفة لأخطبك شريكة لحياتى أفاجأ بك وأنت تتزوجين من شخص غيرى .. أنا أحبك أنت ولا أحد غيرك .. أقسم بالله العظيم لم أفكر يوماً بأحد سواك وقد حاولت الإنتحار بسببك .. ولكننى أعيش هاجس الحياة المذّلة التى عشتها قبل أن القاك .. وقد كنت دائما بالنسبة لى غير مضمون .. أعترف بأننى لم أثق بك يوماً وفى كل مرة تاتى وتكذب شكوكى وتبرهن على نبلك وأخلاقك أما أنا .. فقد كنت أعض بنان الندم فى كل مرة وأجلد نفسى بقسوة لتسرعى .. لقد عشت فى أحضان الفقر أنا ودستة من شقيقاتى وأشقائى .. لذلك تجدنى أتشبث بكل يد تمتد نحوى .. والآن ماهو الطلوب منى يابطة ؟.. لقد وعدتنى ( بلقيس ) .. بمبلغ كبير من المال إذا أنا أجبرت والدها على تطليقى .. إنه يحبنى وهو مستعد لفعل أى شئ أطلبه منه .. ولكن هذه العقرب تسمم حياتى .. فماذا أفعل يا حربى ؟ أفعلى ما يمليه عليك الشرع والضمير .. لقد إنتهى الأمر.. ولو أنت بعت زوجك الثاني من أجل المال فلن يكون لك مكان فى قلبى .. لا أستطيع يا بطة ..لا أستطيع أن أحبك مرة أخرى بهذه البساطة وأنت تتلاعبين بمشاعر الناس بهذه الطريقة .. يعنى ما فى أمل ؟ خلينا نكون أصدقاء وأهل .. و اجتهدى يا بطة فى خدمة زوجك ..فربما تنجبين له ولد يؤمن مستقبلك ويمنحه السعادة .

    أجد متعة في توصيل مها إلى منزلهم .. كنت اراقب نظرات المارة وهم يبحلقون فيها .. انا نفسي كنت افعل نفس الشيء مع آخرين .. تستهويني لمحة عابرة اقطفها من وسامة تلكم الجميلات وهن يجلسن بقرب اناس اعتبرهم محظوظين .. اشعر باحساس غريب عندما اقرأ علامات الرضا وربما الضحكات تلون تلك الوجوه الناعمة .. واحياناً اكون قريباً جداً من أولئك .. لا سيما لدى تقاطعات الطرق .. اذ يكون المرء قريباً جداً من هؤلاء القوم .. وتدور عجلة الايام فاذا بي اغادر موقعي في الحافلات لتكون لي عربة خاصة وتجلس بقربي فتاة جميلة .. يا لأناقتها المفرطة وابتساماتها الطفولية ومحياْها الجميل .. لم أكن اسمح لنفسي بالخوض في تفاصيل اعجابي بها .. ولكنها لابد ان تكون قد فهمت بانني مولع بها .. ولدي توقفي امام منزلهم لأول مرة .. وجدنا والدها وهو يهم بالدخول فعاد الرجل ليدعوني لتناول الغداء معهم .. حاولت الاعتذار وهمهمت بعبارات الشكر دون جدوى ..( علي الطلاق تدخل .. معقول تجينا وقت الغداء وما تتغدى) والدها وهو يبرهن على جدية كرمه ومعدنه الاصيل ..

  14.  
  15. #58
    رحمة الله عليه Array الصورة الرمزية mahagoub
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    ودمدنى
    المشاركات
    11,330

    عمك ورط
    بقت فيها معرفه وغدا

  16.  
  17. #59
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    عزيزي محجوب ..فترنا من تقلبات هذا الولد ..كل يوم طالع لينا بفن جديد ..كدي لما نشوف آخرتا معاه ..مع تحياتي .

  18.  
  19. #60
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة الثانية والثلاثون
    .. دلفنا إلى الداخل .. كان منزلاً متواضعاً يشبه منزلنا إلى حد بعيد .. غرفة تفتح على فرندة واخرى بالاتجاه المعاكس ..وغرفة جثمت غير بعيدة فى زاوية الدار(كمضّيفة ) .. ولم امكث سوى لحظات حتى اطلت علينا والدتها بسمتها الريفى الاصيل ..( إزيك ياوليدي ..كيف هالك .. شرفتنا )
    وجلست إلى والد مها وهو يعرفنى بنفسه الاستاذ عمر.. معلم لغة إنجليزية بالثانوي وقد تقاعدت عن الوظيفة قبل حوالى ستة اشهر ولا أزال اركض بين مكاتب الدولة لاستلام استحقاقاتي من فوائد مابعد الخدمة وهل انت بالمعاش يا عم عمر ؟ ( انت هسع مااقوى مننا ..) نعم يا ابنى .. بمجرد ما صار عمرى خمس وخمسين سنة وخمس ساعات وصلنى خطاب الإحالة وكأنهم يعدون الساعات والدقائق إنتظارا لتلك اللحظة .
    وعلمت منه أنه عمل بمدارس عديدة وتنقل فى جميع محافظات السودان .. ولكن ما ادهشنى فعلا توقفه .. لدى (اكسفورد) اكسفورد دى ياابنى مدينة جميلة .. هى بمثابة (البندقية) بالنسبة لانجلترا ترقد فى أحضان الطبيعة بالريف الانجليزى الخلاب .. وبما أننا من الشمالية وكنت من صغرى اجيد فن العوم .. فقد وجدت الفرصة سانحة للاشتراك فى فريق السباحة بالكلية التى ادرس فيها .. وكان يوما حافلا إستعد له جميع طلاب الجامعة .. وقد اصطفوا على طول ضفّتى النهر يتابعون سباحة المسافات الطويلة الذى يقام كل عام .. ومضى ليقول أنه كان الأول على المتسابقين .. كنت اضرب الموجة بقوة .. وأستخدم أساليب فى العوم لم يسمع بها المتسابقون ..) ولدى تسلمى الجائزة فؤجئت بمقدمها يقول (الفائز بجائزة (دنقلا) هذا العام هو الطالب عمر ابراهيم من السودان دنقلا ؟.. ياربى دي دنقلا الليلتنا وله دنقلة تانية ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‌‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍؟؟..إنها هى يا إستاذ وترمز الجائزة الى تكريم تلك البعثة النيلية التى أبحرت باتجاه الخرطوم لإنقاذ (غردون باشا) بيد أنها عادت أدراجها لما علمت بأن غردون قد قتل .
    وهكذا أمضيت وقتا جميلا مع والد مها وهو ينقلنى من مدينة الى مدينة ومن بلد الى بلد .. وقد انضم الينا لاحقا إبنه الاكبرالذى يدرس الهندسة بجامعة الخرطوم وآخر يد رس الصيدلة بنفس الجامعة .. والبنت الكبيرة متزوجة وتعيش مع زوجها بالخليج .. بنتان وولدان .. هذا نتيجة لتأثرنا بالخواجات .. قالو لنا إن الانجاب الكثير يضر بصحة الأم وليتنى لم استمع لنصيحتهم .
    صار الآن عندى مكتب .. ولدى تسلمى العهدة من أمين المخزن طلب منى التوقيع على المستندات .. وكانت هذه أول عقبة أتوقف عندها كرئيس للنقابة .. فانا لاأعرف كيف أوقع .. لذلك كتبت اسمى بخط ( تعبان ) بيد أن أمين الخزينة أعاد لى الاوراق مرة أخرى طالبا منى التوقيع وليس مجرد كتابة الإسم فقلت له بصراحة ليس لدى توقيع ولم أوقع على أى أوراق من أى نوع .. وعندما اشتريت عربتى بصمت على التوثيق .. قال لى مارأيك بهذا التوقيع ومن ثمّ رسم لى أشكالآ فوق اسمى .. قلت له .. والله مش بطال .. إذن ساترك لك الأوراق وحاول أن تقلده عشرات المرات إلى أن تتعود عليه .. وكعادتى أخذت الموضوع مأخذ الجد الى أن تطابق توقيعى مع الأصل مائة بالمائة .. وجاء الساعى الذى يعمل بمكتب النقابة لتنظيفه وساعدته فى ذلك .. ولكنه كان مستغربا من تصرفى هذا .. (هدومك نظيفة ياجنابو.. بتتوسخ ) ..جنابو ؟!.. هل صرت أخيرا ضابطا فى الجيش .. كان حلم والدى أن أدخل العسكرية مثله وقد أخبرتنى والدتى بذلك .. بيد أنه استشهد فى نقطة نائية إسمها (واسكيج) بجنوب البلاد ولم يعد يتذكره أحد .. لم تعزف له الأناشيد ولم تبن لأجله المظلات فى مواقف المواصلات .. ولم تكرمه قبيلته .. كان يعلم بأن العسكرية إما قاتل او مقتول لذلك لم ينتبه لموته أحد .. ولكن رقم999 الفرقة الخامسة مشاه الرقيب أول عويضة لايزال موجودآ فى ذاكرة الحكومة .. فأنا أقوم بصرف معاشه كل شهر .
    صحيح أنه لا يساوى شيئا أمام متطلبات المعيشة ولكننا منحنا قطعة ارض ووالدى سيدخل الجنة إن شاء الله .. إذن مافيش مشكلة .. لكننى كنت أتمنى لوكنت موجودآ عندما دفنوه فى واسكيج بجنوب السودان لأشاهد بنفسى مراسم الدفن وموسيقى الجيش تعزف له و زملاؤه يؤدون أمامه التحية العسكرية من أصغر عسكري حتى أكبر ضابط.

    التعديل الأخير تم بواسطة عبدالغني خلف الله ; 25-02-2013 الساعة 08:52 PM
  20.  
  21. #61
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة الثالثة والثلاثون
    سأخرج من المكتب لأدعك تعمل براحتك .. قلت لي إسمك منو ؟! .. عطية .. يا جنابو .. عطية .. ستكون معي دائماً يا عطية .. سأعجبك كثيراً يا جنابو .. فأنا أعرف أحسن( زول بعمل فول في البلد .. فول أصلي .. فول السليم ما سمعت بيه ..؟ نعم .. نعم .. وكمان بعرف اظبطوا بالسلطات والملطات .. ) فول ؟! .. هل تمحورت مشاكل العمال في ( صحن فول ) .. أين الرواتب والسكن وأين العلاج بل أين فوائد ما بعد الخدمة ؟!.
    ولكن من أي بلد أنت يا ( مها ) .. نحن من الشماليه .. لكن أسرتنا مقيمه في أم درمان من كذا سنه .. هذه الهجرات إلي متي ؟ .. هل رأيت وجوه الناس الذين يتجولون في شوارع الخرطوم .. كيف تقرأ ملامحها وتعابيرها ؟ أقرأ في كل وجه حنيناً طاغياً إلي جذوره .. أقرأ رفضاً يائساً لواقع معيشتهم هنا .. وألاحظ الإحساس المفرط بالوحدة والاغتراب بل والإنفصال عن محيطهم .. هذه السيدة ذات الملامح الكردفانية .. ماذا تفعل في شوارع الخرطوم ؟ من المؤكد أنها تشعر بالضياع والغربة في هذا البلد حتي وإن التحقت بأبنائها هنا .. إن مكانها هنالك في سفوح كردفان وتلك في حقول الجزيرة وهذه في شواطيء الشمالية أما هذه فمكانها غابات الجنوب بين شجيرات الباباي وهاتان السيدتان لابد أنهما من الشرق الرائع من جبال التاكا .. لا شيء يعوضهما لذاذات ماضيهما هناك .. لا شيء يعوض طفولة رائعة وأزمانآ حلوه قلّ أن يجود الزمان بمثلها .. السباحة في النهر والركض بين المروج الخضراء والغناء الجميل ونسيمات المساء المسافرة مع الغيوم .. إذن أنتم من الشمالية ؟ هل هي حلوه ؟ من ؟ .. الشماليه .. لا أدري فأنا ولدت هنا ولم أذهب قط إلي البلد .. كل حدود أسفاري لا تتعدي سوبا شمالاً والجيلي جنوباً .. ولكن سوبا باتجاه الجزيرة وليس الشماليه .. ما كلو واحد .. هو أنا عارفه حاجه .. تجهلين حتي بوصلة جذورك يا مها .. حيث شهقة الميلاد ومثوي الآباء والجدود وتتسربلين بسيماء الخرطوم وكأنك عاصمية بحق وحقيقه .

    اعتقدت للوهلة الاولى ان الموضوع تمثيل في تمثيل كما يقولون .. ولكن صديقي (كافو) أدمن زيارة العم صباحي .. لم يصدق ان شخصاً ما ينظر إليه بوصفه ابنه .. ويبدو ان العامل النفسي يطغي على المسألة برمتها .. كان يحمل السندوتشات ويستأذن مني لأخذها لوالده بالمصلحة (والده) .. يقولها من اعماق ذاته .. وكان العم صباحي سعيد بهذا الاهتمام المفاجئ .. لقد وجد اخيرااً من يعطف عليه ويؤانسه في وحدته .. كانا يمضيان اوقاتااً رائعة مع بعضهما البعض وكنت اشاركهما جلساتهما تلك كلما سنحت لي الفرصة .. فالعم صباحي يعزف (الربابة) بشكل مؤثر .. يحتلب الانغمام المفعمة بالشجن ويغني بصوته الضخم ( انتلي أوو اتنلي .. تملالي ..ما تملالي .. لعلها (رطانة) الهوسة أو شئ من هذا القبيل .. وكانت دندناته تطير بعيداً توشح النجيمات الساطعات في كبد السماء .. ومعها تطير اشواقه إلى ذاك السفح البعيد .. إلى الزوجة والبنيات والصبيان الذين قتلوا على ايدي الجنود .. أشواق إلى عوالم لن تعود .. وعندما يتعب من الغناء يرتاح قليلااً وتبدأ الحكايات .. حكايات توقفت في حدود الذاكرة المجهدة عند ثلاثة أو اربعة مواقف يعيدها على مسامعنا في كل مرة .. كنت أهوى في شبابي صيد الفيلة .. وكنا نذهب ونحن نحمل اسلحتنا لصيدها والرعب يملأ قلوبنا .. ومن ثم ننصب شراكنا ونقوم بالحفر عميقاً في باطن الارض ثم نضع فوقها كومة من القش لنضلل الفيلة .. وكنا نكسب مالاً وفيراً من الاتجار بسن الفيل إلى ان جاء ذلك اليوم .. ابتعدت قليلاً عن رفاقي .. و اذا بي وجهاً لوجه أمام أسد غاضب .. وقفت وأنا ارتجف من الخوف .. وتخيلت في تلك اللحظة بقايا لحمي وعظامي وهي تتساقط من بين فكيه .. لكن الأسد كان يفتح فمه ويزأر دون أن يتحرك ولو خطوة واحده باتجاهي .. واتتني حفنة من الشجاعة فحاولت أن استنتج الحكمة من تردد ذاك الأسد في مهاجمتي وهو يعلم أنني لا احمل سوى عصاي لا أكثر .. قلت لنفسي .. لماذا لا تتقدم نحوه أنت يا صباحي لترى ردة فعله .. وهذا ما فعلته .. الأسد يفتح فمه ويزأر بشيء من الغضب وربما الألم .. الألم ؟!.. نعم الألم .. ترى ما به .. هيا خطوة أخرى يا صباحي .. وصدق حدسي فقد لمحت لدى اقترابي أكثر وأكثر منه عظمة كبيرة نصفها في فمه والنصف الآخر داخل حلقه .. إذن هيا يا صباحي .. ومسحت على رأسه قبل أن ادخل يدي داخل فمه وأقتلع العظمة بعد عدة محاولات .. رميت بها بعيداً وأنا لا زلت متخوفاً من خطوته القادمة ولشدة دهشتي إقترب الأسد مني يتمسح بجسمي ويرقّص ذنبه .. والتفت لأجد اللبوة وعدة اشبال صغار وقد قدموا على إثر صياح والدهم .. تراجعت قليلاً نحو الوراء وانا أعلم كم خطيرة هي اللبوة في الغابة وحتي في المدن وفي ردهات المكاتب والأسواق .. ولكن الاسد قفز باتجاههم محذراً وزأر فيهم لينصرفوا .. وكان أن تبعني حتى حدود الغابة وقفل عائداً وهو يلتفت نحوي بين الفينة والفينة ويرقّص ذيله علامة الشكر والعرفان .

    التعديل الأخير تم بواسطة عبدالغني خلف الله ; 26-02-2013 الساعة 08:50 PM
  22.  
  23. #62
    رحمة الله عليه Array الصورة الرمزية mahagoub
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    ودمدنى
    المشاركات
    11,330

    عمك ما طلع هين
    زكرتى قصة اندرو والاسد

  24.  
  25. #63
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    صباح الخير عزيزي محجوب ..عندما أتجول في شوارع الأحياء المترفة بأم درمان وأجد خفيراً وخط الشيب رأسه وانحني ظهره وهو جالس فوق عنقريب أمام الفلل الأنيقة .. أدرك علي التو أنه عم ( صباحي ) جديد ..هذا مع تحياتي .

  26.  
  27. #64
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة الرابعة والثلاثون
    انفتح الجيران علينا بعد مضي وقت قصير سادته الشكوك والاوهام حول هوية القادمين الجدد للحي .. واصبح كل فرد منا محل ترحيب وتقدير .. شقيقتي نادية الممرضة القديرة والتي هي الآن رئيسة عنبر وخضعت لدورة متقدمة في التوليد تنتقل كالفراشة من دار إلى دار .. تطعن حقن الانسولين لمرضى السكر وتقيس ضغط الدم وتقدم الاسعافات الاولية لضحايا الحوادث المنزلية الصغيرة واحياناً تتوسط لدى الطبيب المختص لايجاد سرير بالعنابر المكتظة بالمرضى .. الجميع يبادلها الحب والاعزاز .. أما الست الوالدة .. فقد باشرت من جديد العمل في صناعة الكسرة البيضاء اللامعة كالزجاج والتي اكتسبت منها لقبها ( حوة قزاز ) بالرغم من تحسن احوالنا المادية فأنت تشاهد عند الظهيرة طابوراً من الصبية والصبيان يدخلون ويغادرون المنزل وهم يحملون احتياجاتهم من الكسرة الطيبة التي تصنعها إمرأة هي الطيبة بعينها .. أما كافولة فقد باع دكان الاسبيرات بعد أن وضعت الشرطة عينها عليه وسرعان ما تراصت امام منزلنا ارتال من العربات ( التعبانة ) .. عربات أهل الحي بعد أن اكتسب شهرة كبيرة لبراعته في صيانة العربات .. وكان عندما تستعصى عليه بعض المشكلات الميكانيكية يلجأ إليّ طالباً النصح والمشورة .. فأخرج بملابسي العادية واشير عليه بما يجب فعله لاسيما بالنسبة للموديلات الجديدة .. وكانت الحيرة ترتسم علي وجوه اصحاب العربات وهم يتابعون نصائحي وفعاليتها ويستغربون لكوني سائق تاكسي ليس إلا وهم طبعاً لا يعلمون شيئاً عن وضعي الجديد كرئيس نقابة بالمصلحة وعضو النقابة الأم بالوزارة .. وكانت اسعد اوقاتي التي امضيها بالحي عندما اجلس امام بقالة عبيد الربراب .. وهو شاب خفيف الظل .. يحفظ أهل الحي واحداً واحداً .. وما يعيبه سوى النميمة و( القطيعة ) في خلق الله من سكان الحي .. ( ما تغرك القيافات دي يا حربي .. عليّ الطلاق الناس ديل اتعصروا لامن جابو الزيت .. تلقى الواحد طالع من بيتو .. الريحة تقول يا غربتي والسجارة البنسون وهو لا يملك حق المواصلات .. ) قلت له ( يا عبيد .. يا عبيد .. مية مرة قلت ليك ما تخوض في اعراض الناس .. البيوت لها اسرار .. واذا ما خليت العادة دي والله ما اجي اتونس معاك تاني ..) بيد أنه غالبآ ما يعود لعادته القديمة عندما يتعلق الأمر بخبر يعجز عن كتمانه ( هاك الخبر ده .. خبر واحد .. عليك الله اسمع ) .. وها هي الحياة تسير في مسارها المعتاد ... مناسبات حلوة وأخرى حزينة .. ولكن الناس باتوا أكثر ترابطاً بعد ان طحنتهم الظروف المعيشية .
    ومن تلك الاحداث السعيدة زيارة العم صباحي .. غفير المصلحة الذي منح اسمه لصديقي (كافولة) .. فقد زارنا ولأول مرة ومعه اثنان من عمال المصلحة وبعد أن طوف بنا في مغامراته الكثيرة وكان آخرها تلك المعركة الهائلة التي دارت بينه وبين تمساح عشاري عند ما كان يهم بالعوم حتى جزيرة صغيرة لجلب بعض الحشائش كعلف لبقراته التسع .. وقص علينا تفاصيل العراك الرهيب في عرض النهر وكيف انه اغتنم فرصة عراكه مع التمساح ليفقأ عينه اليمنى .. فأطلق التمساح خواراً مرعباً وهو يضرب بذيله الماء من شدة الغضب ويتباعد شيئاً فشيئاً عن ساحة المعركة .. أما أنا فقد عضني بأنيابه الحادة فوق كتفي الايمن .. قال لنا ذلك وهو يزحزح سكينته من على ذراعه ويدفع جلبابه إلى أعلى ليرينا مكان الجرح ... وبعد تناول الشربات والشاي افصح عن الغرض من زيارته لنا .. الحقيقة أنا طالب يد شقيقتك نادية لإبني كافو صباحي ويقصد بذلك ( كافولة ) .. زواج ؟‍! نادية من كافولة ؟! وكيف لايخبرني أنا صديقه وأقرب الناس إليه .. انها الاصول يا حربي وطالما انني عثرت أخيراً على ( أبوي صباحي ) .. أردت أن ادخل البيوت من ابوابها .. قلت له .. اديني فرصة يا عم صباحي اشاور العروس .. وكان السكوت علامة الرضا .. وارسلت والدتي زغرودة مزقت السكون الكثيف الذي ران على الحي في تلك الساعة المتأخرة نوعاً ما من المساء ..

  28.  
  29. #65
    رحمة الله عليه Array الصورة الرمزية mahagoub
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    ودمدنى
    المشاركات
    11,330

    خارجته البنات
    الله يخارجك انت

  30.  
  31. #66
    اللجنة الاستشارية
    Array
    تاريخ التسجيل
    Aug 2006
    الدولة
    ودمدني / بانت
    المشاركات
    1,705

    كأنما أمام عينيك هذا الكم الهائل من التداخل .. تحس المتعة غصباً عنك لأنها أقرب للواقع الذي نعيشه في كل المدينة وليس قاعها .. بقدر ما نتمتع بهذه الصور ربي يجعل بيدك مفتاح لكل المغلق من الملفات .. عبر هذا السرد الجميل ..

  32.  
  33. #67
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    سرد رائع متدفق كنهر من أقصي الغابة يندلق

    وقائع وأحداث وشخوص يشعر المرء بأنه يعرفها ولامس أحلامها وأحزانها فهي بعض منا

  34.  
  35. #68
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    أحبتي محجوب ..عصام وصلاح ..مساء الخير وجمعه مباركة لكم ولمن حولكم ..
    هذه الواقعية ما كان لها أن تتدفق لولا صبركم وتشجيعكم ..حفظكم الله من كل سوء

  36.  
  37. #69
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة الخامسة والثلاثون
    وكان أول شيء قمت به تاني يوم الاتصال بسلمى وشنكل بأمريكا لانقل لهما الانباء السعيدة .. بكت شقيقتي سلمى في التلفون .. ولم تستطع إكمال المحادثة وحدثني شنكل انها تشعر بحنين شديد إلى الوطن ولكن الظروف لا تسمح بالمغادرة خاصة لا سيما بعد أن وافق علي عودتها للغناء وانهما مرتبطان بوعود لا تحصى بكل المدن الامريكية .. فقد وجدت الجالية السودانية هناك ضالتها في شقيقتي سلمى ... التي صارت المغنى رقم واحد في جميع مناسبات السودانيين هناك من اعراس وختان واعياد .. كانت تتجول بعربة زوجها شنكل الفورد ستيشن ومعهما عازفة اورقن امريكية بين شتى بقاع امريكا .. وجدوا في صوت سلمى الرخيم وادائها المهذب متكأ انيقاً يتوسدونه عندما تستبد بهم الاشواق إلى ثرى الوطن .. ومضت أيام انهمكنا خلالها في التحضير للزواج ولم تمض بضعة أيام حتى فؤجئنا بشريط كاسيت في البريد وصلني على عنواني بالمصلحة ولدى سماعنا له .. ارسلت سلمى تحاياها واهدت الاغنيات التي تضمنتها إلى العروس الغالية ( نادية ) .. ولم يصدق الحاضرون ان تغني فنانة سودانية في أمريكا ناهيك عن الموسيقى الراقية والتقنية العالية المستخدمة في التسجيل.. طبعت منه عدة نسخ .. اهديت احداها للرائعة مها .. وحملت النسخة الثانية إلى منزل السيد المدير لأسلمه بنفسي إلى سحر .. كانت معنوياتي عالية وانا اقرع الجرس .. ردت عليّ امها واخبرتني ان ( سحر ) في سفرية إلى لندن وستعود غداً ... طلبت منها تسليمها الكاسيت ورجعت اجرجر اذيال الخيبة والأسف .
    غادرت مكتب السيد المدير لأجد ( أفندياً ) يجلس في مكان ( مها ) .. سألته عن سبب وجوده هنا فقال لي ان الآنسة ( مها ) .. قدمت طلباً للباشكاتب تطلب منحها اجازتها السنوية .. هكذا فجأة .. ولماذا ؟ !! توجهت نحو مكتب الباشكاتب فوجدتها بين ثلة من زميلاتها وقد بدأ عليها الوجوم والتوتر .. وكانت احداهن توشوشها بكلام خاص .. سلمت عليهم واخذت منهن الاذن بالحديث إلى ( مها ) والغرض الظاهر هو سؤالها عن مصير بعض المكاتبات .. عدت بها إلى المكتب وقد لاذت بالصمت .. ولم ترد على اسئلتي حول مغزى طلبها الاجازة بدون مقدمات وعندما بتنا لوحدنا في المكتب انفجرت في وجهي ثائرة ناقمة بصورة افزعتني وافقدتني صوابي .. ومرت لحظات لم اصدق خلالها بأن من تتحدث إلي هي ( مها ) الخجولة الرقيقة التي تبكي عندما يفوتني السلام عليها عند دخولي المكتب صباح كل يوم .. الحمد لله اكتشفت أي نوع من الرجال انت .. ( ما الجواب يكفيك عنوانو .. ) والواحد بعرفوه من اصحابو .. قلت لها اهدئي وقولي كل ما يشغلك بوضوح شديد يا ( مها ) وانت تعرفين مقدار معزتك عندي .. ومن ثمّ علمت منها أنها تعرضت لأسوأ موقف تمر به منذ التحاقها بالعمل بدواوين الحكومة .. وكيف أن ( بطة ) دخلت عليها وبدون حتى ان تقول السلام عليكم سألتها في استعلاء غريب ( ممكن تنادي لي الاستاذ حربي يا إنت ..) .. قالت لها بأني غير موجود ولا تعلم أين أكون .. وقصت علي كيف أنها جلست في غرور وصلف تبادلها النظرات الغريبة .. وتمصمص شفاهها بطريقة سوقية أقرب للمجون .. وبين كل لحظة و أخرى تكشف عن المصاغ الذهبية التي غطت ذراعيها وتمضغ ( اللبان ) وتفرقعه في وجهها .. لقد كرهت نفسي يا حربي .. وكدت أن اطردها من المكتب لولا انني خفت أن تكون احدى قريباتك لا سمح الله وها أنت تؤكد لي ذلك ..هل نسيت أنك قدمتها لي على اساس انها ( بت اهلكم .. يا خي مبروك عليك بت اهلك ..) * اعتذرت لها بشدة ورجوتها أن تسحب طلب الاجازة لأننا مقبلون على مرحلة حرجة ومواجهة محتومة مع الادارة بخصوص مشاكل ومستحقات العمال .. وهكذا اقتنعت بالعدول عن الاجازة وشيئاً فشيئاً عادت إلى طبيعتها وعلى الفور غادرنا المكتب لاقوم بتوصيلها إلى منزلهم وفي الطريق اقترحت عليها كوباً من العصير باحدى الكافتيريات القائمة على نهر النيل فوافقت .. وأمرت لها بكوب من عصير الليمون وفنجان قهوة لنفسي علّه يهديء من احساسي بالحيرة والضياع ازاء ما أنا فيه من عواطف جامحة يتجاذبها ثالوث عجيب ..( بطة الهمجية ) .. وسحر .. الحلم المستحيل . والمرفأ الذي ضاع مني في مدينة الضباب .. وهذه الآنسة الرقيقة الطيبة الخجولة ( مها عمر ابراهيم ).

  38.  
  39. #70
    عضو فعال
    Array
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودأزرق
    المشاركات
    250

    وجدوا في صوت سلمى الرخيم وادائها المهذب متكأ انيقاً يتوسدونه عندما تستبد بهم الاشواق إلى ثرى الوطن ..

    إنتقاء جميل وإختيار في غاية الروعة للمفردات فكأنك أخ عبد الغني - بستاني يعرف كيف يقطف أجمل الورود وأروعها - ليقدمها للمتلقي في سلة أنيقة
    واصل أخي الكريم فكلنا لهفة للمزيد

    التعديل الأخير تم بواسطة عصام سعيد ; 01-03-2013 الساعة 08:03 AM
  40.  
  41. #71
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    أجمل صباح وأروع صحبه في هذه الرحلة التي طالت ..ولكن أنت وكل الرائعين والرائعات هنا جعلوني وما أن تشرق الشمس أجري نحو اللابتوب لألتقيكم ..تحياتي لمن حولك ودمت بصحة وعافية .

    التعديل الأخير تم بواسطة عبدالغني خلف الله ; 01-03-2013 الساعة 09:29 PM
  42.  
  43. #72
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة السادسة والثلاثون
    رن جرس الهاتف في منزل المستر ريتشارد وكان شنكل من قام بالرد .. أنا الدكتور امبروز من مستشفى القديس بولس .. أهلاً سيدي .. أريد التحدث إلى المستر ريمون رتشارد روبرتسون .. أنا روبرتسون هل من خدمة اسديها لك ؟.. لدينا مريض في حالة صحية حرجة وقد اعطانا رقم هاتفك وهو يود رؤيتكم وآمل ألا أكون قد ازعجتكم بهذه المحادثة .. لا يا سيدي هل تعطيني عنوان المستشفى ورقم غرفة المريض .. بكل تأكيد .. هكذا انتهت تلكم المحادثة الغريبة .. وكانت سلمى تتابع كل ما يحدث وقد إتسعت عيناها استغراباً .. من كان معك على الخط ؟ .. إنه طبيب يقول أن شخصاً ما يود مقابلتي وهو مريض جداً .. سآتي معك .. لا داعي يا سلمى فأنت مجهدة من رحلة البارحة إلى سان فرانسيسكو وسأتدبر الأمر .
    انطلق شنكل نحو المستشفى وقد تشكلت في ذهنه صورة لما هو حادث بالضبط .. لا بد أن المريض الذي حدثوه عنه هو ( وجدي ) .. والده الحقيقي الذي ادار ظهره له وهو لا يزال بذرة في علم الغيب .. الرجل الذي كاد أن يلطخ سمعة أمه الحبيبة ( جوليا ) بالوحل .. انطلق وفي ذهنه أجيال من المعاناة والتعب عاشها في مجاري الخرطوم وتحت اشجار البلوط على شاطي النيل متشرداً .. جائعاً مذعوراً كعصفور رمت به الاقدار بين مخالب الصقور والثعابين .. الآن يا والدي الحقيقي .. الآن تذكرت أن لك ابناً في هذا الوجود .. الآن فقط يا وجدي .. حسنآ لنر كيف ستسير الامور بيننا أيها الوغد ..
    أخذته ممرضة إلى الغرفة التي يرقد بها وجدي كما توقع .. ودلف إلى الداخل ليفاجأ به غارقاً وسط غابة من المحاليل الوريدية وكمامة الاوكسجين تغطي معظم أجزاء وجهه .. وجهاز ما يقبع خلفه يرصد نبضات قلبه .. هل أنت المستر ريمون ؟ ! .. نعم أنا هو .. وما هي العلاقة التي تربطك بالمريض ؟ !.. ألاحظ شبهاً شديداً بينكما .. لا علاقة تذكر .. فهو من السودان وأنا كذلك .. حول الطبيب بصره عنه وهو غير مقتنع برده بالنظر إلى تماثلهما تقريباً في كل شيء .. حتى نبرة الصوت .. وتقاطيع الوجه .. شبه في كل شيء .. إنه في غيبوبة الآن وحالته مستقرة وقد كان يهذي بأسمك واسم سيدة اسمها ( جوليا ) .. هل تعرف تلك السيدة .. نعم أعرفها .. نعم .. وفي هذه الاثناء أفاق وجدي من غيبوبته ليجد شنكل وقد جلس بقربه وهو ممسك بيده .. سلامتك يا … يا .. أبوي .. قالها وكأنه ينتزع مسماراً غاص بعيداً في اعماق كتلة من الخشب .. أنا سعيد يا ابني لأنك جيت بالرغم من كل شيء .. لا تشغل بالك يا أبي .. المهم كيف أنت الآن ؟.. لا اخفي عليك يا ابني فالأطباء اخبروني أن حالتي ميئوس منها ولكن الاعمار بيد الله .. أنا مسلم أمري لله واتمنى أن اقوم بالسلامة حتى أقوم بواجبي نحوك كما فعلت جوليا وكما فعل المستر ريتشارد الذي منحك اسمه واسم عائلته وهي بالمناسبة عائلة كبيرة ومهمة .. هل غفرت لي ما فعلته بك وبأمك ؟ .. قلت لك لا تشغل بالك يا ابي وان شاء الله تقوم بالسلامة .. قال ذلك وهو ينحني فوقه يقبل جبينه بصعوبة شديدة جراء تلك الاجهزة الطبية التي تزدحم فوقه .. خذ ذلك الظرف من فوق المنضدة يا بني ونفذ الكلام الذي بداخله إذا ما حدث لي مكروه .. بعد الشر عليك يا ابي .. ستكون بخير ان شاء الله .. ولكن وجدي بدأ ينطفيء رويداً .. رويداً .. إلى ان اسلم الروح إلى بارئها ..جاء الطبيب وتأكد من الوفاة واتصل بعنوان المنظمة التي يعمل بها لاستلام الجثمان .. وانسل شنكل والدموع تبلل وجهه .. وسار وئيداً في ( الكوريدور ) الطويل بامتداد المستشفى .. ووقع خطاه الحزينة تشكل عالماً من الحزن واليقين والرضاء بقضاء الله .. إنه ( وجدي ) .. وقد كانت من تتكلم جوليا وقد بدأ عليها آثار الانزعاج الشديد عندما اخبرتها سلمى بأنه قد ذهب لمعاودة مريض في حالة حرجة .. لقد مات .. مات ؟ !! .. وقد ندت عن ( جوليا ) وسلمى تنهيدة ملؤها الدهشة والحزن .. غادرت جوليا الصالة راكضة نحو غرفتها وهي تردد اتركوني وحدي .. اريد أن اكون بمفردي .. أما شنكل فقد فض رسالة والده الحقيقي بأصابع مرتعشة وفهم منها أنه جد نادم على جميع المتاعب التي سببها له ولوالدته .. وإنه نادم بالاخص لأنه ضيع فرصة لا تعوض بأن يكون أباً لشخص رائع مثله وقد ارفق مع الرسالة شيكاً به مبلغاً كبيراً من المال راجياً منه أن يرسل نصفه إلى والدته بالخرطوم .

    التعديل الأخير تم بواسطة عبدالغني خلف الله ; 01-03-2013 الساعة 09:33 PM
  44.  
  45. #73
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة السابعة والثلاثون
    بلغني أن اهل الحي العشوائي قد استقر بهم المقام في المنطقة الجديدة التي انتقل إليها معظمهم .. وقد قال من نقل لي هذا الخبر .. الكل عاتب عليكم يا زعيم .. انهم يقولون كيف هانت عليكم العشرة الطويلة والجيرة والمحبة التي ربطت بينكم وبينهم .. ولم يجدوا تفسيراً واحداً سوى انكم صرتم اغنياء .. وان الثراء نزل عليكم فجأة وقد غير طباعكم وانساكم احبابكم .. هم قالوا مثل هذا الكلام ..؟ بل وأكثر من ذلك .
    عدت للمنزل وانا حزين ومحبط لقسوة ظنونهم بنا وطلبت من والدتي وشقيقتي أن يجهزوا حالهم لأننا سنخرج في مشوار مهم .. ربنا يتم على خير وأعيش واشوف اولاد اولادك .. منو العروس يا صالح ..؟ شقيقتي وقد اعتقدت هي الأخرى اننا سنخرج في مشوار لتعارف يقود إلى خطوبة وربما (قولة خير) .. لقد ذهبتم أبعد مما قصدت .. لأننا سنقوم بزيارة لجيراننا بالحي القديم بعد أن استقروا في قطعة الارض الجديدة التي منحتها لهم الحكومة ..
    كان مشواراً صعباً .. وقد وصلنا بعد اجتياز عقبات وعقبات .. صحيح ان المكان معزول وبعيد جداً عن المدينة لكنني لمحت عربات نقل ركاب تغادر الحي وأخرى تدخل إليه .. إذن هنالك مواصلات وتلك بادرة مشجعة ولا ريب.
    لم أكن أعرف من أين أبدأ .. لكننا وبمجرد أن توغلنا قليلاً حتى صرخ أكثر من واحد .. الزعيم حربي .. (حوة قزاز) فكان لابد من ان نتوقف .. وتبادلنا السلام بالاحضان .. وطفرت دمعة هنا ودمعة هناك لاسيما من الوالدة المفعمة بالحنان .. هؤلاء هم صحبتها وأهلها وقد عاشت معهم الحلو والمر .. عاشت بينهم على سجيتها .. تخرج من هذا المنزل إلى ذاك .. لا استئذان ولا اجراس بالابواب ولا كلاب حراسة .. بيوت مشرعة على بعضها لا يفصل بينها شئ .. صدور مفتوحة تنضح حباً وجمالاً وقلوب صافية كالحليب .. وكان أن اخذونا إلى المنزل الوحيد الذي اكتمل تقريباً بصورة لائقة وهو منزل العم رضوان سيد الدكان .. ومن الغريب ان عم عبدو الفولاني فتح دكانه ايضاً هنا .. وكان عتابآ رقيقآ .. ملؤه الشوق والحنان .. ( والله ما مرقت من البيت .. لا كدي ولا كدي ) الوالدة وهي تعبر عن شعورها بالعزلة في الحي الجديد .. ( اصبري لا من اتم ليك كلامي .. عاد ما طلقوا فينا جنس اشاعات .. جيران ؟! اجارك الله .. لكن برضوا فيهم الناس الكويسين .. لكن كل واحد طابل بيتو عليهو .. ولا غرضو .) . الوالدة وهي تفصح عن معاناتها .. ( بلحيل نبني لينا بيت معاكم .. هو نحن لاقنكم ) .. واثناء وجودنا لمحت رتلاً من عربات الكارو تنقل المياه من على البعد حيث تنتهي حدود المدينة .. (لا موية ولا كهرباء ولا حكيم كل الكلام القالوه لينا طلع فشوش ..) مهلاً احبائي .. انا من صنع معاناتكم هذه .. لقد كنت اتفاوض باسمكم واقنعتكم بقبول الإزالة .. بيد انني كنت ضحية مثلكم .. كنت إنسانآ ساذجآ عندما صدقت بأن السلطات المحلية ستفجر الماء خلال أيام وستمد الاسلاك الكهربائية كما وعدت .. صبراً احبائي فأنا الآن في موقف يسمح لي بمراجعة أهل الشأن .. ألست رئيساً لنقابة عمالية .. فما فائدة النقابات إذن إن لم تدافع عن حقوق الناس .
    فؤجئ الرجل عندما لمحني اقتحم مكتبه والشرر يتطاير من عينّي .. وعد الحر دين عليه يا جناب الضابط .. لقد اقسمت لنا عندما قابلناك آخر مرة موفدين من اهالي الحي العشوائي بأن الخدمات ستتم بأسرع فرصة ولا زلت عند وعدي يا حربي .. لقد سلمنا كل أسرة قطعة أرض وتنازلت الحكومة عن الرسوم ما عدا الرسوم المتعلقة بالخدمات الصحية والمياه والكهرباء .. هذه الملفات فيها كل المعلومات .. واستطيع أن اقول انه وبمجرد إجازة الميزانية سيكون كل شئ على مايرام .

  46.  
  47. #74
    رحمة الله عليه Array الصورة الرمزية mahagoub
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    ودمدنى
    المشاركات
    11,330

    تعال ليوم الحكومه
    اصلو بسنة

    التعديل الأخير تم بواسطة mahagoub ; 03-03-2013 الساعة 02:54 AM
  48.  
  49. #75
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    منتهي الروعة ايها المبدع الأصيل
    تكتب عن عالم تعرفه ونعرفه مثلما نعرف راحات أيادينا
    عن سمر غبش الوجوه بيض القلوب عامرين بالمحبة
    والدفء والحكايات
    كل واحد فيهم كون بأكمله وحكاية قائمة بذاتها
    كلهم مثلنا يكدحون تحت الشمس من أجل حياة حرة وكريمة وتواصل انساني
    فقط ياصديقي لاتتوقف عن الرسم بالكلمات
    ولاتقترب من النهاية أبدا فهذه الرواية هي مشروعك الكبير ولوحتك المميزة
    فلا تتوقف أبدا عن الرسم والغوص عميقا في بحر البشر واصطياد اللالئ والدرر

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
by boussaid