وهل اعجبتك الحياة بامريكا يا شنكل ؟! .. طبعاً أعجبتني يا حربي .. لا سيما وأن وجود سلمى ووالدتي جوليا قد وفرا لي الكثير من الراحة والطمأنينة .. وكم كان المستر رتشارد كريماً وعطوفاً معي .. لقد أدركت أخيراً أهمية أن تكون لديك أسرة .. لابد أنك عانيت في البداية من ملاحقة الامريكيات لك .. ولماذا يلاحقنني .. لا أحد يلاحق أحدآ .. والعلاقات الانسانية في المجتمع الامريكي لا تقوم بالشكل الذي كنا نتخيله .. ( حكاية الخواجيات يطاردوك في الشارع وأشياء كهذه .. ) لا وجود لها .. هذا فهم متخلف كان سائداً في اذهان الكثيرين ولكن التواصل الذي نشأ بين الأمم ووسائل الاعلام من وصحف إاذاعات بدد هذا الفهم الخاطئ .. وأقول لك بصراحة شديدة ربما يظل المواطن الافريقي أو العربي في حالة ملاحقة لاعوام بحالها ليظفر بواحدة .. هذه الاشياء تقوم على المعرفة اللصيقة .. وعلى الإقناع والاقتناع .. صحيح هنالك دور متخصصة لممارسة البغاء تحت الإشراف الصحي والإداري للدولة .. وبعض الولايات تمنع مجرد نشر صور بائعات الهوى .. هنالك حتى اليوم أسر عريقة لا تفرط في أبنائها وبناتها وفي أعرافها وتقاليدها وقد تأثرت المجتمعات الحضرية بإيقاع الحياة السريع وبالعلاقات العابرة كنتيجة حتمية للتحول الصناعي الذي يسيطر على جميع الانحاء .. وأنت كيف تسير الامور بالنسبة لك .. أموري أنا ؟! .. أرسلت زفرة حارة خرجت من اعماق نفسي وقلت له … والله لا ادري بم أجيبك يا شنكل أشعر وكانني لست أنا .. صالح حربي البسيط الضاحك الذي ينشر الفرح على كل من حوله .. أشعر وكانني حزمة من العقد النفسية والآمال الضائعة والتوهان بين نمط حياتي الذي تعودت عليه بالحي العشوائي وفي المنطقة الصناعية وبين نمط حياتي هذا في منزلنا الجديد وفي المصلحة والنقابة .. ونحن على وشك الدخول في معركة إنتخابية حاسمة وهنالك أشياء أخرى تسهدني وتؤرقني .. مثل ماذا يا حربي ؟!.. هات كل ما عندك فنحن أصدقاء ويا طالما وقفت إلى جانبي تشد من ازري وتزرع الأمل في صدري حتى عثرت على أمي وعرفت من أنا ومن أكون .. من هو أبي ومن هي والدتي .. هل تذكر يا حربي تلك الأيام الموحشة .. أيام اللا إنتماء لأي إنسان أو جهة أو فئة .. كنت وقتها أطالع النجوم وأنا أنام على رصيف الشارع .. النجوم أنيستي وصديقتي الوحيدة أقرأها نجمة .. نجمة .. وأحكي لها مخاوفي وأحزاني .. كنت خائفاً ومذعوراً .. يا الهي كم كنت خائفاً يا حربي .. حتى دبيب الحشرات بين الأوراق الجافة والأوراق المهملة يشعرني بالرعب وكأن إنسانا ما من أولئك الصعاليك يتربص بي .. فترتعد فرائصي من الخوف .. لأنني أعلم مدى قسوتهم وحقدهم وأنا بعد لم أزل في هشاشة عظامي وضعف قواي .. ولكن .. الحمد لله .. كل تلك الهواجس مضت إلى غير رجعة .. الانتخابات ؟! وهل ستترشح للانتخابات ؟!.. لقد ترشحت وانتهى الأمر والاقتراع بعد أسبوع .. وبطة ؟! .. كيف تسير الأمور معها ؟! .. ألا تزال تحبها وتنوي أن تتزوجها ؟؟! بطة ؟!.. وأين هي بطة ؟! .. إنها في السجن بتهمة استدراج وخطف وقتل طفلة مسكينة اسمها ( أريج ) .. لقد خذلتني هذه المرأة على أكثر من صعيد .. ولكن الله عوضني بسحر .. تلك المضيفة التي كنت تقوم بصيانة عربتها ؟!.. إنها هي .. ولكن الاحوال تبدلت .. انها الآن أمل حياتي وأحلام عمري ومشتهى النفس والخاطر .. هل تحبها يا حربي ؟! ... بل أموت من أجل إبحار ولو لدقائق في بحار عينيها الواسعتين .. ولكن مشواري مع سحر يا شنكل مشوار طويل وملئ بالمفاجآت والأخطار .. مشواري مع سحر .. مشوار حياة أو موت .. لقد أقسمت بانها ستكون لي وأقسم بأنني سأتزوجها أو أهلك دونها .. لهذه الدرجة يا صالح ... بل أكثر .. أكثر بكثير يا صديقي . إفتقدت ( مها ) في زحمة المعركة الانتخابية وقصتي مع سحر وكذلك تراجيدياً بطة .. التي كم اتمنى من كل قلبي أن تكون بريئة من تلكم التهم الفظيعة التي لا تشبهها من قريب أو بعيد .. وأخبرتني احدى صديقاتها بالمصلحة بأن ( مها ) في الحبس منذ ثلاثة أيام .. الحبس ؟! .. مها في الحبس هي الأخرى .. لا يا سيادة النقابي الكبير والنائب المرتقب .. لا تدع افكارك تأخذك بعيداً عن الموضوع نعم ( مها ) في الحبس .. ولكنه حبس لذيذ تتمناه كل فتاة .. هل فهمت يا زعيم .. ( مها ) ستتزوج ؟!.. كيف ومتى .. هل أزعجك الخبر ؟ .. لا ولكنك تعلمين كم هي عزيزة عندي وكان عليها إخباري .. كان يجب أن أكون أول من يعلم بهذا الأمر .. فهي معي بالمكتب .. وهي .. وهي ماذا يا زعيم ؟ لقد أحبتك مها وأخلصت لك إخلاصاً لا مثيل له .. كانت تتعذب وهي تتابع لهثك وانجرارك نحو تلك المضيفة ( بت المدير ) وكانت تلملم جراحاتها كل يوم على أمل أن تحس بها وتراها على حقيقتها .. ولكن تلك الغشاوة التي رانت على عينيك الذاهلتين عنها بسيماء الأبهة والعظمة التي تشكل سحر .. قد حجبت عنك رؤية ( مها ) .. البنت المهذبة .. الجميلة .. الانيقة .. بنت الناس الطيبين .. بنت الاستاذ ( عمر إبراهيم ) مربي الأجيال .. الشاعر المعروف .. هكذا أنتم معشر الرجال .. تتطلعون نحو الأعلى وتهملون الدرر الغالية وهي تتسرب كالماء من بين أصابعكم وعندما تضيقون من أحلامكم الخائبة يكون الوقت متأخرآ جداً .. أولاً يا عزيزتي .. مها في مقام أختي وأهلها هم أهلي .. لذلك كان عليها إخطاري بأنها ستتزوج على الأقل أحصل لها على سلفية زواج وإجازة وأقف إلى جانبها وجانب أهلها .. قلت لها كلامآ مثل هذا وأكثر وفي واقع الأمر كنت أعاني من تأثير تلك الصدمة الرهيبة التي شعرت بها .. تماسكت أمامها وأنا اتمزق من الداخل .. كيف فات علي الاهتمام بك وانت تأتين في المرتبة الثانية مباشرة بعد سحر على سلم اهتماماتي .. لن أجد شخصاً أحلى منك يا مها يضمد جراحاتي واسفح عند قدميه أحزاني .. لكن كان لابد من أن يحصل ما قد حصل .. إن ( مها ) ومثيلاتها من الأنيقات المترفات لايمكن أن ينتظرن هكذا وإلى الأبد دون زواج .. ليمنحنك السلوي والدفء وأنت تتطلع إليهن في حنان ومودة .. مثل ( مها ) لا يمكن أن تكون متاحة لك إلى آخر العمر .. تقرأ عينيها كل صباح .. وتبحر في سمرة خديها وأنت تعيش ذاك الشعور المفعم بالسعادة والإمتلاء .. وكان لابد أن أتصرف .. لذلك عدت مسرعاً إلى البيت وأخذت الوالدة وشقيقتي سلمى وزوجها شنكل وطفلهما وشقيقتي نادية وزوجها ( كافو ..) والعم صباحي .. بالرغم من أن نادية قد دخلت في الشهر الثامن من الحمل .. وأخذنا معنا الحلوى والسكر والفواكه .. كانت أسرتها سعيدة بحضورنا على هذا النحو العائلي الفريد .. أما مها .. فقد خرجت علينا ووجهها كالكهرباء زاده القاً وجمالاً ابتسامتها الرقيقة .. وزغردت والدتي وكذلك سلمى التي أرسلت زغرودة موسقتها بصوتها الرخيم .. وجلسنا في بهو المنزل نتبادل القفشات والتعليقات .. وهنا تدخل شنكل وقال لنا .. ما رأيكم أن تغني لنا سلمى ابتهاجاً بهذه المناسبة .. فاعترضت ( مها ) .. وطلبت منحها ساعة واحدة من الزمن تخطر خلالها صديقاتها وجاراتها .. ولم يمض كثير من الوقت حتى تحلقت الصبايا والنساء حول ( سلمى ) وهي تغني بدون مايكرفون وبدون اوركسترا .. وأمضينا معهم المساء بطوله .. وشيئاً فشيئاً إتسعت حلقة الغناء .. وكانت كل واحدة من البنات تسارع في ابلاغ صديقاتها بأن الفنانة سلمى صاحبة شريط ( نادية ) قد عادت من أمريكا وهي الآن معهم تعطر اجوائهم بالبهجة والحبور .
المفضلات