فروق بين الماء و الغيث و المطر
كثيراً ما نخلط بين مثل هذه التعابير فنجعلها مرادفات بعضها بعضاً و هي لا ترقى إلى مستوى ردائف حتي . فليس الغيث مرادف للمطر ، و شتان بين استخدامهما ؛ و إن كان مصدرهما الماء في أحيان كثيرة.
أما الماء النازل من السماء ليسقي الأرض، لتنبت الحرث و ترعرع النسل من أناسي كثير و أنعام ، فهو أكسير الحياة وعصب كل شيء حي ؛ و هو أعتى سر من أسرار الوجود ، و هو فوق هذا و ذاك صنو للخضرة و الوجه الحسن ، و مذهبة للكآبة والضر ومطفأة لأوداج البشر حين ينفخ فيها الشيطانُ بنفثه الخبيث. و قد ورد في كتاب الله حكمٌ بالغةٌ و إشراقاتٌ بارعةٌ، دالةٌ كلها على عظم شأن هذه الرحمة المجاة و النعمة ا مسداة و التي مغبون فيها كثير من الناس. نحو قوله تعالى في غير ما موضع نكتفي منها بهذا القدر.:-
{- وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ}
{ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}
{ - إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ}
وأما الغيث والغوث، فقد يأتي بمعني الماء، نحو قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} . وأحياناً يأتي الغيث بمعنى الرحمة و النجدة لكشف الضر و تفريج الكروب. لقوله تعالى:-
(إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله).
وأما المطر لم يرد في كتاب الله مرتبطاً بخير بصنوف الأذى و ويلات في العذاب ولم تكن مرادفة ذط ، بل مناقضة لكلمة الغيث و مجافية للماء و لو كان مصدرها.
ولتتأملوا معي الآيات التي جاءت في القرآن فيها ذكر المطر لتروا حقيقته إذ
يقول المولى- :
- ( وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا)
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِين)
{وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}
{فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ}
حاشية:
المطر والغيث :
قد لا نجد في المعاجم ا فرقاً دلالياً بين الغيث والمطر كما هو قول الجوهري في الصحاح وابن منظور في اللسان والرازي في المختار, في حين قال الثعالبي في فقه اللغة لم يأت المطر في القرآن إلا للعذاب. و إن كان عند الزمخشري فرق بين مُطر وأمَطر, قياسا|ً على قولهم قسط قسطاً و قاسط (في معنى الظلم) وأقسط إقساطاً ومقسط (في معني العدل ) فقال مطرت بالخير وأمطرت في العذاب...
و في قوله تعالى ولا جناح عليكم ان كان بكم أذى من مطر, أو كنتم مرضى ) والحرف (من ) جاء هنا بمعنى (بــ )السبب , واقترانه بلفظ كنتم مرضى مقيد لمعناه بالوصف.
أو التوكيد كقوله تعالى (وأمطرنا عليهم مطراً فساء مطر المنذرين) ووصفه بالسوء فقال (بمطر السوء) وهو تقيد بالإضافة.و يلاحظ أن التفريق بين مطر و أمطر غير مطرد..
أما الغيث فقد ورد ثلاث مرات ومنها , ففي قوله تعالى: (وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته )
وقد دل السياق على استعمال القرآن للفظ الغيث في موضع الرحمة والنعمة ,ويلاحظ أن النص استعمل الغيث مطلقا لكنه استعمل المطر (مقيداً ).. وهذا هو الفرق ما بين استعمال المطر والغيث ولكل لفظ دلالته..
نسأل الله النفع بكل ما نقرأ و نسمع.
المفضلات