صفحة 4 من 4 الأولىالأولى ... 234
النتائج 76 إلى 90 من 90

الموضوع: الكهوف السحرية ( كيف بت كاتبا)/ سيرة/ صلاح الدين سر الختم على

     
  1. #76
    وسام التميز الثقافي

    Array
    تاريخ التسجيل
    Aug 2014
    الدولة
    أم درمان / الثورة
    المشاركات
    528

    أستاذي القامة والذي أحس بآهة البركان تخرج من حرفه الصادق
    أعلم بأنك تسجّل في حروف الوعد صبراً يستشف مواقف من أتوا
    بصدق كلماتك تخرج المكلوم من ظلمات المقنّع والهموم ..
    هنا تجسيد لحالات حلم تودّع الإبداع فيهم ؟؟
    ليتهم يكونوا في غمضة الميعاد حلم ؟؟
    في امتداد كلم المطروح ماعاد يحتمل الضياع
    وحتما في عميق النفس هم في دنيانا يراع مانعشق والتمني
    وأنهم ذلك الإيمان الذي يسكننا لبريق ذلكم الطموح السامي .


    كنت هنا وكان الفرح أن يلاقي حرفي حرفك .

    لِم كلّما أوغلت في عينيك يقتلني الظمأ
  2.  
  3. #77
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    ياصديقي
    الكريم أبا ايثار
    شرفتنى كثيرا حروفك المضيئة هنا

  4.  
  5. #78
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ياسر عمر الامين مشاهدة المشاركة
    كلما دلفت الى هذا البوست للاستمتاع بهذه السيرة الذاتية التى تكتب بماء الذهب تستوقفنى عبارات "قليلة" المبنى كثيرة المعنى تختصر كثير من الكلام الذى يمكن أن يكتب لتوضيح بعض الذى يراد له أن يصل القارئ...وهنا تصبح المتعة معرفة وتعلم منك استاذنا الكاتب الكبير صلاح سر الختم...
    الحبيب المشرف المتميز حقا اخى ياسر عمر
    ليس هناك أحب الى نفس الكاتب من أن تصادف كلماته عقلا صافيا وقلبا واسعا
    فتتجمل تحت وهج جميل
    شكرا ياصاحب الوهج

  6.  
  7. #79
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    رحيل المجرات
    كان رحيلهما فاجعا وقاسيا وصاعقة نزلت على من عرفوهما بلا مقدمات، كان رحيلا استثنائيا ودراميا،كان هشام محمد الحاج المولود بمدنى والمقيم بالخرطوم شابا فارع الطول عريض المنكبين ممتلئ الجسم نوعا ما لكنه رياضي رشيق صبوح الوجه لاتفارق الابتسامة شفتيه أبدا، والضحكة حاضرة دوما حيث يكون، فقد كان مرحا مهزارا خفيف الدم متعدد الحكايات، لايعرف الوجوم أو العبوس طريقا اليه،وكان عبد العزيز عمر دوسة المولود بالفاشر والمقيم بحى عريق من أحيائها والمنحدر من قبيلة الزغاوة من بيت كبير من بيوتها، شابا أبنوسيا وسيما متوسط الطول أنيقا بصورة لافتة باسما مثل نهر يغازل صحراء قاحلة فيحيلها خضرة ناعمة وحياة ، كان مثل صديقه محبا للضحك والنكتة والحكايات والقرقراب وكرة القدم و(العضة السمحة)،كانا بحق (فولة واتقسمت) كما يقول السودانيون، وكانا في ذلك الزمان زينة القضاة في الفاشر حيث التقينا،كنا مجموعة من القضاة قذفت بها الأقدار الى شمال دارفور، جئنا متوجسين ومثقلين بقصص خيالية عن النهب المسلح وعدم الاستقرار وجدنا بلادا تكسوها الخضرة على امتداد البصر ، ووجوها سودانية وسيمة عامرة بالطيبة والمحبة، ووجدنا مجتمع قضاة متماسك جدا تبدى تماسكه في ذلك التقليد الفريد الذى يقضى بان يقوم القضاة كلهم باستتقبال القادم الجديد بالمطار على بكرة أبيهم، نزلت من الطائرة القادمة من الخرطوم فوجدت وجوها أعرف بعضها مصطفة في المدرج بصحبة رجل ضخم الجثة أخضر اللون(بالتعبير السودانى والمقصود أسود البشرة) واسع العينين يلبس جلبية سودانية ناصعة ومركوبا من جلد النمر، كان ذلك هو رئيس الجهاز القضائي آنذاك(سبتمبر1999) مولانا طلحة حسن طلحة، وكان بمعيته جميع القضاة، كان شيئا مدهشا وجميلا فتح القلب ضلفتين على دارفور، كان هشام وعمر في طليعة المستقبلين، كنت أعرف هشام بحكم اننا ابناء مدنى وبحكم علاقتى باخيه الأكبر ساطع محمد الحاج، أما دوسة فقد كان ذلك لقائي الأول به، سرعان ماذبت في مجتمع الفاشر الجميل،كانت بيوت لقضاة مؤثثة وتقع في حى المطار وحى الكرانك،كانت اقامتى الأولى بمنزل بحى المطار مواجه لفضاء فسيح مغطى بعشب أخضر احتله الان معسكر ابو شوك ، كان هشام ودوسة يقيما بالميز بحى الكرانك فقد كانا عزابا وقتها، كان هشام يقود لاندروفر عتيق خاص بالميز كان يسميه ( الككو) وكان دوسة يقود عربة من ذلك النوع الذى كنا نسميه (اللاند كرور) وهى لاندكروزر قديم موديل السبعينات هي فى الأصل شاحنة صغيرة للنقل وليس للركاب لكن لطبيعة المنطقة ووجود ترس قوة بها باتت سيارة خاصة مخصصة للقضاة، كانا في أغلب الاحيان يتنقلان سوية بواحدة من العربتين ، وكان اجمل برامج الفاشر ذلك الدافورى لفريق الصنداى المكون من القضاة والمحامين وووكلاء النيابة وبعض ضباط الشرطة وموظفى المحاكم والاراضي، كان الدافورى يتم عصرا بملعب يقع بحى المطار جوار الهلال الأحمر السودانى وامام منازل القضاة، كان دوسة وهشام نجمين لامعين محبين لكرة القدم ويجيدانها، وكانت روحهما المرحة تطغى على الجميع فتضفي على التمرين روحا مرحة ساخرة، وعن طريقهما عرفت شخصية من أهم شخصيات الفاشر وهى فاطنة كتم بائعة الخضار الشهيرة بالفاشر فقد كانا زبونين دائمين لها وعن طريقهما عرف كل القضاة فاطنة كتم وطماطمها الجميل وخضارها المميز وروحها المرحة،دار الزمان دورة فتزوج الصديقان في توقيت متقارب، ودار الزمان ورزق كل منهما بمولود يتيم لم يكن من حظه ان يحظى بقربهما، ادركت المنية عمر دوسة بغتة وهو ينزل من سيارته الأتوس السوداء قادما من سوق الفاشر الى البيت حيث كان يستقبل ضيوفا على الغداء، غشاه ألم في الصدر، ثم رحيل مفاجئ لم يمهله للوصول للمستشفى، في الخرطوم كان هشام يشكو ألما بالقلب، وكان ينتظر اكمال اجراءات نقله الى الخارج للعلاج بلندن، بلغه نبأ رحيل رفيقه دوسة فبكى، وبعد أقل من أربعة أيام لحق هشام بصديقه على عجل كأنه يقول له بعدك الحياة عدم ياصديقي، اختلطت دموع الخرطوم بدموع الفاشر وغيب الموت قمرين لم يبقيا في سمائنا الشاحبة طويلا،رحلا كمجرة بعيدة غشيت دنيانا فلم يعجبها حالنا المائل فولت هاربة من القبح.رحم الله هشام وعمر وأسكنهما فسيح جناته.

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 11-09-2014 الساعة 11:08 PM
  8.  
  9. #80
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية ود الجعلي
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    الدولة
    Khartoum, Sudan, Sudan
    المشاركات
    1,180

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صلاح سر الختم علي مشاهدة المشاركة

    معتصم سوداني الأهلاوي الجميل
    الاستاذ المحامي الراحل معتصم حسن ابراهيم الشهير ب (معتصم سوداني) رحل عن دنيانا وغيبه الموت نسأل الله له الرحمة
    كان وجها جميلا من وجوه المدينة : رياضيا لايجاريه أحد في عشقه لسيد الاتيام اهلي مدني عرفته دار الرياضة حاضرا دائما مشجعا صعب المراس لمحبوبه عالي الصوت وعالي التهذيب صاحب طرفة وابتسامة دائمة وصوت عال يميزه لاعبو الاهلي جيدا كما يميزه رواد دار الرياضة مدني وهو عنيد في تشجيعه وفي حبه لهذا اللاعب وعدم استلطافه لذلك
    ويحكي عنه الاصدقاء الطرائف منها انه كان دائم الانتقاد للاعب الاهلي الفذ الجيلي الله جابو والمطالبة بتغييره حتي انه بات يري في كل من يضيع هدفا الجيلي ويهتف فيه حتي انه مرة طالب باستبداله وهو غير مشارك.. ومع ذلك فهو وفي للاهلي ولاعبيه لطيف جدا معهم لايأخذون عليه شئيالمعرفتهم طبعه وغيرته، كان محاميا نشطا موفقا لطيف المعشر كثير الادب في تعامله مع زملاء المهنة والقضاة ورجال الشرطة والخصوم وصاحب سيرة مهنية لم تشبها شائبة...لم يعرف عنه ميل للخصومة او دخول في صراعات او معارك الا ما اقتضاه عمله كمحام ووفقا لاخلاق المهنة وتقاليدها التي تشربها من استاذه العالم سيف الدولة خضر عمر.. كان معتصم شهما كريما محبا للاخرين ودودا وكان بيت اسرته بشندي فوق التي يسميها محبة شندوق قبلة للجميع كل جمعة للتسامر والونسة وله اصدقاء دائمون هم كوارة ود المأذون الذي صار مأذونا ونجيب الذي يعمل بالمطبعة الحكومية وقام بتغليف معظم كتب محامي مدني والاستاذ فتح العليم محجوب والاستاذ صديق عيدروس واخرين سقطوا من الذاكرة وينحدر معتصم من اسرة جعلية من شندي من حي شندي فوق وقندتو حيث جذور والده ولكنه ارتبط بمدني ارتباطا قويا بحكم الميلاد والنشأة. له الرحمة ولاهله واصدقائه الصبر والسلوان. اللهم ارحمه واجعل قبره روضة من رياض الجنة.
    يا استاذ صلاح

    معتصم سوداني هو جارنا بشندي فوق وتربطنا علاقات جوار طويلة جدا وكان قمة في الاخلاق العالية والذوق الرفيع وكنا نحن اطفال نراه يوميا جالسا امام منزله ومعه اصدقائه يتسامرون وكان هذا منظرا يوميا مالوفا وكان صاحب نكتة ودائم الابتسامة
    ولك الشكر استاذنا

    يمكننا الإقلال من الكلام والإكثار من العمل اليومي البسيط



    يا محمد احمد همتك صوتك امانة في ذمتك

    ما تخلي سادن قمتك

    يا يابا ياسمح السلوك

    اوعا السماسره يضللوك

    صوتك وصوت ولدك واخوك

    ربحن مخزن في البنوك
  10.  
  11. #81
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ود الجعلي مشاهدة المشاركة
    يا استاذ صلاح

    معتصم سوداني هو جارنا بشندي فوق وتربطنا علاقات جوار طويلة جدا وكان قمة في الاخلاق العالية والذوق الرفيع وكنا نحن اطفال نراه يوميا جالسا امام منزله ومعه اصدقائه يتسامرون وكان هذا منظرا يوميا مالوفا وكان صاحب نكتة ودائم الابتسامة
    ولك الشكر استاذنا
    رحمه الله كان علما من أعلام ودمدنى
    شهما كريما طيب القلب محبا للسمر والطرفة
    شكرا ود الجعلى على تفاعلك

  12.  
  13. #82
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436



    كان هناك تنقل فريد في الأمكنة ظلت عائلتى تمارسه بانتظام طوال حقبتى السبعينات والثمانينات، فقد كنا نسافر سنويا الى مسقط رأس الوالدين ( أبوهشيم) في العطلة المدرسية في رحلة شيقة بالقطار الذى كان في ذلك الزمان مصنعا للجمال ومكانا لتلاقح أهل السودان، قطار السافل( الشمال) هو عالم فريد كان من حظنا أننا عشنا زمانه،كنا نقطن مدينة ودمدنى في قلب الجزيرة، نسافر منها الى الخرطوم بالبصات السفرية في رحلة تستغرق ثلاث أو أربع ساعات، نبيت في الخرطوم عند أحد الأقارب ، ثم نتوجه الى محطة السكة حديد بالخرطوم في الصباح الباكر والخرطوم العاصمة لاتزال نائمة في خدرها أو تتثاءب على مهل، وأتذكر ان قريبنا سائق التاكسي كان يتعمد المرور أمام القصر الجمهورى ، فكنا نستمتع برؤية أولئك الجنود الثابتين في أماكنهم كالجدران وذلك الريش فوق رؤوسهم يثير دهشتنا ويخلق رهبة في الدواخل،ثم ندلف الى المحطة، كان القطار منضبطا مثل الساعة، وهما في الحقيقة قطاران ( الأكسبريس) ونهاية رحلته هى مدينة وادى حلفا، وقطار (كريمة) ونهاية رحلته مدينة كريمة، وكانت ساعة انطلاق كل قطار من محطة الخرطوم محددة ومعروفة وكذلك اليوم من الأسبوع، حين نجئ المحطة نجدها غارقة في الضجيج، زحمة في موقف السيارات أمام المحطة، زحمة في المحطة التى تفور وتموج بالحركة، زحمة في اكشاك الصحف بالمحطة ، زحمة حول اكشاك الشاي السادة وشاي اللبن ،خليط من اللهجات والسحنات،القطارات الواقفة بالمحطة مزدحمة والرصيف مزدحم.كان نصيبنا في القطار هو عربات الدرجة الثانية دوما، وكان السفر بتصاريح السفر وهى أوراق تصدر باتفاقيات بين مصلحة السكة حديد والمصالح الحكومية المختلفة تخول العاملين وأسرهم السفر بالقطار من والى جذورهم بدرجة معينة بالقطار حسب الوضع الوظيفي، فهناك من يركب عربات النوم الفاخرة ومن يركب الدرجة الأولى أو الثانية، أما الثالثة فكانت متاحة للجميع بتذاكر أقل قيمة، لكن السفر بالقطار في أي درجة كان متعة لاتدانيها متعة، حتى من كانوا يعتلون سطح القطار ويسمون( المسطحين) لتفادى دفع التذكرة كانوا يستمتعون بالرحلة وبسطوحهم الخطير،كانت درجة نظافة القطار من الداخل تتناسب مع الدرجة، فكلما كانت الدرجة أغلى ، كانت نسبة النظافة في العربة أعلى، والعكس صحيح،أجمل لحظات السفر هى اللحظة الأولى التى يطلق فيها القطار صافرته إيذانا برحيله، ثم يرتج وينتر نترة قوية ، ثم يمسي الصوت رتيبا على القضبان، وكلما أوغل في سيره الى الأمام زاد الصوت رتابة، حينها نهرول نحو الشبابيك لنستمتع بمرآى الأشياء وهى تغيب في لمح البصر، أعمدة التلفون، الأشجار الصغيرة المنغرسة في صحراء قاحلة، البيوت الطينية الغاطسة في الرمل، الجبال الصغيرة والكبيرة التى تتواري على عجل كما تتوالى الصور في شاشة عملاقة من شاشات السينما فى مدنى،تتوارى معالم المحطة قبل ذلك كله، يبدو رأس القطار في المنحنيات يتلوى كأفعى أمام بصرنا،تبدو عرباته البيضاء والطوبية اللون مثل تلك العربات التى نصنعها بعلب الصلصة القديمة في قطارات من صنعنا في بواكير الطفولة، يبدو القطار يترنح مثل أولئك السكارى الذين كنا نراهم في طفولتنا وهم يترنحون ويهمهون بكلام غير مفهوم فنركض مفسحين لهم الطريق،يبدو القطار وهو يقطع الصحراء في حزم ،كائنا أسطوريا مرعبا لا تلين له قناة ولا يخور له عزم، يبدو القطار ثابتا في المكان، بينما هو في حقيقته متحرك وهو يحمل معه قيماً ثقافية تبدو هى الأخرى ثابتة في المكان، لكنها في الحقيقة تتبدل وتتفاعل مع الأمكنة التى تتنقل فيها ومع الناس الذين تتعامل معهم، تتفاعل ثقافات متباينة يحملها الركاب مع بعضها البعض تفاعلا سمته السرعة والقبول بالآخر وتجاوز الحواجز والأفكار والتصورات المسبقة،في القطار كونا معارفنا الأولى عن السودان ، نظرنا بدهشة وتمعن لأنواع الشلوخ على الخدود والجباه، سألنا عن الفروق ، وبتنا نعرف أن هذه الشلوخ وهذه الطريقة في الكلام خاصة بهذه القبيلة وتلك بتلك القبيلة، عرفنا أن هذه القراصة ذات الطعم المالح تخص هذه القبيلة ، وهذه القراصة تخص تلك، ولا أظننى ابالغ اذا قلت ان حصة الجغرافيا والتاريخ والتربية الوطنية التى تلقيناها في القطار كانت مشبعة لفضولنا ونهمنا للمعرفة أكثر من جميع حصص المدارس.كانت لافتات محطات السكة حديد التى تتبدل سريعا، وتلك الوقفات القصيرة حينا والطويلة حينا في تلك المحطات مصادر معرفة أضافية، فنحن نعرف المحطة ونعرف مايميزها عن غيرها، فمحطة الجيلي تميزها الفواكه، ومحطة شندى تميزها الطواقى الجميلة والفرد والطعمية، وعطبرة تميزها القطارات والخطوط الكثيرة والعجلات التى تندفع من الورش أنهارا زرقاء بسبب زى عمالها المميز ،ومحطة العبيدية تميزها جوافة نادرة، وهكذا . كنا نستمع بالرحلة محطة محطة حتى نبلغ أبوهشيم الغارقة في الرمال وتلك حكاية أخرى.

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 15-09-2014 الساعة 04:58 AM
  14.  
  15. #83
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    أبوهشيم البيوت الغارقة في الرمال


    عندما يبلغ القطار ابوهشيم يبطئ سرعته عادةعند خور أمور ذلك الوادى الضخم المنحدر نحو النيل بعد رحلة طويلة من شرق السودان والهضبة الأثيوبية ليرفد النيل بمائه الوفير في أبوهشيم، هناك ادرك الانجليز حين بنوا السكة حديد قوة ذلك السيل المنحدر في كل عام وخطورة تحديه فأقاموا جسرا ضخما في خور أمور بالخرصانة المسلحة واعمدة الصلب حتى لايقطعوا الطريق على السيل المنحدر ، بحيث يعبر القطار فوق الجسر على ارتفاع قد يبلغ الخمسة عشر مترا من الأرض، ليضمنوا بذلك ان تمضى المياه تحت الجسر بلا عوائق ويمضى القطار فوقه بأمان دون ان يعترض السيل سبيله في أوآن ثورته، هذا الدرس العظيم لم تفهمه السلطة الوطنية فجاءت في بداية الألفية الثالثة وشيدت طريق أسفلت بين عطبرة وأبوحمد وسدت طريق خور أمور بطريقة خاطئة ظنتها قادرة على كبح جماح المارد، فتسببت بفعلها الطائش فى أن يقوم السيل باغراق اجزاء عزيزة من أبوهشيم قبل عامين محدثا خسائر جسيمة ماكانت لتحدث لو أخذت سلطتنا الوطنىة الحكمة من المستعمر البريطانى الذى ترك لها الجسر عند خور أمور كدرس نافع وينبوع للحكمة، عودا الى ذكريات التنقل كنا ندرك ان القطار قد بلغ حدود أبوهشيم وطرق أبوابها بمجرد ابطائه لسرعته
    ومن ثم نسمع صوت العجلات يتغير وهو يمر فوق علب خور أمور التى لدينا معها ذكريات حطيرة في عطلات سابقة حين نجئ الجسر ونرقد عليه وننصت علنا نسمع صوت قطار بعيد قادم،نعرف المنطقة جيدا، نعرف حتى الأعراب القاطنين عند الخورمن جهة الصحراء وهم اولاد ود حمود من عرب البشاريين الذين تربطهم بأبوهشبم خيوط كثيرة وعلاقات كثيرة،نعرف شجر الطندب والعشر والجسر الآخر الصغير قبالة الضياباب وقبل بلوغ المحطة والسوق، نعرف مشارع النهر واحدا واحدا، وشجرات الدوم قبالة مشرع الضياباب وتلك التى عند المحطة، انظر عبر شباك القطار على أرى ابناء خالى أو أحدهم مسابقا للقطار على صهوة حماره ليبلغ المحطة قبله أو معه، أود لو أصيح في قلب القطار ( هذه أبوهشيم بلدى واجمل بقاع الله مهما غمرتها الرمال وطمرتها)، انظر عبر النافذة أرى وجوها أعرفها ووجوها لا أعرفها على جانب الرصيف، أرى النادى خاليا من رواده فالوقت بدايات الصباح، شجرة الدوم التى تعانق بطولها السماء عند المحطة مكتظة بالحمير، وهذا يعنى ان القطاريحمل في جوفه كثير ممن سينزلون هنا معنا في ابوهشيم سواء كانوا يقصدون غربها أو شرقها،نهبط من القطار على عجل، اتعثر وانا اتلفت حولى باحثا عن المستقبلين وبصرى معلق باخوتى وأمى حتى لايأخذهم القطار المتعجل للرحيل معه،اتنفس الصعداء حين نمسي كلنا على أرض المحطة ونلوح باشارات الوداع لاسرة قاسمناها الرحلة من الخرطوم حتى ابوهشيم وتركناهم في جوفه ليواصلوا رحلتهم حيث (أبوهشيمهم الأخرى)
    كما كانت تقول أمى حين نسألها ونلح في السؤال عن وجهتهم فتقول لنا بلهجتها المميزة( كل زول بي اب هشيمو..ماشين لى أهلم(تقصد أهلهم)). الجميل ان الرحلة من المحطة لى (تحت)_ يعنى للبيوت_ تكون مشيا على الأقدام أو على ظهور الحمير إن كنت محظوظا، فليس هناك تاكسي هناك وان وجد فلن يستطيع شق تلك الرمال الا اذا امتلك أجنحة، لذلك كنا نشق الطريق نحو البيوت في الضياباب حيث أهلنا، ويصادف أن تكون هناك زراعة فنشق الحقول الخضراء، حتى نبلغ تلك البيوت الطينية الغارقة في قيزان الرمال هى ونخيلها. تبدأ المقارنات بين (هنا) و(هناك) و(نحن )و(هم) منذ الوهلة الأولى، طريقتنا في ركوب الحمير مضحكة ومثيرة للسخرية عندهم، لهجتهم المختلفة تستوقفنا ونجد صعوبة في فهم بعض العبارات، يقف عراقي الدمورية شامخا في مواجهة البنطلون، قدرتهم صغارا وكبارا على السباحة واستهانتهم بالأمواج وخوفنا من النهر في المقابل، والطريف اننا ننحدر من المكان نفسه والجذور نفسها، نحن ولدنا هناك وهم ولدوا هنا، نحن نشأنا هناك وهم نشأووا هنا،كنت أحب خالى ود الحسين حبا لاحدود له، فهو الوحيد الذى يتقبلنا كما نحن، يأخذنى على ظهره ويسبح كتمساح في النهر ثم يفلتنى ويطلب منى أن اسبح وهو يضحك، يتملكنى الرعب، اضرب الماء بهلع ، يضحك وهو يراقبنى كالصقر، ثم يأخذنى مرة أخرى، تلفنى الطمأنينة وشيئا فشيئا اعود على النهر. ولكن هيهات ان استطيع ان اسبح كما يسبح هو وأولاده وبناته، فهم يسبحون كما يتنفسون.



  16.  
  17. #84
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    أبو هشيم والسرد على الهواء الطلق
    في أبوهشيم حين يستقر بنا المقام نكتشف للتو اننا تحت عيون فاحصة ومدققة أينما ذهبنا،وكنا نرد على ذلك بالمثل ، فكل شئ تقع عليه أعيننا موضع سؤال وبحث وتمحيص وفضول لايشبع، هكذا كانت رحلتنا الى هناك حوارا صاخبا بين ثقافتين، ثقافة محتمية بالمكان متأثرة به وملونة بملامحه ومؤثرة عليه والمكان بدوره محتمى بها، وثقافة أخرى واردة من خارج المكان، لكنها بشكل ما تحمل بعض ملامحه، ثقافة هجين مطرودة من المكان كغزال شارد، لكنها لاتنفك تؤوب اليه ويعاودها الحنين لمحاورة المكان ومغازلته وهى لما تزال مسكونة به، كان الإحساس بالإختلاف سيد الموقف بين الطرفين، كنا نشعر بالزهو والفخر بالانتماء للمكان، لكن الإحساس بالاختلاف يملؤنا ويسد علينا الأفق، لهذا السبب كانت أيام العطلة سفرا مدهشا في عالم ملئ بالحكايات وشاحذ للخيال بلاحدود، فأبوهشيم مكان معطون في الحكايات ويدمن أهله الحوار الشفوى المتدفق سردا ووصفا بديعا، كل شئ هناك يصلح حكاية ومفتتحا لرواية لاتنتهى،فهنا تتناسل خيوط الحكايات بشكل مدهش، كل شحص في المكان هو في حقيقته حكاية تمشي بين الناس وتكتب بنفسها في كل ثانية سطرا جديدا ومضى بحبكها نحو منحنى جديد، كل شجرة نخيل هنا هى خزانة اسرار وكتاب تاريخ ينبض بالصراعات والحكايات والخيبات والانتصارات، وهى مثل الناس تصارع الرمال وتمد جذورها نحو النهر وتستغيث به كى تكافح شظف الحياة وتمد مائدتها للطير والسابلة فليس فيها شئ لايقدم نفسه لبنى الأنسان وكائنات الطبيعة ويضع نفسه تحت خدمتهم، فهى حين تتقاعد تمسي سقفا للمنازل أو حطبا للحريق أو سعفا لصنع السلال والبروش، ومثل النخلة كل شئ آخر في أبوهشيم: النهر المتمدد بقلب الصحراء كتمساح يمارس شقاوته فيهب الناس أسباب الحياة ، ويثور فيحصد أرواحهم وأرواح نخيلهم ومواشيهم أحيانا أخرى، فالنهر تاريخ الحكايات ومنبع الأساطير والكرامات والخيرات، كل حقل، كل نوع من القمارى أو العصافير، وحتى قضبان السكة حديد، وقيزان الرمال الذهبية، كل شئ هنا له حكاياته الى لاتنتهى وبريقه ومكانه في قصص الناس وسمرهم، كانت الحكايةتروي في أبوهشيم بألف طريقة وطريقة، بلا سيف مصوب نحو الرقاب كما هو الحال في الف ليلة وليلة، بل يتفنن الناس هنا في السرد على الهواء الطلق،تروى الحكاية من المنبع الى المصب أو بالعكس من الخاتمة الى البداية، أو كيفما أتفق، من وسط الحكاية أو أى موضع فيها،فالسرد هنا مهارة يتلذذ بها الرواة والسامعين معا ويتفننوا في تجديد طرائقها وتنويعها، فتسمع القصة عشرات المرات، وتبدو لك القصة نفسها في كل مرة قصة جديدة مغايرة لسابقتها، مهتديا بهذه التقنيات الروائية المتجذرة في المكان كتبت روايتى( الرمال يافاطمة) التى تتعدد فيها أصوات الرواة ومواقعهم، فالرواية ليس بها راو عليم أو مهيمن أو ممسك بكل الخيوط، بل تتوزع الحكاية على أكثر من راو، ولها أكثر من بداية ونهاية. فهكذا يفعل أهل المكان وهم يكتبون الحكايات على الهواء وهم في طريقهم الى السوق على ظهور الحمير أو راجلين، وهم في مجالس القهوة (مكوعين) بمزاج ، وهم في تجمعات الأفراح أو الأحزان، وهم عند ضفة النهر، أو معلقين بأعالي النخيل، أو وهم (يعزقون) الأرض فجرا لزراعتها ،في كل أحوالهم هم يمارسون سردهم الجميل بلا توقف، ويكتبون كتبا لم يقرأها الا السامعين فقط. هكذا كانت الرحلة الى هناك منبعا فريدا للحكايات ومدرسة مفتوحة لتعلم السرد وطرائقه ومشروعا دائما للكتابة، بدءا بالسرد الشفوى لرفاق الطفولة والصبا حين نعود الى المدينة، وسردا لابناء ابوهشيم عن المدينة، ثم تقدم مشروعى الروائي خطوات واسعة بفضل القراءة والكتابة،وولجت واعيا عالم السرد المكتوب الذى غزته لدهشة ولوعة الغياب القسري للاحباب الذى حدث لاحقا ابتداء من رحيل اختى الصغيرة انتصار مرورا بمقتل طه يوسف عبيد، وهكذا التحمت خبرات الطفولة والصبا مع كل شئ وتحول الأمر الى حمى الكتابة ومنبع دائم للحكايات.

  18.  
  19. #85
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    سوف اعود للتنقل في الكهوف السحرية مجددا

  20.  
  21. #86
    وسام التميز الثقافي

    Array
    تاريخ التسجيل
    Aug 2014
    الدولة
    أم درمان / الثورة
    المشاركات
    528

    كم أنت ماتع ومابك من كثب تحويها الرمال

    شكراً لأني أرمقك كسندس يطل في الأفق
    ورونقاً من الشفق ونخلة على الوهاد ساعة الغسق .

    لِم كلّما أوغلت في عينيك يقتلني الظمأ
  22.  
  23. #87
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    شكرا ابا ايثار على مرورك هنا

  24.  
  25. #88
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    عاما سعيدا للجميع

  26.  
  27. #89
    المشرف العام والمدير الفني
    Array الصورة الرمزية ahmed algam
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    الدولة
    ودمدني- القسم الاول
    المشاركات
    40,763

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صلاح سر الختم علي مشاهدة المشاركة
    عاما سعيدا للجميع
    ان شاء الله نتمناه عاما ملئ بالابداع
    شكرا مولانا صلاح سر الختم

  28.  
  29. #90
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اشتقت اليكم والي كهوفي

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
by boussaid