صور من ألبومات الذاكرة
صورة رقم 2
429667_10150609586906801_2026750373_ابراهيم بوب.jpg
ابراهيم عبد الرحيم ابراهيم شاويش الشهير باللقب (بوب)
شاب سوداني بسيط وعميق من ابناءمنطقة جنوب كردفان محافظة الرشاد منطقة ابو كرشولا وتيري حيث مسقط رأس ابيه واجداده ولكن الفتي الاسمر الجميل ولد في بيت صغير من بيوت اللاماب بالعاصمة الخرطوم وفتح عينيه علي الحياة هنالك في ذلك البيت الصغير الكبير بالمحبة بين افراده والقيم المستوطنة بأهله، الفتي شب هنا وقلبه مثل كل اهل السودان متعلق بالجذور التي ظل يقطع الطرق اليها بلا كلل في سنواته الثلاثين ولكن محبته للجذور لم تمنعه من الانفتاح علي حياته في عاصمة وطنه حيث شب وترعرع محبا للناس ودودا خدوما مكافحا من اجل لقمة العيش منذ الطفولةومحبا للموسيقي بشكل مميز حبا لم يقف عند الاستماع والتذوق بل شمل العزف علي الات موسيقية مثل الجيتار والبيانو،اكمل دراسته الثانوية بمدرسة علي السيد بالصحافة واكتفي بتلك الشهادة السودانية، لكن طموحه فيما يتعلق بالموسيقي بقي يعانق حدود السماء فانخرط بمركز شباب السجانة ليتعلم العزف علي البيانو ويجود عزفه علي الجيتار، كان يقضي سحابة نهاره متنقلا في اعمال شاقة لكسب العيش فهو خراط ماهر وسباك ماهر وخبير في توصيلات الكهرباء وهو يباشر اعمال صيانة واعمال يدوية مختلفة فالرجل مصنع مواهب لايستعصي عليه شئ وله خيال علمي واسع يجعله قادرا علي ابتكار الحلول والمعالجات ببراعة تثير دهشة كل من يكلفه بعمل، وهو يهتم دوما بتحقيق النتيجة المرجوة منه اكثر من اهتمامه بالنقود والعائد، رجلا بشوشا كثير الابتسام قليل الكلام حاضر ا دوما ولايرفض لجيرانه ومعارفه طلبا حتي ولو كانت تلك هي المرة الاولي التي يباشر فيها ما كلف به
وكان طموحه كبيرا فهو ينتظم في دراسة منتظمة لتحسين لغته الانجليزية باستمرار مستعينا باخيه الاكبر هشام المتخصص في تلك اللغة
جمعتني بابراهيم واسرته الجيرة حين سكنت حي اللاماب وكان من حسن حظي انهم جيراني بالحيطة
جيران لاتسمع منهم الا ضحكات صافية تعانق السماء حين يجتمعون في حوش المنزل الملاصق لحائطي وكأنهم يتسامرون علي ضوء القمر في قلب الخرطوم الغارقة في الاضواء
كانت اصواتهم وضحكاتهم تجذبني الي ايام جميلة عشتها في حي 114 حيث نشأت حيث الكل يعرف الكل بالاسم والكنية
وحيث الدخول بلا استئذان
والضحكات تعانق السماء
والجيران جيران
والوجوه صافية
والمودةهي الخيط الرابط
كنت اتوق
دوما الي الانضمام الي ذلك السمر البرئ
وهكذا عرفت بوب ووالده الشيخ الذي تراه دوما في طريقه الي ومن المسجد عند الآذان وعند الفروغ من الصلاة
رجل ضئيل البنية
طويلا
حين يبتسم يغدو وجهه وجه طفل هو وحه ابراهيم نفسه فابراهيم دون اولاده يشبهه شبها جما حتي في محبته للصلاة
ففي يوم رحيله الفاجع افتقدته النسوة
وتساءلن عنه فوجدنه منهمكا في صلاة خاشعة
وكان ذلك قبل الرحيل المر ربما بدقائق
هل تري كان القلب يدري انها الصلاة الاخيرة؟
كان صديقي
وجاري
كنت اهرع اليه في الكبيرة والصغيرة طالبا عونه
فيجئ هاشا باشا كجندي تلقي امرا من قائده
ولايغادرني الا والصعب بات سهلا
والمتعطل
هدر بالحياة
كنت استمتع بمجاذبته اطراف الحديث
فقد كانت له طريقته الفريدة في عرض الاشياء وسردها
كانت حكاياته خليطا من حياته اليومية
وما يصادف فيها من انواع البشر
القساة الذين يجعلونه يعمل كثور في ساقية ثم يجحدونه ويلقون اليه دراهم قليلة لاتتناسب وجهده لالشئ الا كونه لم يفرض شروطه ولم يساوم مسبقا عندما كانت حاجتهم رعناء
لكنه كان يضيف دوما للحكاية
حكايات جميلة عن اناس طيبين
يعطونك ما تستحق واكثر منه ويفيضون عليك كلاما طيبا
واعتذارا
كان يري هولاء ملائكة تستحق الحياة لاجلهم غفران كل شئ لنقيضهم
وكانت احلامه تتسلل بين سطور الحكاية بطريقة أو اخري
كان مثقفا ثقافة عالية تجعلك تشعر بالخجل كونك طلبت منه اداء عمل صغير لايتناسب وتلك الثقافة وتلك الاحلام
لكنه كان متصالحا مع ذاته بشكل مدهش
وحين يتحدث عن جذوره يتوهج وهو يصف الطبيعة والحياة والناس
كنت اتمني دوما ان اراه وهو يعزف او يغني
كنت اتمني لو اننا كنا في ذات السن حتي نرتاد الاماكن نفسها ونتحدث سويا عن احلامنا بلا حواجز كالتي نسجتها الحياة بيني وبينه
انا القاضي وهو العامل
انا الكبير وهو الصغير
وثمة تفاهات اخري تنتصب
كنت قادرا علي تجاوز ذلك كله حتي اعرف هذا الانسان الجميل نادر المثال واتطفل علي احلامه واحصل علي سر تلك الابتسامة الصافية الدائمة وتلك القدرة علي رؤية الجميل والتغاضي عن القبح طوعا
هو كان قادرا لكن ادبه كان يمنعه من تجاوز خطوط مرسومة
بوب عاش حياته ببساطة ومضي في هدوء ، كانت احلامه بسيطة وعظيمة: ان يعرف اللغة الانجليزية باجادة تمكنه من الالمام بفن الموسيقي ومعاني اغاني احبها كثيرا، وكان يحب العزف والموسيقي لانه يحبها وليس لاي سبب آخر، لم يكن يريد ان يصبح مشهورا او ثريا، كان معجبا بحياته كما هي وراغبا في تزيينها بما يحب، كان يحب الزراعة وبالذات الزهور والموسيقي والناس،لم يهتم كثيرا بالفقر والغني
انا متأكد من ان نباتاته التي غرسها في ذلك البيت الصغير تفتقده وتشتاقه مثل الناس
.................................................. ...
في يوم الرحيل خرج ابراهيم بشعره المضفر
ووجهه الباسم
وقبل الوداع طلبت منه الوالدة
أن يأكل شيئا لكنه رفض
قال انه ليس جائعا
صب عطرا في يدها بلا مناسبة
وودعها
وخرج
ماكانت تدرك ان تلك الرائحة هي ما سيبقي او لايبقي منه
كان علي موعد مع صديق يعمل في نقل المياه بعربة مخصصة لذلك الغرض
كان الصديق متجها الي حي الانقاذ
طلب منه مرافقته ففعل
فهو لايرفض طلبا
انجزا العمل
تناولا القهوة والشاي
وانسحب ابراهيم فصلي صلاته الاخيرة
وصعد في العربة
ثم دفعته شهامة للنزول ليساعد صديقه في الرجوع خلفا
عند النزول تعثر
الرجل الشهاب
وسقط
وداسته العربة
نهض واقفا
نهوضا اخيرا ثم هوي كنخلة وقبل الارض للمرة الاخيرة
صعدته روحه الطيبة الي السماء
واتجهت احلامه
الي الارض
لتبذر بذورا لاتموت
ولاتكف عن التجدد
والتكاثر
كما اراد لحياته
القصيرة
ان تمتد
بهذ اللوحة الاخيرة
التي جسدت حياة كلها بذل وعطاء
بسخاء
حتي
آخر رمق
وتلقت أمه النبأ برباطة جأش غريبة
ظلت تطرق البيوت لتخبر الناس بنفسها بعبارة ملتبسة
...قالوا ابراهيم مات
وتحكي عن عطره في يدها الذي مافات
وتغالب الدمعات
.................
مضيت وحدك ياصديقي
مضيت وحدك
ولن يكون وجهك الطيب حاضرا في مقبل الاعياد
لن تطرق الباب بعد الصلاة مباشرة
لتهنئ بالعيد
ولن
اسافر مطمئنا ككل مرة استودعك فيها بيتي
لن اسمع صوتك تنادي صلاح الصغير
وربما لن اسمع ضحكات اهل بيتك الصافية الي حين
لكن
ياصديقي
احلامك ستبقي
تحلق كحمامة
وابتسامتك
تبقي
علما وشارة
لرجل
نادر المثال ، نبيل الخصال
لك الرحمة
وأسال الله ان يغفر لك ويرحمك
ويغسلك من الذنوب
ويتقبلك مع الصديقين والشهداء
وداعا صديقي ابراهيم بوب
المفضلات