مواسم السفاد
( 1 )
القرية مثلها مثل قرى المنطقة تنام جوار النيل تلتمس عنده الأمان و يلتمس عندها الصحبة, يودعها أسراره و يحفظ أسرارها , ندامة سمارها و تأوهات عشاقها, لا يفضح النيل سرا ولا يذيع ذنبا , فقط يفيض في كل عام ليغسل بعض الخطايا و يطهر الأرض ثم ينسحب بعد أداء الواجب المقدس .
عند ( سعاد ) لم تك تلك الليلة مثل بقية الليالي التي طالما تواعدت فيها مع ( عباس ود العمدة ) , فاليوم عندها يوم حسم و تحديد مصير , فما لها من شهود إلا الليل و النيل و ستر جرفه ما بين رمل و نوء ضفاف ...............................................
سعاد : واا فضيحتي آآ عباس .. بقا لي شهرين و إت لساك ما عملت شي!
عباس : الصبر الصبر...
سعاد : مضغت الصبر لبان آآ عباس لمتين بدور أهلي يكتلوني !!!
عباس : أبوي ما راضي آآ سعاد و بخاف زعلو......!!!!!!!
كان الموسم سفاداً , فلم يكن مستغربا أن ترى قطيعا من ذكور الكلاب ينزو إلى أنثى , يصارع بعضه بعضاً ,, وكانت ( سعاد ) تخاف الكلاب ,,,,,,,,,,,,,,,,,,
سعاد : هش الكلاب لا غادي آآآعباس
عباس ( ضاحكا ) : و أنا البهشني منك منو ؟؟؟
كانت كلبة ( الشول ) تتقدم الكلاب خائفة و راغبة كأنها تشتهي و لا تشتهي فقررت أن تضع الكلاب في سباق فيفوز بها من يفوز بالسباق .
( 2 )
عند ما دنت كلبة ( الشول ) من مكان ( عباس ) و ( سعاد ) توقفت فجأة و نظرت ناحيتهما فلاذت ( سعاد ) خوفاً بصدر ( عباس ) و قالت بصوت مرتعش :
دحين دي ما كلبة الشول خابراها بتكرهني زي ستها .
كان بين بيت ( الشول ) و بيت أهل سعاد شارع ضيق و كان والد ( سعاد ) حاج الصديق في حياته صديقا ل ( حاج السنهوري ) زوج ( الشول ) وكان حاج ( السنهوري ) يطل أرملة صديقه و ابنتها متفقدا و كان يطيل المكوث بينهما , فشاع في القرية أنه مصاحب _عشيق_ أرملة صديقه المرحوم. وكانت تلك الشائعة أرض صالحة لنمو بذرة الكراهية بين ( الشول ) و ( الرضية ) أم سعاد و ذاد في ذلك جمال ( الرضية ) الذي يضرب به المثل فقد كانت أيقونة الجمال في القرية , هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة , لونها كالقمح عند الحصاد , ومعلوم أن كل رجال القؤية مفتون بها , حتى أن (( النور ود السماني )) العوير أقسم ذات مرة أنه _ زرّ_ شيخ ( حمدان ) إمام المسجد يسالم الرضية _ مقالدًاً_
( 3 )
دفعت ( سعاد ) نفسها بعيدا عن( عباس ) الذي كان قد استغل لحظة خوفها من الكلبة و بدأ يمطرها بوابل من القبلات في أكثر من مكان من جسدها المملوء فتنة و إغراء ......
: لا لا آآآآ عباس تاني إلا بالحلال
: ما ياكي حلالي و الله شاهد
: أسترني يا عباس بطني فضحتني
ينتفض ( عباس ) واقفا و قد تكدر مزاجه بعد أن غادره السفاد فارتخت عضلاته و هدأت أنفاسه , وتقدم نحو القرية سابقا سعاد ببضع خطوات .
لم يكن ( عباس ) قادرا على مواجهة سعاد بما ينتوي فعله فقد سبق سيف أبيه العمده عذله و صدر الأمر بمغادرة ( عباس ) القرية لحين غير معلوم و مكان غير معروف .
(4)
كان المخاض قاسياً علي (سعاد) قساوة خيانة (عباس) الذي باعها للأسي تكابد مصيرها وحدها ، شهران وهي حبيسة غرفتها أنيسها الندم وكليمها الألم ، صابوها عين ، شلل مفاجئ وغير ذلك كثير من الأعزار .
وحدها تصدت (الرضيه) لولادة (سعاد) في ركن قصي من بيتها حتي وضعته (ولداً) تبارك الله في خلقه ....
الرضيه (باكيه) : الله ماكاتب ليك عيشه في الدنيا آجناي .
سعاد (متعبه مرهقه) : بتدوري تكتليهو يا (أمي)
الرضيه : نعمل شنو آبتي الستره والفضيحه متباريات
سعاد :- خليهو يا أمي ..... خليهو يا أمي
خليهو يا أميُ (ثم تغيب عن الوعي)
* * *
(5)
كانت (الرضيه) ترتجف كالمحمومه ، قشعريرة تسري في جسدها ، وهي تتجه نحو التله خارج القريه ... فالجبل معلوم أنه مسكون ولطالما سمعت روايات عن الشيطان (أبولمبه) الذي يسكن الجبل ويظهر لأهل القريه في الليالي الظلماء ....
ولكن لابدً مما ليس منه بد فتقوت وتوكلت عندما سمعت أذان الفجر فالأذان كما قال لها (شيخ حمدان) يطرد الشيطان , وعلي حافة التله وضعت الوليد وعادت مسرعة إلي القرية .
: جر .. جر ... جر
كادت (الرضيه) تموت خوفاً عندما رأت كلبه تتجه نحو التله
* * *
واحداً بعد واحد وضعت كلبة (الشول) حملها علي حافة التله جوار (وليد سعاد) ، ثم أخذت تتطعمهم جرواً تلو جرو فتلعق بلسانها الوليد وليد سعاد .
* *
* * *
(6)
في كل قرية عبيط وعبيط هذه القرية (النور ود ا لسماني) اختلف النِِاس في وصفه فأهله يقولون أنه من أولياء الله الصالحين يحمل سر الاسم الأعظم ويلبس عليه جبة العوارة ، أما عموم أهل القرية فيصفونه بالنور العوير إذا لم يكن بينهم أحد من أهله حاضر , و بالنور الدرويش في حضور أهله . ولكن لا أحد في القرية يعلم ماذا يفعل (النور ودالسماني) كل ليلة جمعه ومساءً خميس عند الجبل المسكون .
• * *
سمع المصلون داخل المسجد صرخات (النور ودالسماني) .
: الشيطان ... الشيطان ... الشيطاااااااا ن
لم يلتفت أحد فقد كانوا منهمكين في قراءة (راتب الفجر) من بعد الصلاة
ولازال النور : يصرخ الشيطاااااان ........ الشيطاااان ولازال صوت الصرخات يقترب حتى دخل (النور) إلي المسجد يصرخ ويرتعد ثمً سقط علي الأرض مرتجفاً كصاحب صرع وهو يردد : الشيطاااان
نظر إليه شيخ (حمدان) بنظرة لاتخلو من شماتةٍُ
ثم قال :
بسم الله الرحمن الرحيم وفي قلبه أضمر (هو في شيطان غيرك؟ )
ثم تلا : آية الكرسي
وتجمع كل من كان في المسجد حول (النور ودالسماني) المسجي علي الأرضية مرتجفاً ، وأنسل من وسط الجمع عمه (عبد الله ودالنور)
: ترو آ ناس لغادي خلو الجنا يشم الهواء
ثم أضاف :
: الله أكبر الله أكبر مالك آ المبروك ، مالك آ المجذوب
نظر إليه (النور ودالسماني) بعينين زائغتين
: الشيطان يا عمي .. جنا ابن آدم وسط الجر يوات يرضع في أمهن
وهمهم الجمعُ مستنكراً ما سمع ،
وضحك
الجمع فأغضب (عبد الله ودالنور) فما كان منه إلا وأن فك عمامته وحزم بها وسطه
: البتضحكو فيهو ده من أهل الله وصاحب سر والمكضب والمصدق اليمرق معاي علي الجبل تشوف بعيننا شن حاصل
* * *
(8)
كانت الشمس تسجل حضورها بعد ما انتهت من لملمة بساط الليل الممدود علي سفح الجبل ، وكان الجمع يتحرك نحو التلة بأنواع من الخطوات مختلفة ، خطوة يقين وخطوة خوف وخطوة تتبع الجماعة .
لاشئ في التله سوي الصمت ورهبة المكان
: ياشيخ عبدالله قلنا لك مافي شي أرجعاك ساي
عبدالله : الدرويش ما كضب لكن الشيطان ما بحمل النهار
يسمع الجمع صوت جراء يصدر من أحدي حفر الجبل وينطلق (عبدالله ودالنور) نحو الحفرة ويدفع برأسه نحو الحفره فيري (الجنا) بين الجراء فيرتد إلي الخلف صائحاً
: بسم الله الذي لا إله إلاهو الحيً القيوم
: الشيطان .... الشيطان
ويركض الجمع فزعاً نحو القرية
* * *
وكثر الحديث عن (جنا الشيطان) بين أهل القرية وبني الخوف جدران من الرهبة علي قلوب أهل القرية
المشهد الأخير
كل القرية الآن حضور عند التلة , نساء و رجال و أطفال لشهدوا إعدام الكلبة و الجنا وفقا لفتوى شيخ حمدان الذي أعلن أن الجنا جنا نكاح بين ( زول ) و بهيمة
ولكنه لم يصرح بأسم الزول و إنما أشار مجرد إشارة إلى أنه مخبول و مرفوع
عنه القلم ,,
ها هو العمدة يعمر ( خرطوشه ) وقد رأى الجنا ممدد أمام الكهف , كما رآه بقية
الحضور , و لكنه لم يرى الكلبة و هي تتمدد برفق فوق الجنا حامية له ,, ولم
يرى تلك المرأة التي تصدت لطلقه صارخة ....
الكلبة أشرف مني و منك
وماتت ( سعاد ) مرة أخرى بطلق من ( خرطوش العمدة ) و أستعد النيل للرحيل
بعيدا ....
المفضلات