(كذلك كدنا ليوسف ، ما كان
ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله)
مكر الله تعالى و كيده على لا يخرج عن ضربين،
أحدهما و أغلبها:أن يفعل تعالى فعلاً خارجاً عن قدرة العبد
الذي كاد له; فيكون الكيد قدراً محضاً ليس من بابٍ لا يسوغ ,
كما كاد أعداء رسله بأخذهم بأنواع العذاب.وكذا كانت قصة يوسف.
أكثر ما أمكنه فعله أن ألقى الصواع في رحل أخيه ثم أذن مؤذن بسرقتهم.
فلما أنكروا قال: فما جزاؤه إن كنتم كاذبين أي جزاء السارق أو جزاء السرق:
أقروا بأن من وجد في رحله فهو جزاؤه أي جزاؤه نفسُ السارق ليتخذه المسروق منه
كسبية، كما في شريعة آل يعقوب . و لإعراب هذا الكلام وجهان ، أحدهما محمول على
استحقاق المسروق لرقبة السارق كإخبار عن معاقَب ، و بحكم حصري لا جزاء له غيره . و
القول الثاني مؤول على أن جزاؤه الأولى مبتدأ و خبره الجملة الشرطية . (من وجد في رحله)
المسروق هو عين الجزاء كقولنا: جزاء السرقة من سرق قطعت يده و جزاء الأعمال من كسب
حسنة فبعشر أو سيئة فبواحدة . و المقصود أن تجرية ذاك الجواب على ألسنة المتهمين كان
كيداً ربانياً بحتاً ليوسف وخارجاً عن طاقته ؛ إذ قد كان يمكنهم أن ينفوا وجود جزاءٍ عليه فيُعدُّ بريئاً
حتى تثبت إدانته ; فإن مجرد وجود شيءٍ في رحله لا يوجب ثبوت السرقة , و لكون يوسف عادلاً
بحيث لايأخذ الأمور جزافاً بدون حجة؛ كما كان يمكنهم أيضاً القول:يفعل به ما يفعل بالسارق في
دين مليككم بمصر: كأن يضرب السارق و يغرم قيمة المسروق مرتين , و لو قالوا ذلك لم يمكن
إلزامهم بما لا يُلزم به سواهم لهذا قال تعالى : ( كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في
دين الملك إلا أن يشاء الله) أي ما كان يمكنه أخذه في دين ملك مصر.إذ لم يكن في دينه
حُجِيَّة لأخذه , و على هذا فقوله تعالى : (إلا أن يشاء الله استثناء منقطع , أي : لكنإن
شاء الله أخذه بطريق آخر, أو يكون متصلاً أي
إلا أن يشاء الله ذلك) فيهيئ له
سبباً من الأسباب التي يؤخذ بها في دين الملك . إذاً، فقد كان المراد من
الكيد فعلٌ من الله بأن يُقيِّضَ لعبده المؤمن مقصوده في الاقتصاص
ممن باء بظلمه، بحيث يكون ذلك ضمن دائرة الحيل الشرعية
لا من حيل باطلة قد يتكلفها العبد لنفسه .حتى
ينتقل من خانة مظلوم إلى ظالمٍ لنفسه.
**************************
لعل في ذلك تنبيه
على بطلان الحيل ، إن كان
لنفسه كيداًمحرماً ; فإن الله يجعل
كيده في نحره و يعامله بنقيض مقاصده
و من طينة عمله,و هذه سنة الله في أرباب
الحيل الباطلة أو المشبوهة أنه لايبارك لهم
ما نالوه بطرق ملتوية, بل و يسلط عليه
مكيداً على يد من يشاء من جنده
الذين لا يعلمهم إلا هو
وكما تدين تدان.
**********
[/CENTER]
[/
المفضلات